حتمية الجمهور: المصدر الهجين لطاقة العمل
الطاقة الحيوية.
تخيَّل ساحة فارغة، يسودها الهدوء والسكون. والآن تخيَّلها مليئة بأشخاص يفيضون بالحماس حيال الحدث الرياضي الذي هُم على وشك مشاهدته. إن الفرق جليٌّ تمامًا، حتى من الناحية النظرية؛ لأننا جميعًا خضنا هذه التجربة. كلُّ واحد منا كان جزءًا من جمهور يهتف ويغني وينقر بقدميه طلبًا للمزيد.
وحين نقول إن مقدمي العروض الكوميدية وممثلي المسارح والموسيقيين والرياضيين «يكتسبون طاقتهم من الجمهور»؛ فذلك لأن طاقة الجمهور يمكن — حرفيًّا — أن تؤدي إلى نجاح عرضهم أو فشله.
المستهلكون هم المصدر الأساسي لطاقة العمل.
كلُّ شركة تسعى إلى توليد طاقة العمل.
ربما لا تنظر إلى نفسك على أنك أشبه «بمستكشِف» عندما تمارس عملية التسويق، ولكنك كذلك؛ فأنت تقضي حياتك المهنية في سعي مستمر نحو تحديد موقع طاقة المستهلكين، واستغلالها وتحويلها إلى مبيعات لصالح شركتك. وبصراحة، الجهد المبذول لتملق المستهلكين وإقناعهم بترك الجلوس على الأريكة — والتخلي عن الهواتف الذكية — من أجل إيلاء الاهتمام بمنتجاتك أو خدماتك لا يقل صعوبة في بعض الأحيان عن التنقيب عن النفط في أعماق المحيطات السحيقة.
«الاهتمام» هو المورد الطبيعي الثمين الذي تسعى كل الشركات جاهدةً من أجل كسبه والاحتفاظ به. وقد تسبَّب تقسيمُ اهتمام المستهلك عبر القنوات والأجهزة والمواقع في حدوث أزمة طاقة حقيقية بالنسبة إلى المسوقين. ونتيجة لذلك، فإن الشركات تسعى جاهدةً لإيجاد مصادر إضافية للطاقة لدعم أعمالها.
***
الاهتمام هو المورد الطبيعي الثمين الذي تسعى كل الشركات جاهدةً من أجل كسبه والاحتفاظ به.
***
(١) الوقود الحفري للتسويق
لم أكن متأكدًا من السبب الذي من أجله أرادت شركة سنكلير جذب شريحة سكانية محددة وهي المراهقون شديدو الشغف بالديناصورات، ولكن شعارها دفعني في ذلك الوقت أن أسأل والدي عن سبب كون هذا البرونتصور (أو لعله ديناصور آخر من أصل غير معروف) شعارًا للترويج لمحطة الوقود. وكرجل متعلِّم، التفت إليَّ والدي وقال (دون تردد): «لأن النفط يأتي من الديناصورات.»
أُصِبْتُ بالاندهاش! وكاد عقلي يطير. على الأرجح تغيبت عن المدرسة في اليوم التالي بدعوى المرض لكي أجلس أنا — الطفل البالغ من العمر ثماني سنوات — لأفكر في عدد الديناصورات ثلاثية الرءوس الشهيرة بالترايسيراتوبس اللازم لملء خزان وقود شاحنتنا فورد إكونولاين.
هذا يشبه الدعاية نوعًا ما.
نعم، الدعاية هي وقود التسويق. أقولُها دون أي نية للتشكيك في ذلك. في الواقع، ثمة حجة قوية تشير إلى أن الدعاية لم تكن أبدًا أكثر نشاطًا مما هي عليه اليوم.
***
الدعاية هي الوقود الحفري للتسويق.
***
تستخدم الشركات اليوم الدعاية من خلال القنوات التقليدية مثل المطبوعات والإذاعة والتليفزيون، وكذلك كل أنواع شبكات الويب وشبكات الفيديو وشبكات المحمول والشبكات الاجتماعية. وبمساعدة ملفات تعريف الارتباط (سجلات التتبع)، يستطيع الْمُعْلِنون استخدام البيانات الديموجرافية وبيانات تصفح الويب وبيانات الشراء الخاصة بكل مستهلك لتحديد العملاء المستهدفين على نحو أفضل وإعادة توجيه تلك الإعلانات إلى فئاتٍ بعينها لزيادة تأثيرها بطرق تبدو وكأنها شيء يأتي مباشرة من أفلام الخيال العلمي مثل فيلم «تقرير الأقلية» (مينوريتي ريبورت).
يدفع المعلِن أموالًا للحصول على فترة زمنية محدودة أمام جمهور يجذب انتباهه طرفٌ ثالث.
في حالة الوقود الحفري، تُجري شركات الطاقة الكبرى أعمال الحفر والتنقيب من أجل أن تطالب رسميًّا بحقوق في احتياطيات النفط والفحم والغاز الطبيعي الهائلة. وفي حالة الإعلانات، تُجري شركات الإعلام عمليات بحث وتنقيب للاستحواذ على انتباه المستهلكين الذي تبيعه مرةً أخرى للمُعْلِنين في صورة صفحات ومرات عرض ونقرات وإعلانات مدتها ٣٠ ثانية. وفي كلتا الحالتين، يتحكَّم وسيطٌ في الوصول إلى الموارد الطبيعية، مضيفًا تكاليف ومرسِّخًا للرغبة في الراحة.
ارتفاع تكلفة جماهير كرة القدم
جمهور (الولايات المتحدة، بالمليون) | تكلفة إعلان مدته ٣٠ ثانية (بالدولار الأمريكي) | |
---|---|---|
٢٠٠٤ | ٨٩٫٨ | ٢٢٠٠٠٠٠ |
٢٠٠٥ | ٨٦٫١ | ٢٤٠٠٠٠٠ |
٢٠٠٦ | ٩٠٫٧ | ٢٥٠٠٠٠٠ |
٢٠٠٧ | ٩٣٫٢ | ٢٦٠٠٠٠٠ |
٢٠٠٨ | ٩٧٫٥ | ٢٧٠٠٠٠٠ |
٢٠٠٩ | ٩٨٫٧ | ٢٧٠٠٠٠٠ |
٢٠١٠ | ١٠٦٫٥ | ٢٥٠٠٠٠٠ |
٢٠١١ | ١١١ | ٣٠٠٠٠٠٠ |
٢٠١٢ | ١١١٫٣ | ٣٥٠٠٠٠٠ |
٢٠١٣ | ١٠٨٫٤ | ٣٨٠٠٠٠٠ |
هذا صحيح. في غضون عقد واحد فقط، زادت تكاليف الإعلان في بطولة السوبر بول بنسبة ٧٢ بالمائة بينما زاد جمهور التلفزيون بنسبة ٢١ بالمائة فقط. من الواضح أنه من المربح أن يكون لديك جماهير خاصة ترغب الكثير من العلامات التجارية في الوصول إليها.
- (١) «تضع الشركات تحت رحمة طرف ثالث»: أنت دائمًا «تستعير» انتباه الجمهور من شخصٍ آخر. ورغم وجود بعض ضمانات الجودة حيال تركيبة الجمهور، فإن الشركات المُعْلِنة دائمًا ما يخالجها شعورٌ كما لو أن نصف ميزانياتها يضيع، وهي فقط لا تعرف أيَّ نصف هو.5
- (٢)
«تترك المسوقين عُرضة لأهواء السوق»: تمامًا كما ينزعج السائقون عندما ترتفع أسعار الوقود، ينزعج المسوقون أيضًا عندما تزيد تكلفة الوصول إلى الجمهور بنسبة ٥٠ بالمائة عامًا بعد عام؛ فالتكلفة لكل ألف ظهور وتكلفة النقرة والإعلان الممتد لثلاثين ثانية وغيرها من أسعار الوحدات الإعلانية تمارس ضغوطًا على الميزانيات المُرهَقَة وتُجْبِر المسوقين على تعويض المبيعات أو تؤدي إلى حدوث عجز في أماكن أخرى أو عدم الوصول إلى الأعداد المطلوبة. ولا أحدَ يريد ذلك.
- (٣) ««تُلَوِّث» بيئة المستهلك»: تشير التقديرات إلى أن المستهلك الأمريكي العادي يتعرَّض لآلاف من الرسائل الإعلانية يوميًّا.6 هذا كله تلوث ضوضائي يجب أن تخترقه رسالتك من أجل التواصل مع المستهلكين.
إذا لم تكن مُعْلِنًا متعدد القنوات وتعلن بكثافة عالية، فإنه بوسعنا القول إن الاعتماد على وقود الدعاية الحفري وحده يؤدي بك نحو الانقراض المؤكَّد؛ فلم يكن أبدًا التنافس المتزايد على الموارد المتناقصة غير المتجددة خطة جيدة للبقاء والاستمرارية. وذاك أمرٌ يمكنك أن تدركه بالنظر إلى مصير الديناصورات وحسب.
(٢) طاقة التسويق المتجددة
الطاقة المتجددة فكرة رومانسية للغاية. عندما تستخدم ألواحًا شمسية، أو تضع توربينات رياح في الأماكن المفتوحة، أو تستفيد من الطاقة الحرارية الأرضية الموجودة تحت منزلك، فإنك لا تكون تحت رحمة أباطرة الطاقة؛ وبذلك، يصبح في إمكانك فجأة الوصول إلى كل الطاقة النظيفة الوفيرة التي تحتاجها، دون الاضطرار إلى الدفع لطرفٍ ثالث مرة أخرى.
إلا أن الأمر لا يسير تمامًا على هذه الشاكلة. على الأقل، ليس بعد.
الطاقة الشمسية فعالة فقط في بعض المناطق المشمسة في العالم. وتعد توربينات الرياح رائعة إذا كان الجو عاصفًا، لكنها تتسبَّب أحيانًا في قتل الطيور وتحتاج إلى مصادر طاقة احتياطية عندما تتوقف الرياح. وعلى الرغم من أن الطاقة الحرارية الأرضية تمثل نظامًا رائعًا للمنازل الجديدة، فإن استخدامها في المنازل القديمة يكلِّف كثيرًا. وعلى الرغم من هذه المشكلات، يرى مؤيدو استخدام الطاقة المتجددة أن مستقبلنا لا يعتمد على الوقود الحفري، ولكن على الموارد الطبيعية الوفيرة مثل الشمس والرياح والمد والجزر والأرض نفسها. وبمساعدة التكنولوجيا، يأملون أن نتمكن من تسخير هذه القوى للحد من الاعتماد على الوقود الحفري.
-
ماذا يمثل موقع الويب إن لم يكن لوحة شمسية تسويقية موضوعة لجذب الانتباه؟
-
ماذا يمثل الفيديو الترويجي إن لم يكن توربين رياح يحرِّكه الحماس الجماعي للأشخاص الذين يرغبون في مشاركة المحتوى الخاص بك؟
-
ماذا تكون صفحة «المعجبين» على فيسبوك إن لم تكن نوعًا من أنظمة الطاقة الحرارية الأرضية يستفيد من طاقة «المعجبين» الأكثر ولاءً لعلامتك التِّجارية؟
تعتمد تنمية الجماهير الخاصة على هذه المصادر المتجددة لطاقة الجمهور؛ فبدلًا من «الدفع في محطات البنزين» (التي يُقصد بها هنا وكالات الدعاية والإعلان)، تبني جمهورك الذي يدفع نموك. ربما يختار الأفراد إلغاء الاشتراك، أو عدم الإعجاب، أو التوقف عن متابعة علامتك التِّجارية مع مرور الوقت. لكن مواصلة جهود تنمية جمهور خاص والمضي فيها يسمح لك بإضافة مستهلكين جُدد باستمرار يتوقون لسماع ما تقوله شركتك. ولكي نتوصل إلى فهم أفضل لهذا المفهوم، دعنا نلقِ نظرة على سوق منتجات الأطفال الرُّضَّع.
يمكن لطاقة الاستهلاك (أي الاهتمام بمنتجك) أن تتغيَّر بسرعة؛ فهي مدفوعة بقوى مثل السن، والوظيفة، والملاءمة، والصحة، والدخل، والاهتمامات، ومراحل الحياة، والمكان. ولا قِبلَ للشركات بالتحكم في هذه التغيرات. ومن ثَمَّ، يجب أن نسعى دائمًا لتزويد جماهيرنا الخاصة المتجددة بأعضاء جُدد. وهنا تكمن الصعوبة: فلا يمكن أن نعتمد فقط على وقود الدعاية الحفري أو التسويق المتجدد عبر الإنترنت لتشغيل شركاتنا. بل يجب علينا تبني «نهج تسويقي هجين».
تمرين ٢: أسلوب الجزيرة المنعزلة
أحد أسئلتي المفضَّلة التي أطرحها على المسوقين هو: إذا كنت لا تستطيع أن تستخدم سوى خمسة أساليب فقط لتنمية عملك، فماذا ستكون تلك الأساليب؟
(٣) عصر التسويق الهجين
ربما تعطينا السيارة تسلا طراز إس لمحة عن المستقبل؛ مستقبل نقلل فيه اعتمادنا على الوقود الحفري ونعتمد على نحو متزايد على مصادر الطاقة المستدامة. يبدو المستقبل رائعًا، ولكني لا أغفلُ الحقيقة؛ إذ يجب توصيل السيارة الكهربائية طراز إس بالكامل بمقبس الكهرباء لكي تحصل على الشحن الكهربي، وهذه الكهرباء تأتي مباشرةً من شبكة الكهرباء التي تعمل بالفحم وحرق الوقود الحفري. ومن ثمَّ، فعلى الرغم من أن السيارة طراز إس ربما لا تمثل سيارة هجينة على المستوى الفني، فإن مصادر طاقتها بالتأكيد هجينة؛ الكهرباء من الوقود الحفري والطاقة المتجددة التي تُوَلَّد أثناء القيادة.
وهذا لا بأس به. فليس لزامًا أن تحل السيارة طراز إس «كل» مشاكل الطاقة في العالم. يكفي أنها تمثل خطوة نحو مستقبل أكثر كفاءةً في استخدام الطاقة.
الجماهير الخاصة مصدر متجدد للطاقة يمكن لأي عمل أن ينميه ويطوره.
لا تستخدم وسائل الإعلام المدفوعة والمملوكة والمكتسَبَة للبيع على المدى القصير وحسب، ولكن أيضًا لزيادة حجم جمهورك الخاص وزيادة ارتباطه بك وقيمته على المدى الطويل.
- (١)
الجماهير الخاصة.
- (٢)
وسائل الإعلام المدفوعة والمملوكة والمكتسَبَة.
- (٣)
الحجم والتفاعل والقيمة.
- (٤)
المدى الطويل.
دعنا نبدأ بتكوين فهم أفضل لأنواع الجماهير الخاصة المختلفة التي يمكن أن نبنيها اليوم.
إيلون ماسك: الرئيس التنفيذي الْمُسلَّح بالجمهور
-
ممارسة ضغوط مؤثرة على صحيفة نيويورك تايمز (@nytimes) لتصحيح أجزاءٍ من مقال قدَّم فيه أحد صحفييها ادعاءات كاذبة حول اختبار قيادة أجراه بنفسه لنماذج تسلا.
-
ترويج الأحداث الكبرى لشركاته مثل السداد المبكر للقروض الحكومية.
-
دحض المشككين في تسلا بالحقائق والبيانات.
يمكن لإيلون بمساعدة «متابعيه» على تويتر تخطي حرَّاس البوابات الإعلامية التقليديين، والدفاع عن شركته، ومشاركة أفكاره عن مستقبل الطاقة والنقل والبيئة. ومن ثمَّ، في المرة المقبلة التي يسألك فيها مديرك التنفيذي عن سبب أهمية أن ينشر تغريداته على تويتر، أَشِرْ فقط إلى إيلون؛ الرئيس التنفيذي الذي تمكَّن من بناء جمهوره على تويتر بينما يقود ثلاث شركات في وقتٍ واحد، ناهِيكَ عن أن لديه أيضًا خمسة أبناء؛ توأمان وثلاثة توائم. ولعل هذا هو السبب في أن الطراز إس يتسع لسبعة ركَّاب على نحو مريح.