وجاء في آخر كتاب سُمُوِّه عن الماليَّة المصريَّة
- (١)
٥٦٠٠٠٠٠ فدان تُجبَى منها الضرائب باعتبار أنها مزروعة.
- (٢)
١٥٠٠٠٠٠ فدان غير مزروعة الآن، وقابلة للزراعة في المستقبل.
وجملة سكان مصر ١٢٧١٨٢٥٥ حسب إحصاء سنة ١٩١٧م؛ فيكون لكل فدان شخصان وربع، وأكثر المديريات سكانًا بالنسبة لمساحتها مديرية المنوفية؛ إذ يخص كل ثلاثة من سكانها فدان واحد. وما زال المصريون منذ إحصاء سنة ١٩١٧م في نُمُوٍّ مستمر، فإذا تركنا سِني الحرب الاستثنائيَّة جانبًا، نجد زيادة عدد المواليد على عدد الوَفَيَات في سنة ١٩٢١م، حسب تقدير مصلحة الإحصاء بلغت ٢٢٤٤٥٩، وفي سنة ١٩٢٢م ٢٤٣٥٣٦ نسمة.
وكلما زاد عدد السكان كثر ازدياد عدد المواليد على عدد الوفيات طبعًا، ولا ريب عندنا في أنَّ متوسط هذه الزيادة يبلغ سنويًّا ٢٥٠٠٠٠ بدون أدنى مبالغة.
وليس في مديرية المنوفية — وهي أخصب أرض مصر — قطعة لا تُزرع، ومع ذلك فكثير من سكانها يهاجرون؛ لأنهم لا يجدون ما يسد حاجة معيشتهم فيها، على أننا مع هذا نسلِّم بقاعدة كفاية الفدان الواحد من كل أرض زراعية في مصر لمتوسط معيشة ثلاثة أشخاص.
فنقول بناءً على هذه القاعدة: إنَّ الأرض المزروعة في مصر ومقدارها ٥٦٠٠٠٠٠ فدان تكفي لمعيشة ١٦٨٠٠٠٠٠ نسمة، وبعد تعداد النفوس سنة ١٩١٧م بلغ مجموع زيادة المواليد على الوفيات ٨٧١٧٧٠ بتقدير مصلحة الإحصاء، فإذا أضفنا إلى ذلك زيادة سنة ١٩٢٣م ومقدارها ٢٥٠٠٠٠، وأضفنا المجموع إلى إحصاء سنة ١٩١٧م يكون عدد السكان في نهاية سنة ١٩٢٣م ١٣٨٠٠٠٠٠، وبطرحه من ١٦٨٠٠٠٠٠ نسمة — وهو العدد اللازم لاستثمار المساحة المقرر عليها ضرائب — يكون الباقي ٣٠٠٠٠٠٠ نسمة، وهو عجز يُسَدُّ بزيادة السكان السنويَّة، فإذا سلم لنا أنها ٢٥٠٠٠٠ سنويًّا يتلاشى هذا العجز بعد اثنتي عشرة سنة. على أننا نقول: إنَّ عَشر سنوات فقط تكفي لذلك إذا جرت الأمور في مجراها الطبيعي.
- الأولى: إذا لم تجفَّف مياه إقليم البحيرات ولم يعَدَّ للزراعة، وصلنا إلى آخر حدٍّ لاستطاعة القُطر تحمُّل سكانه في مدة اثنتي عشرة سنة على الأكثر.
- الثانية: إذا جُفِّفت مياهه وأُعِدَّ للزراعة، وصلنا إلى الحدِّ المذكور في مدة ثلاثين سنة على الأكثر.
وهاتان المُدَّتان — حتى أطولهما — أقرب إلينا من حبل الوريد، ومعظم النسل الحاضر سيرى بعينَيْ رأسه انقضاء هذه السنين، فماذا نصنع بعدئذٍ والزيادة مستمرة في السكان؟
لا ريب أنه يجب علينا منذ الآن التفكير في حل لهذه المعضلة الاجتماعية المتوقَّعة، وهو ما سنفرِد له هذا البحث، فنقول: الجزء المَروِيُّ أو الممكن رَيُّه من القطر المصري على شكل شريط طويل دقيق، ينتهي طرفه الشمالي بشكل مروحة عند البحر الأبيض المتوسط، وهذه هي التي تسمَّى الدلتا.
وهذا الجزء المَروِيُّ يُحَدُّ بصحراء العرب شرقًا وصحراء لوبية غربًا. وليس في الإمكان ري أرض الصحراوين المذكورتين بمياه النيل؛ لارتفاعها وعدم استواء سطحها، فسيستمر جدبهما لهذا العائق الذي لا يمكن تذليله إلى ما شاء الله. ومن المستحيل في مصر الانتفاع بأرض لا يرويها النيل، فليس هناك احتمال لتوسُّع زراعي من هاتين الجهتين.
وفي الجهة الشماليَّة البحر، فإذا وجَّهنا زيادة عدد سكاننا إلى هذه الوجهة وافترضنا ارتحالها إلى ما وراء البحار، وتركنا جانبًا كراهةَ المصري الغُربةَ، فإننا لا نجد ما يحقِّق لها أي رغد من العيش؛ للبَوْن الشاسع بين البلادين مناخًا، وطبيعةً، وجنسيَّةً، ولغةً، وديانةً، فهذه الجهة في حكم المسدودة.
أمَّا المورد الصناعي للمعيشة، ففضلًا عن أنَّ مصر تنقُصها المواد الأوليَّة لتكون الصناعة فيها زاهرة يانعة، فإنه مورد محدود من المستحيل أنْ ينتفع به عدد عظيم من السكان في مصر، ولنفرض أنهم نصف مليون أو مليون، فإنه يستغرق بزيادة السكان في مدى أربع سنوات فقط، ومتى انقضى هذا الأجل القصير نجد أنفسنا أمام المعضلة بعينها من جديد.
وحاشا أن نقصد تثبيط الهمم عن الصناعة بهذا الكلام، وإنما القصد فقط بيان عدم كفاية هذا المورد، وأنه لا يحل المُشكِل الذي نحن بإزائه.
فالمنفذ الوحيد المفتوح أمامنا هو جهة الجنوب، حيث يوجد إقليم واسع ذو سكان قليلي العدد، وأرض من طبيعة أرض مصر تُروَى بنفس النيل، ولا يفصلها عنَّا فاصل، بل هي ومصر جسم واحد.
وإقليم كهذا — حالته المعيشيَّة وثمار أرضه مماثلة لقطرنا — المصريون وحدهم هم الذين في استطاعتهم جعله في حالة سعادة ورفاهية. وبالاختصار هو بيئة مناسبة لأمزجة المصريين على قدر ما هم أنفسهم موافقون لهذه البيئة. وهو الذي يسع الزيادة المستمرة لسكان مصر مدى مائة عام بدون أدنى مضايقة.
فالسودان هو باب السلام الوحيد الذي ظلَّ مفتوحًا لمصر على مصراعيه منذ الأزمان الخالية، ويجب أن يبقى كذلك إلى الأبد؛ لأنه لازم لها لزوم الرُّوح للجسد.
وإلى هذا الغرض يجب أنْ تُصوَّب جميع جهود الذين في يدهم حظ مصر، وفي قلبهم يضمرون لها النفع والمصلحة.