وأخيرًا … ضحِك الشياطين
أُضيئت الطُّرقة بأضواءٍ مُبهرة، حتى إنَّ الشياطين ومعهم «أماندوليون» قد اضطُرُّوا إلى وضع أيديهم على عيونهم التي أقفلوها.
وهمس «أحمد» بسرعة: خُذوا حِذركم؛ إنَّ «أماندوليون» قد يختفي الآن.
كان «أماندوليون» بجوار «رشيد» في هذه اللحظة، فأسرع بإمساك ذراعه. وكما توقَّع «أحمد» كانت هناك فِرقةٌ جديدة قد أحاطتهم بسرعة، إلا أنَّ «باسم» الذي استعدَّ لمِثل هذا الأمر قد أخرج من جَيبه مجموعةً من قنابل الدُّخان ألقى بها على الأرض … وقبل أن تستطيع المجموعة الجديدة عمل أي شيء كان الدُّخان قد غطَّى المكان.
ولأنَّ الشياطين لا يتأثَّرون بدخان هذه القنابل، فقد أسرع «باسم» وقدَّم قِناعًا شفَّافًا ﻟ «أماندوليون» حتى لا يُؤثِّر فيه الدُّخان.
في نفس الوقت كان الدُّخان قد حجب كثيرًا من قوَّة الضوء، فاستطاع الشياطين أن يتصرَّفوا. كان صوت سُعال الرِّجال يتردَّد في المكان … ولم تكُن هناك حاجة للاشتباك معهم. كانت المهمَّة الآن أن يُغادِر الشياطين الطُّرقة …
همس «أحمد»: علينا أن نتحرَّك بسرعة؛ فأظنُّ أنَّ هذه هي آخر فرصة لنا، وأعتقد أنَّهم يُفكِّرون الآن في القضاء علينا نهائيًّا، ومعنا «أماندوليون»، في حركةٍ يائسة.
همس «باسم»: اتَّجِهوا إلى نفس المكان الذي جاءت منه المجموعة، فهذه فرصةٌ قبل أن يتبدَّد الدُّخان نهائيًّا …
أسرع الشياطين إلى نفس الاتِّجاه. كان «أحمد» يُفكِّر: إنَّ مَعارك جديدةً سوف تبدأ، وإن كانت هي الحل الوحيد.
تقدَّموا بسرعة وإن كان «أماندوليون» يُعطِّلهم؛ فقد كانت حركته بطيئةً نوعًا … ومع ذلك ظلَّ «رشيد» مُمسكًا بذراعه؛ فقد كان يتوقَّع الهُجوم عليه في أيَّة لحظة. قطع الشياطين مسافةً طويلةً دون أن يظهر شيءٌ جديد.
لكنْ فجأةً انفتح الجدار أمامهم وظهر ضوء النهار. توقَّف الشياطين بسرعة؛ فقد كانت الحركة الجديدة تُخفي وراءها شيئًا. همس «أحمد»: لا أظنُّ أنَّنا وصلنا إلى برِّ الأمان.
قال «فهد»: أعتقد أنَّها خدعةٌ جديدة، وأنَّنا مُقبِلون على صِدامٍ آخر.
فجأةً انهالت طلقات الرَّصاص كالمطر. الْتصَق الشياطين بالحائط، وهمس «أحمد»: لقد فكَّرت في ذلك تمامًا، لقد وصلوا إلى حالة اليأس، وليس أمامهم الآن إلا أن يتخلَّصوا منَّا جميعًا.
سكت لحظةً ثم أضاف: لكنَّهم لم يُحدِّدوا وقتهم جيِّدًا؛ فقد كان عليهم أن ينتظروا قليلًا حتى نخرج لهم ونكون وسَط جحيم الرَّصاص، لكن لا بأس.
ظلَّ الشياطين في أماكنهم. كان «أحمد» يُفكِّر: من يدري؛ ربَّما يتحرَّك هذا الجدار الذي نحتمي به فنكون في الخلاء تمامًا.
لفت نظر الشياطين إلى ذلك فابتعدوا قليلًا حتى لا تَحدُث مفاجأة. في نفس الوقت قال «رشيد»: أعتقد أنَّنا نستطيع الانسحاب تحت ستار من الدُّخان، وعندما نكون في الجبل سوف يكون أمامنا فرصة للتصرُّف …
قال «باسم»: أين تقِف السيَّارة؟
ردَّ «فهد»: سوف نستدعيها حالًا.
أخرج «الريموت كنترول» من جَيبه، ثمَّ ضغط زرًّا فيه، فأضاءت لمبةٌ حمراء دقيقة. قال: إنَّها في الطريق، إنَّ علينا أن نتَّجه إليها.
في نفس الوقت كان «باسم» قد ألقى عدَّة قنابل دُخانيَّة خارجَ المكان، وما هي إلا دقائق حتى كان الدُّخان ينتشر في كل مكان. كانت فرصة الشياطين الآن للتحرُّك؛ أسرعوا يُغادِرون مكانهم في اتِّجاه السيَّارة التي كانت تقِف في انتظارهم.
سأل «رشيد»: أين تقِف السيَّارة بالضبط؟
ردَّ «فهد»: إنَّها عند النقطة «ع» عند أوَّل منحنًى.
استمرُّوا في طريقهم، لكنْ فجأةً دوَّى انفجارٌ رهيب، ثم ارتفعت ألسنة اللَّهب فأضاءت الدُّخان نفسه.
همس «فهد»: لقد فجَّروا السيَّارة.
كان الشياطين قد توقَّفوا عند سماع الانفجار. أسرع «أحمد» وأرسل رسالةً سريعة إلى «زبيدة» في مركز العمليَّات، كانت الرسالة من جزأين. وبعد لحظةٍ كان ردُّ «زبيدة» قد وصل. نقله إلى الشياطين.
فقال «رشيد»: هي إذَن مسألةُ وقت.
فجأةً تَردَّدت الطلقات تخترق الدُّخان في اتِّجاهاتٍ عشوائيَّة. همس «أحمد»: خُذوا حِذركم؛ إنَّهم الآن يفعلون أيَّ شيء، وقد يُصاب أحدنا برَصاصةٍ طائشة.
مرَّت دقائق، فقال «فهد»: ينبغي أن نزحف مُبتعِدين عن المكان حتى نأمن هذه الطلقات الطائشة.
بدأ الشياطين زحفهم، غير أنَّ «أماندوليون» كان يتألَّم كثيرًا؛ فقد كانت الصخور الصغيرة تفرش المكان. بدأ الدُّخان يختفي، وشيئًا فشيئًا أصبح تحرُّك الشياطين واضحًا.
قال «أحمد»: إنَّنا نستطيع أن نفعل أيَّ شيءٍ الآن؛ فالجبل أمامنا على اتِّساعه وارتفاعه، فقط علينا أن نَحذَر هجومًا جديدًا. لقد كان الدُّخان يُحدِّد مكاننا، وإن لم تكُن هناك طريقةٌ أخرى. أيضًا يُمكِن أن نتفرَّق، على أن يظلَّ الاتِّصال مُستمرًّا. سوف أصحب «أماندوليون»، وليَكُن تحرُّكنا داخل دائرة أبعادُها «س و ل و ي و م».
فجأةً شعر «أحمد» بدفء الجهاز، فعرَف أنَّ رسالةً في الطريق. بدأ يتلقَّى الرسالة؛ كانت تقول: ««٢٩ – ٧ – ٧ – ٩ – ٢٩ – ٢٩» وقفة «١٠ – ١» وقفة «٢٩ – ٧ – ٥ – ٩ – ١٤ – ٣» وقفة «٢٩ – ٧ – ٥ – ١٨ – ٢٠» وقفة «١٠ – ١» وقفة «٢٩ – ٧ – ١٤ – ٢٠ – ١ – ٩» انتهى.»
ترجم «أحمد» الرسالة وعرَف مضمونها، ثم أرسل رسالة إلى الشياطين يُحدِّد نقطة اللقاء التي حدَّدَتها رسالةُ «زبيدة».
كان الطريق وعرًا الآن في دروب الجبل. فكَّر «أحمد»: إنَّ نقطة «ﻫ» لا تبعد كثيرًا عن قمَّة الجبل، ولو أنَّه اتَّجه إليها فسيَكون في مكانٍ مُلائم.
لكنَّه ردَّ على تفكيره بتفكيرٍ آخر: إنَّ الهضبة يُمكِن أن تكون مكانًا مُلائمًا أكثر؛ فقمَّة الجبل سوف تكون مكشوفة … أمَّا الهضبة فإنَّ فرصة المُناوَرة فيها أكبر، غير أنَّ «أماندوليون» يُمكِن أن يَعُوق كلَّ هذه التحرُّكات؛ فالرَّجل مُتقدِّم في السِّن ولا يتحمَّل ما يفعله الشياطين.
كان الموقف مُتردِّدًا تمامًا، لكن تبعًا لخريطة تحرُّك الشياطين فإنَّهم جميعًا الآن يتَّجهون إلى القمَّة، وهذا يعني أنَّ عليه أن يتَّجه إليها مثلهم.
لكنْ فجأةً جاءته رسالةٌ من «رشيد». كان «رشيد» يقول: إنَّ الاتِّجاه إلى الهضبة سوف يكون أكثر أمانًا، بجوار أنَّه يحمل خدعةً جيِّدة؛ عندما يتردَّد صوت الطائرة سوف تتَّجه الأنظار إليها، وربَّما اشتبكت معها العصابة وحاولَت إسقاطها. والليل يقترب الآن، وسوف تنخفض درجة الحرارة في هذه المنطقة الجبليَّة، ولن يحتمل السيِّد «أماندوليون» وقد مرَّ بأوقاتٍ صعبة معنا. إنَّ السيَّارة — تبعًا لرسالة «زبيدة» — سوف تكون جاهزةً عند الهضبة، وهذا يعني أنَّنا يُمكِن أن نتصرَّف بها، وحتى إذا وقعت اشتباكاتٌ أخرى فإنَّ ذلك لا يُخيف الشياطين.
كانت الرسالة طويلة، ظلَّ «أحمد» يتلقَّاها ويُترجمها، في الوقت الذي كان «أماندوليون» يُراقِبه في صمت. فجأةً دوَّت طلقةٌ بجوار «أماندوليون» حتى إنه ظنَّ أنَّ الرجل قد أُصيب … إلا أنَّ الطلقة كانت قد اصطدمت في صخرةٍ قريبة منه تمامًا، فألقى الرجل نفسه على الأرض.
سأله «أحمد»: هل أُصبتَ؟
ردَّ «أماندوليون» في ضعف: لا، لكن الأرض صُلبة، وقد آلَمَتني تمامًا.
ساعَده «أحمد» على الوقوف، ثم أرسل رسالةً إلى الشياطين: «سوف نُغيِّر خُطَّة حركتنا تبعًا لرأي «رشيد»؛ فهو رأيٌ صائب تمامًا.»
ثم أصدر إليهم خُطَّة التحرُّك. في نفس اللحظة وجَّه جهاز البحث الإلكتروني في اتِّجاه المنطقة التي حدَّدَتها «زبيدة» ثمَّ انتظَر، غير أنَّ الجهاز لم يُسجِّل شيئًا. فكَّر قليلًا ثم أرسل رسالةً إلى الشياطين: «سوف نلتقي في النقطة «ي».»
أسند «أماندوليون» ثم بدأ النزول على مهل؛ لأنَّ «أماندوليون» لم يكُن يحتمل الحركة السريعة …
كانت الشمس تتَّجه إلى المَغِيب في هذه الساعة، وبدأت أضواء النهار تنسحب في هدوء، بينما كانت درجة الحرارة تنخفض حتى إنَّ «أماندوليون» قد أخذ يرتجف. أسرع «أحمد» إليه فقدَّم إليه كبسولة.
نظر له «أماندوليون» نظرةَ شُكْر، ثم ابتسم قائلًا: إنَّكم تتحمَّلون الكثير.
ابتسم «أحمد» وربَّتَ على يده، ثم استمرَّ في النزول. فجأةً ظهر عددٌ من الرِّجال فوق المكان الذي ينزلان منه؛ كانوا ستَّة. ألقى عليهم نظرةً فاحصة ثم قال في نفسه: أخيرًا سوف تنتهي المغامرة؛ بالفشل.
وقبل أن يُقرِّر قرارًا كانت المعركة قد بدأت بالفعل؛ فقد كان الشياطين في نفس المكان. امتلأت عينا «أماندوليون» دهشةً وهو يرى أحد أفراد العصابة يطير في الهواء وهو يسقط في اتِّجاههم؛ فقد ضُرِب ضربةً قويةً جعلته يطير كالعصفور، وعندما سقط قريبًا من قدَمَي «أحمد» لم تكُن به من القوَّة ما يجعله يقِف مرةً أخرى.
أسرع «أحمد» هو الآخر إلى المجموعة واشترك في المعركة؛ فقد رأى أحدهم يرفع مُسدَّسه ليُصوِّب طلقةً إلى «فهد» … أسرع وأخرج مُسدَّسه، وأطلق طلقةً أطارت المُسدَّس من يد الرجل الذي نظر إليه في دهشة، لكنَّ دهشته لم تستمر؛ فقد كان «أحمد» قد طار إليه، وبقبضةٍ حديديَّةٍ ضربه ضربةً جعلته يدور حول نفسه ثم يسقط بلا حَراك.
في نفس الوقت كان «باسم» قد أمسك بأحد أفراد المجموعة، وضربه ضربةً قويةً جعلت الرجل يهتزُّ في عنف ثم يصطدم بصخرةٍ قريبة ويسقط على الأرض! لم تستغرق المعركة ثلث ساعة …
ووقف الشياطين بعدها يَنظُرون حولهم في انتظار المزيد؛ لقد امتلكتهم قوةٌ غريبة؛ فقد كانوا يريدون الانتهاء من المغامرة، تمامًا كما قال «أحمد»؛ لأنَّ «أماندوليون» وهم ما زالوا موجودين في مَركز العصابة في بطن الجبل.
كان الليل قد بدأ يهبط، وأخذ الجبل يختفي في الظلام، وهذه كانت فُرصتهم الأخيرة حتى ينسحبوا من المكان، بعد أن أصبح «أماندوليون» في أمان.
لقد كان الليل ستارًا طيِّبًا للاختفاء. أخذوا طريقهم إلى النقطة «ي»، إلا أنَّ رسالةً سريعةً جاءتهم: «إنَّني في الانتظار.»
كانت الرسالة من «زبيدة»، وكانت صادرةً من النقطة «ي» نفسها.
ابتسم «أحمد» وهو يقول: لقد وصَلَت «زبيدة» في اللحظة المناسبة …
عندما كان جهاز الاستقبال يستقبل الإشارات الصادرة من سيارة «زبيدة» … كان صوت طائرة يتردَّدُ في الظلام، وكانت أنوارها تُضيء ثم تختفي.
أرسل «أحمد» رسالةً إلى قائد الطائرة يطلب منه أن يدور دورةً أو اثنتَين حتى يُعطيهم فرصةً لمغادرة المكان … وعندما استقرُّوا في السيَّارة التي كانت تقودها «زبيدة» أرسل رسالةً أخرى يشكر فيها قائد الطائرة، ويُعطيه خطَّ سَير السيَّارة.
تَحرَّكت «زبيدة» في نفس الوقت الذي كانت فيه تُحلِّق الطائرة فوقهم، بينما أرسل «أحمد» رسالةً إلى الزعيم يقول فيها: «لقد انتهت المغامرة.»
وفي دقيقةٍ كانت رسالةٌ صادرةٌ من المَقرِّ السِّري تقول: «رقم «صفر» يُهنِّئكم ويتمنَّى لكم ليلةً طيِّبة. الاجتماع في السادسة مساءَ الغد في المَقرِّ السِّري.»
نقل «أحمد» الرسالة إلى الشياطين فانفجروا في الضحك؛ فهناك مغامرةٌ جديدة في انتظارهم.