الفقه الإسلامي وعلماء الدين
هذا ما كان من جهة الأدب العربي، وأما من جهة الفقه الإسلامي فلا نقدر أن نقول أنه تقدم إلى الأمام بل رجع في الحقيقة إلى الوراء وذلك باستغناء الناس عنه بعلم الحقوق منذ ترجمت الدولة العثمانية هذا العلم عن قوانين أوروبا إلى التركية والعربية. ومن عادة الناس أن يكون أكثر انشغالهم بما ينفعهم في دنياهم، وليس كل العلم طراز مجالس. نحن أولًا قد أدركنا في أواخر القرن الماضي طبقة عالية من علماء العلوم الشرعية في دمشق؛ مثل: محمود أفندي الحمزاوي، والشيخ سليم العطار، والشيخ بكري العطار، والشيخ سعيد الأسطواني، والشيخ الطنطاوي، والشيخ علاء الدين عابدين، والشيخ محمد البيطار، وأخيه الشيخ عبد الرزاق البيطار، والشيخ طاهر الجزائري، والشيخ عبد الغني الميداني، والشيخ محمد الخاني، والشيخ جمال الدين القاسمي، وغيرهم. وكان الناس يستفتونهم في النوازل ويعولون على آرائهم في الدين والدنيا، فلما انتشرت العلوم العصرية ومنها القوانين الأوروبية المترجمة التي عملت الدولة بها صار إذا مات واحد من هؤلاء الفقهاء لا يخلفه غيره، وما زال الأمر كذلك إلى أن كادت هذه الطبقة تنقرض بالمرة، وكذلك كان في بيروت: الشيخ محيي الدين اليافي، والشيخ يوسف الأسير، والشيخ إبراهيم الأحدب. وفي طرابلس: الشيخ حسين الجسر، والشيخ محمود نشابة. فمات كل هؤلاء ولم يخلفهم أحد، وصار النبوغ للمحامين الذين تخرجوا في المدارس الأوروبية أو في مكاتب الدولة العثمانية، والمحامون بمصر أكثر منهم بالشام لما في مصر من استبحار العمران.
إلا أنه نظرًا لوجود الأزهر ومدرسة القضاء الشرعي في مصر بقي حملة العلوم الشرعية فيها أكثر منهم في سوريا، وكان الواجب على هذه الأمة في كل قطر أن لا تهمل هذا العلم الذي هو من مفاخر الثقافة العربية ومن محاسن تاريخها والذي لا يستغني عنه المسلمون في المعاملات الدنيوية فضلًا عن المسائل الاعتقادية.