صراع … في بطن الجبل
لقد انهالت عليهم طلقات الرَّصاص من كلِّ جانب، لكن لحُسنِ الحظ كانوا قريبين من صخرةٍ مُرتفِعة فأسرَعوا بالاحتماء خلفها.
همس «رشيد»: لقد بدأت المعركة.
لم تكُن طلقات الرَّصاص قد تَوقَّفت؛ فقد كانت لا تزال تُدوِّي في السكون الذي يلفُّ المكان. انتظر «فهد» قليلًا ثم خرج برأسه في محاولة لاكتشاف شيء، لكنَّ طلقةً رنَّت بجوار أُذنه وهي تصطدم بالصخرة فارتدَّ مُسرِعًا.
قال «أحمد»: لا داعيَ لذلك الآن، سوف ننتظر بعض الوقت، ولا أظنُّهم سوف يستمرُّون في إطلاق الرَّصاص؛ إنَّهم سوف يُحاوِلون حِصارنا حتى نقع في أيديهم …
سكت لحظةً ثم أضاف: أظنُّ أنَّه يُمكِن أن يكون هناك فريقٌ آخر يقترب الآن منَّا حتى يهبط علينا ونحن نُتابع صوت طلقات الرَّصاص.
ينبغي أن نكون حذِرِين تمامًا بجوار ملاحظتنا لكل الاتِّجاهات.
فجأةً شدَّت انتباهَ «رشيد» حركةٌ قريبة فقال: إنَّه صوتُ صخورٍ صغيرةٍ تسقط.
قال «فهد»: لعلَّه تأثير الرَّصاص الذي يُصيب الصخور فيُفتِّتها.
إلا أن «رشيد» ركَّز سَمْعه أكثر. في نفس الوقت كان «أحمد» قد انتبه؛ فقد كان الصوت يقترب. همس: إنه صوتُ خطواتٍ تقترب.
ظلَّ يُركِّز سَمْعه حتى يُحدِّد الاتِّجاه … انحنی على الأرض وألصق أُذنه بها ثم استمع؛ كان الصوت الآن أوضح … أشار إليهما ناحية اليمين، اقتربا من الاتِّجاه الذي حدَّده.
فقال «فهد»: إن الصوت يقترب فعلًا.
في نفس الوقت أشار إلى ناحية اليسار، فأسرع «رشيد» إليه وأخذ يستمع. همس هو الآخر: نعم، إن الصوت يقترب.
وقف «أحمد» بسرعة وهو يقول: تمامًا كما توقَّعت؛ إنَّهم يُحاوِلون حصارنا، ولكن لا بأس، إنَّنا في الانتظار.
أخرج جهاز الإرسال وأرسل رسالةً سريعة إلى «باسم»: «ما المَوقف الآن؟»
جاءه الردُّ بسرعة: «إنَّهم يقتربون منكم في شكلِ نِصف دائرة، سوف يجعلون الصخرة التي تحتمون بها هي النصف الآخر من الدائرة؛ وبذلك تَكُونون تحت سيطرتهم. عليكم بالاشتباك، إنَّني أرقُب كلَّ شيء لكنِّي لا أُريد أن أظهر الآن؛ فأنا أنتظر حتى لا يطيرَ الصقر.»
نقل «أحمد» الرسالة إلى «فهد» و«رشيد»، فقال «فهد»: لا بأس، إنَّنا في حاجة إلى معركةٍ تُنشِّطنا … لكنَّنا ينبغي أن نفعل شيئًا؛ فلا يجب أن ننتظر …
ثم تَحرَّك في اتِّجاه أعلى الصخرة، وهتف بصوتٍ مُنخفِض: لقد وجدت المَخرَج، إن أمامنا الطريق في قلب الصخرة.
ردَّ «أحمد»: أخشى أن يكون طريقًا مُغلَقًا فنقع في أيديهم ببساطة … فمن الضروري أن يكونوا مُتفهِّمين لطبيعة الأرض هُنا.
قال «فهد» بسرعة: الطريق ليس مُغلَقًا؛ فالسماء تظهر في نهايته، وهذا يعني أنَّه مفتوح.
قال «رشيد»: رُبَّما كان ضيِّقًا فلا يسمح لنا بالمرور.
أجاب «فهد»: إنه ليس كذلك. هيَّا اتبَعاني؛ إنَّنا نستطيع أن نُفاجئهم مُفاجأةً طيِّبة.
تَقدَّم «فهد» بسرعة وتبِعه «أحمد» و«رشيد». تجاوَزوا بداية الطريق إلى قلب الصخرة.
فقال «رشيد»: إذا استطعنا أن نُغلِق الطريق خلفنا فإنَّنا نستطيع أن نُكمِل المُفاجأة.
نظر له «أحمد» لحظةً ثم قال: فكرةٌ طيِّبة؛ فلنُحاوِل.
في الوقت الذي كان «فهد» مُستمرًّا في تقدُّمه كان «أحمد» و«رشيد» يبدآن محاولة إغلاق الطريق. نظرا حولهما يبحثان عن بعض الصخور الصغيرة التي يُمكِن استخدامها … كانت الصخور الصغيرة الموجودة لا تفي بالغرض … أسرع «أحمد» وأخرج خنجره، ثم بدأ يُحاوِل مع صخرةٍ مُتوسِّطةٍ بارزة في أحد الجوانب … كما أسرع «رشيد» إليه، وأخرج خنجره هو الآخر وبدأ نفس المحاولة.
فجأةً جاءهم صوت: لا يوجد أحدٌ هنا.
ردَّ صوتٌ آخر: لعلَّهما مُختبئان في أي مكان من الصخرة.
تَوقَّف «رشيد» و«أحمد» عن العمل والْتَصقا بجانب الصخرة في محاولة لمعرفة عدد الموجودين.
جاء صوتٌ ثالث: هناك طريقٌ داخل الصخرة قد يكونوا لجَئوا إليه.
نظر «أحمد» و«رشيد» لبعضهما؛ إنَّ هذا يعني أنَّهم فعلًا يعرفون طبيعة المكان جيِّدًا، ويعني أيضًا أن الشياطين قد وقَعوا في أيديهم.
أشار «أحمد» إلى «رشيد» إشاراتٍ فهِمها؛ كان «أحمد» يقول: فلنستعدَّ، وعلينا أن نشتبك.
أشار «رشيد» إشاراتٍ تعني تساؤلًا … هل أستدعي «فهد»؟
أجاب «أحمد»: إن ذلك سوف يكشف مكاننا، ونحن نُريد أن نُفاجئهم. انتظَر قليلًا؛ كان صوت الأقدام يقترب. قال واحد: في قمَّة الصخرة تُوجد المجموعة الرابعة؛ إنَّهم لن يُفلِتوا إذا أخذوا الطريق إلى القمة.
نظر «أحمد» و«رشيد» إلى بعضهما؛ فها هُما يجمعان معلوماتٍ تُفيد الشياطين في تَحرُّكهم. اقتربَت الأقدام أكثر … كانت فتحة الطريق لا تكفي إلا لمرورِ شخصٍ واحد فقط.
كان «أحمد» يقِف في جانب بينما «رشيد» يقِف في الجانب الآخر. فجأةً تَردَّد صوت «فهد»: تقدَّما؛ إن الطريق جيِّد تمامًا.
جاء صوت أحد الرِّجال بعده مباشرةً: إنَّهم فعلًا في نفس الطريق؛ إذَن … علينا أن نَتْبعهم.
في نفس الوقت يُرسِل «كارل» إشارةً إلى المجموعة الرابعة لانتظارهم هناك.
بدأ صوتُ أقدامٍ تتراجع، فعرَفا أنَّ هذا صوت أقدام «کارل» يعود لإرسال الإشارة بعد لحظة. قال «واحد»: تَقدَّم يا «سانتي» ونحن خَلْفك؛ فأنت تعرف هذا المكان جيِّدًا.
فهِم «أحمد» و«رشيد» أن المجموعة سوف تتقدَّم في صفٍّ واحد؛ لأنَّ المكان لا يسمح لغير ذلك، وكانت هذه فرصتهما ليَبدآ ضربتهما.
كان «أحمد» ينتظر وقد استجمع قوَّته. في نفس الوقت كان «سانتي» يتقدَّم وخَلْفه بقيَّة الرِّجال. ما إن خطا «سانتي» خطوته الأولى داخل طريق الصخرة حتى قفز «أحمد» من مكانه، وفي حركةٍ بارعةٍ ضربَ «سانتي» ضربةً جعلَته يتراجع في عنف فيَصطدم بمن خَلْفه، ويَصطدم الآخر بمن خلفه وهكذا، وفي لحظةٍ كان الرِّجال جميعًا قد سقطوا على الأرض؛ فلم يكُن أيُّ واحد منهم ينتظر هذه الضربة المُفاجئة.
عندئذٍ قفز «رشيد» خلف «أحمد»، وكان الرجال قد سقطوا في مكانٍ متَّسِع؛ ممَّا أعطى الفرصة للاثنَين أن يشتبكا اشتباكًا رائعًا؛ فلم يكُن «سانتي» قد استطاع الوقوف لعنف الضربة التي سدَّدها له «أحمد»؛ ولذلك فقد أسرع «رشيد» إلى الرجل الرابع وضربه ضربةً جعلَته يترنَّح ويصطدم بالصخر ثم يَتكوَّم على الأرض.
في نفس الوقت كان «أحمد» قد رفع أحدَهم بين ذراعَيه، ثم دار به دورةً كاملة وقذف به في قوَّة، فاصطدم بالآخرين الذين كانوا يتقدَّمون في نفس اللحظة، فسقط ثلاثة منهم.
ولم يتوقَّف «أحمد»؛ فقد أسرع في قفزةٍ رائعة وضرب ضربتَين لاثنَين منهما، فاصطدما معًا وسقطا على الأرض. لكنْ فجأةً رأى «رشيد» وقد اشتبك مع عملاقٍ يُوشك أن يرفعه عن الأرض ويقذف به إلى الصخر، فأسرع «أحمد» إليه وطار في الهواء مُندفعًا في اتِّجاه العملاق، واستطاع بضربةٍ قويةٍ أن يجعله يترنَّح؛ ممَّا أعطى الفرصة ﻟ «رشید» کي يُفلِت من يدَيه ثم يضربه ضربةً جعلَت العملاق يترنَّح مرَّةً أخرى … وقبل أن يستطيع الوقوف كانت ضربةٌ أخرى قد أخذت طريقها إليه فسقط على الأرض.
في نفس الوقت كان «أحمد» قد اشتبك مع آخر … لكنْ فجأةً نزلَت ضربةٌ قوية عليه جعلَته يترنَّح ويكاد أن يسقط، إلا أن «رشيد» أسرعَ طائرًا في الهواء وضرب الرجل ضربةً مزدوجةً جعلت الرجل يدور حول نفسه، ثمَّ يصطدم بآخر فيَقع الاثنان على الأرض.
استطاع «أحمد» أن يستعيد تَوازُنه، وعندما نظر حوله لم يجد أحدًا على قدمَيه سوی «رشيد» الذي كان يَنظُر مُبتسمًا، أمَّا رجال العصابة فقد تساقَطوا كالطيور، ولم تكُن تَصدُر منهم إلا أنَّات الألم.
قال «رشيد»: ينبغي أن نستدعيَ «فهد» قبل أن يقع في أيدي المجموعة الرابعة.
بسرعةٍ كان «أحمد» يُرسِل رسالةً شفريَّة إلى «فهد» يطلب منه العودة، ولم تمرَّ دقيقةٌ حتی كان ردُّ «فهد» يقول: «إنَّني في الطريق.»
انتظر قليلًا؛ فقد قال «أحمد»: إن «كارل» سوف يعود الآن؛ ولهذا يجب أن نكون في انتظاره.
سأل «رشيد»: هل تعتقد أنَّه سوف يعود بآخرين؟
قال «أحمد»: لا أظنُّ؛ فهو يرى أنَّ المجموعة التي كانت موجودةً تكفي، وأنَّنا سوف نقع في أيدي المجموعة الرابعة عند قمَّة الجبل.
في دقائق كان «فهد» قد وصل … وما إن وقَعت عيناه على الرجال المُمدَّدين على الأرض حتى صاح: إذَن لقد كانت هناك معركة.
ابتسم «أحمد» و«رشيد» وقال «أحمد»: إن المعارك الكبيرة ما زالت في الطريق إلينا.
قال «فهد»: إذَن فلْنَستمرَّ إلى القمة.
قال «أحمد»: ينبغي أن نُغيِّر الطريق؛ إنَّ القمة عندها مجموعةٌ من الرجال في انتظارنا الآن.
وعندما بدأ يشرح له ما حدث كان صوتُ أقدامٍ يقترب. همس «فهد»: إن أحدًا في الطريق إلينا.
ابتسم «أحمد» وهو يقول: إنها معركتك إذَن. إنه السيد «كارل».
بدَت الدهشة على وجه «فهد» عندما حدَّد «أحمد» اسم واحدٍ منهم، لكن لم تكُن هناك فرصةٌ ليشرح له؛ فقد ظهر «كارل» الذي ارتسمت الدهشة على وجهه، لكنَّ «فهد» لم يُعطِه الفرصة ليُكمِل دهشته … فقد قفز في الهواء وهو يُسدِّد له ضربة، إلا أنَّ «كارل» كان سريع الحركة؛ فقد استطاع أن يقفز بعيدًا مُتفاديًا الضربة وهو يجذب مُسدَّسه. غير أنَّ «رشيد» كان أسرع منه؛ فقد جذب مُسدَّسه هو الآخر وصوَّب طلقةً سريعة إلى مُسدَّس «كارل» فسقط من يده، ولم يكُن أمامه إلا أن يُسرِع بالهرب.
لكن قبل أن يفعل ذلك كان «فهد» قد قفز قفزتَين مُتتاليتَين، فلحق به وضربه، فسقط «کارل» على الأرض … وقبل أن يتمكَّن من الوقوف كان «فهد» قد وقف عند رأسه. رفعه بين يدَيه ثم قذف به في اتِّجاه الصخور وهو يقول: إنَّ «سادة العالم» يجب أن ينتهوا إلى الأبد.
وعندما سقط «كارل» على الأرض لم يكُن يستطيع النُّطق؛ فقد كانت صدمته بالصخور قويَّة وعنيفة تمامًا.
في نفس اللحظة استقبَل «أحمد» رسالةً من «باسم» تطلب من الشياطين أن يَنضمُّوا إليه … فقد اختفى الصقر ولم يظهر مرَّةً أخرى.
تَحرَّك الشياطين بسرعة في اتِّجاه النقطة «ك» حيث يُوجَد «باسم» … ولم تمضِ دقائق حتى كان الشياطين قد اجتمعوا معًا.
شرح «أحمد» ما حدث ثم تَحدَّث «باسم»: إنَّ «أماندوليون» في الداخل.
ثم أشار إلى بابٍ صخري في بطن الجبل وقال: يبدو أنَّنا أمام مَقرِّ العصابة، وعلينا أن نَدخله.
ولم يكَد ينتهي من كلامه حتى فُتِح الباب وظهرَ عددٌ من الرِّجال.