القاضي
شقي القاضي بالمسئولية؛ فأزمع تركها. مال إلى الحياة، مثلَ بقيَّة الناس. يرتدي ما يحلو له من الثياب. لا يتقيَّد بأبَّهة ولا حرَس ولا مواعيد. يتجوَّل في الشوارع. يتأمَّل البنايات. يتحلَّق الرُّواة الشعبيين. يأخذ ممَّن يلتقي بهم ويُعطي.
مضى في الشوراع المحيطة ببيت القاضي. سار مَوكِبه — من قبل — مُحاطًا بالأعوان والجنود. لم يُتَح له تأمُّلُ ما يخلِّفه الموكِب وراءه. أربكتْه النظرة المحدِّقة؛ رمَقَه بها عطَّار في الحمزاوي، أمَرَ بجَلده أمامَ باب الدكَّان؛ لتقاعُسه عن دفْعِ المُكوس.
بذَلَ طريقه إلى شوارع جانبية، ضيِّقة، وأزقَّة.
اقتحمتْه وجوهٌ عرَفَ أصحابها؛ مَثَلوا بين يدَيه، فقضى بالحقِّ، وإن اعتبروا أحكامَه ظالمة. تعدَّدت الوجوه التي تُدين. بدتْ كأنَّها وجهٌ واحدٌ أخلى ملامِحَه لنظرةِ الاتِّهام.
عاد — بخطواتٍ مهروِلة — إلى بيت القاضي، في نيَّته أن يلزمه، لا ينزل إلى الطريق إلا وقد أحاط به الجُند؛ فلا يناله بأذًى مَن طالتْه أحكامُه.