عندما اختفت الشمس … داخل القاعة
انتهى الشياطين من مغامرة الشمس السوداء … لكن كانت هناك مغامرةٌ أخرى لم تنتهِ بعد؛ فقد كان عالِم الفضائيَّات «أماندوليون» لا يزال هدفًا لعصابة «سادة العالم».
لقد خرج الشياطين في مهمَّةٍ عاجلة من المَقر السِّري بعد أن شرح لهم رَقْم «صفر» ما هو المطلوب منهم. إن اجتماعًا عالميًّا سوف يُعقَد في مدينة «سان لويس بوتوس» في «المكسيك» لرَصْد ظاهرة كُسوف الشمس. وعرَف الشياطين أن كُسوف الشمس سوف يستمرُّ لمُدَّة سبع دقائق حيث تُظلم الشمس تمامًا، ويتحوَّل النهار إلى ليلٍ طَوال هذه الدقائق السبع.
وهذه أوَّل مرَّة في التاريخ يَحدُث فيها كُسوف الشمس لهذه المُدَّة الطويلة؛ فالمعروف أن الكُسوف الذي حدث ١٥ مرَّة فقط طَوال هذا القرن لم يكُن يستمرُّ أكثر من دقيقة أو دقيقتَين. إن العالِم «أماندولیون» هو المُشرِف على إقامة قاعدة الفضاء العربية، ولأن ظاهرة الكسوف التي سوف تَحدُث تُعتبر أوَّل مرَّة في التاريخ، فقد اهتمَّ بها علماء الفَلك والفضاء في كل بقاع العالم، وكان «أماندوليون» واحدًا منهم، غير أن عصابة «سادة العالم» قد وضعت خُطَّتها لخطف عالِم الفضائيَّات لتعطيل إقامة قاعدة الفضاء العربية. هكذا أرسل عُملاء رَقْم «صفر» تقاريرهم إليه.
ولهذا كان من الضروري أن يقوم الشياطين بعملهم سريعًا؛ ولذلك فعندما انتهى الاجتماع في المَقرِّ السِّري كان قد كلَّف رقم «صفر» خمسةً من الشياطين للقيام بالمغامرة، وهم «أحمد»، «باسم»، «رشيد»، «فهد»، «زبيدة».
وعندما انطلقوا في مغامرتهم ووصلوا إلى مدينة «سان بوتوس»، كان لا يزال هناك وقتٌ حتى يقع كُسوف الشمس، لكنَّهم اكتشفوا أن مؤامرةَ خطفِ عالِم الفضاء «أماندوليون» لن تقع في دقائق الكسوف، بل إنها سوف تُنفَّذ في نفس الليلة، وأن اتِّصالًا قد جرى مع «أماندوليون» من شخصٍ يُدعى «سانتيانا»، يُخبِر فيه العالِم أنه قد تَقرَّر عقدُ اجتماعٍ الليلة، وسوف يَحضُره العلماء في سِريةٍ كاملة، وأن سيَّارةً سوف تمرُّ عليه في مَقرِّه لتَصحَبه إلى الاجتماع.
وهكذا أسرعَ الشياطين للقضاء على الخُطَّة التي بدأت مُبكِّرًا؛ لقد استطاع «أحمد» أن يُخفيَ ملامحه خلف الماكياج ليكون هو شخصيَّة «أماندوليون»، وتمَّ فعلًا خطفه بطريقةٍ بسيطة؛ فعندما خرج في السيَّارة التي يقودها «باسم»، على أنه «أماندوليون»، كان «رشيد» يجلس بجِواره مُدَّعيًا أنه «باولو» مُساعِد عالِم الفضاء.
وهكذا خرَجَت سیَّارتان من سيَّارات العصابة تحرس سيَّارة الشياطين في الطريق إلى حيث يُعقَد الاجتماع المزعوم. وعندما خرَجَت السيَّارات الثلاث من مدينة «سان بوتوس» في حوالَي الثالثة صباحًا ليلةَ كُسوف الشمس، كانت العصابة تظنُّ أنَّها قد نجحت في خطف «أماندوليون»، دون أن تعرف أن الشخصيَّة الموجودة في السيَّارة هي شخصيَّةُ واحد من الشياطين. وعند مَطلَع الجبل الذي سوف تَصعَده السيَّارات حيث تَقرَّر أن يختفيَ «أماندوليون» بعد خطفه، استطاع الشياطين أن يتخلَّصوا من أفراد العصابة بالقضاء عليهم، وعادوا إلى حيث سيُعقَد المؤتمر العالميُّ الكبير لرصد الشمس لحظةَ كُسوفها …
كان «فهد» و«زبيدة» في مركز العمليَّات، ثم انضمَّا إلى بقيَّة الشياطين ليُسرِعوا إلى حِراسة «أماندوليون» وهو يَحضُر المؤتمر.
كانت الساعة الحادية عشرة هي ساعة الكسوف المُنتظَرة، وكان الشياطين يجلسون في مكانٍ قريبٍ داخل القاعة الواسعة المُجهَّزة بالأجهزة العلميَّة لتسجيل لحظة الكسوف، بينما كان «أماندوليون» يجلس في مُقدمة مجموعة العلماء. كان ضوءٌ هادئ يُغطِّي القاعة الزجاجيَّة التي سيَتمُّ منها رصد الشمس، وكان «أحمد» يُلقي بنظراته في أرجاء القاعة وكأنَّه يقوم بعمليَّةِ رصدٍ أخرى لكل حركة فيها.
كان العلماء، بشعورهم البيضاء التي في لون الثلج وبنظراتهم الخبيرة المُجرِّبة، يتهامسون في وقارٍ يجعل الهدوء هو الصِّفة الغالبة في المكان. في نفس الوقت كان بقيَّة الشياطين يفعلون نفس الشيء … ملاحظة كل حركة، غير أن «أحمد» كان يُفكِّر في شيءٍ آخر حتى إنه مُستغرِق فيه تمامًا.
قال في نفسه: إن العصابة لن تستطيع خطف «أماندوليون» في دقائق الكسوف ما لم يكُن هناك عملٌ آخر!
نظر حوله يَرقُب الشياطين، ثم توقَّفَت عيناه على وجه «زبيدة» التي كانت تتحدَّث إلى «رشيد» الجالس بجِوارها. كان وجهها يبدو رقیقًا هادئًا وسَط هذا الجو المشحون وطبيعةِ المغامرة الصعبة التي خرجوا إليها، والتي قطَعَتها مغامرةٌ أخرى تعرَّضَت هي فيها للخطف، لكنَّ الشياطين استطاعوا إنقاذها بعد صراعٍ مَرير.
عادت عيناه تَعبُر القاعة من أقصاها إلى أقصاها، ثم توقَّفَت عند وجه أحد الحُراس. قال مُفكِّرًا: من يدري؛ قد يكون هذا الحارس أحد أفراد عصابة «سادة العالم»، بل … قد يكون بين هؤلاء العلماء علماء مُزيَّفون دسَّتهم العصابة داخل القاعة حتى يُمكِن تنفيذ خُطَّة الخطف …
مرةً أخرى أخذت عيناه تَجُوب القاعة في اتِّجاه أماكن الحرَس الذي كان ينتشر في أرجائها. فجأةً خطرَ في ذهنه خاطر: هل ستظلُّ القاعة مُضاءةً في لحظة الكسوف، أم إنه سوف يَحدُث إظلام لها أيضًا؟ …
أخذ يُقلِّب الأمر في ذهنه ثم تَوصَّل إلى نتيجة: إن العصابة لن تستطيع خطف «أماندوليون» إذا كانت القاعة مُضاءةً، أو رُبَّما يَحدُث هجومٌ كبير على القاعة كلِّها.
توقَّف عند هذه النقطة لحظةً ثم استمرَّ في التفكير: لا بد من تأمين مَصدر التيَّار الكهربائي الذي يُضيء القاعة حتى لا تَحدُث مفاجأة.
نظر في ساعة يده … كانت تقترب من الحادية عشرة؛ هذا يعني أن لحظة الكسوف سوف تقع بعد قليل. كان الصمت قد شمِل القاعة كلَّها تمامًا … وبدأت أنظار الجميع تتَّجه ناحية الشمس التي كانت لا تزال في وضعٍ بعيد عن مَركز الأرض، فلم تتوسَّط السماء بعد.
فكَّر «أحمد» في القيام من مكانه، لكن كيف يتحرَّك في هذه اللحظة وكلُّ شيء ساكنٌ حتی العلماء؟ نظر في اتِّجاه الشياطين الذين كانوا يجلسون في حالة تَحفُّز؛ فقد اقتربَت اللحظة الحاسمة.
فكَّر بسرعة: إن مصدر التيَّار الكهربائي لن يكون في نقطةٍ واحدة؛ فلا بد أن هناك استعدادات لحدوث أي شيء، كما تُوجَد أيضًا مُولِّداتٌ كهربائيَّة خاصَّة … بالمكان، وتعمل تلقائيًّا عند انقطاع تيَّار المصدر الرئيسي للمدينة كلِّها؛ وهذا يعني أنه لا بد من تأمين المَصدرَين معًا …
تَجوَّل بعينَيه في المكان، ثم ركَّز عينَيه على وجه «رشيد» الجالس في مكانٍ ليس بعيدًا.
نظر «رشيد» إليه وفهِم أن «أحمد» يُريده، لكن هل يُمكِن أن يتحرَّك الآن؟ …
عن طريق جهاز الإرسال الذي يستخدمه الشياطين، أرسل رسالةً سريعة بواسطة اللغة الخاصَّة للشياطين. كانت الرسالة تقول: «إن الانتقال مُستحيلٌ الآنَ في هذه اللحظة.»
ردَّ «أحمد»: «إن هناك عمليَّةً يجب الانتهاء منها الآن، وإلا فقد يَحدُث ما لم نكُن نتوقَّعه.» ثم أخذ يشرح ﻟ «رشيد» ما هو مطلوب. وعندما انتهى من الرسالة الطويلة التي كان يُرسِلها.
ردَّ «رشيد»: «هذه حقيقة.» وأنه سوف يتصرَّف …
عندما كان «أحمد» مشغولًا بمراقبة «أماندوليون»، حسَب توزيع المهمَّات على الشياطين وتبعًا للخُطَّة التي اتَّفقوا عليها، كان «رشيد» يقوم بمهمَّته الأخيرة التي كلَّف بها نفسه بعد محادثته مع «أحمد». لفت نظرَ «أحمد» أن أحد الحُراس يتحرَّك بهدوء في منطقةٍ تكاد تكون دائريَّةً أمام «أماندوليون».
في نفس الوقت كانت عينا الحارس تتَّجه إلى عِدَّة اتِّجاهات مُحدَّدة مُوزَّعة داخلَ القاعة. فكَّر «أحمد»: هل يكون هذا الحارس … مُكلَّفًا بخطف «أماندوليون» في اللحظة المُحدَّدة؟
وهل نظراته التي تتوزَّع في القاعة في عِدَّة أماكن هي نوع من اللغة بينه وبين أعضاءٍ آخرين في عصابة «سادة العالم»؟ …
نظر في ساعة يده؛ إن هناك ثلثَ ساعة بالضبط وتَدخُل الشمس منطقة الكسوف لتقع في ظل القمر، وبعدها تُظلِم الدنيا تمامًا. بدأ يتذكَّر ما قرأه في التقرير الذي كان رقم «صفر» قد سلَّمَه إليه.
كان التقرير يقول في فقرة منه: «عندما تُظلِم الدنيا سوف تَحدُث أشياء كثيرة، وسوف يملأ الخوف قلوب الناس.
فظاهرة الكسوف يعرفها «المكسيكيُّون» من قديم الزمان، وسوف تجري الحيوانات مُختبِئةً وسوف تَصمُت الطيور» …
قال في نفسه: إن الضجيج الذي سوف يَحدُث يُعَد فرصةً نادرة بالنسبة للعصابة؛ ففي هذه اللحظة يُمكِن نقلُ «أماندوليون» ببساطة؛ لأن أحدًا لن يهتمَّ بأحدٍ، كلُّ واحد سوف يهتمُّ بنفسه فقط …
نظر في اتِّجاه «رشيد» الذي كان لا يزال في مكانه لم يتحرَّك. تحدَّث إليه بواسطة جهاز الإرسال يسأله: ماذا حدث؟
ردَّ «رشيد» بأنَّه في انتظار رسالة.
فجأةً قال «رشيد»: إن الرسالة تَصِله الآن.
انتظر «أحمد» في تَحفُّز، كانت عيناه لا تزالان تُتابِعان الحارس الواقف قريبًا من «أماندوليون» … والذي كانت عيناه هو الآخر لا تزالان تتردَّدان في الأماكن المُوزَّعة في القاعة.
فجأةً جاءت رسالة «رشيد»: «إن مَصادر التيَّار الكهربي مُؤمَّنة تمامًا، ولا يُخشى حدوث أي شيءٍ مُفاجئ.»
كان وجه «رشيد» يبدو هادئًا مُبتسمًا، إلا أن «أحمد» الذي كان يراه جيِّدًا قال في نفسه: هذه ليست مسألةً مُؤكَّدة؛ إن العصابة سوف تستغلُّ المَصدر الرئيسيَّ للتيَّار … ولا بد أنها رسَمت خُطَّتها جيِّدًا.
کانت خمس دقائق قد انقضت … وباقٍ من الزمن ربع ساعة فقط وتَحدُث الظاهرة الغريبة، ويُظلِم كلُّ شيء …
نظر في اتِّجاه بقيَّة الشياطين. كان «فهد» قد رکَّز نظراته في نفس اتِّجاه الحارس القريب من «أماندوليون».
وكانت «زبيدة» بجوار «رشيد»، وفي نهاية القاعة حيث كان «باسم» يجلس هناك كانت حركةٌ هادئةٌ تتم؛ كان «باسم» يُغادر مكانه في هدوء. وتَردَّد في رأس «أحمد» سؤال: إلى أين يذهب «باسم» الآن ولم يَعُد هناك وقتٌ يسمح بأي تَصرُّف؟ …
فجأةً اختفى «باسم». أسرع «أحمد» يُرسِل رسالةً إلى بقيَّة الشياطين وهو يُراقِبهم. الْتَفتوا جميعًا إلى حيث كان «باسم» يجلس، ثم علَت الدهشة وُجوههم …
بدأت أضواء النهار تنسحب شيئًا فشيئًا، وفهِم الشياطين أن الشمس بدأت تغيب شيئًا فشيئًا … لتختفيَ وراء القمر.
في نفس الوقت علا الهمس بين العلماء الذين يملَئون القاعة … بينما كانت أجهزة الرَّصد تعمل لتسجيل هذه الظاهرة العجيبة.
فكَّر «أحمد»: إن درجة الحرارة سوف تنخفض بشكلٍ ملحوظ، ولا بد أن أجهزة التكييف سوف تعمل؛ لأن هؤلاء العلماء المُتقدِّمين في السِّن لن يحتملوا درجة البرودة التي سوف تَحدُث نتيجةَ اختفاء الشمس.
نظر في اتِّجاه «أماندوليون» في متابعة الأجهزة التي تعمل أمامه في نفس الوقت؛ كان الحارس قد اقترب أكثر من «أماندوليون» … ولم يكُن «باسم» قد ظهر بعد. نظر «أحمد» في ساعة يده؛ كانت تقترب من الحادية عشرة، حتى إنه لم تكُن هناك سوى نصف دقيقة.
وكان ضوء النهار في الخارج قد أصبح قريبًا من لون الغروب. وعندما دقَّت الساعة الحادية عشرة أظلمت الدنيا تمامًا؛ فقد دخلت الشمس في هذه اللحظة خلف القمر الذي حجب ضوءَها كلَّه.
وكما تَوقَّع «أحمد» منذ البداية؛ فلم تكَد تمضي دقيقةٌ واحدة حتى أظلمَت القاعة هي الأخرى فجأةً، وكأن الليل قد غطَّى الوجود كلَّه. لقد نفَّذَت العصابة خُطَّتها، وسوف يختفي «أماندوليون» إلى الأبد.