الشياطين وأماندوليون في سجنٍ واحد
كان أمام الشياطين تصرُّف من اثنَين؛ إمَّا أن يشتبكوا مع مجموعة الرجال، وهذه مسألة لها مَخاطرها.
وإمَّا أن ينتظروا حتى يختفيَ الرجال ثم يُحاولوا الدخول، وهذه مسألة لها مَخاطرها أيضًا.
همس «رشيد»: فلنُحاوِل أن نُبعِدهم عن الباب مُؤقَّتًا حتى نستطيع الدخول.
ثم انحنى يجمع بعض قِطع الصخور الصغيرة، ثمَّ بدأ يُلقي بها بعيدًا. مع أوَّل صخرةٍ انتبه الرِّجال بسرعة.
وقال أحدهم: يبدو أنَّ أحدًا بجِوارنا.
ردَّ آخر: لعلَّه أحد رجالنا.
استمرَّ «رشيد» في رمي الصخور. في نفس الوقت بدأ يفعل نفس الشيء، لكنَّه ركَّز المَرمى في اتِّجاهٍ مُعيَّن … بدأ الرِّجال يتحرَّكون إلى نفس الاتِّجاه، لكنَّ حارسَين بقِيا عند الباب …
همس «أحمد»: هذه فُرصتنا للدخول.
تَحرَّك الشياطين في حذر. كان «فهد» و«باسم» يتقدَّمان. نظرا إلى بعضهما ثم حدَّدا لحظة الهجوم. فجأةً قفزا معًا فوق الحارسَين، ولم يستغرق ذلك وقتًا؛ فقد انتهيا منهما ثم أخفاهما بعيدًا بحيث لا يعرف أحدٌ مكانهما. في نفس الوقت كان «أحمد» و«رشيد» قد دخلا من الباب، فدخل خَلْفهما «فهد» و«باسم».
كانت مُفاجأة للشياطين؛ ففي قلب هذا الصخر كان هناك مَرکزٌ مُجهَّز. وقفوا قليلًا يَرقُبون ما أمامهم. وإنَّ هناك طُرقةً طويلةً مُضاءةً، وفي نهايتها يوجد بابٌ واحدٌ يبدو واضحًا. فكَّر «أحمد» قليلًا ثم قال: هل يُؤدِّي هذا الباب إلى بقيَّة المَركز، أو إن هناك مَداخل أخرى؟
ردَّ «باسم»: أعتقد أن هناك مَداخل أخری.
قال «فهد»: ومع ذلك لا بد أن نتقدَّم ثم نرى.
مرَّت دقيقة قبل أن يُقرِّروا، قال «أحمد» في نهايتها: ينبغي ألا نضع البَيض كلَّه في سلَّةٍ واحدة.
فهِم الشياطين ماذا يعني «أحمد»؛ إنَّه يعني أن يتقدَّم أحدهم ويبقى الآخرون حتى لا يقعوا جميعًا.
تَقدَّم «رشيد» في خطواتٍ سريعة إلى الباب، وعندما وصل إليه أُغلقَ الباب الخارجي. الْتفتَ الشياطين بسرعة إليه، وهمس «فهد»: لقد وقَعنا.
قال «باسم»: لعلَّ البابَين مُرتبِطان بنظامٍ واحد.
ضغط «رشيد» على الباب فانفتح بسرعة. تَردَّد لحظةً؛ فهذا الفتح السريع قد يكون خَلْفه شيء، لكنَّه مع ذلك ألقى نظرةً فاحصة؛ كان الباب يفتح على صالةٍ صغيرةٍ تفتح فيها أربعة أبواب.
فكَّر أن هذا لغز، وهو يحتاج لبقيَّة الشياطين. نظر إليهم ثم أشار، فأسرع بقيَّة الشياطين إليه، وعندما دخلوا من الباب أُغلق هو الآخر، ووقف الشياطين الأربعة يَنظُرون حولهم؛ لم يكُن أمامهم سوى الأبواب.
همس «أحمد»: فلْيَدخل كلٌّ منَّا من باب ثم نرَ.
تقدَّم الشياطين، ووقف كلٌّ منهم أمام باب، وفي لحظةٍ واحدةٍ فتحوها معًا، لكن لم يكُن خلف الأبواب شیء، وكانت كلها تفتح على ساحةٍ واحدة دائريَّة؛ ولذلك فقد الْتقَوا جميعًا. كان الموقف يبدو مُحيِّرًا تمامًا. قال «رشيد»: لا أظنُّ أنَّنا سوف ندخل من باب إلى باب …
قال «فهد»: أعتقد أنَّنا ضلَلنا الطريق، وأنَّنا قد دخلنا في متاهة سوف تنتهي بنا إلى مِصيَدة …
قال «أحمد» بعد لحظة: علينا أن نستمرَّ حتى نرى؛ فليس من المعقول أنَّنا قد دخلنا في الخلاء.
كان يتوسط الساحةَ الدائريَّة طُرقةٌ طويلة، مُظلِمة قليلًا … قال «فهد»: هل نتقدَّم في هذا المكان المُظلِم؟ …
مرَّت لحظاتٌ كان الشياطين خلالها يُفكِّرون في هذا الموقف الغريب. في النهاية قال «أحمد»: أقترح أن ننقسم إلى مجموعتَين؛ مجموعة تتقدَّم والأخرى تعود؛ لعلَّ هناك مَدخلًا آخر.
انقسم الشياطين إلى مجموعتَين؛ «أحمد» و«باسم»، و«فهد» و«رشيد». تقدَّم «أحمد» و«باسم» داخل الطُّرقة الخافتة الضوء … وعاد «فهد» و«رشيد» إلى الطُّرقة الصغيرة مرةً أخرى … لم يكُن يُسمَع أيُّ صوت. وفي حذرٍ تقدَّم «أحمد» و«باسم». ظلَّا سائرَين، لكنَّ الطُّرقة كانت طويلة بلا نهاية، وكأنَّهما سوف يمشيان إلى الأبد … فجأةً ظهر بابٌ مفتوحٌ يندفع الضوء من خلاله فيُنير آخر الطُّرقة. توقَّف الاثنان.
وهمس «أحمد»: لعلَّها خدعة.
قال «باسم»: من يدري؟!
توقَّفا مكانهما والْتَصقا بالجدار. كانا ينتظران خروج أحد … فجأةً ظهر ما لم يكُن يتوقَّعاه؛ لقد ظهر عالِم الفضاء «أماندوليون».
قال «باسم» في دهشة: هل حقيقةً هو «أماندوليون»، أو أنَّه شخصٌ آخر مُزيَّف؟
لم يردَّ «أحمد» مباشرةً؛ فقد كان لا يزال يُراقِب «أماندوليون» … فكَّر: هل هذه خدعةٌ أخرى؟ وهل يدفعون «أماندوليون» أمامنا حتی نقع في المِصيدة؟ …
نقل أفكاره إلى «باسم» الذي قال: من المُمكِن أن تكون خدعة، وإلا فلماذا خرج هذا العالِم هكذا؟
همس «أحمد»: هيَّا نتقدَّم حتى نعرف.
عاد «أماندوليون» واختفى داخل الباب المُضاء. قال «باسم»: لعلَّه مسجونٌ هُنا، ولا أظنُّه سوف يُفكِّر في الهرب.
تقدَّما حتى اقتربا من الباب، انتظرا قليلًا … فرُبَّما ظهر أحد، إلا أن أحدًا لم يظهر. همس «أحمد» بصوتٍ يُسمَع: السيد «أماندوليون»؟
مرَّت لحظةٌ قبل أن يُجيب «أماندوليون»: من يُنادي؟
همس «أحمد» مرةً أخرى: هل أنت وحدك؟
مرَّت لحظةٌ أخرى ثم ظهر «أماندوليون»، وما إن رآهما حتى كاد يصيح، إلا أن «أحمد» كان أسرع إليه؛ فقد قفز ناحيته، وبسرعةٍ كمَّم فمه وهو يقول: لا تخشَ شيئًا؛ إنَّنا هنا لإنقاذك …
رفع «أحمد» يده من فوق فمه، فهمس العالم: من أنتما؟
ردَّ «أحمد»: لا داعيَ لمعرفة ذلك الآن؛ فنحن نقوم بحراستك منذ كنتَ في حجرتك ثم في مَركز الأرصاد، ونعرف أن عصابةً خطفَتك عندما أظلَمَت القاعة …
ظهرت الدهشة على وجه «أماندوليون» ثم قال: هذا حقیقي؛ لقد أظلمَت القاعة، وفجأةً وجدتُ من يجذبني، وعندما خرجنا لا أدري ماذا حدث؛ فقد شممت رائحةَ مادَّةٍ مُخدِّرة وغِبتُ عن الوعي، وعندما أفَقتُ وجدت نفسي هنا.
قال «أحمد»: هذا صحيح، وصديقي كان يُراقِب ذلك كلَّه. لقد وضعوا مكانك «أماندوليون» آخر مُزيَّفًا.
ظهرت الدهشة على وجه الرجل وهو يقول: ولماذا خُطفتُ؟
قال «أحمد» مُبتسمًا: هذه مسألةٌ طويلةٌ سوف تعرفها عندما نخرج من هنا.
«أماندوليون»: وكيف سنخرج؟ إنَّني لم ألتقِ بأحد ولم أرَ أحدًا منذ فقدتُ الوعي وحتی الآن …
– هذا ليس مُهمًّا الآن؛ إنَّ المُهمَّ أن نخرج.
في نفس اللحظة كانت رسالةٌ قد بدأت تتردَّد في جهاز الإرسال الخاص ﺑ «أحمد». استقبل الرسالة الشفرية التي كانت تقول: ««٤ – ٩ – ١٢ – ٥ – ٢٩» وقفة «١٠ – ١» وقفة «٢٩ – ٧ – ٦ – ١٦ – ١ – ٢٢ – ٣» وقفة «٢٩ – ٧ – ٢١ – ٢٩ – ٢٩ – ٢٨» وقفة «١٠ – ١» وقفة «٢٩ – ٧ – ٥ – ٩ – ١٤ – ٣» وقفة «٨» انتهى.»
ترجم «أحمد» الرسالة، ثم نقلها بلغة الشياطين إلى «باسم» الذي ظهرت على وجهه الدهشة.
وقال «أماندوليون»: ماذا تقولان؟
قال «أحمد»: إنَّ صديقَينا في مأزِق.
ظهرت الدهشة على وجه «أماندوليون»، فسأل: صديقاكما؟ أين هما؟
لم يردَّ «أحمد»؛ فقد كان يُفكِّر: ماذا يُمكِن أن يفعل الآن هو و«باسم» ومعهما «أماندوليون»؟ هل يخرجون من المكان حتى يتمَّ إنقاذ العالِم ثم يعودان مرةً أخرى؟! … أو يَترُكان «أماندوليون» ما دام قد عرَفا مكانه وينطلقان لإنقاذ «رشيد» و«فهد»؟ …
قال «باسم»: يجب أن يخرج «أماندوليون» أولًا ثم نعود.
قال «أماندوليون»: ماذا تقولان؟ إنَّكما تتحدَّثان بلغة لم أسمعها من قبل.
نظر «أحمد» إلى «باسم» ثم قال: لا بأس، يجب أن يخرج العالِم أولًا ونكون قد حقَّقنا مهمَّتنا، أما «رشيد» و«فهد» فهذه قضيَّةٌ أخرى.
تحرَّك الثلاثة في طريقهم إلى الخروج. فجأةً ارتفع الضوء مرةً واحدة وأصبحت الطُّرق المُظلِمة قليلًا كأنَّها في وضَح النَّهار، وتَوقَّف الثلاثة في دهشة.
وقال «باسم»: كان من الضروري أن يَحدُث هذا … فليس من المُمكِن أن يكون المكان خاليًا منذ دخولنا.
لم يردَّ «أحمد»؛ لقد كان ينتظر حدوث أي شيءٍ آخر حتى يستطيع أن يتصرف. مرَّت دقائق دون أن يَحدُث شيء، وكان الثلاثة يَنظُرون حولهم. همس «باسم»: فلْنَتقدَّم إلى الباب لنرى ماذا يَحدُث.
نفَّذ «أحمد» ما قاله «باسم» وتبِعهما «أماندوليون»، بينما كان «أحمد» يُفكِّر: ماذا يُمكِن أن يَحدُث الآن، وهل سيَترُكونهم هكذا؟ … وما مصير «رشيد» و«فهد» الآن؟
اقتربوا من الباب ودفعه «باسم»، لكنَّ الباب لم يُفتَح. قال: إذَن، لقد دخلنا السجن مع السيد «أماندوليون» …
قال «أحمد» ببطء: لا بأس، إنَّنا في انتظار أي شيء.
ردَّ «باسم»: قد لا يَحدُث شيء وهذه تكون وَرْطتنا الأخيرة.
فكَّر «أحمد» قليلًا، ثم وضع يده على جهاز الإرسال الذي يضعه بين ملابسه، وأرسل رسالة إلی «فهد» و«رشيد»: ««٥ – ٢٤ – ٥» وقفة «٢٩ – ١ – ١٥ – ٢٩» وقفة «١٠ – ١» وقفة «٢٩ – ٧ – ٦ – ١٦ – ١ – ٢٢ – ٣» وقفة «٦ – ٢٩» وقفة «٢٩ – ٧ – ٦ – ٤ – ٩ – ١٠» وقفة «١٢ – ٥ – ٢٢ – ٨ – ٦ – ٢٩» انتهى.»
وبسرعةٍ جاء الردُّ شفريًّا أيضًا: ««٥ – ٢٤ – ١٥» وقفة «١٠ – ١» وقفة «٦ – ٨ – ٢٩ – ٥» وقفة «٢٣ – ٢٩ – ٧» وقفة «٢» وقفة «١٧ – ١» وقفة «٢٩ – ٢٣ – ٢٠» انتهى.»
نقل «أحمد» الموقف إلى «باسم» الذي قال: إنَّه تصرُّفٌ ذکي منهم.
نظر «أماندوليون» إليهما قليلًا، ثم قال بقليل من العصبيَّة: إنَّني لا أفهم ماذا تفعلان ولا ماذا تقولان؟ … وينبغي أن تُشرِكاني معكما؛ فقد أُفيدكما بأفكاري.
ابتسم «أحمد» وهو يقول: نحن في مأزِق، ولا نعرف كيف نخرج منه الآن.
هزَّ «أماندوليون» رأسه، وقال وهو يُداعِب شعره الأبيض: هذا حقیقي …
انتظَر لحظةً يُفكِّر ثم قال: اتبَعاني؛ فسوف نجد حلًّا.
لم يتحرَّك أحد من الشياطين، وبسرعةٍ أخرج «أحمد» قلمًا وورقة وكتب بالإنجليزية: سوف نُعلِّمك لغةً جديدة نتحدَّث بها معًا حتى لا يعرف أحدٌ غيرنا ماذا نقول.
لمعت عينا «أماندوليون» عندما قرأ الكلمات، ثم أخذ القلم من يد «أحمد» وكتب: إنَّني سعيد بذلك. هيَّا نبدأ.
بدأ «أحمد» يكتب له شفرةً مُركَّزة حتى يستطيع أن يتحدَّث معهما، وكان «أماندوليون» يقرأ ما يكتبه «أحمد» بسرعة، وعندما انتهى كان «أماندوليون» يتحدَّث بالشفرة التي كتبها «أحمد». ظهرت الدهشة على وجه «باسم»، وقال بنفس الشفرة: هذا رائع.
ردَّ «أماندوليون» مُبتسمًا: سوف ترَیان أشياء كثيرةً رائعة.
قال بالشفرة: أعتقد أنَّ بداخل الغُرفة التي أرقد فيها مَنفذًا؛ فعندما كنت أخرج منها وأعود يكون الطعام مثلًا موجودًا، فمن أين أتی … إن لم يكُن هناك مَنفذ.
فكَّر «أحمد» قليلًا، ثم قال بالشفرة: هذه فكرةٌ طيِّبة يُمكِن أن تقودنا إلى الحل …
اتَّجه الثلاثة إلى الغُرفة، وعندما دخلوها توقَّف «أحمد» عند الباب؛ كان يشمل الغُرفة بنظرةٍ فاحصة في محاولة لإيجاد شيء. كان هناك بابٌ صغير، وسريرٌ يتَّسع لواحد فقط، ولا شيء آخر. اتَّجه إلى الباب وفتحه، فوجد حمَّامًا صغيرًا، غير أنَّه لم يكُن هناك مَنفذ …
ظلَّ يتأمَّل السقف والجدران، وعندما الْتفَت كان «باسم» يقف خَلْفه. تحدَّث بلغة الشياطين: المؤكَّد أنَّهم يُراقِبوننا الآن من خلال كاميراتٍ خفيَّة تَرصُد تحرُّكاتنا، وإذا كنَّا قد تغلَّبنا على اللغة بلغةٍ شفريَّة فما زِلنا تحت مُراقبتهم، لكنَّنا نستطيع أن نتغلَّب على ذلك أيضًا؛ بعدها نستطيع أن نعرف أين المَنفذ.
قال «أحمد» بسرعة: إذَن ابدأ.
خرج «أحمد» إلى الغُرفة حيث كان يجلس «أماندوليون» الذي قال: هل وجدتَ شيئًا؟
ابتسم «أحمد» وقال: إنَّنا في الطريق إلى ذلك.
ابتسم «أماندوليون» وهتف: صحيح.
فجأةً ظهر «باسم» من الباب وهو يقول: إنَّنا الآن في مأمن، لقد انتهى عمل الكاميرات؛ فقد أطلقت مجالًا مِغناطيسيًّا في الحمَّام والغُرفة، ولن تستطيع الكاميرات الخفيَّة أن تنقل لهم أيَّة صورة.
نظر لهما «أماندوليون» وهو يقول: أنتما شیطانان.
وبسرعةٍ أخرج «باسم» جهازًا دقيقًا، ضغط أحد أزراره فانطلقت أشعَّةٌ غير مرئيَّة. اقترب من الجُدران وهو يمرُّ بالجهاز عليها، ثم فجأةً صاح: لقد انتهت المشكلة.