الجواد الكريم
بينما كنتُ في خراسان في السنة المنصرمة، جاء شاب حسن الطلعة من أبناء الشيوخ، راكبًا جوادًا عربيًّا كريمًا، وكان قد طلب منه أحد أصدقائه من قبيلة أخرى ليعيره إياه، فيرسله على حِجر له، وقد أهدى له هدية لقاء هذه الإعارة ما يساوي أربعمائة فرنك، فلم يشأ صاحب الجواد، فأخذ الثاني يترصد له؛ لينتقم منه فيقتله غيلةً، فلما أراد يومًا صاحب الفرس الكريم — وكان اسمه محمدًا — أن يذهب إلى واحد من أقاربه وكان بعيدًا عنه نحوًا من سبعة فراسخ، وإذا بعدوِّه — وكان اسمه محسنًا — قد تَأَثَّرَه عن بعيد، حتى إذا صار الأول في قلب البادية، وإذا بمحسن ينهب الأرض بجواده كأنه البرق الخاطف، ولما أوشك أن يكون من صاحبه على قاب قوسين، أحس هذا بالخطر، فقال لجواده: «خلصني يا حمام» — وحمام هو اسم فرسه. وفي أثناء هذه الكلمات ضربه برجله، فإذا بالحمام يطير كأن قد نبت له جناحان، وأما محسن فوقف كالمبهوت المتحير، أو كأنه قد صُعِق بمكانه، وخاف أن يعود إلى عشيرته لانكشاف أمره وافتضاح سره، فلم يُعرَف ما جرى به. وأما محمد فبعد أن قص كل هذه القصة بتفاصيل عجيبة غريبة — وقد اختصرناها هربًا من الإطالة — قدم له ما يروي عطشه، وكان النهار حارًّا يتقد نارًا، أما هو فلم يشرب بل أشربه جواده، ولم يكن في تلك الخيمة غير هذا الماء، والمورد كان بعيدًا عن الأعراب، ثم قُدِّم له خبز فأطعمه جواده أيضًا، وبينما كان يأكل كان صاحبه يقبله مرات عديدة، ويأكل بعض الكِسَر اليابسة التي بيده، ولما كان فمه ناشفًا لقلة الرضاب غصَّ بكسرة من هذا الخبز فمات، وأما أصحاب الخيمة فبكوا بكاءً عظيمًا، ثم كتب أحدهم هذه الحكاية، وأناطها برقبة الجواد، ثم ضرب الجواد قليلًا، ففهم معنى ذلك، ورجع إلى أهل الميت لا فارس عليه، فعلموا أن محمدًا قد قُتل، غير أنهم لما فضوا الرقعة أدركوا السبب، وندبوه أيامًا طوالًا.