قصص ديانا
قصة إنديميون
كانت ديانا، ربة القمر، باردة العاطفة ومنطوية على نفسها، كالفلك الذي تحكم عليه. واعتُبرت بنوعٍ خاصٍ حامية العذراوية المتزمتة. وكان يطاردها في بعض الأحيان، قليل من العشاق، ولكنها لم تستسلم إليهم إطلاقًا، وأعدت لبعضهم مصيرًا قاسيًا. غير أنها أحبت ذات مرة، أحبت إنديميون.
كان إنديميون هذا راعيًا شابًّا، يرعى قطعان أغنامه على المنحدرات الخضراء لجبل لاتموس. وكان شابًّا رائع الجمال، ونبيل الأخلاق، حتى إن أهل المنطقة التي يعيش فيها نظروا إليه والرهبة تملأ قلوبهم، وقالوا إنه لا بد أن يكون ابن جوبيتر. وفي إحدى أمسيات الصيف، بعد أن رعى أغنامه، رقد تحت شجرة بلوط، واستغرق في نومٍ عميق، بينما كان الكون في ظلامٍ دامس لا يُنيره سوى ضوء النجوم، ولكن بعد فترةٍ وجيزة، بينما كانت ديانا تقود عربتها الفِضية عبر السماء، أنارت الجبل والوادي. وكانت تسوق جيادها الناصعة البياض في بطء. وبينما هي تسوقها، نظرت إلى الأرض تحتها، فإذا ببصرها يقع على إنديميون النائم، وفجأة تغلغل في قلبها حب ذلك الصبي الراعي الوسيم.
رنَتْ إليه ديانا، وقد تملكها ارتباك. وكان يسرها أن توقظه فتبثه غرامها، ولكنها لم تجرؤ على أن تفعل ذلك؛ لأنها كثيرًا ما نهرت الآلهة الآخرين على إعجابهم بالبشر. وطالما افتخرت بأنها هي نفسها ذات مناعة ضد مثل ذلك الضعف، وبأنها ربة العذراوية اللامتغيرة، فكيف وقعت هي الآن في الحب؟
وعلى هذا، تسللت من عربتها خلسة، وجلست إلى جانب إنديميون، وقبلته برفق لئلا توقظه. وأضفت على نومه أحلامًا لذيذة، كثيرًا ما يتخلَّلها شبح ربة القمر يخطر أمامه، فيتنهد إنديميون في نومه سعيدًا، وهكذا كانت ديانا تقضي الليلة بعد الليلة.
ولكن الآلهة الآخرين بدءُوا يلاحظون كثرة غياب ديانا عن السماء، وأن عربتها تسير بسرعة غير منتظمة عبر السماء، ثم شرعوا يتجسَّسون عليها. وسرعان ما انكشف سرها وذاع بين كل مَنْ في أوليمبوس الشاهق، وكان بعضهم، ولا سيما فينوس، يود لو يسخر منها لولا أن جوبيتر قمعهم. وخشي أبو الآلهة والبشر أن يأتي وقت تهمل فيه ديانا، بسبب ذلك الصبي الراعي، تهمل واجبها الأصلي، وهو إضاءة السماء ليلًا.
لذلك اعتزم جوبيتر أن يفرض على إنديميون اختيارًا عسيرًا. فاستدعى إليه ذلك الشاب وخيَّره بين أمرين لا ثالث لهما. إما أن يموت بأية طريقة يختارها، أو يغط في نوم أبدي. فاختار إنديميون المصير الأخير، ولا يزال نائمًا في كهف بجبل لاتموس، حتى تستطيع ديانا أن تنظر إليه من نقطةٍ معينةٍ، وهي في طريقها عبر السماء.
كيف صار أوريون من ساكني السماء
اعتقد الإغريق أن مجموعة نجوم أوريون (برج الجوزاء) كانت في الأصل جسمَ عملاقٍ ضخم ابن نبتبون. كان رجلًا جميل المنظر وصيادًا متحمسًا، يزهو كثيرًا بمنظره وبمهارته في الصيد. وقد أولعت به ديانا ولعًا كبيرًا، حتى اشتبه البعض في وجود علاقة حب بين ربَّة القمر وبين أوريون. وفي بعض الأحيان نهرها أبولو على شدة اهتمامها بهذا الصياد، ولكن دون جدوى.
وذات يوم أشار أبولو لشقيقته إلى نقطةٍ سوداء بعيدة في المياه، وتحداها أن تستطيع إصابتها بسهمها. فما كان منها إلا أن أمسكت بقوسها، وأطلقت منها سهمًا أصاب النقطة. غير أنها أدركت بعد فوات الأوان، أنها قتلت أوريون. فحزنت عليه، ثم وضعته بين النجوم في السماء، حيث يتبعه كلبه سيريوس (نجم الشعرى) يجري أمامه الأرنب، وتفزع من مجيئه البلياديس (برج الثريا).
ويعتقد الإغريق أن البلباديس كانت عذراوات بنات أطلس، طاردهن أوريون حتى برِمْن به، فطلبن العون من جوبيتر، فحولهن إلى يمام، ثم إلى نجوم.
انتقام ديانا وأبولو
إن حقد أبولو الظاهر في بعض الحلقات، ليتجلى أيضًا في قصة نيوبي ابنة ملك تانتالوس، تزوجت نيوبي بأمفيون بن جوبيتر. وفي وقتٍ ما دأبت على أن تزهو بنسبها وبزوجها وبأسرتها المكونة من سبعة أبناء شجعان وسبع بنات فاتنات، وتمادت في زهوها بغطرسةٍ وصلَف.
وذات مرة، في عيد لاتونا والدة أبولو وديانا، أخذت نيوبي تملأ شدقيها فخرًا بأسرتها، حتى خرجت عن طورها فأمرت الناس، في غرورها الكاذب، بأن يكفوا عن عبادة لاتونا ذات الطفلين الاثنين، ويقدموا لها (أي لنيوبي) فروض التبجيل بدلًا من لاتونا، وأن يكون تبجيلهم إياها سبعة أضعاف تبجيلهم لاتونا.
سمعت لاتونا بهذا الصلف، فخاطبت ابنها وابنتها وعنَّفتهما على سكوتهما إزاء تلك الغطرسة، وكانا هما أنفسهما حانقين من قبلُ مثلَ والدتهما؛ لاختيال نيوبي وتكبرها، فصمما على معاقبة تلك المرأة الحمقاء من فورهما.
سرعان ما انطلق أبولو وديانا إلى المدينة التي تقيم فيها نيوبي، وألقيا نظرة فاحصة على المنظر الذي أمامهما، فلاحظا أبناء نيوبي السبعة بين المشتركين في الألعاب الرياضية فوق السهل. وبسرعة حملا قوسيهما على كتفيهما، فطارت منهما السهام تصرع جميع أبناء نيوبي السبعة.
رغم هذا لم تكف نيوبي عن زهوها متحدية لاتونا كعادتها.
صاحت نيوبي تقول: «ما زالت بناتي أفضل وأعظم من طفليك!» ولكنها ما كادت تنطق بآخر كلمة، حتى سقطت بناتها السبع صريعات أثناء بكائهن على مقتل إخوتهن. فلما رأت نيوبي ما حدث، حزنت حزنًا شديدًا حوَّلها إلى حجر، غير أن دموعها ما فتئت تنهمر، فأشفق عليها الآلهة، وحولوها إلى نافورة.
الصيد الكاليدوني
اشتهرت فتاة تدعى أتالانتا (غير أتالانتا التي سابقت هيبومينيس) بمهارتها في الصيد وفي الألعاب، وكان والدها قد تركها طفلة في غابة أركاديا فأبصرتها دبة، فقامت بتربيتها كما لو كانت جرْوَها. كبرت هذه الفتاة تحت الحماية الخاصة للربة ديانا، وصارت صيادة بالغة الجرأة.
حدث في منطقة كاليدونيا أن أهمل حاكمها أينيوس، تقديم بعض الفروض الواجبة للربة ديانا. فغضبت هذه الربة، وأرسلت خنزيرًا بريًّا ضخمًا ليعاقبه، فانطلق هذا الوحش يعيث فسادًا في الأراضي فدمَّر محاصيلها، وأتى على الأخضر واليابس فيها.
رأت ألثايا زوجة أينيوس، فيما يراه النائم، ربات القدر الثلاث يغزلن نسيجَ حياة ابنها ملياجر، الذي كانت قد ولدته حديثًا، وسمعت بعض حديثهن.
قالت إحدى ربات القدر: «بمجرد أن يتم احتراق قطعة الخشب هذه، المتَّقدة في وطيس أمه، ستنتهي حياته.»
استيقظت ألثايا من حلمها مذعورة، وجرت بسرعة إلى الوطيس، فأخرجت منه قطعة الخشب المتقدة، وأطفأتها بالماء، وخبأتها بعناية وسط أنفس كنوزها.
كبر ملياجر وصار شابًّا يافعًا جريئًا، أحبه كل من عرفه. فلما بلغه أمر ذلك الخنزير البري، أصر على أن يجعل من مقتله عيدًا عظيمًا. فبعث الرسل إلى جميع أنحاء البلاد الإغريقية يطلب اشتراك كل أبطالها في صيد ذلك الخنزير. فلبوا نداءه بنفوسٍ راضية، ومن بين الأبطال جاءت أتالانتا متلهفة لأن تكون قاتلة ذلك الوحش. وعندما أقبلت التقت بملياجر وجهًا لوجه، وعلى الفور، وقع البطل الشاب ملياجر في غرام أتالانتا.
ظل ملياجر طوال الصيد إلى جانب أتالانتا، ولكي يفوز برضاها قام بعدة أعمال بطولية رائعة. وعندما طرد الخنزير أخيرًا من مكمنه، كان ملياجر هو الذي أصابه بالضربة القاتلة، فوقع الوحش أمامه صريعًا.
سُلخ الخنزير فكان جلده الضخم أعظم تذكار صيد، وسُلِّم إلى ملياجر، فقدمه هذا بدوره إلى أتالانتا. وعندما فعل هذا تذمر اثنان من إخوة ألثايا، وكانا ضعيفي العقل.
صاح الأخوان قائلَيْن: «ما هذا؟! أيصح أن يقال إن جائزة عظيمة كهذه تذهب إلى مجرد فتاة؟ يجب أن تعلق إلى الأبد في قصر الملك.»
لما انتهى الأخوان من قولهما هذا، تقدما غاضبَيْن نحو أتالانتا، وخطفا من يدها جلد الخنزير بخشونة. فلما رأى ملياجر ما حدث، سحب قوسه إلى كتفه، فأطلق منها سهمين نحو خاليه، فأرداهما قتيلين على الأرض يتخبَّطان في دمائهما.
نظر الحاضرون إلى جسميهما فزعين، وفي الحال أسرع رسل الشر إلى بلاط الملك، فملئُوا الجو عويلًا. فسمعتهم ألثايا وخرجت لترى ما الخطب. فلما علمت بما حدث تملكها غضب شديد أفقدها وعيَها، فأسرعت إلى المكان الذي احتفظت فيه بكنوزها، وأمسكت بقطعة الخشب التي خبأتها عند مولد ملياجر، ودون أن تسمح لنفسها بوقتٍ للتفكير، ألقت بها وسط اللهب المشتعل في الوطيس، فالتهمتها النار في لهفة، وسرعان ما احترقت عن آخرها.
في تلك الأثناء، كان ملياجر يتحدث آسفًا إلى أتالانتا في مكان الصيد. وفجأة انتابته آلام شديدة، فسقط على الأرض يذوي، وما هي إلا بضع دقائق حتى لفظ آخر أنفاسه.
لما علمت ألثايا بموت ابنها، ثابت إلى رشدها، وأدركت خطأها وهي غاضبة بسبب أخويها، وعرفت كيف تحقق الحلم الذي رأته يوم ولادة ملياجر، وأن قطعة الخشب التي التهمَتْها النيران قد أنهت حياة ابنها، ففنيت نفسُها يأسًا.