أمريكا: حقل تجارب العالم١
لن يكون حديثي عن أمريكا حديثًا أكاديميًّا مُستمدًّا من كتب ومراجع وقراءات فحسب، بل إنني أعتزم أن أتحدث عنها من خلال الخبرة المباشرة، المستمدة من إقامة امتدت خمس سنوات قضيتها هناك، وكنت خلالها ألاحظ وأشاهد وأحلل وأناقش، كما كنت بطبيعة الحال أقرأ وأطَّلع.
ولست أستطيع أن ألخص في كلمة موجزة الانطباع العام الذي تركته في نفسي معايشتي للحياة الأمريكية، أو أن أصدر حكمًا نهائيًّا على هذا البلد، وأحسب أن أي حكم عام كهذا لا بُدَّ أن يتضمن قدرًا من التشويه؛ لأن أمريكا ليست ظاهرة بسيطة، وليست ظاهرة ثابتة أو منتهية، حتى يمكن إصدار حكم شامل.
أمَّا إنَّها ليست ظاهرة بسيطة؛ فذلك لأننا حين نتحدث عن أمريكا لا نتحدث في الواقع عن بلد فحسب، وإنما نتحدث عن قارة كاملة، كل شيء فيها ضخم، بل يسجل في ضخامته أرقامًا قياسية، وفيها من التنوع والتعدد ما لا يمكن حصره في أي وصف موحد، وأمَّا إنها ليست ظاهرة ثابتة أو منتهية؛ فذلك لأن أمريكا ليست بلدًا تم تشكيله، واتخذ طابعًا مستقرًّا يمكن التعرف عليه، كما هي الحال في كثير من بلاد العالم ذوات الحضارات القديمة، بل هي بلد فتي، ما يزال في مرحلة الشَّباب، وربما المراهقة، ولا يزال أهم ما يميزه هو الحركة المستمرة، والتغيير الدائم، وإعادة تشكيل القوالب التي تصب فيها حياته بلا انقطاع، إن أمريكا بلد لم يتشكل بعد، وسيظل كذلك فترة طويلة قادمة، ومن هنا كانت الأحكام التعميمية الموجزة على بلد كهذا مفتقرة إلى الدقة.
(١) معنى الانفصال عن أوروبا
ينبغي أن نعي جَيِّدًا دلالة استقلال أمريكا عن أوروبا وتأثيره في تشكيل طابع حياتها خلال الأعوام المائتين التي تلت هذا الحدث الكبير، فاستقلال أمريكا — كما تقول الكتب ويذكر التاريخ — كان حدثًا سياسيًّا فَذًّا، تمكن بفضله هذا البلد الفتي من أن ينفض عن نفسه آثار التبعية للتاج البريطاني، ويحقق لنفسه السيادة في مجتمع يسعى إلى تطبيق مبادئ الثورة الأمريكية التي كانت بالفعل ثورة رائدة، نشرت معاني التحرر والإخاء والمساواة قبل الثورة الفرنسية نفسها، ولكن هذا الاستقلال لم يكن سياسيًّا فحسب، بل كان في الوقت نفسه فكريًّا وحضاريًّا، وهذا هو الجانب الذي أودُّ أن أركز عليه الاهتمام في بداية هذا البحث.
ذلك لأنَّ أمريكا لم تكن — حتى ذلك الحين — سوى امتداد للحضارة والفكر الأوروبيين، صحيح أن المهاجرين — أو الآباء المؤسسين، كما اعتاد الأمريكيون أن يسمُّوهم — كانوا روَّادًا جددًا، حلُّوا بأرض شاسعة مجهولة، ولكنهم جاءوا إلى هذه الأرض مزودين بكل ما كان الإنسان الأوروبي يحمله من أفكار وقيم، وفي ذلك الحين — أعني في وقت هجرة الجماعات المؤسسة الكبيرة إلى أمريكا — كانت أوروبا تستهل عصرًا جديدًا، هو عصر النهضة والبواكير الأولى للعصر الحديث.
وكان الإنسان الأوروبي قد فقد ثقته في مقدساته التَّقليديَّة، سواء منها المقدسات العقلية والثَّقافية والاجتماعيَّة واللاهوتية، وبدأ يبحث لنفسه عن طريق جديد لم تكن معالمه قد اتضحت أمامه بعد، وكان النزوح إلى أمريكا امتدادًا طبيعيًّا، ونتيجة محتومة، لهذا البحث عن حياة جديدة والسعي إلى بناء مستقبل جديد.
بل إن من الممكن القول بأن التَّجربة التي خاضها الإنسان الأوروبي على الأرض الأمريكية كانت أروع تجارب النهضة الأوروبية، فعلى حين أن النهضة قد قوبلت في أوروبا بمقاومة شديدة ناجمة عن تأصل التراث القديم وارتباطه بمصالح ذات سيطرة واسعة كانت تحارب الفكر الجديد بقسوة وضراوة، فإن أفكار هذه النهضة وقيمها ومثلها العليا عندما انتقلت إلى أمريكا حلت بأرض بكر، لا تعمرها إلا جماعات متناثرة تعيش حياة بدائية (بالمقاييس الأوروبية)، وهكذا أُتيح لهذه الأفكار أن تنطلق دون قيود، وبدأت التَّجربة الجديدة تُطَبَّق في طريق خالٍ من العوائق.
لا جدال في أن هذه الهجرة التي انتقل فيها إنسان النهضة الأوروبية بكل ما تحمله نفسه من آمال وطموح في استهلال عصر جديد، إلى أرض جديدة يستطيع فيها أن يحقق آماله دون أية عقبات يضعها في وجهه تراث قديم أو قوى تقليدية تدافع عن مصالحها، هي من أهم العوامل التي أضفت على التَّجربة الأمريكية طابعها المميز، فبفضلها تحقق السبق السريع لأمريكا على أوروبا عندما اكتملت مقومات المنافسة، كما أنها هي التي تفسر صفة التعلق بالتجديد والتغيير والسعي المستمر إلى الكشف والاختراع والريادة التي أصبحت من السمات المميزة للطابع الأمريكي بالقياس إلى أوروبا.
ولكن هذه العوامل لم يظهر تأثيرها على الفور، وإنما احتاجت وقتًا طويلًا كان لا بُدَّ أن تنضج خلاله التَّجربة الجديدة، وأن تُستكشف كل أبعاد القارة الأمريكية وتُستغل مواردها وتُزال العقبات المتبقية أمام سيطرة الإنسان الأبيض عليها. وخلال هذه الفترة كان الشغل الشاغل للعقل الأمريكي هو الرغبة في إثبات استقلاله عن الأصل الذي جاء منه، وتأكيد هويته الجديدة بوصفه مواطنًا لأرض لا صلة لها بأوروبا، لا من الناحية المادية ولا من الناحية المعنوية، وكما يتطرف الفتى المراهق، بمجرد اكتمال وعيه بذاته، في تأكيد استقلاله عن الأسرة التي ظل حتى ذلك الحين يعيش في ظلها ويسلك وفقًا للمبادئ التي تلقاها منها، كذلك كان الأمريكيون حريصين على أن يقطعوا صلاتهم، ماديًّا ومعنويًّا، بأرضهم القديمة، لكي يثبتوا لأنفسهم وللعالم أنهم بلغوا مرحلة النضج.
وهكذا فإن الثورة الأمريكية، بقدر ما كانت تحرُّرًا سياسيًّا واجتماعيًّا من التبعية لأكبر دولة أوروبية في ذلك الحين، كانت في الوقت نفسه رمزًا للتحرر المعنوي من سيطرة الثَّقافة الأوروبية وبداية ظهور كيان مميز للعقل الأمريكي.
وليست مهمتنا في مقال كهذا أن نتتبع تطور هذه التَّجربة الشيقة، من مرحلة التأسيس الأولى إلى مرحلة الاستقلال وتأكيد الذات، ثم مرحلة التوسع (أو الريادة كما يسميها الأمريكيون)، وأخيرًا مرحلة تكوين دولة فائقة القوة ذات اتجاهات إمبريالية، فتلك قصة طويلة أُلِّفَت فيها الكتب الكثيرة وعُولجت من وجهات نظر متباينة، تتفق — مهما اختلفت اتجاهات كاتبيها — على تأكيد الطابع الفريد للتجربة الأمريكية، ولكن كل ما أردنا أن نشير إليه هو التنبيه إلى الدلالة الحقيقية للاستقلال، وتأكيد أهمية العوامل الحضارية والفكرية في صياغة الطابع الذي أصبح مميزًا للحياة الأمريكية منذ الاستقلال حتى اليوم.
(٢) المعنى الخارجي لآخر «موديل»
وإذا تركنا الآن التاريخ والأصول الأولى جانبًا، وركزنا اهتمامنا على السمات الحالية للتجربة الأمريكية، فماذا نحن واجدون؟
أبرز ما يلفت الأنظار في تلك التَّجربة مجموعة معقدة من السمات التي أصبحت مميزة للحياة الأمريكية، والتي تسترعي على الفور انتباه كل من يقيم في هذه البلاد ويتأملها بعين فاحصة.
فأمريكا بلد ضخم بجميع المقاييس، ضخم في موارده، وفي ثرواته، وفي إنتاجه، وفي تلك الأرقام القياسية العالميَّة التي يجب تسجيلها في كافة المجالات، وفي أمريكا يعيش «الإنسان الاستهلاكي» على نحو لا نكاد نجد له نظيرًا في أي مكان آخر في العالم، هناك يحيط الإنسان نفسه بمجموعة من المقتنيات التي تتغير دومًا، وفقًا لعبادة «تغير الموديلات» التي تنشر شعائرها وطقوسها بين الجميع بفضل شبكة إعلانية وإعلامية هائلة تغرس في النفوس الإحساس بضرورة الاقتناء المستمر، حتى للأشياء غير الضرورية، وبأن ما يقتنيه المرء فترة معينة ينبغي تغييره والاستعاضة عنه بآخر «من أحدث طراز»، وبأن قيمة المرء الكامنة تتحدد وفقًا لما يقتنيه، ويصل حب الاستهلاك إلى حد تبديد الموارد الحيوية في أشياء لا طائل وراءها، وإن كان الكثيرون يقتنعون بأهميتها بفضل الإلحاح المستمر على حواسهم وعقولهم من أجهزة الإعلام البارعة، التي تسير في عملها وفقًا لشعار: لا تجعل الناس يشترون ما يرغبون هم فيه، بل اجعلهم يرغبون في ما نريد نحن لهم أن يشتروه.
وهكذا أفلحت هذه السياسة الإعلانية الكاسحة في تشكيل عقول الناس وميولهم على نحو يضمن استمرار دوران عجلة الإنتاج، حتى في السلع ذات الأهمية الضئيلة، وفي تربية ذوق استهلاكي يكاد يقترب من حد السفه والتبديد، بل إنها أفلحت في نشر قيم فكرية مبنية أساسًا على النموذج الاستهلاكي، فالسيارة عندهم رمز للمكانة الفردية، وللتقدم الاجتماعي، وللنجاح السياسي، وحين ترغب الصحف الأمريكية في التنديد بنظام حكم لا يعجبها، فمن أساليبها المألوفة أن تنشر صورًا لشوارعه وقد كادت تخلو من السيارات، وتعلق عليها ساخرة من «التخلف» الذي جعل المواطنين في هذا النظام عاجزين عن شراء السيارات، أمَّا مدى نجاح نظام الحكم هذا في نشر التعليم أو العلاج المجاني أو الثَّقافة الرفيعة، فتلك أمور لا تذكر عنها تلك الصحف شيئًا؛ ومِنْ ثَمَّ لا تخطر كثيرًا على بال القارئ، وهكذا يسود تقويم للأفراد والشعوب مبني على أساس ما يستهلكونه وما يملكونه من مقتنيات مادية وفكرية وثقافية.
وترتبط بهذه الصِّفة سمات أخرى متفرعة عنها، فمع الاستهلاك يأتي حب التَّغيير السَّريع، والسَّعي المستمر إلى التَّبديل والتَّجديد، هذه السمة ترجع إلى إحساس مفرط بالزمن، فلا جدال في أنَّ التَّصنيع هو السمة الأساسيَّة لهذا العصر الجديد، وهو يقتضي شروطًا ذهنيةً من أهمها الوعي الزائد بأهمية الوقت حتى في أدق أجزائه، وهذه الصفة هي التي تعلل ولع الأمريكيين بالسرعة الفائقة، وإقبالهم على كل ما يوفر لهم من الوقت مجرد جزء ضئيل.
كذلك ينعكس إيثار القيم الاستهلاكية، بالقياس إلى القيم المعنوية، على تقويمهم للإنسان نفسه، فمن الخبرات التي صدمتني للوهلة الأولى في أمريكا أن المجتمع لا يقيم وزنًا كبيرًا لرجل العلم، بل إن المثل الأعلى عند الأمريكي العادي هو رجل الأعمال الناجح، وهذا هو النمط الذي يحتل القمة في تقديرهم واحترامهم، أمَّا العلماء والأساتذة فلا يلقون من الإنسان تقديرًا كبيرًا، بل وربما أحس الناس نحوهم بنوع من السخرية الخفية التي تعبر عن نفسها أحيانًا في الفكاهات الشَّعبيَّة، أو في بعض الأفلام والمسرحيات التي يظهر فيها «الأستاذ» في معظم الأحيان شخصية غير متزنة، عاجزة عن التكيف والتوافق، تُثير الضحك أكثر مما تُثير الاحترام، وأقول إن هذه الخبرة قد صدمتني؛ لأنني قارنت بينها وبين ما يحدث في مجتمعاتنا الشرقية، فوجدت أن «العالم» أو «الأستاذ» يلقى بين عامة الناس في بلادنا احترامًا غير عادي.
ولعل الكثيرين ممن يشتغلون بالعلم أو بالتدريس الجامعي يعرفون أن صفتهم هذه تساعدهم في أحيان كثيرة على قضاء مصالحهم اليومية في يسر، نظرًا لما تحيطهم به من احترام في أعين الناس، يفوق كل ما يلقاه رجل الأعمال الناجح أو الفني، الذي يشعر الناس نحوه في بلادنا بالخوف والحسد، ويهابونه أكثر مما يحترمونه، وأنا لا أتحدث هنا بطبيعة الحال عن موقف الحكومات الرسمية من هاتين الفئتين، وإنما أتحدث عن نظرة المواطن العادي إليهما.
وتؤدي سيطرة القيم المادية إلى نظرة تجريدية إلى الأمور، يضيع معها الطابع الإنساني إلى حد بعيد، وتتحول الأشياء والناس فيهما إلى أرقام وإحصاءات وجداول بيانية، وتلك سمة تميز عصر الصناعة في كل مكان، ولكنها أوضح ما تكون في أمريكا، حيث يشعر الوافد الجديد على الفور — وبخاصة إذا كان آتيًا من الشرق، حيث العلاقات الإنسانية حميمة ودافئة — بطغيان الكم على الكيف، وبأن الصفات المنتمية إلى العالم الإنساني الشَّخصيَّة قد أُزيلَت عمدًا لكي تحل محلها صفات لا شخصية مجردة تساعد على الحساب والتنبؤ، ولكنها لا تساعد على التعاطف والتفاهم.
ولعل من أهم نتائج هذه النظرة التجريدية المفرطة أن الإنسان لم يبتعد عن الطبيعة في أي بلد بقدر ما ابتعد عنها في أمريكا، فهناك أحاط الإنسان نفسه ببيئة صناعية كاملة، وبقدر ما يزداد الإنسان اندماجًا في هذه البيئة المصطنعة التي خلقها بجده وعمله الدءوب، يزداد حنينًا إلى الجذور الطبيعية التي نشأ منها، ولكن هذا الحنين إلى الأصل الذي أصبح بعيدًا نائيًا لا يعبر عن نفسه إلا في صور سطحية، كالحرص الشديد على مناطق معينة تحافظ فيها الدولة على البيئة والحياة الطبيعية عن طريق إحاطتها بأسوار منيعة وحراسة مشددة، وكالمثابرة على قضاء عطلات نهاية الأسبوع في الشواطئ أو الحدائق الخلوية، التي هي في الواقع مزيج من الطبيعة الساحرة والتدخل التجاري السافر للإنسان، وكالانتماء إلى بعض الحركات الاجتماعيَّة والشَّبابية التي تحتج على نمط الحياة الاستهلاكي وتدعو إلى عودة الإنسان مرة أخرى إلى أحضان الطبيعة الأم، وهي حركات لا تعيش طويلًا؛ لأن تصرفات الناس فيها ليست أصيلة، بل هي مجرد ردود أفعال مضادة لما هو موجود، ومعاندة للوضع القائم فحسب.
(٣) أمريكا تعيش المتناقضات كلها
إننا نستطيع أن نسترسل طويلًا في تعداد هذه السمات التي تلفت نظر الإنسان عندما تطأ قدمه الأرض الأمريكية لأول مرة، ولكنَّا نود أن نبحث عن الأساس الفكري العميق لهذه السمات المميزة للحياة الأمريكية وإرجاعها إلى أصول مشتركة.
ولكن محاولة التوحيد والإرجاع إلى أصول مشتركة تصطدم في حالة أمريكا على الأخص، بصعوبات لا سبيل إلى التغلب عليها، فليس هذا بالمجتمع البسيط أو الموحد، وإنما هو مجتمع شديد التعقيد والتركيب، والأهم من ذلك أن المجتمع نفسه، في أعماقه الفكرية الكامنة، يرفض أية محاولة لإرجاع جوانب حياته كلها إلى «صيغة» موحدة، فأمريكا بلد يعيش متناقضات لا نهاية لها، ولا ينزعج من هذه المتناقضات، بل يعدها دليلًا على خصب حياته وتنوعها.
ولكن السؤال الذي يتعين علينا أن نجيب عنه في هذا الصدد هو: هل صحيح أن المتناقضات الأمريكية الحادة دليل على خصب الحياة وتنوعها، أم أنها علامة ضعف كامن ومؤشر مبكر بانحلال لا بُدَّ أن يحدث مهما طال الأمر؟
أول المتناقضات التي تعيشها التَّجربة الأمريكية تتمثل في فكرة الحرية، فالحرية هي أكثر الكلمات تداولًا على ألسن الأمريكيين، وهي التي تلخص نظرتهم إلى حياتهم (المجتمع الحر) وإلى اقتصادهم (الاقتصاد الحر) وإلى سياستهم وأيديولوجيتهم (العالم الحر)، ورمزها هو الذي يستخدمه العالم للدلالة عليهم، وهو أول ما يطالع الداخل إلى أكبر موانيهم (تمثال الحرية).
والأمريكي العادي لا يمكن أن يشك لحظة واحدة في أنه إنسان حر بمعنى الكلمة، يعيش في مجتمع مارس تجربة الحرية كما لم يمارسها مجتمع آخر طوال تاريخ البشرية، أو في أن حريته هذه هي التي تُضفي على النظام الاجتماعي الذي يعيش في ظله أعظم مزاياه، وتجعل له الأولوية في الصراع الحالي بين الأيديولوجيات.
ويتخذ التصور الأمريكي للحرية طابعًا فرديًّا تعدُّديًّا، فالأمريكيون لا يتصورون الحرية على أنها صفة يكتسبها المجتمع كله بطريقة جماعية، بل هي صفة يكتسبها كل فرد بنفسه وتؤدي إلى تعدد الاتجاهات وتباينها واستقلالها، بدلًا من أن تؤدي — كما هي الحال في التصور الاشتراكي للحرية — إلى مسيرة المجتمع كله نحو تحقيق أهداف اجتماعية واحدة، وهكذا ترتبط الحرية في أذهانهم بتعدد الاتجاهات واختلافات الرأي.
ومع ذلك فإن كل من عايش التَّجربة الأمريكية وأعمل فكره فيها لا بُدَّ أن يشعر بوجود تناقض صارخ في تصور الأمريكيين لهذه القيمة الكبرى التي يباهون بها كل من عداهم من شعوب الأرض، فأنت تجد الأمريكي العادي حُرًّا في أن يسخر من رئيس الجمهورية وينتقده علنًا في الصحافة أو التلفاز، وتجد القاضي البسيط قادرًا على أن يصدر حكمًا يؤدي في نهاية الأمر إلى عزل رئيس جمهورية أقوى دولة في العالم، وكلها بغير شك صور مضيئة باهرة للحرية يندر أن نجد لها نظيرًا في الدول الأخرى، ومع ذلك، فإن هذا الأمريكي العادي نفسه قد تشكل عقله، ونظرته إلى الحياة والعالم المحيط به، بالطريقة التي يريدها المهيمنون على أجهزة الإعلام الجبارة، وهم الذين يسيطرون على أساليب التفكير وطرق السلوك في المجتمع بأسره، لا عن طريق الرقابة أو القهر المباشر، بل بطرق خفية في التحكم والسيطرة والإقناع لا يشعر بها الخاضع لها شعورًا واعيًا، فتكون النتيجة أن يصبح هذا الإنسان، حتى في أبسط تفضيلاته وقراراته اليومية، إنسانا مُسيَّرًا لا مُخيَّرًا، وأسوأ ما في الأمر أنه منقاد دون أن يشعر، إذ لو كان منقادًا واعيًا بانقياده، لكان في هذا الوعي نفسه قدر — ولو ضئيل — من التحرر، أمَّا إذا كان خاضعًا مع تصوره أنه متمتع بالحرية الكاملة، فعندئذٍ يكون خضوعه أشد وأكمل.
وهكذا تجتمع في أمريكا ممارسات فيها من الحرية صور باهرة وفيها من الخضوع اللاشعوري ما يجعلها حقلًا ممتازًا لتجارب التحكم في العقل البشري وتشكيله ببراعة ودهاء.
وفي مبدأ «سيادة القانون» نجد تناقضًا رئيسيًّا آخر تتسم به الحياة الأمريكية، فطوال تاريخ أمريكا ظل الدستور والقوانين المنبثقة عنه يلقى احترامًا هائلًا، وكان مبدأ سيادة القانون يُعد نموذجًا لما ينبغي أن يكون عليه السلوك العام في المجتمع، ومع ذلك فإن هذا البلد الذي يحترم دستوره وقوانينه إلى حد التقديس، يقدم للعالم بين الحين والحين أعجب أمثلة السخرية من النظام والقانون والدولة بأسرها: ففي هذا البلد ترتع عصابات مثل «المافيا» تطبق شريعة الغاب وتهزأ من كل شرعية وانضباط، وتمارس تأثيرها الهدام حتى في عمليات الانتخاب السياسية الكبرى، ويمتد نفوذها إلى مدًى لا يستطيع أن يتخيله إلا من عاش في البلاد ولمس مقدار سيطرتها على النقابات وعلى قطاعات رئيسية في الاقتصاد القومي، ومدى الحماية التي تلقاها على مستويات قد تصل أحيانًا إلى منصب نائب رئيس الجمهورية (كما في حالة سبيرو أجنيو)، وبرغم القوة الهائلة للدولة وأجهزتها ينعدم الإحساس بالأمان لدى المواطن العادي، ويخاف الرجال — ولا أقول النساء — أن يسيروا بمفردهم ليلًا في قلب المدن الكبرى، فكيف يجتمع الاحترام الزائد للقانون مع انتشار الجريمة وانعدام الشعور بالأمان؟ هذا تناقض يصعب أن نجد له مثيلًا في أي مجتمع آخر غير بلد المتناقضات!
وفي أمريكا، حيث بلغ التصنيع أعلى وأكمل مستوًى وصل إليه في العالم بأكمله، تسود العقلانية والترشيد، وهما صفتان لا غنى عنهما في أي مجتمع صناعي متقدم، وتسود الآلية، لا في مجالها الأصلي وهو الصناعة فحسب، بل في تصرفات الناس وسلوكهم اليومي وأساليب تعاملهم بعضهم بعضًا، فالعلاقات الشَّخصيَّة الضئيلة، والعمل هو كل شيء، و«التوابل» الإنسانية كالسلام باليد أو تحية الصباح أو المساء في طريقها إلى الانقراض، والمعاملات كلها تصطبغ بصبغة لا شخصية متزايدة، كل هذه لا تُعد أمورًا شديدة الضرر، وربما كانت الضريبة التي يتعين أن يدفعها مجتمع حريص على عدم تبديد أبسط قدر من طاقته الإنتاجية.
ولكن التناقض يعود فيطل برأسه هنا أيضًا؛ إذ إنَّ هذا المجتمع الذي يخضع كل شيء للعقل وحساباته الدقيقة، ويصل في ذلك إلى حد صبغ الإنسان نفسه بالصبغة الآلية ضمانًا لزيادة كفاءته الإنتاجية، هذا المجتمع هو عينه الذي تنتشر فيه على أوسع نطاق ممكن اتجاهات السحر والخرافة وجماعات الشعوذة وشتى مظاهر اللامعقول، وهو الذي يحرص على نشر هذه الاتجاهات والترويج لها في كثير من نواتجه الثَّقافية والفنية، وهو الذي يحس فيه الإنسان المصطبغ بالصبغة الآلية بالحاجة الشديدة إلى التعاطف والدفء والأذن التي تسمع والصدر الذي يتسع للشكوى، فلا يجد في نهاية الأمر إلا الطبيب النفساني يدفع له أجرًا باهظًا، لا لكي يتلقى علاجًا، بل في أغلب الأحيان لكي يجد من يستمع إليه، أو على الأصح لكي يعطي نفسه فرصة إزاحة ما في صدره من هموم.
(٤) التَّناقض بين الماديَّة والروحيَّة
ولست أود أن أسترسل في سلسلة المتناقضات التي تحفل بها التَّجربة الأمريكية، ولكني أود أن أتوقف عند تناقض أخير، ربما كان أهم المتناقضات جميعًا؛ لأنَّه يضمها كلها في داخله، وأعني به التناقض بين الروحية والمادية في الوجدان الأمريكي، فأمريكا تقف في عالمنا الحاضر مدافعة عن القيم الروحية، وتتهم خصومها الأيديولوجيين بأنهم ماديون، وهي تؤيد في كل البلاد الأخرى جميع الأحزاب والاتجاهات الدينية؛ لأنها تجد فيها وسيلة فعالة لمحاربة الماركسية، وتستمد منها هذه الأحزاب عونًا معنويًّا وماديًّا باعتبارها «نصيرة الروح» ضد خصمها اللدود الذي لا يناصر إلا المادة، هذه هي الأسطورة السائدة في أرجاء كثيرة من العالم عن موقع أمريكا من الصراع «الأيديولوجي» السائد، وهي أسطورة يصدقها عد هائل من الأمريكيين العاديين، الذين يتسمون بطيبة القلب وحسن النية والسذاجة، ويؤمنون بإخلاص بأنه لولا الجهود التي تبذلها بلادهم في حملتها الصَّليبية لانجرف العالم كله في لجة المادية الطاغية.
ومع ذلك فإن نصيرة الروح هذه تحيا حياة مادية، وتقوم بممارسات مادية، يتضاءل إلى جانبها كل ما يقوم به المعسكر الذي تعاديه وتتهمه بالمادية، ويكفي أن نذكر في هذا الصَّدد أن أيديولوجيتها ترتكز على أهمية حافز الربح بوصفه محرك الإنسان إلى العمل، وهو حافز قد يكون بالفعل معبِّرًا عن الواقع في عالمنا الحالي، ولكن هذا لا يمنع من كونه حافزًا ماديًّا بحتًا، وحين يتأمل المرء أهمية المال في حياة الأمريكيين وقدرته على فتح كل الأبواب وتذليل كل الصعوبات، وحين يدرك أن المال هو الذي يضمن للإنسان تعليمًا جيِّدًا وعلاجًا شافيًا، وأنَّ الفقير — في هذا البلد الواسع الثراء — يجد صعوبة كبرى في الإنفاق على تعليم أبنائه وعلاج أسرته، لا يملك إلا أن يعترف بسيطرة الممارسات المادية على الحياة الأمريكية.
على أن الأهم من هذا كله هو النكران التام للروح كما يتجلى في الأساليب السياسية والعسكرية التي تُثير سخط الإنسان المتحضر، كالفظائع التي ارتُكبت في فيتنام، وتشجيع المذابح السياسية في شيلي، وقهر الحركات التي تطالب للإنسان بأقل قدر من الآدمية في باقي أرجاء أمريكا اللاتينية، أمَّا في الداخل فإن استمرار التعصب العنصري ضد الزنوج، والتأييد الشديد لدولة عنصرية مثل «إسرائيل»، إنما هو الدليل القاطع على أن الابتعاد عن الروحية سمة مميزة لهذا البلد الذي يتخذ لنفسه في الصراع الأيديولوجي الراهن، شعار الدفاع عن روحانية الإنسان ضد خطر المادية.
ولعل مما يخفف من قسوة هذا التناقض الحاد أن كثيرًا من الأمريكيين المثقفين يدركون عن وعي، وينتقدونه انتقادًا مريرًا، وإن كانت انتقاداتهم ما زالت حتى الآن عاجزة عن أن تغير من الأمر الواقع شيئًا.
ولو شئنا أن نرد هذه المتناقضات إلى جذورها لاحتاج الأمر مِنَّا إلى بحث طويل شديد التعقيد، ولكن يكفينا أن نقول إن الفكر الأمريكي، حين يحاول أن يفلسف التَّجربة الأمريكية، قد صاغها على نحو يؤدي مباشرةً إلى هذه المتناقضات.
فالفلسفة الأمريكية تؤكد النزعة الفردية وتزهو بها، وهي تضرب دائمًا على نغمة «التعددية»، فالكون نفسه تعددي، بمعنى أنه لا يرجع إلى مبدأ واحد كالروح أو المادة، ولا يمكن إخضاع تطوره لنمط موحد، بل يسوده الانفصال والكثرة، وحين يُطَبَّق هذا المبدأ على المجال الإنساني، وعلى مجال المجتمع خصوصًا، تكون النتيجة غموضًا متعمَّدًا في الصورة الكلية، وإغراقًا في التفاصيل الجزئية، وقد انعكس هذا بالفعل على التصور السائد للمجتمع بين الدارسين التقليديين لعلم الاجتماع الأمريكي، حيث تسود أبحاث تفصيلية عن أنواع شتى من الجماعات والتجمعات البشرية، وعن القيادة والريادة وغيرها من المواضيع المصطنعة، على حين أن أية محاولة للكلام عن اتجاه المجتمع ككل، أو عن طابعه العام أو الأهداف التي يسعى إليها، وما ينبغي الإبقاء عليه أو تغييره منها، تُوصف بأنها محاولة «ميتافيزيقية» غير علمية، وهو وصف يستمد مشروعيته من تلك الفلسفة الفردية التعددية المشهورة في أمريكا، التي تطالب العقل دائمًا بالبحث في التفاصيل والامتناع عن تأمل الصورة الكلية.
وبفضل تطبيق هذه الفلسفة على نحو شامل يظل المجتمع الأمريكي رافضًا لكل تخطيط مركزي، فيصفه بأنه تخطيط شمولي يتعارض مع الحرية الفردية وتعدد الاتجاهات، التي هي سمات أساسيَّة للحياة الأمريكية، وهكذا يفتقر الاقتصاد إلى أي توجيه موحد، وتُتْرَك لكل منتج حرية التصرف في إنتاجه وفي عملائه وفي العاملين عنده وفقًا لقوانين «السوق»، ويُرفض التأميم بشدة في الطب، وتُواجه المواقف السياسية بمرونة فردية، ويسود إحساس عام بأن التغيير الشامل مستحيل، وبأن التاريخ ليس له مسار أو خطة يمكن كشفها، ولا يسوده أي نوع من الضرورة؛ ومِنْ ثَمَّ فمن المستحيل التحكم فيه، ويختفي لدى الإنسان الإحساس بأهمية التضامن والعمل من أجل تحقيق غايات جماعية.
وإلى جانب النزعة الفردية والتعددية ترتكز الفلسفة الأمريكية على نزعة عملية واضحة، ولعل كثيرًا من القراء قد سمعوا عن ذلك المذهب الأمريكي المشهور «البرجماتية»، الذي هو مذهب عملي في أساسه ويؤكد أن حقيقة أية قضية إنما تكمن في نجاحها عمليًّا، وأن ما لا ينجح عمليًّا باطل.
هذه الطريقة العملية أو البرجماتية في معالجة الأمور قد أعطت أمريكا ميزة لا يُستهان بها في حالات كثيرة؛ ذلك لأنَّها أكسبتها مرونة وقدرة على التَّحرك السَّريع وتغيير المواقف على نحو يعجز عنه خصومها الذين تقيدهم أيديولوجية موحدة تتسم بالشمول وتُضفي أهمية كبيرة على التحليل النظري للظواهر وفقًا لصيغة كلية، ومن هنا استطاعت التَّجربة الأمريكية أن تحرز نجاحًا هائلًا في معالجة الظواهر الجزئية والأزمات الطارئة، أمَّا إزاء المواقف الكلية الشاملة فإنها تعطي إحساسًا واضحًا بالإخفاق، ففي المجتمع الأمريكي يؤدي كل فرد وظيفته على الوجه الأكمل، ويتخذ موضعه الصحيح من الآلة الكبرى التي يؤلفها المجتمع، ولكن المجموع الكلي يشوبه شيء من عدم التوازن، والحياة من حيث هي غاية تفتقد الكثير، والعائد النهائي على «الإنسان» — لا على الفرد الواحد — ناقص هزيل، وفي حرب فيتنام نجد مثلًا واضحًا للنتيجة التي تؤدي إليها النظرة العملية التجزيئية إلى الظواهر، فآلة الحرب كانت تدور بكفاءة تامة، وكل سلاح كان يرسم خطته وينفذها ببراعة، وكل القوى التي استطاعت دولة صناعية كبرى أن تحشدها قد سُخِّرَت لكسب الحرب، ولكن النتيجة النهائية هي الخسارة، وهي خسارة لا يستطيع أن يفهمها أي جندي أو قائد كان يرى أن التفاصيل كلها تسير على الوجه الأكمل، ولكنه لم يكن قادرًا على رؤية الصورة الكلية.
وهكذا يفيد الفكر العملي الأمريكي في المواقف التفصيلية الخاصة فائدة كبرى، ويحرز نجاحًا كبيرًا في حل المشكلات الجزئية التكتيكية، ولكنه يخفق إذا اتُّخِذَ أساسًا لإستراتيجية بعيدة المدى، وبالفعل تبدو أمريكا بأكملها في فكرتها وسياستها وأيديولوجيتها تكتيكًا رائع النجاح، وإستراتيجية فاشلة بصورة صارخة.
ومع هذا كله فإن أمريكا تجربة فريدة، ينبغي على كل بلد يسعى إلى النهوض أن يتأملها ويحللها بعمق، بل يتعاطف معها إلى حد ما، ويعطيها الفرصة الكاملة للتعبير عن نفسها، حتى مع إدراكه التام لما فيها من جوانب القصور؛ ذلك لأن عيوبها ومتناقضاتها ربما كانت هي الثمن الذي يدفعه شعب يقف في الصف الأوَّل من كثير من التجارب الاجتماعيَّة التي ستمر بها الإنسانية من بعده، فأمريكا هي، بمعنًى ما، حقل تجارب العالم، وكثير من المشكلات التي تعانيها اليوم، والتي ننتقدها بسببها، قد نعانيها نحن بدورنا لو وصلنا إلى مستوى التطور الذي وصلت إليه، ولذلك قلت إننا لا نملك أن نتجاهل هذه التَّجربة الفذة أو أن نكتفي بإدانتها دون أن نحاول النفاذ إلى أعماقها، وتحليل أصولها.
ولعلنا في الوطن الْعَربي خصوصًا أحوج ما نكون إلى تأمل التَّجربة الأمريكية بعمق فقط وموضوعية، ليس لأننا نتعامل مع أمريكا على نطاق واسع فقط، بل لأننا ما زلنا نسير في أول الطريق الذي يمكن أن يؤدي بنا إلى تطور اجتماعي تُثار فيه مشكلات مشابهة أيضًا.
وأعتقد أن المبدأ الأساسي الذي ينبغي علينا في الوطن الْعَربي أن نضعه نصب أعيننا إذا أردنا أن نتعامل مع التَّجربة الأمريكية بفهم ومعرفة، هو أن أمريكا في أساسها حاضر ومستقبل بغير ماضٍ، على حين أننا — نحن العرب — كثيرًا ما ننظر إلى أنفسنا على أننا ماضٍ قبل أن نكون حاضرًا أو مستقبلًا، ولا جدال في أن هذا فارق أساسي يتحكم إلى حد بعيد في نظرة الشعبين، الأمريكي والعربي، إلى العالم وطريقة معالجته للأمور، وما لم ندرك نحن هذا الفارق عن وعي، فلن نفهم النفسية الأمريكية فهمًا تامًّا، وربما لن نفهم أنفسنا أيضًا.
إننا نستطيع أن نفيد كثيرًا من تجربة هذا الشعب الذي تحدى التقاليد وضرب بها عرض الحائط ومضى في طريق التجديد قُدُمًا بلا عوائق، فقد تساعد هذه التَّجربة في الحد من غلواء تمسكنا بالتقاليد، ولكننا سنلحق بأنفسنا أبلغ الأضرار لو تصورنا أننا نستطيع أن ننهض عن طريق المحاكاة الكاملة لنموذج كهذا، فنحن محتاجون إلى تحقيق التوازن بين ماضينا ومستقبلنا؛ لأن جذورنا أعمق كثيرًا من جذورهم، وفي هذه الجذور نستطيع أن نهتدي إلى قيم كثيرة تخفف من عيوب الأسلوب الأمريكي في الحياة، مثل قيم التضامن والدفء الإنساني وإعلاء الروح — بمعناها الدقيق — على الجري وراء الماديات.