آلام الفقير١
سألني الغني: «مِمَّ يتألَّم الفقير؟» فأجبته أن اتبعني — حيث أقودك — وأنا الكفيل بإقناعك!
•••
كنا في المساء، وكان منظر الطرقات — التي تراكمت على أرضها الثلوج — يدعو إلى الانقباض والوحشة، وكنا مرتدين لباسًا سميكًا أحكمنا دثاره لشدة البرد، ولكن ذلك لم ينقذنا من قشعريرته.
وإذا بشيخ مسنٍّ مررنا به في طريقنا، ولم يكن في رأسه إلا خصلٌ قليلة من الشعر الأبيض، فسألته: «ما الذي أخرجك من بيتك؟ وماذا تعمل في هذه الليلة القرَّة؟»
فأجابنا: «حقًّا إنها ليلة قاسية البرد؛ ولكنني لم أجد وقودًا في بيتي فاضطررت إلى مغادرته واستجداء الناس المعونة.»
•••
ورأينا طفلة صغيرة عارية القدمين، تسأل الناس بصوت مرتفع جريء، فسألتها: «وماذا تصنعين هنا في هذه الريح الصرصر؟»
•••
ورأينا امرأة جالسة على صخرة تستريح، وعلى صدرها طفلة، وفوق ظهرها أخرى، فسألتها: «وما الذي أخرجك في هذه الريح العاتية؟»
فالتفتت إلى طفلها الذي كان من خلفها، وأمرته أن يكفَّ عن صياحه، ثم قالت لنا: «إن زوجي جندي طوَّح به القدر إلى مكانٍ قصيٍّ، فلم أجد مندوحة عن الذهاب إلى الكنيسة متكففةً.»
•••
وهنا ألتفتُّ إلى صاحبي الغني — الذي وقف حينئذ واجمًا — وقلت له: لقد سألتني: «ممَّ يتألم الفقير؟».
وقد أجابك كل هؤلاء!
(١) صحبة الكرام٣
(٢) فخر المجد٤
•••
•••
(٣) أثر المصارحة٥
وإنهم ليقذفونك بمئات من النكات من كل صوبٍ، وليس أتم لسرورهم، وأدعى لتفكهتهم من رواية الكثير من المُلَح والنوادر التي لا نهاية لها عن بخلك المزري.
فبينما يروي عنك أحدهم أنك تُعنى بطبع تقاويم خاصة تضاعف فيها أيام الصيام المفروضة؛ لترغم عشراءك على عدم تناول طعام عندك في خلالها.
إذ يحدِّث عنك آخر أنك على استعداد دائم لخلق شجار بينك وبين خدمك في صبيحة اليوم الذي تطردهم فيه؛ لتجد لك بذلك مندوحةً لحرمانهم من أجورهم.
ويقص علينا ثالث أنك كسرت رِجل قطة جارك؛ لأنها أكلت فضالة فخذ شاتك.
ويقول عنك رابع: إنك تسللت ذات ليلة لتسرق علف خيلك، ففاجأك حوذيُّك — الذي كان عندك قبلي — فضربك بهراوته في الظلام. لا أدري كم ضربة من الضربات التي تحملتها مؤثرًا ألا تقول لأحد عنها شيئًا.
وبعدُ، أتريد أن أقرر لك أن الإنسان لا يكاد يهتدي إلى جهة واحدة يؤمها دون أن يسمع عنك ما تنوء بحمله من المثالب؟
فأنت المثل السيئ، وأنت الأسطورة المضحكة التي يتلهى بها الناس، وأنت من لا يتكلم عنه أحد دون أن ينعته بالشحيح، الوغد، البشع، رمز الدنايا!