رسالةٌ شفرية … تُثير الدهشة!
كان «أحمد» قد استعدَّ لهذه اللحظة؛ فعندما انقطع التيَّار أسرع بإخراج البطَّارية التي يحملها وركَّز ضوءَها على مكان «أماندوليون»، لكنَّ الهَرْج الشديد الذي حدث جعل كلَّ شيءٍ يختلط حتى لم يبقَ أحدٌ مكانه.
في نفس الوقت كان الشياطين يفعلون نفس الشيء؛ لقد تركَّزَت أضواء بطاريَّاتهم على نفس مكان «أماندوليون»، لكنْ فجأةً اهتزَّ ضوء بطَّارية أحد الشياطين بشِدَّة ثم اختفی.
قال «أحمد» في نفسه: إن هناك شيئًا سيَحدُث.
فجأةً هبطت يدٌ قوية فوق رأسه جعلت البطَّارية تَهتز، ورَغم عُنف الضربة إلا أنه احتملها، وعندما الْتفتَ لم يجِد أحدًا … فكَّر بسرعة: إن العصابة تُنفِّذ خُطَّتها الآن، ولا بد أن «أماندوليون» قد اختفى.
فجأةً عاد النُّور من جديد فظهرَ كلُّ شيء في القاعة. نظر «أحمد» في اتِّجاه «أماندوليون» فوجده مكانه.
بدأ الضجيج يخِفُّ وعاد كلُّ عالِم إلى مَقعده، لم يستغرق ذلك سوى دقيقة أو دقيقتَين.
لكنَّ «أحمد» كان يشكُّ، فلماذا حدث هذا كلُّه؟ … فكَّر: هل تكون خدعة؟ وهل تكون العصابة قد استفادت من خدعة المغامرة الماضية فردَّت على الشياطين بنفس الأسلوب؟
تَحرَّك من مكانه وهو يَنظُر إلى الشياطين، لكنَّه لم يجد «باسم» …
اقترب من مكان «أماندوليون»، ولكن اقترب منه أحد الحُراس … وطلب منه أن يعود إلى مكانه حتى لا يُعطِّل ما يَحدُث؛ فهذه لحظة قد لاتتكرَّر مرَّةً أخرى …
فجأةً شعرَ بدفء جهاز الاستقبال فعرَف أن هناك رسالة. وضع يده عليه ثم بدأ يستقبل الرسالة.
علَت الدهشة وجهه ونظر إلى «أماندوليون». كانت الرسالة شفريةً تقول: ««٢٩ – ٦ – ٢٩ – ٥ – ٢٢ – ٤ – ٧ – ١ – ٤ – ٥» وقفة «١٠ – ١» وقفة «١ – ٢٢» وقفة «٢٩ – ٧ – ١٢ – ١٦ – ٨ – ٢٩ – ٢٨ – ٣» وقفة «٢٩ – ٧ – ٦ – ٤ – ٢٥ – ٤ – ٢٢» وقفة «١٠ – ١» وقفة «٢٩ – ٧ – ٩ – ٢٩ – ١٢ – ٣» وقفة «٦ – ١٩ – ١ – ١٠» وقفة «٢٩ – ٥ – ٥ – ١» وقفة «٢٩ – ٦ – ١٨ – ٨» وقفة «٢٨ – ١٤ – ٢٠ – ١٠» وقفة «٢٩ – ٧ – ٢٣ – ١ – ١٤» انتهى» …
ألقى نظرةً سريعة على بقيَّة الشياطين الذين كانوا مُهتمِّين ﺑ «أماندوليون». أرسل إليهم رسالةً سريعة ثم غادَر المكان.
بعد دقيقةٍ كان الشياطين يلتقون خارج القاعة. كان الظلام يُغطِّي كلَّ شيء، والشوارع خالية تمامًا إلا من رجال الشُّرطة.
نقل إليهم رسالة «باسم» ثم قال: نحن في انتظار «باسم».
ثم قال: نحن في انتظارِ رسالةٍ أُخرى. كان الشياطين يَنظُرون إليه في دهشة.
قال: ينبغي أن يبقى أحدُنا هنا حتى يُراقِب ما في القاعة ثم يُرسِل إلينا.
اقترح «فهد» أن تَبْقى «زبيدة» التي وافَقت فورًا.
انطلق «أحمد» و«رشيد» و«فهد» في طريقهم إلى النقطة التي حدَّدَها «باسم»، وعندما خرجوا من مركز العمليَّات كانت فترة الكسوف قد انتهت وأضاءت الدنيا من جديد. كانت الشمس قد تجاوَزَت القمر وخرجت في مدارها العادي …
فضبط «أحمد» زاوية الاتِّجاه في بوصلة السيَّارة، ثم أرسل رسالة إلى «باسم» تقول: «المُسدَّسات انطلقت إلى النقطة «ل».»
كان اتِّجاه السيَّارة إلى نفس الطريق في مغامرة «الشمس السوداء»، خارج مدينة «سان لويس بوتوس». كان طريقًا صخريًّا مكشوفًا، ولم تکُن هناك سوى الصخور التي يُمكِن الاختفاء خلفها، لكن ذلك لم يكُن هامًّا.
قال «فهد»: نخشى أن ينقلوا «أماندوليون» خارج «المكسيك».
قال «رشيد»: لا نظن … فحركة الطيران كانت مُتوقِّفة خلال فترة الكسوف، وهذه مسألةٌ تحتاج إلى وقت لتنظيم عمليَّة الطيران … فلا تستطيع طائرةٌ أن تمرَّ في سماء «المكسيك» الآن … على الأقل سوف يستغرق الأمر ساعةً؛ فلم يكُن أحدٌ يتصوَّر أن يَحدُث ما حدث.
قالت «زبيدة»: أعتقد أنه يجب علينا أن نَبقى في مَركز العمليَّات حتى نستطيع أن ننطلق من هناك. في نفس الوقت نستطيع أن نَرقُب ما يَحدُث داخل قاعة العلماء أو خارجها …
وافَق الشياطين على فكرة «زبيدة»، وفي لحظةٍ كانت السيارة تتَّجه بهم إلى مركز العمليَّات، وعندما دخلوا المركز اتَّجهوا مباشرةً إلى الغُرفة رقم «٨». وهناك ضغط «أحمد» عِدَّة أزرار، فظهرَت الصور على الشاشات الصغيرة الموجودة أمامهم. كانت إحداها صورة القاعة من الخارج حيث يقف الحُراس، وعلى الشاشة الأخرى كانت الحركة داخل القاعة تظهر أمامهم بوضوح، وكان «أماندوليون» يجلس في کرسیِّه لا يتحرَّك.
ركَّز «أحمد» عينَيه على وجه «أماندوليون»؛ كان وجه الرجل يبدو دهِشًا تمامًا وكأنَّه يرى الناس لأوَّل مرَّة. فجأةً وصَلَت رسالة من «باسم»؛ كانت رسالةً شفريةً تقول: ««٢٩ – ٧ – ١٦ – ٩ – ٢٠» وقفة «١٠ – ١» وقفة «٢٩ – ٧ – ٩ – ١٠ – ١٦» وقفة «٢٩ – ٧ – ٥ – ٩ – ١٤ – ٣» وقفة «٧» وقفة «٢٩ – ٧ – ١٩ – ٢٩ – ٤ – ١ – ٣» وقفة «٧٥» وقفة «١٧ – ٢٠ – ٩ – ٢٩» انتهى.»
عندما قرأ «أحمد» الرسالة وترجمها إلى الشياطين بدأت حركتهم، إلا أنَّ «أحمد» قال: أعتقد أنهم لن ينقلوا «أماندوليون» خارج «المكسيك» الآن؛ فسوف ينتظرون عودة العلماء إلى بلادهم، و«أماندوليون» بينهم يتحرَّك مع الآخرين …
خرجت السيَّارة من الطريق الصخري إلى منطقةٍ رمليَّة … قال «رشيد»: ينبغي أن نكون حذِرِين ونحن نتقدَّم؛ فالمناطق الرمليَّة هذه لیست مأمونة؛ فقد تُصادِفنا منطقةُ رمالٍ مُتحرِّكة فتقضي علينا …
لم يكَد «رشيد» ينتهي من كلامه حتى كانت السيَّارة قد دخلت فعلًا في منطقةِ رمالٍ مُتحرِّكة. ضغط «فهد» فرامل السيَّارة فتوقَّفَت، وقال بسرعة: ينبغي أن نُغادِر السيَّارة الآن حتی نستطيع أن نُنقِذها؛ إن العَجلتَين الأماميَّتَين قد هبطتا في الرِّمال.
في لحظةٍ كان الشياطين قد قفزوا من السيَّارة التي كانت قد بدأت تَغُوص في الرِّمال. أمسَكوا بمؤخِّرتها، وفي قوَّةٍ واحدةٍ جذبوا السيَّارة إلى الخلف. تَوقَّف غَوص السيارة.
وقال «أحمد»: نحتاج إلى محاولةٍ أخرى.
ثم استجمعوا قوَّتهم وجذبوها مرَّةً أخرى، وبالفعل نجحوا في إيقاف غوصها، إلا أن قوَّتهم بدأت تَضعُف.
قال «رشيد» بسرعة: علينا أن نُجرِّب شيئًا آخر.
أسرع بفتح حقيبة السيَّارة، وأخرج حبلًا من الصُّلب ربطه في مؤخِّرتها، ثم مدَّه حتی نهايتها وثبَّته في نُتوء صخرةٍ بارزة … لقد كان تصرُّفًا ذكيًّا وسريعًا؛ فقد تَوقَّف غَوص السيَّارة تمامًا.
وقال «فهد»: فكرةٌ مُمتازة؛ فقد كِدنا نفقد السيَّارة نهائيًّا.
وقفوا قليلًا يَستردُّون قوَّتهم. في نفس اللحظة جاءتهم رسالة من «باسم». كانت الرسالة تقول: «لماذا تأخَّرتم؟! … إن المَوقف لن يكون في صالحنا … فالمسألة مسألةُ وقت.»
ردَّ «أحمد»: «أمامنا مشكلة الرِّمال المُتحرِّكة التي تكاد أن تبتلع السيَّارة.»
جاءت رسالةٌ أخرى من «باسم»: «زاوية التحرُّك على النقطة «٨ و١٤ و٩ و١٥». هذا هو الطريق الذي سلَكَته سيَّارة العصابة.»
نقل «أحمد» الرسالة إلى «فهد» و«رشيد». قال «رشيد» بعد لحظة: سوف أعود بمؤخِّرة السيَّارة إلى الخلف، في نفس اللحظة عليكما بجذب الحبل حتى لا تجذبها الرِّمال.
قفز بسرعة إلى عَجلة القيادة في نفس الوقت الذي بدأ «أحمد» و«فهد» في جذب الحبل … أدار السيَّارة ثم عاد بها إلى الخلف … كانت المهمَّة شاقَّة … لكنَّ فكرة «رشيد» كانت ذكيَّةً فعلًا، واستطاعوا في النهاية أن يُنقِذوا السيَّارة من منطقة الرِّمال.
وعندما أصبحت في منطقة الأمان قفز الاثنان داخلها، وضبط «أحمد» بوصلة السيَّارة على النُّقط التي حدَّدها «باسم»، وفي دقيقةٍ كانت تنطلق بهم في سرعة؛ فقد كانت النقطة تُحدِّد طريقًا صخريًّا يُعطي السيَّارة فرصةً للانطلاق.
فجأةً لمعت إشارةٌ حمراء في تابلوه السيَّارة، فقال «رشيد»: إنها إنذارٌ مُبكِّر …
تَوقَّف، في نفس اللحظة كانت الرسالة من «باسم»: «لقد أصبحتم داخل منطقة العصابة» …
عندما انتهت رسالة «باسم» كانت رسالةٌ أخرى تتردَّد من جهاز الاستقبال. كانت الرسالة من «زبيدة» تقول: «الصقر تَحرَّك إلى خارج القاعة» …
ابتسم «أحمد» وهو يقول: إنه صقرٌ لا يُساوي شيئًا الآن بعد أن انتهى كلُّ شيء …
أرسل رسالةً إلى «زبيدة»: «لا بأس، نحن في الطريق إلى الصقر.»
نزل الشياطين من السيَّارة. إن عليهم الآن أن يتقدَّموا في نفس الاتِّجاه … أخرج «أحمد» بوصلةً صغيرة ثم ثبَّت اتِّجاهها تبعًا للنُّقط التي حدَّدها «باسم». تَحرَّك الشياطين تبعًا لمؤشِّر البوصلة، بعد قليلٍ تَحرَّك المؤشِّر فوَقَف الشياطين.
وقال «أحمد»: إننا في منطقةٍ خطِرة.
عدَّلوا طريقهم فثبت مؤشِّر البوصلة. تقدَّموا بسرعة. كانوا يُراقِبون كل الاتِّجاهات وهم يَتقدَّمون؛ فهم يمشون في منطقةٍ مكشوفة، بجِوار أن الطريق لا يعرفه سوی أفراد العصابة، وضوء النهار يجعلهم هدفًا سهلًا.
قال «رشيد»: ينبغي أن نُحدِّد نقطة اللقاء مع «باسم»؛ فنحن الآن لا نعرف إلى أين نتَّجه بالضبط … ولا كيف نتصرَّف في هذه المنطقة التي لا نعرف تفاصيلها.
تَوقَّفوا، وأسرع «أحمد» بإرسال رسالة إلى «باسم» الذي ردَّ بسرعة: «أنتم في الاتِّجاه الصحيح، سوف نلتقي عند النقطة «ك»؛ فهي نقطة الانطلاق إلى الصقر.»
نقل «أحمد» رسالة «باسم» فتقدَّموا. وقال «فهد»: إن النقطة لا تَبعُد عنَّا كثيرًا؛ ولهذا يجب أن نكون حذِرِين.
تساءل «رشيد»: ماذا يمكن أن يوجد في هذه المنطقة الغريبة؟ لا بد أنهم يعيشون في أحد الكُهوف الصخريَّة؛ فهُنا لا يستطيع أحدٌ أن يفعل شيئًا.
ابتسم «أحمد» وقال: هل نسِيتَ أنَّنا نتعامل مع عصابة «سادة العالم»؟ إنهم يستطيعون أن يفعلوا أيَّ شيء، ومن المؤكَّد أنَّنا سنجد مدينةً مُجهَّزة في قلب الجبل. ولاحِظوا أنَّنا أمام سلسلة جبال «سييرامادري»، وهي واحدةٌ من سلاسل الجبال المُرتفِعة، بجوار أنَّ هضبة «المكسيك» التي تمرُّ فيها الآن هضبةٌ صخريَّة أيضًا.
كان الطريق شاقًّا، وهم يتقدَّمون في حذر وينتظرون هُجومًا في أي لحظة، وكان هذا يُعطِّلهم بعض الشيء.
نظر «أحمد» في البوصلة ثم قال: لقد اقتربنا تمامًا؛ إن أمامنا کیلومترًا واحدًا، وهو يستغرق منَّا حوالَي ثلث ساعة.
قال «فهد»: أعتقد أنه في صالحنا أن نختفيَ حتى الليل؛ فسوف تكون حركتنا أسهل وأسرع، فنحن الآن لا ندري أيُّ هجوم سوف نتعرَّض له.
قال «أحمد»: إن «باسم» هو الذي يَملِك الآن هذا القرار لأنه في وضعٍ يسمح له؛ فقد استطاع أن يعرف كلَّ التفاصيل، وأعتقد أنَّنا سوف نتَّخذ قرارًا عندما نَصِل إليه.
كان الجوُّ حارًّا في هذه الساعة، ولولا أنَّهم كانوا يحتمون في بعض الأوقات بظِلال الصخور لَكان قد أصابهم شيء … مرَّت عشر دقائق، وأصبحت نقطة «ك» على بُعد مَرمى حجر منهم … لكنَّ الإجهاد كان قد بدأ يظهر على خطواتهم المُتعَبة. لكنَّ ما حدث جعلهم ينسَون ما وصلوا إليه من إجهاد، وشعَروا بنشاطٍ مُفاجئ؛ فقد كانت اللحظة تستدعي ذلك.