فنطاسيا الشبح
(يُرفع الستار: تظهر في الخلفية مبانٍ وبيوت محروقة يتصاعد منها الدخان، تُسْمع أنَّات وصرخات تأتي من كل أنحاء المكان، صوتُ تفجيرات وبعض قعقعة الرشاشات الخفيفة، يَظهر وسط المسرح رجلٌ ضخمٌ يرتدي الزي العسكري، على كتفيه عددٌ كبيرٌ من الأنواط والعلامات العسكرية، يقف على كومة من المعدات والآليات العسكرية المعطوبة، وتُرى تحته أيضًا بعض الأدوات المنزلية وبقايا جثث بشرية، أحذية جنود، أحذية مدنيين، جلود حيوانات، قذائف فارغة، وبعض قطع السلاح، ويظهر في خلفية المسرح أيضًا، ويبدو بعيدًا بعض الشيء، جبلٌ كبيرٌ مخضر كثيف الأشجار، يتصاعد خيط خفيف من الدخان من تحت قدمي الجنرال، متسربًا من بين الأشياء، يبدو الجنرال منتفخًا ومزهوًّا، ويغمره إحساسٌ بأنَّه نبي، أو رب صغير استثنائي، عندما يكتمل رفع الستار، ينظر إلى البعيد وكأنه يخاطب أشباحًا لا وجود لها في الواقع، يصرخ بصوت غليظ مبحوح.)
(الصدى يرد بذات الصوت يملأ الأمكنة كلها: «يا أهل سُوبا ماذا ترون أني ني ني»، وتسمع الكلمات الثلاث الأواخر واهنات، وتكرر الأخيرة عدة مرات.)
(يصمت قليلًا، يتحدَّث بصوتٍ منخفض مبحوح): على ما أعتقد أنا الآن وحدي، وحدي، وترقد المدينة المشاكسة تحتي، تحت قدمي، تحت حذائي، (بصوتٍ أعلى قليلًا): تحت بوتي أنا وحدي، (يضرب بشدة برجله على كومة الأشياء تحت قدميه، فتُسمع آهةٌ عميقة ممطوطة، تخرج من تحت قدميه. يقفز من أعلى البقايا التي يقف عليها، يتعثر مرارًا، يتمالك نفسه، يقوم ببعثرة الأشياء بسرعة وبدون تركيز؛ بحثًا عن مصدر الآهة، وهو يطنطن بكلام غير مفهوم، يرمي بالأشياء في كل الاتجاهات، مُنْتُباب، بقايا أطعمة، أحذية، قطع أثاث، عُقد سيدة، شاشة تلفاز، قدم جندي في البوت، جثمان امرأة، يهزه قليلًا ليتأكَّد من أنَّها ميتة، يرمي به جانبًا، قطٌّ ميت، جركان ماء نصفها محروق، ريش دجاج، كتاب كبير الحجم، كتابان صغيران، لوحة تشكيلية، يرميها سريعًا يقذف بها لأبعد ما يكون، ينصت، دجاجات ميتات، يرمي بالدجاجة بعيدًا في قرف، فتصدر صوتًا غريبًا، يذهب نحوها في حذر، يُمسك بها، تبدو في تمام النفوق، يرمي بها بنفس الطريقة الأولى، فتصدر ذات الصوت كأنها تقول: آآآآآآآه يا رب. يأخذها مرة أخرى ليتأكَّد من أنَّ الصوت يصدر عنها بالذات، يضعها تحت رجله اليمنى، يضغط عليها بشدة، فلا تصدر أية أصوات، يدور بها، وبكل ما أوتي من قوة يرمي بها بعيدًا، وبعد لحظات تعود إليه مقذوفة بشدة وبقوة في اتجاهه، يميل بجسده في حركة رياضية للخلف متجنبًا جثة الدجاجة، تسقط قريبًا منه، يركلها برجله في قرفٍ لا يخلو من الخوف.)
(تتساقط على خشبة المسرح قطعٌ وأشياءُ متعددة ومتنوعة؛ بقايا أسلحة، قذائف فارغة، ملابس جند، أوانٍ منزلية، أحذية نسائية، ملابس نساء، وفاكهة قريب فروت متعفِّنة، يعيد المسدس إلى موضعه، يلتقط قطعة ملابس داخلية، لباسًا كبيرًا لسيدة، يطرحه أمامه في مستوى وجهه، حاجبًا إياه من الجمهور، تظهر بقعةُ دم كبيرة على اللباس، تتسع قليلًا قليلًا إلى أن تعم القطعة كلها، تنقط دمًا على الأرض، يرمي به بعيدًا، تأبى القطعة إلا أن تبقى في كفه، ينفضها بقوة ولكنها تظل عالقة بكفه، يدوس عليها برجله جاذبًا إياها للأسفل محاولًا تخليص كفه، ولكن القطعة تظل عالقةً بأصابعه، يقف محتارًا، فتسقط على حذائه من تلقاء نفسها، يمسح الدم على بنطلونه، تُسمع أصواتُ إطلاق الرصاص، يدخل المسرح عددٌ كبير من النساء والأطفال في هلع، يلبسون ملابس ممزقة، يحملون بعض الأدوات المنزلية والمتعلقات الشخصية على رءوسهم وظهورهم، بعض الأطفال مربوطين على ظهور أمهاتهم، يصدرون أصواتًا ويصرخون، يعم المسرح هرج ومرج، ولا يحسون بوجود الجنرال الذي يرتفع للأعلى وحوله بقايا الأشياء التي تحيط به، وهو يقف مثل الصنم لا يبدي أية حركة، ينظر بعيدًا نحو عمق المسرح، يُسمع صوت طائرة تعبر السماء، يرقد الناس كلهم على الأرض، يحتمون بما يحملون، ويصمتون في خوف، يظل الجنرال واقفًا منتصبًا مثل صنم منسي في صحراء، لا خرائط تقود إليها، يُسمع صوت إطلاق رصاص، ينظر الجنرال للبشر الذين تحته، يحتمون برفع أياديهم على رءوسهم، أو يجعلون من متعلقاتهم مصادرَ حمايةٍ وساتر): من أين جاء هؤلاء الناس، ألم يرسلهم جنودنا البواسل للجحيم؟ (عندما يختفي صوت الطائرة نهائيًّا يعود الأشخاص إلى الهرج والمرج، يعالجون متعلقاتهم؛ النساء يُرضعن أطفالهنَّ، الأطفال الأكبر عمرًا يتجولون حول المكان يكتشفون مفرداته، الرجال وهم قلة يتناقشون في جماعة بجدِّية، ويظهر على الجميع الوهن والخوف وضعف البنية الجثمانية، تبدو ملابسهم متَّسخة ممزَّقة وملوثة بالدماء، يتدلَّى الجنرال من أعلى الركام، يتجوَّل بين الأشخاص الذين لا يُظهرون أية علامة على أنَّهم يرونه): الله! هل أنتم عميان؟ ألا تحسون؟ أم أني أتوهم مجرد توهم؟ (يلمس طفلًا صغيرًا يلعب ببقايا بندقية، لا يظهر الطفل اهتمامًا به): إذًا أنا أتوهم، ماذا أصابني! (يجري بين الأشخاص، يعثر على البعض، يضرب البعض، يتمتم بكلام غيرَ مفهوم): آآآآه هل أنا الوهم؟ هل أنا شبحٌ وهؤلاء أحياء أم أنا حي وهم مجرَّد أشباح، أشباح حرب تافهون لا أكثر؟ هل هم الخونة الذين قتلناهم؟
(يُسمع مارش عسكري يأتي من بعيد ويعلو تدريجيًّا. يبدو الارتباك على الأشخاص، ويقومون باتخاذ الساتر، يخفون أوجههم بأكفهم، البعض يضع أصابعه في أذنيه وهم يختفون خلف كومة الأشياء، يصعد الجنرال إلى أعلى كومةٍ، يحيي تحيةً عسكرية وهو منتصب كالصنم، ويعلو صوتُ المارش إلى أن يبدو وكأن الموسيقيين يعزفون المارش في داخل المسرح، ويستمر إلى ما يقارب الدقيقة، ثمَّ يأخذ في الاختفاء تدريجيًّا، وعندما يختفي تمامًا ينزل الجنرال يده من صدغه مبتسمًا ابتسامةً صفراء):
أنا قوي إذًا أنا موجود، (يعبث بالركام تحت قدميه، يخرج أسطوانة معدنية كبيرة، كتلك التي تُستخدم لحفظ غاز الأكسجين، يتهجَّ ما هو مكتوب عليها بطريقة طلاب المدارس): مبيد لقتل الأشباح. (يضيف مبتسمًا): معقول، هل يُوجد مبيدٌ لقتل الأشباح؟ (يتهجَّ مرةً أخرى بذات الطريقة): Made in soooooba حسنًا، إنه صناعة محلية، صُنع هنا في سُوبا، وهل يمكن صناعة هذا الشيء في غير هذه المدينة التي نِصفها غابة ونِصفها الآخر جبل وسكانها ينعمون في قبورهم؟ آن الأوان أن نتخلَّص من الحشرات الشَّبحيَّة بمبيدٍ أُنتج محليًّا. (مخاطبًا الأشخاص): آن الأوان للتخلُّص منكم أيتها الأشباح الآدمية، (ينظر الأشخاص في ازدراء وهو يفتح قفل الأسطوانة الضخمة، تنفتح مصدرةً صريرًا مخيفًا، تخرج من الأسطوانة سحابةٌ كبيرةٌ مثل الدُّخان تعم المسرح كله تدريجيًّا حتى تنعدم الرؤية ويظلم المسرح تمامًا، ثمَّ تبدأ في الانقشاع التدريجي، يظهر الأشخاص وهم يقومون بعمل دمًى لجنرالات من القماش المحشو بالقطن، إلى أن تتضح الرؤية أخيرًا وينجلي الظلام؛ حيث تظهر عشرات النُّسخ من الجنرال في شكل دُمًى كبيرة من القماش المحشو بالقطن بأحجام مختلفة، لها ألوان بيضاء وسوداء وحمراء وصفراء وبرتقالية معلقة على سقف المسرح متدلية برأسها للأسفل، وأمام المسرح على اليمين قليلًا طفلٌ يضع اللمسات الأخيرة للوحة يرسم فيها الدُّمى المعلقة على سقف المسرح رءوسها مُدلاة للأسفل، وفي مقدمة المسرح عن الوسط قريبًا جدًّا من الجمهور يجلس رجلٌ ضخمٌ على كرسي دوار وهو يعطي ظهره للمشاهدين، فجأة يدور بكرسيه دورة كاملة، ثم يتوقف وهو في وضع المواجهة الكاملة للجمهور، وجهه هو ذات وجه الجنرال، يرتدي ذات ملابسه، في صدر بذلته العسكرية مريلةٌ بها بقعة دم كبيرة، يصمت لثوانٍ، يحملق في المشاهدين، من ثمة ينفجر بالضحك بأعلى صوته، يتجاهله الطفل وبقية الشخصيات الذين بخشبة المسرح تجاهلًا تامًّا كأن لم يكن، يستمر في الضحك بينما يُسدل الستار تدريجيًّا، أو يسقط الستار من أعلى.)