العيون الذئبية
وقفَت «إلهام» في قلقٍ عظيم أمام الشاطئ وبجوارها «عثمان» الذي ارتسمَت على وجهه ملامحُ مقطَّبة … وهتفَت «إلهام» في خوف: لقد تأخروا كثيرًا … إنني قلقة بشدة عليهم.
عثمان: لا تخشَي شيئًا … لا داعيَ للخوف على الشياطين.
تلفَّتَت «إلهام» حولها وهي تقول: يجب أن نبحث عن زورق وننطلق إلى البحر فورًا … فربما كان الشياطين الأربعة بحاجة إلى مساعدة.
عثمان: وأين سنبحث عنهم في هذا البحر الواسع؟ سنكون أشبهَ بمَن يبحث عن إبرة في كومة قش، خاصة في هذا الظلام … ومن الأفضل لنا الانتظار.
ومرَّت لحظاتٌ قصيرة من الصمت … كانت ساعة «إلهام» في مِعْصمها تُشير إلى منتصف الليل … وكان الهدوء والسكون يشملان المكان حولهما ولا يُسمَع فيه غير صوت أنفاسهما المتوترة.
وصاحَت «إلهام»: انظر يا «عثمان».
ومن الأمام … على مسافة قليلة ظهرَت ثلاثةُ أشباح سوداء وهي تبرز من قلب الماء … وكانت ترتدي ملابس الغوص، وقد تخلَّصَت من أنابيب الأوكسجين والأقنعة.
وصاحَت «إلهام»: إنهم الشياطين.
واندفعَت نحوهم … وكان الشياطين الثلاثة؛ «قيس» و«خالد» و«بو عمير» يقاومون الموجَ ويبذلون أقصى طاقتهم للوصول إلى الشاطئ والإجهاد العظيم قد وضح عليهم بشدة.
واندفع «عثمان» و«إلهام» نحوهم يساعدونهم، حتى جذبوهم إلى الشاطئ، فاستلقى الشياطين الثلاثة فوق الرمال. قالت «إلهام» في فزع: ماذا حدث؟! وأين «أحمد»؟ … ولماذا عُدْتُم بدون الزورقَين؟
أجاب «قيس» بصعوبة: لقد تركنا «أحمد» داخل أحد الزورقين وهبطنا إلى الماء للغوص، ويبدو أننا نسينا أنفسنا وسرقَنا الوقت، وصَعِدنا إلى أعلى، ولكننا لم نعثر على أيِّ أثر للزورقَين ﻟ «أحمد».
وأكمل «خالد»: وكل ما وجدناه مكانه هو بقعة كبيرة من الدماء لا ندري من أين أتت … وكان هناك بعضُ حطام الزورقَين … ولم يكن هناك أيُّ أثر ﻟ «أحمد».
صرخَت «إلهام»: ماذا تقول؟! … وأين ذهب «أحمد»؟
خالد: لا ندري … لم يكن له أيُّ أثر هناك … وكل ما شاهدناه عددٌ كبير من أسماك القرش التي كانت تحاصر المكان وتبدو عليها الشراسة، ولولا أننا كنا نحتاط بالحبر الخاص بطرد أسماك القرش لانقضَّت علينا وافترسَتنا … ولم يكن أمامنا أيُّ فائدة من البقاء فاضطُررنا للعودة سابحين.
صرخَت «إلهام»: مستحيل أن تكونوا قد تخلَّيتم عن «أحمد» بمثل تلك البساطة … لا يمكن أن تكونوا قد تركتموه لأسماك القرش.
اكتسى وجهُ «قيس» بتعبيرٍ قاسٍ، وقال: لم يكن له أيُّ أثر هناك … ولم نكن نستطيع أن نفعل شيئًا.
انفجرَت «إلهام» باكيةً وهي تقول: لا يمكن أن يكون «أحمد» قد انتهى على تلك الصورة … لا يمكن أن تكونَ نهايتُه بمثل تلك الطريقة البشعة.
ونظرَت بعينَين مذهولتَين إلى بقية الشياطين قائلةً: ولكن من أين أتَت كلُّ تلك الدماء التي شاهدتموها؟! … وما الذي استدعى كل أسماك القرش فحطَّمَت الزورقَين؟
خالد: لقد جاءَت أسماك القرش بسبب رائحة الدماء ولا شك … ولا بد أنها هاجمَت زورقَ أحمد.
إلهام: مَن الذي ألقى هذه الدماء في البحر … بجوار زورق «أحمد»؟
لم ينطق أيٌّ من الشياطين الثلاثة … وأكملَت «إلهام» ذاهلةً: مَن الذي فعل ذلك … ولماذا لم يحاول «أحمد» الابتعادَ بزورقه عندما بدأَت أسماكُ القرش مهاجمتَه؟
قال «بو عمير» مقطِّبًا: مَن يدري ماذا حدث … إن المسألة تبدو غامضة جدًّا.
صاحَت «إلهام»: يجب أن نُسرع إلى «أحمد»؛ قد يكون بحاجة إلى مساعدة منَّا.
أمسكَ «عثمان» بمعصم «إلهام»، وقال لها: تمالكي نفسَكِ يا «إلهام» … ليس هناك ما نستطيع عمله.
إلهام: إن ما يحدث لنا في هذا المكان جنونٌ مطبق. هذه الأحداث العجيبة التي تمرُّ بنا … لماذا تركَنا رقم «صفر» بمثل هذه الصورة؟ … هل نسيَنا؟!
وانتزعَت جهازَ الإرسال من جيبها بعنفٍ وهي تقول: سوف أتصل برقم «صفر» حالًا.
عثمان: لا يا «إلهام» … لقد حذَّرنا رقم «صفر» من ذلك. ومن المستحيل علينا مخالفة تعليماته.
قالت «إلهام» بعينَين مبلَّلَتَين بالدموع: ألَا تستحقُّ حياة «أحمد» أن نُخالفَ التعليماتِ ولو مرة واحدة؟! … هل يمكن أن نفقد «أحمد» بمثل هذه الصورة البشعة ولا نُخبر رقم «صفر» بذلك على الأقل؟
قيس: لن يُفيدَ هذا في شيء … إن أخبار رقم «صفر» بما حدث ﻟ «أحمد» لن يغيِّر من مصيره.
خالد: علينا أن ننتظر رسالتَه القادمة لنُخبرَه بما حدث ﻟ «أحمد».
بو عمير: ومَن يدري … ربما لا تأتي رسالة رقم «صفر» التالية … أبدًا.
عثمان: ماذا تقصد يا «بو عمير»؟ وتلاقَت أنظار «خالد» و«قیس» و«بو عمیر»: إننا في وضع عجيب وغير مألوف أبدًا وحتى تصرفات رقم «صفر» تبدو غيرَ معتادة ولا تفسيرَ لها … ولذلك فإنني أتوقَّع أيَّ شيء منذ هذه اللحظة.
وفجأةً اندفعَت «إلهام» صارخةً نحو المياه المظلمة، وبرز من قلب الماء شيءٌ يتحرك … وصاحَت «إلهام» بأعلى صوتها: «أحمد»!
وكان الشيطان العجيب يخرج من قلب الماء في نفس اللحظة … كأنما نجا من الموت بمعجزة فريدة … وتبادل «قيس» و«خالد» و«بو عمير» نظرةً مذهلة غيرَ مصدقين … ثم اندفعوا جميعًا نحو «أحمد» وتعاونوا جميعًا في حمله إلى الشاطئ … كان «أحمد» يبدو في حالة يُرثَى لها من الضعف … وامتلأَت عينَا «إلهام» بدموع السعادة، وأخذَت تُربِّت على جبهة «أحمد»، وهي تقول: حمدًا لله على عودتك سالمًا … لقد فقدنا الأمل في نجاتك.
قيس: لقد ظننا أنك غرقتَ؛ ولذلك عُدْنا وحدَنا.
أغمض «أحمد» عينَيه من شدة التعب، وقال: لقد كادَت أسماك القرش أن تفترسَني بالفعل لولا أن ظهَر في اللحظة الأخيرة يختٌ سياحي كان يستقلُّه بعضُ السياح؛ فقاموا بالتقاطي من الماء … وفقدتُ الوعيَ لديهم فترة وبعدها أفقتُ، طلبتُ منهم إعادتي إلى الشاطئ فتركوني على مسافة قريبة منه.
إلهام: الحمد لله … إن العناية الإلهية كانت تحرسك.
نظر «عثمان» إلى «أحمد»، وقال: هل تظن أنها محاولةٌ لقتلك يا «أحمد» بإلقاء الدماء حول زورقك.
رمق «أحمد» «قيس» و«خالد» و«بو عمير» بعينَين مجهدتَين وقال: مَن يدري … لعل هناك مَن يريد التخلص مني بأي وسيلة خوفًا من افتضاح أمره.
تساءلَت «إلهام» بدهشة: ماذا تقصد يا «أحمد»؟
ولكن «أحمد» لم يردَّ … وغَرِق في سُبات عميق.
وفي نفس اللحظة ارتسمَت في عيون «خالد» و«قيس» و«بو عمير» نظراتٌ حادة … أشبه بنظرات الذئاب المتوحشة … وكان من الواضح أنهم لا يصدقون حتى تلك اللحظة كيف نجا «أحمد» من الموت بتلك المصادفة العجيبة.