الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية
«من الواضح أن السُّنَّة في عصر الشافعي كانت في حاجة إلى تأسيس مشروعيَّتها بوصفها مصدرًا ثانيًا من مصادر التشريع. وليس الأمرُ أمرَ الدفاع عن السُّنَّة ضد أهل الرأي، فلم يكن الخلاف بينهم وبين أهل الحديث خلافًا حول مشروعية السُّنَّة، لكنه كان في الأساس خلافًا حول الثقة في بعض أنواع الأحاديث، خاصَّة بعد استِشْراء ظاهرة الوضع لأسباب عديدة معروفة.»
هل الوسطية سِمة أصيلة من سِمات الفكر الإسلامي، أم أنَّ ثَمة ظروفًا تاريخية سياسية واجتماعية واقتصادية دفعَت بها إلى موقع الصدارة حتى أصبحت من الحقائق الحضارية الثابتة؟ يثير هذا التساؤلَ الدكتورُ «نصر حامد أبو زيد» في كتابه الذي بين أيدينا، من خلال تفكيكه خطابَ «الإمام الشافعي»، عادًّا إياه صاحبَ الريادة في التأسيس للأيديولوجية الوسطية في الفقه والشريعة، مثلما أسَّس لها «الأشعري» في العقيدة، و«الغزالي» في الفكر والفلسفة. يُحلِّل «أبو زيد» أفكارَ «الإمام الشافعي» ويكشف عن دلالتها، وعن مَغزاها الاجتماعي والسياسي والأيديولوجي، موضِّحًا السياقَ الفكري العام الذي أنتَجَها؛ إذ لا يمكِن فَهمُها بمَعزلٍ عن الصراع الفكري الذي كان محتدِمًا آنذاك بين أهل الرأي وأهل الحديث.