النهضة العلمية في اليمن
أما اليمن فإنه يضارع مملكة ابن السعود في أمرين: عموم التعليم، والأمن الشامل. فقد بلغني أنه لا يكاد يُوجَد في اليمن قرية تخلو من فقيه يعلم الأحداث القراءة والكتابة، وأنه لا توجد مدينة ولا قصبة في اليمن إلا فيها حلقات تدريس للعلوم اللغوية والشرعية؛ فالأمية في اليمن نادرة. نعم؛ لا يوجد هناك من يعتني بالعلوم العصرية إلا نادرًا، وهي علة قد تُزاح قريبًا؛ لأن العلوم الأدبية لا بد أن تثير حركة في الأفكار وتجعل نهضة في النفوس وهذه من شأنها أن تهتف بنشدان العلوم الطبيعية، وذلك كما جرى في مصر والشام وغيرهما.
هذا، وإمام اليمن يحيى بن محمد بن حميد الدين هو بنفسه عالم فاضل متبحر سيال القلم لا يغرب عنه شيء مما يجب لترقية بلاده؛ ولذلك نراه مهتمًّا بالمدرسة العسكرية التي في صنعاء، وعنده معمل سلاح صغير شاهدته بعيني أنا وزميلاي هاشم بك الأتاسي رئيس الجمهورية السورية، والحاج أمين الحسيني مفتي القدس الشريف ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى، وعلمنا أن هذا المعمل يقدر أن يعمل البنادق وعلف البنادق كما يصنعونها في أوروبا.
ورأينا مصنوعات هذا المعمل عيانًا، ولنا الأمل بأن تتسع دائرة هذا المعمل، وأن يتأسس في البلاد العربية معامل أسلحة كثيرة تكون وافية بحاجات أهلها، ولا ننسى أن العراق والشام والمملكة السعودية هي في مقدمة الأقطار العربية التي تحتاج إلى مثل هذه المعامل؛ لأن على العرب واجبًا لا يجوز أن يغفلوا عنه طرفة عين، وهو أن لا يكونوا عيالًا على أوروبا في التسلح؛ فإنه إن أمكنهم ذلك في زمن الحرب استطاعوا أن يدفعوا الأخطار عن بلادهم. وخير للأرض أن تستغني بمائها عن مياه غيرها التي يجوز أن تنقطع عنها.