رسالة ضوئية
قال «أحمد» بعد لحظة: هل تظنُّون أن هناك نوعًا من التجسُّس يدور حول مقرِّ الشياطين، ولذلك منع رقم «صفر» اتصالَنا بالمقر حتى لا يلتقطَ الأعداء رسائلنا؟
عثمان: من المستحيل التقاطُ رسائلنا إلى المقر السري؛ لأن هناك أجهزة تشويش إلكترونية تعمل بداخل المقر ولا تسمح لأيِّ أجهزةِ تجسس التقاط الرسائل.
بو عمير: ولكن في كلِّ لحظة يتم إنتاج أجهزة جديدة قادرة على اختراق التشويش والتقاط الرسائل بالرغم من ذلك التشويش مهما كانت قدرته الإلكترونية.
خالد: ربما يكون هذا هو ما حدث بالفعل، ولكن هذا لا يعني أن يطلب منَّا رقم «صفر» البقاءَ هنا.
إلهام: هذا ما لا أفهم له تفسيرًا … لماذا يريد رقم «صفر» بقاءَنا هنا ونحن بلا مهمة عمل.
أحمد: إن هذا الموقف يضاف إلى موقف رقم «صفر» عندما طلب منَّا القيام بتلك الإجازة المفاجئة وعدم العودة إلى المقر السري … وها هو يطلب منَّا مواصلة البقاء هنا بلا سبب مفهوم!
وضاقَت عيناه وهو يُضيف: هل تظنون أنه يريد إبعادنا عن المقر السري؟
هتف «بو عمير»: ولكن لماذا؟
خالد: هذا ما لا يعرفه أحد غير رقم «صفر» … إنه أمر عجيب جدًّا أن يمنعنا من الاتصال به … هل تظنون أن هناك مَن يتجسس علينا؟
عثمان: لو كان هذا صحيحًا لأخبرنا رقم «صفر» بذلك ولكلَّفنا بالبحث عن هذا الجاسوس أو هؤلاء الجواسيس بدلًا من منعِنا من الاتصال به.
أحمد: هل تظنون أننا سنبقى طويلًا قبل أن تَصِلَنا رسالةٌ جديدة من رقم «صفر»؟
إلهام: مَن يدري … وأرجو ألَّا تكونَ الرسالة القادمة تطلب منَّا مواصلة البقاء أيضًا.
وظهر عليها شيءٌ من الملل والضيق وقالت: سأذهب إلى عشتي؛ فليست لي رغبة في السهر أكثر من ذلك.
واتجهت «إلهام» إلى عشَّتِها البوصية … وجلسَت وحدها في الظلام وهي تفكِّر في سرِّ تصرُّفِ رقم «صفر» … وكانت هي وحدها التي تملك جهازَ الإرسال والاستقبال بالمقر السري، وجال خاطرٌ في ذهنها … هل تتصل برقم «صفر» برغم كلِّ التحذيرات لتستوضح منه سببَ طلبِه العجيب في عدم اتصالهم به … ولكنها فكَّرت في أنها بذلك ستكون قد خالفَت أوامره … ولم يكن أيٌّ من الشياطين يستطيع مخالفةَ أمر رقم «صفر» مهما حدث.
كان عليها الانتظار إلى أن تأتيَ رسالةُ رقم «صفر» التالية.
وفكَّرَت «إلهام»: … هل يمكن أن يفكِّر أحدُ الشياطين مثلَها ويحاول الاتصال برقم «صفر» بدون أن يُخبرَها؟ … وكان هذا احتمالًا قائمًا بالرغم من صعوبة حدوثه ومخالفة أيٍّ من الشياطين للتعليمات … ولكن كان على «إلهام» أن تتأكد بنسبة مائة في المائة … وكان عليها إخفاءُ جهاز الإرسال والاستقبال بحيث يستحيل العثور عليه لأحدٍ غيرها.
ووضعَت «إلهام» جهازَ الإرسال حول وسطِها وثبَّتَته جيدًا … ثم أسندَت رأسها على وسادتها ونامَت … وبعد قليل نهض «قيس»، و«بو عمير»، و«خالد»، واتجهوا إلى أماكن نومهم … ولم يبقَ غيرُ «عثمان» و«أحمد» اللذَين بقيَا جالسَين على الشاطئ يرنوان إلى الجبال البعيدة … وقد تلألأَت السماء ببعض النجوم كأنها فصوصٌ ماسيَّة تلمع في عيون الليل.
ومرَّت لحظاتٌ من الصمت ثم سأل «أحمد» «عثمان»: هل لديك تفسيرٌ لما يحدث لنا؟
عثمان: مَن يدري … إن رقم «صفر» يطلب منَّا أحيانًا أشياء غريبة … ثم نفهم تفسيرَها بعد ذلك، ومن المؤكد أن هناك سببًا مقنعًا وراء طلبِه بقاءَنا هنا وعدم الاتصال به.
وفجأةً اندفعَت «إلهام» نحو «أحمد» و«عثمان» وهي تلهث بشدة، وهتفَت فيهما: لقد أتَت رسالةٌ جديدة من رقم «صفر».
– وما هي؟
نطق «أحمد» و«عثمان» في صوت واحد. حملقَت «إلهام» في «أحمد» و«عثمان» لحظةً قبل أن تقول ببطء: لقد طلب مني رقم «صفر» أن أُخبرَكم جميعًا بأنه محرَّمٌ على الجميع التحدُّث بأيِّ شيء يخصُّ عملَنا أو المقرَّ السري أو أية عمليات سابقة أو آتية.
قال «عثمان» ذاهلًا: ماذا تقولين يا «إلهام»؟!
إلهام: هذا هو ما حدث … لقد منعَنا رقم «صفر» من الحديث مع بعضنا بخصوص عملنا … مهما كانت الأسباب.
أحمد: ولكن هذا أمر عجيب … عجيب جدًّا! إنني لا أفهم سرَّ ما يحدث هنا! … هل يظن رقم «صفر» أن هناك مَن يتجسس علينا ويخشى أن نذكرَ بعضَ الأسرار عن عملنا فيلتقطها هؤلاء الجواسيس؟
عثمان: لو كان هذا صحيحًا لذكَر رقم «صفر» لنا ذلك صراحة … ولطلب منا القبض ببعضها وقد سيطر عليهم قلقٌ لا حدَّ له وتراقصَت على هؤلاء الجواسيس.
قال «أحمد» محتدًّا: إذن ما هو تفسير ما يحدث؟!
عثمان: إنني في حيرة شديدة، ولا أفهم سرَّ ما يحدث.
نهض «أحمد» وهو يقول ﻟ «إلهام»: أرجوك أعطني جهاز الإرسال … من الضروري أن أبعثَ برسالة إلى رقم «صفر» عمَّا يحدث لنا.
إلهام: هذا مستحيل. إن أوامر رقم «صفر» واضحة … لا اتصال به من جانبنا.
أحمد: ولكنني رئيس مجموعتكم، ومن الضروري …
قاطعَته «إلهام»: إن التعليمات واضحة … ولا تستثني أحدًا.
ترامق الاثنان لحظة … ونكَّس «أحمد» رأسَه وهو يقول: معكِ حقٌّ، يبدو أن توتُّري جعلني أفكِّر بطريقة خاطئة.
إلهام: سأذهب لأوقظَ بقيةَ الشياطين لأُخبرَهم بالرسالة الجديدة.
عثمان: ألَا يمكن الانتظار حتى الصباح لإخبارهم.
إلهام: لا … إن التعليمات واضحة … الآن.
واتجهَت «إلهام» إلى مكان نوم «خالد»، و«قیس»، و«بو عمير» … ونهض «عثمان» وهو يقول: لا فائدة من البقاء والسهر … سأذهب لأنام، فهذا أفضل ما نفعله.
واتجه «عثمان» إلى عشته … وبقيَ «أحمد» وحيدًا … بعد قليل نهض «أحمد» وتحرَّك فوق الشاطئ … وبدأ يبعد عن المعسكر … وخاضَت قدماه في المياه وتبلَّل حذاؤه ولكنه لم يُبالِ … ولم يحسَّ بالصخور الحادة في نهاية الشاطئ، والتي كادَت تُدْمي قدمَيه … كان هناك أمرٌ عجيب يشلُّ تفكيرَه … ما معنى تعليمات رقم «صفر» العجيبة؟ وفجأةً خطر له أمرٌ مذهل … هل يمكن أن يكون هناك مَن استطاع معرفةَ شفرة الشياطين وموجة الإرسال الخاصة بهم، وهو الذي قام بإرسال هذه الرسائل العجيبة لهم؟ وبمعنى آخر: هل تمَّ التشويشُ على رسائل رقم «صفر» إليهم، وبثُّ رسائل مزيفة إليهم بتعليمات مزيفة؟ … وكان هذا أمرًا هائلًا أن يكون هناك عدوٌّ لديه هذه القدرة الهائلة على اختراق أدق خصوصيات وأسرار الشياطين. وكان هذا معناه أن الشياطين في خطر عظيم … ومقرهم السري أيضًا … ورقم «صفر» كذلك … كان تفسير «أحمد» لو تحقَّق، معناه تدميرُ المنظمة بالكامل.
وكاد «أحمد» يندفع عائدًا إلى زملائه ليُخبرَهم بما استنتجه … وفجأةً توقَّف مندهشًا عندما لمح الضوءَ البعيد الذي يضوي ويَخْفِت بطريقة متقطعة … وراقب «أحمد» الضوء … كان من المستحيل على أيِّ شخص آخر أن يراه من الشاطئ … بل يجب أن يتجه إلى أطرافه ذي الصخور الحادة المدبَّبة ليتمكَّن من رؤية ذلك الضوء … فهل يمكن أن تكون الصدفة قد قادَته ليكتشفَ شيئًا ما قد يكون له علاقة بما يدور حوله من أمور عجيبة؟ … ولم يصدِّق «أحمد» عينَيه.
كانت ومضاتُ الضوء رسالة … رسالة تُشبه دقَّاتِ جهاز اللاسلكي تمامًا … رسالة ذات شفرة خاصة … هي نفسها شفرة الشياطين. وكانت الرسالة تقول: «اسبح وحدك وتعالَ نحو مصدر الضوء.»
وتوقَّف «أحمد» ذاهلًا وهو يتساءل … هل هو المقصود بالرسالة؟! … وكيف عرف صاحبها أنه يقف في المكان المناسب لرؤية الضوء؟!
لم يكن الأمر صدفة على الإطلاق … كان هذا أمرًا مؤكدًا. واختفى الضوء لحظة، وجاءت رسالة جديدة تقول: «لا وقتَ للضَّياع … الأمر هام وخطير جدًّا … أسرِع بالسباحة نحو مصدر الضوء.»
ودقَّ قلبُ «أحمد» وهو يتساءل: هل يمكن أن يكون ذلك الضوء وتلك الرسالة فخًّا لاصطياده من أعداء مجهولين؟
لم يكن أمام «أحمد» من تصرُّف آخر غير المخاطرة … فقد تكاثرَت طلاسم ألغاز تلك الليلة بصورة لا تُحتمَل … وكان عليه كشفُ أسرارها … وبلا تردُّد ألقى «أحمد» بنفسه في قلب الماء، وأخذ يسبح باتجاه مصدر الضوء.