اختبار الجهود وتطويرها
يعتبر هذا الاقتباس من رواية «قصة مدينتين» من أشهر افتتاحيات الروايات على الإطلاق؛ ففي جملة واحدة، ينقل ديكنز الازدواجية المُحيِّرة في عصره: عصرٌ اجتمعَ فيه التفاؤل والتشاؤم في آنٍ واحد ليكون مصدرًا لإلهام قلوب الرجال وتعذيبها.
ولا يسعني إلا أن أشعر أنه يلخِّصُ تمامًا البيئة التسويقية في الوقت الراهن.
إنَّ الوقت الحالي يمثل «أفضل العصور» بالنسبة إلى شركتك، نظرًا للطرق الكثيرة غير المسبوقة التي يمكنك الآن من خلالها الوصول إلى المستهلكين في كل مكان. وهو أيضًا «أسوأ العصور» للسبب نفسه.
جديًّا، ما الشركات — ما أقسام التسويق غير قسم التسويق الأكبر في العالم — التي يمكنها الاستفادة على نحو كامل من المجموعة المتنوعة من القنوات وأشكال الدعاية والتكنولوجيا الموجودة في الوقت الحالي؟ الجواب هو لا واحدة. لكي تحقِّق نجاحًا مبهرًا في التسويق الآن، يجب أن تعرف المواطن الجديرة بالاعتبار التي يجب أن توليها جهدك واهتمامك والمواطن غير الجديرة بذلك.
***
لكي تحقِّق نجاحًا مبهرًا في التسويق الآن، يجب أن تعرف المواطن الجديرة بالاعتبار التي يجب أن تُولِيها جهدك واهتمامك والمواطن غير الجديرة بذلك.
***
وهذا هو السبب في أن المحطة الأخيرة في خارطة طريق تنمية الجماهير الخاصة تستوجب منك اختبار جهودك وتطويرها باستمرار، فلن تنجز الأمور على وجهها الأمثل من أول مرة؛ فسوف تقع في أخطاء، وربما تحاول القيام بأمور صعبة عليك للغاية. وبما أنك لا تستطيع أن تفعل كلَّ شيء، فستحتاج لاختبار قنوات تنمية الجماهير الخاصة الحالية وقياسها وتقييمها لمعرفة أيها سيكون الأفضل والأكثر نجاحًا بالنسبة إلى شركتك ثم تعيد تنظيم جهودك وفقًا لذلك.
(١) الاختبار والقياس والتقييم
-
تعزيز معدل التحويل من خلال التوجُّه التلقائي نحو عبارات الحث على الشراء الأعلى أداءً.
-
التوقف عن بذل جهود في القنوات ذات الأداء السيئ.
-
تحويل المنشورات والتغريدات العادية العالية الأداء ذات معدل التفاعل المرتفع إلى منشوراتٍ أو تغريداتٍ مُموَّلة ذات مدى وصول أكبر.
-
بدء حملات إعادة الإشراك والتفاعل لمَنْ لا يبدون استجابة أساسًا.
-
إحلال العناصر المتوفرة محل العناصر غير المتوفرة (التي نَفَدَ مخزونها) في عبارات الحث على الشراء.
-
تحويل الإنفاق الدعائي نحو قطاعات الجمهور ذات الاستجابة الأعلى.
-
تحويل عمليات التراسل إلى فترات اليوم ذات معدلات الاستجابة الأعلى.
-
القدرات.
-
العلامة التِّجارية.
-
الميزانية.
-
سياسات شركتك.
-
المكانة في السوق.
-
أهداف تنمية الجماهير الخاصة.
-
الممتلكات المادية.
-
الجماهير الخاصة.
-
الموظفين.
-
المكانة (العامة أو الخاصة).
يمكن للأساليب التي نجحت مع العلامات التِّجارية الأخرى أن توجِّه جهود الاختبار لديك، ولكن في نهاية المطاف، ما يصلح لشركتك — علامتك التِّجارية — هو ما يجب أن يوجِّه استثماراتك التكتيكية. ومع تطوُّر القنوات وتغيُّر القوانين، يجب أيضًا أن تكون على استعدادٍ لقَبول فكرة أن ما نجح العام الماضي قد لا ينجح في العام التالي. وسوف يتضح من خلال عمليات الاختبار والقياس والتحليل — ببطء ولكن على نحو مُؤكَّد — قنوات تنمية الجماهير الخاصة التي تفيد شركتك بالقدر الأكبر. ومع مرور الوقت، سوف «تُطَوِّر» أيضًا مزيجك من القنوات والتراسل والموظفين لزيادة حجم جماهيرك الخاصة ومشاركتها وقيمتها على الوجه الأمثل.
والآن، لديَّ تشبيهٌ أخير قريب منا جميعًا يساعدك في استيضاح الأمور على نحو أفضل.
(٢) دروسٌ في التسويق مستقاة من خبرة ٥٠٠٠ سنة في كرة القدم
إحدى ميزات عملي كمسوِّق أنني أستطيع التحدث إلى الجماهير في جميع أنحاء العالم، بدءًا من الرؤساء التنفيذيين إلى موظفي التسويق الذين يحققون الأهداف الموضوعة. خلال إحدى ندواتي في المملكة المتحدة قبل بضع سنوات، سعدتُ بأن ذهبت إلى المطار مع سائق سيارة أجرة كانت لديه معرفة موسوعية بكرة القدم.
يا صديقي، يوجد أكثر من ٧٠٠٠ نادي كرة قدم في المملكة المتحدة وحدها.
لم يستطع عقلي استيعاب الرقم. لا شكَ أنه كان يُضمِّن في هذا الرقم أندية المحترفين وشبه المحترفين والهواة، ولكنه رقم يستحيل وجوده بالنسبة إلى شخص يعيش في فقاعة رياضات أمريكا الشمالية.
مع ذلك، ضغطت عليه، ممطرًا إياه بسؤال تلو سؤال؛ فأخبرني عن نشأة كرة القدم الأولى عام ١٨٦٣، وتعرَّفت منه أيضًا على مفهوم «الهبوط»، وهي العملية التي يتم فيها هبوط ثلاثة فرق أو نحو ذلك من الدرجة الأعلى كلَّ عام من أجل تصعيد عدد مساوٍ من الفرق من الدرجة الأدنى.
- (١) «اللعبة ليست جديدة»: يقرُّ الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا، (@FIFA) أن لعبة تسو تشو Cuju في القرن الثالث قبل الميلاد كانت السلف الأول للعبة كرة القدم الحديثة.2
وبالمثل، عندما تتأمل كلَّ قنوات التسويق الموجودة لدينا اليوم، فإنك تدرك أنها في الحقيقة تسويقٌ شفوي تُغذيه التكنولوجيا على نحو مكثَّف، وهذا التسويق الشفوي كان موجودًا منذ تعلَّم الإنسانُ اللغة.
- (٢) «سيطرت الفوضى خلال الفترة الأولى»: مُورسِت الأشكالُ الأولى من كرة القدم والرَّجبي في إنجلترا منذ القرن الحادي عشر. ولكن تلك المباريات كانت أكثر شبهًا بنظام غوغائي منها برياضة فعلية. وفي الواقع، علَّق مشاهِد فرنسي على إحدى هذه المباريات عام ١٨٢٩ قائلًا: «إن كان هذا هو ما يُسَمِّيه الإنجليز «لعبًا»، فمن المستحيل معرفة ما يمكن أن يسمونه «قتالًا».»3
الفترة الأولى للتسويق عبر الإنترنت تشبه فوضى الغرب المتوحش؛ فلم تكن العلامات التِّجارية متيقنة من كيفية ممارسة اللعبة وتقاتلت حول عناوين المواقع الإلكترونية، وتلا ذلك عددٌ كبير من حالات اندثار الشركات الناشئة عند انفجار فقاعة المواقع الإلكترونية عام ٢٠٠٠.
- (٣)
«يتطلب إرساءُ القواعد وقتًا وخبرة وتوافقًا»: لم تكن كرة القدم والرَّجبي رياضتين مختلفتين حتى وُضِعَتْ قوانينهما في عامي ١٨٦٣ و١٨٧١ على التوالي. وقبل عام ١٨٦٣، كان من الممكن أن تذهب للعب مباراة «كرة قدم» وتكتشف أن قواعد الفريق المضيف تتطلب وجود ١٨ لاعبًا للفريق الواحد وتسمح بالضرب العنيف باليدين والساقين. وحتى وقتنا الحالي، لا تزال قواعد كرة القدم في تطوُّر. وأصبحت أساليب مهاجمة الخَصْم أقل عنفًا، والعقوبات أشد، وعام ٢٠١٣ أدخل الاتحاد الدولي لكرة القدم أخيرًا تكنولوجيا خط المرمى لضمان احتساب الأهداف بدقة.
هل تعرف قواعد التسويق على فيسبوك أو بينترست أو تويتر، وأعني بذلك المعرفة الحقيقية؟ ربما تعرفها لحدٍّ ما، ولكن ليس المقصود أن تكون بمنزلة كتاب قواعد يوجِّه جهودك. كمسوقين عبر الإنترنت، فإننا نشبه كثيرًا إنجلترا في القرن الثامن عشر عندما كان ثمة الكثير من الألعاب المختلفة المنتشرة في الريف. كانوا يسمونها كرة قدم أو رَجبي، ونحن نسميها وسائل التواصل الاجتماعي. وفي الوقت الراهن، تتولى الفِرق صاحبة الملعب (فيسبوك وتويتر وغيرهما) إرساء القواعد. ولكن المشاركين — من علاماتٍ تجارية ومستهلكين — يستخدمون خبراتهم الشخصية على نحو متزايد لتحديد ما هو صواب أو خطأ من حيث الذوق والتوقيت والخصوصية. وليست هذه بعملية يمكن التسريع من إيقاعها؛ فالقواعد المميزة لكل قناة اجتماعية سوف تتجلى، ولكن علينا أن نعترف أن وضع القواعد يتطلب وقتًا وخبرة، وبعض الضربات للأسف.
- (٤)
«تتحرَّك اللعبة مع القوى التي تحرِّك الناس»: يرجع السببُ في تحوُّل كرة القدم إلى اللعبة الشعبية الأولى في العالم إلى قوتين دافعتين: الاستعمار البريطاني وظهور القاطرات البخارية. أوصلت القوة الأولى كرة القدم إلى أماكن بعيدة، وساعدت القوة الثانية فِرق المحترفين من مانشستر على السفر إلى لندن لإقامة منافساتٍ إقليمية، وليس على الصعيد المحلي فحسب.
أما على صعيد التسويق، فإن القوتين المتلازمتين اللتين تؤثران على التسويق هما الإنترنت وإمكانية التنقل. قدَّمت الإنترنت البريد الإلكتروني وجوجل وفيسبوك وتويتر وغيرها من الابتكارات الأمريكية لربط العالم وإلهامه، ثم تطوَّرت الأجهزة المحمولة، فحرَّرت المستهلكين من أجهزة الكمبيوتر المكتبية، وحوَّلتهم في الوقت نفسه إلى منافسين مع العلامات التِّجارية نفسها للاستحواذ على الانتباه.
- (٥)
«البساطة تحفِّز سرعة الاستخدام والتطبيق، ولكن ليس بالضرورة العائد على الاستثمار»: يلخص الكاتِب جوليان نوريدج الانتشار العالمي لكرة القدم على النحو التالي:
كان إعجابُ الناس بها مثل إعجاب الطبقة العاملة الإنجليزية بها. كانت القواعد بسيطة ومرنة؛ فيمكنك اللعب في أي مكان تقريبًا، كما كانت زهيدة التكاليف؛ فكلُّ ما يلزم هو كرة وشيءٌ لتحديد أبعاد المرمى، ولم تكن احتمالات الإصابة مثل احتمالات الإصابة في الرَّجبي، وفوق هذا كله، كانت مليئة بالمهارات والإثارة.4على الرغم من هذا الانتشار العالمي لكرة القدم، يعاني عددٌ كبير من أندية كرة القدم في جميع أنحاء العالم في سبيل تغطية نفقاتهم. ربما لا تقلق «الحيتان الكبيرة» مثل مانشستر يونايتد (@ManUtd) وريال مدريد (@RealMadrid) حيال الأمور المالية، ولكن العائد على الاستثمار بالنسبة إلى «الأسماك الصغيرة» غالبًا ما يكفي بالكاد للبقاء.إنَّ الانتشار السريع لاستغلال وسائل التواصل الاجتماعي في التسويق دليلٌ على سهولة استخدامها؛ فالنشر على فيسبوك أو تويتر أسهل بكثير من إنشاء برنامج بريد إلكتروني مُعتمِد على البيانات. ومع ذلك، العائد على الاستثمار من هذه القنوات «السهلة» بالنسبة إلى علامتك التِّجارية قد لا يكون كبيرًا مثلما هو الحال مع «الحيتان» في مجال عملك. لذلك، يجب أن تُنَوِّع أنشطتك وأدواتك حتى تضمن البقاء والاستمرارية.
لحُسن الحظ، ثمة الكثير من الألعاب التي تُصنَّف ككرة قدم: ربما تكون كرة القدم هي اللعبة الشعبية الأولى في العالم، ولكن يوجد أيضًا الرَّجبي وكرة القدم الأيرلندية وكرة القدم الأسترالية وكرة القدم الكندية وكرة القدم الأمريكية. وهي تُلعَب بكرات مختلفة وقواعد مختلفة وزي رسمي مختلف، ولكن هدفها واحد: تسجيل نقاط أكثر من الفريق المنافس. والدرسُ الذي ينبغي أن يتعلمه المسوِّقون هو أن اللعبة التي تبرع فيها قناة التسويق، التي تقدم أكبر عائد على الاستثمار، ربما لا تكون اللعبة الأكثر شعبية في العالم؛ ومن ثمَّ، فإن الشعبية غير مهمة، الأهم هو الربحية.
(٣) الطرق العديدة لاستيعاب الجمهور
ثمة درسٌ أخير يمكن أن تتعلمه من خبرة ٥٠٠٠ سنة في كرة القدم: ليس عليك فعل كل شيءٍ دفعة واحدة. كأمريكي، كثيرًا ما سمعتُ أصحاب العلامات التِّجارية الرياضية المحترفة يتعلَّلون بحاجتهم إلى ملاعب كبيرة جديدة كل بضعة عقود أو نحو ذلك للحفاظ على قدرتهم التنافسية. ومع ذلك، عند السفر إلى قبلة كرة القدم في العالم — مدينة مانشستر بإنجلترا — رأيتُ شيئًا مختلفًا جدًّا في ملعب أولد ترافورد؛ معقل نادي مانشستر يونايتد.
كان في إمكان نادي مانشستر يونايتد بناء ملعب جديد منذ سنوات، لكنهم اختاروا التمسك بالشيء الذي لا ينجح فحسب وإنما أيضًا يحافظ على شغف «معجبي» النادي؛ فهو جسر يربطهم بتاريخ عمره مائة عام. وفي الوقت نفسه، استعان الفريق بطرق أخرى لتحقيق إيرادات — مثل إيجاد رعاة لأدوات الفريق، والإعلانات التليفزيونية أثناء المباريات، والموقع الإلكتروني — من أجل تنمية وجوده العالمي وتحقيق الأرباح. وفعلَ كل هذه الأمور تدريجيًّا، على خلفية نجاحه على أرض الملعب.
بينما تفكر في طريقة تطوير جهود تنمية الجماهير الخاصة، اعلم أنه ليس ثمة طريقة صحيحة واحدة فحسب. إذا كانت علامتك التِّجارية تمتلك مصادر ضخمة، فربما يمكنك حينها تطوير جهود تنمية الجماهير الخاصة من خلال تكوين فريق كامل لإنجاز هذا الأمر، يتضمن أفرادًا لإدارة كل قناة، سواء كانت ناشئة أو غير ذلك. ولكن، إذا كنت مثل معظم الشركات، ويتعيَّن عليك اتخاذ قراراتٍ صعبة بشأن الميزانية، فاعلم أن «ملعب» تنمية الجماهير الخاصة يمكن أن يتطوَّر ببطء أكثر، فينمو تدريجيًّا، ويحرز نجاحًا بعد نجاح، ويستعين بمساعدة «المشتركين» و«المعجبين» و«المتابعين» عند الضرورة؛ ففي نهاية الأمر، هم على بُعد ضغطة زر فحسب.
(٤) النجاح الكبير التالي
تُوصَف «لعبة» التسويق في الوقت الحالي بأنها معقدة للغاية؛ وذلك لأنها ليست لعبة واحدة، وإنما هي ألعاب متعددة؛ كلٌّ منها يتضمن مجموعة من القواعد التي تتطوَّر أثناء الممارسة الفعلية، وتتسبَّب في إرباك المبتدئين وإزعاجهم. إننا نسوِّق فعليًّا في الوقت الراهن على أرضية من الإسمنت الرطب؛ قنوات جديدة حتى إنه لا يوجد «موجهين» ليرشدونا إلى الطريق، يوجد فقط مستخدمون يُمْضون قُدُمًا دون معرفة ما إذا كانوا سيحققون النجاح الكبير التالي أم أن الأمر كله مضيعة كبيرة للوقت.
في مثل هذه اللحظات، أتمسكُ بالأشياء التي أعلم أنها مهمة الآن ودائمًا، وأحثك على أن تحذو هذا الحذو. على المستوى الشخصي، أعني بتلك الأشياء اللحظات التي أشاركها مع الأصدقاء والعائلة. وعلى المستوى المهني، كمسوِّق، أعني بها العلامة التِّجارية والمحتوى والمنتج والمبيعات والخدمة، والآن «تنمية الجماهير الخاصة». ربما تظهر القنوات وتختفي، ولَكِنِ «الباحثون» و«المُرَوِّجون» و«المنتسبون» سيظلون دائمًا الأصول التي تبنيها أذكى الشركات وترعاها وتقدِّر قيمتها من أجل التغلب على المنافسين.
لذلك، ربما لا يكون النجاح الكبير التالي في مجال التسويق شيئًا ملموسًا على الإطلاق. إنه العمل الشاق الضروري لاعتناق كل ما يجب أن تقدمه «تنمية الجماهير الخاصة» لشركتك.
إنها اللعبة التي لا تنتهي أبدًا.