ابن التلميذ الطبيب النصراني والأطباء
من النوادر التي رواها الكتبة عن ابن التلميذ الطبيب النصراني: أن الخليفة كان فوض إليه رئاسة الطب ببغداد، فاجتمع إليه سائر الأطباء؛ ليرى ما عند كل واحد منهم من هذه الصناعة، وكان في جملتهم شيخ له هيئة ووقار وعنده سكينة، فأكرمه أمين الدولة، وكان لذلك الشيخ دربةٌ ما بالمعالجة، ولم يكن عنده من علم صناعة الطب إلا التظاهر بها، فلما انتهى الأمر إليه قال له أمين الدولة: ما السبب في كون الشيخ لم يشارك الجماعة فيما يبحثون فيه حتى نعلم ما عنده؟ فقال: يا سيدنا، هل شيء مما تكلموا فيه إلا وأنا أعلمه، وقد سبق إلى فهمي أضعاف ذلك مرات كثيرة! فقال له أمين الدولة: فعلى من كنت قد قرأت هذه الصناعة؟ فقال الشيخ: يا سيدنا، إذا صار الإنسان إلى هذه السن ما يبقى يليق به إلا أن يُسْأَلَ كم له من التلاميذ، ومن هو المتميز فيهم، وأما المشايخ الذين قرأت عليهم فقد ماتوا من زمان طويل. فقال له أمين الدولة: يا شيخ، هذا شيء قد جرت العادة، ولا يضر ذكره، ومع هذا فما علينا، أخبرني أي شيء قد قرأت من الكتب الطبية؟ وكان قصد أمين الدولة أن يتحقق ما عنده. فقال: سبحان الله العظيم، صرنا إلى حد ما يسأل عنه الصبيان «أي شيء قد قرأته من الكتب؟»، لمثلي ما يقال إلا: «أي شيء صنفته من صناعة الطب، وكم لك فيها من الكتب والمقالات؟»، ولا بد أنني أعرفك بنفسي.
ثم إنه نهض إلى أمين الدولة، ودنا منه وقعد عنده، وقال له فيما بينهما: يا سيدي، اعلم أنني قد شخت وأنا أوَسم بهذه الصناعة، وما عندي منها إلا معرفة اصطلاحات مشهورة في المداواة، وعمري كله أتكسب بها، وعندي عائلة، فسألتك بالله يا سيدنا، مشِّ حالي ولا تفضحني بين هؤلاء الجماعة. فقال له أمين الدولة: على شريطة، وهي أنك لا تهجم على مريض بما لا تعلمه، ولا تُشير بفصد ولا بدواء مسهل إلا لما قرب من الأمراض. فقال الشيخ: هذا مذهبي مذ كنتُ ما تعديت السكنجبين والجلاب. ثم إن أمين الدولة قال له معلنًا والجماعة تسمع: يا شيخ، اعذرنا فإننا ما كنا نعرفك، والآن فقد عرفناك، استمر فيما أنت فيه، ولا أحد يعارضك.
ثم إنه عاد بعد ذلك فيما هو فيه مع الجماعة، وقال لبعضهم: على من قرأت هذه الصناعة؟ وشرع في امتحانه. فقال له: يا سيدنا، أنا من تلامذة هذا الشيخ الذي قد عرفته، وعليه كنتُ قد قرأت صناعة الطب. ففطن أمين الدولة بما أراد من التعريض بقوله، فتبسم، وامتحنه بعد ذلك.