الجحيم
حديث الخنساء
فيخلفه ويمضي، فإذا هو بامرأة في أقصى الجنة، قريبة من المطَّلَع إلى النار،
فيقول: «من أنت؟» فتقول: «أنا الخنساء السُّلميَّة، أحببت أن أنظر إلى صخر،
فاطَّلعتُ، فرأيته كالجبل الشامخ، والنار تضطرم في رأسه، فقال: «لقد صح مزعمك
فيَّ»، يعني قولي:
وإن صخرًا لتأتم الهداة به
حديث إبليس
فيطلع فيرى إبليس — لعنه الله — وهو يضطرب في الأغلال والسلاسل، ومقامع
٢ الحديد تأخذه من أيدي الزبانية، فيقول: «الحمد لله الذي أمكن منك يا
عدو الله وعدو أوليائه، لقد أهلكت من بني آدم طوائف لا يعلم عددها إلا
الله».
فيقول: «من الرجل؟»
فيقول: «أنا فلان بن فلان، من أهل حلب، كانت صناعتي الأدب أتقرب به إلى
الملوك».
فيقول: «بئس الصناعة! إنها تهب غُفَّة من العيش لا يتسع بها العيال، وإنها لمزلة
القدم، وكم أهلكت مثلك، فهنيئًا لك إذ نجوت، وإن لي إليك لحاجة، فإن قضيتها شكرتك
يد المنون».
٣
فيقول: «إني لا أقدر لك على نفع، فإن الآية سبقت في أهل النار، أعني قوله تعالى:
وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ
أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قَالُوا إِنَّ
اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ».
فيقول: «إني لا اسألك في شيء من ذلك، ولكن أسألك عن خبر تخبرنيه، إن الخمر حرمت
عليكم في الدنيا، وأحلت لكم في الآخرة، فهل يفعل أهل الجنة بالولدان المخلدين فعل
أهل القريات؟»
فيقول: «عليك البهلة
٤ أما شغلك ما أنت فيه! أما سمعت قوله تعالى:
وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ».
فيقول: «وإن في الجنة لأشربة كثيرة غير الخمر، فما فعل بشار بن برد، فإن له عندي
يدًا
٥ ليست لغيره من ولد آدم، كان يفضلني دون الشعراء، وهو القائل:
إبليس أفضل من أبيكم آدم
فتبينوا يا معشر الأشرار
لقد قال الحق، ولم يزل قائله من الممقوتين».
حديثه مع بشار
فلا يسكت من كلامه، إلا ورجل في أصناف العذاب، يغمض عينيه حتى لا ينظر إلى ما نزل
به من النقم، فيفتحهما الزبانية بكلاليب
٧ من نار، وإذا هو ببشار بن برد، قد أعطي عينين بعد الكلمة، لينظر إلى ما
نزل به من النكال.
فيقول له: «يا أبا معاذ
٨ لقد أحسنت في مقالك، وأسأت في معتقدك، ولقد كنت في الدار العاجلة أذكر
بعض قولك، فأترحم عليك، ظنًّا أن التوبة ستلحقك، مثل قولك:
ارجع إلى سكن تعيش به
ذهب الزمان وأنت منفرد
في الحي، لا يدرون ما تلد
١٠
وقولك:
فيقول بشار: «يا هذا! دعني من أباطيلك، فإني لمشغول عنك!»
حديثه مع امرئ القيس
ويسأل عن امرئ القيس بن حجر، فيقال: «يا أبا هند أخبرني عن التسميط
١٣ المنسوب إليك، أصحيح هو عنك؟» وينشده الذي يرويه بعض الناس:
يا قوم إن الهوى
إذا أصاب الفتى
في القلب ثم ارتقى
فهد بعض القوى
فقد هوى الرجل
فيقول: «والله ما سمعت هذا قط، وإنه لقرى لم أسلكه، وإن الكذب لكثير، وأحسب هذا
لبعض شعراء الإسلام، ولقد ظلمني وأساء إلي، أبعد كلمتي التي أولها:
ألا عم صباحًا
١٤ أيها الطلل البالي
وهل ينعمن من كان في العصر الخالي!
وقولي:
خليلي مُرا بي على أم جندب
لأقضي حاجات الفؤاد المعذب
يقال لي مثل ذلك، والرجز أضعف الشعر،
١٥ وهذا الوزن من أضعف الرجز!» فيعجب لما سمعه من امرئ القيس.
حديثه مع عنترة
وينظر، فإذا عنترة مُتَلدّد
١٦ في السعير، فيقول: «ما لك يا أخا عبس! كأنك لم تنطق بقولك:
ولقد شربت من المدامة بعدما
ركد الهواجر بالمشوف المعلم
بزجاجة صفراء ذات أسرة
قرنت بأزهر في الشمال مفدم
١٧
وإني إذا ذكرت قولك: «هل غادر الشعراء من متردم»
١٨ لأقول: «إنما قيل ذلك وديوان الشعر قليل محفوظ، فأما الآن فلو سمعت ما
قيل بعد مبعث النبي — صلى الله عليه — لعتبت نفسك على ما قلت، وعلمت أن الأمر كما
قال حبيب بن أوس:
فلو كان يفنى الشعر أفناه ما قرت
١٩
حياضك منه في العصور الذواهب
ولكنه صوب
٢٠ العقول، إذا انجلت
سحائب منه أعقبت بسحائب»
فيقول: «وما حبيبكم هذا؟» فيقول: «شاعر ظهر في الإسلام.» وينشده شيئًا من نظمه،
فيقول: «أما الأصل فعربي، وأما الفرع فنطق به غبي، وليس هذا المذهب على ما تعرف
قبائل العرب.» فيقول وهو ضاحك مستبشر: «إنما ينكر عليه المستعار، وقد جاءت العارية
في أشعار كثيرة من المتقدمين، إلا أنها لا تجتمع كاجتماعها فيما نظمه حبيب بن
أوس.»
٢١
•••
«ولقد شق على دخول مثلك إلى الجحيم، وكأن أذني مصغية إلى قينات
٢٢ الفسطاط وهي تغرد بقولك:
أمن سمية
٢٣ دمع العين تذريف
لو أن ذا منك قبل اليوم معروف
٢٤
تجللتني
٢٥ إذا أهوى العصا قيلي
كأنها رشأ
٢٦ في البيت مطروف
٢٧
العبد عبدكم، والمال مالكم،
فهل عذابك عني اليوم مصروف»
حديثه مع علقمة
وينظر فإذا علقمة بن عبدة
٢٨ فيقول: أعزز علي بمكانك! ما أغني عنك سمطا لؤلئك،
٢٩ ولو شفعت لأحد أبيات صادقة ليس فيها ذكر الله — سبحانه — لشفعت لك
أبياتك في وصف النساء، أعني قولك:
فإن تسألوني بالنساء فإنني
بصير بأدواء النساء طبيب
إذا شاب رأس المرء، أو قلّ مالُه
فليس له في وُدّهن نصيب
يُردن ثراء المال، حيث وجدنه
وشرخُ
٣٠ الشباب عندهن عجيب
٣١
حديثه مع عمرو بن كلثوم
فليت شعري ما فَعَل عمرو بن كلثوم، فيقال: «ها هو ذا من تحتك، إن شئت أن تُحاوره
فحاوِرْه.» فيقول: «كيف أنت أيها المُصطبِح
٣٢ بصحن الفانية، والمُغتبِق
٣٣ من الدنيا الفانية! لوددتُ أنك لم تساند
٣٤ في قولك:
تصفقها
٣٦ الرياح إذا جرينا»
٣٧
فيقول عمرو: «إنك لقرير العين، لا تشعر بما نحن فيه، فاشغل نفسك بتمجيد الله،
واترك ما ذهب فإنه لا يعود، وأما ذكرك سنادي فإن الأخوة ليكونون ثلاثة أو أربعة،
ويكون فيهم الأعرج والأبخق
٣٨ فلا يُعابون بذلك، فكيف إذا بلغوا المئة في العدد؟»
فيقول: «أعزز علي بأنك قصرت على شرب حميم،
وأخذت بعملك الذميم من بعد ما كانت تسبأ
٣٩ لك القهوة
٤٠ تقابلك بلون الحص.
٤١ وقالوا في قولك سخينا قولين: أحدهما أنه فعلنا من السخاء والنون نون
المتكلمين، والآخر أنه من الماء السخين، لأن الأندرين وقاصرين كانتا في ذلك الزمن
للروم، ومن شأنهم أن يشربوا الخمر بالماء السخين في صيف وشتاء».
حديثه مع الحارث اليشكري
وينظر فإذا الحارث اليشكري، فيقول: لقد أحسنت في قولك:
•••
وقد كانوا في الجاهلية يكسعون
٤٦ ناقة الميت على قبره، ويزعمون أنه إذا نهض لحشره وجدها قد بُعثت له
فيركبها، وهيهات، بل حشروا عراة حفاة.
حديثه مع طرفة
ويعمد لسؤال طرفة بن العبد، فيقول: «يا ابن أخي يا طرفة — خفف الله عنك — أتذكر
قولك:
كريم يروي نفسه في حياته
ستعلم إن متنا غدًا أينا الصدى
٤٧
وقولك:
أرى قبر نحام بخيل
٤٨ بماله
كقبر غوي في البطالة مفسد
٤٩
متى تأتي أصبحك كأسًا روية
وإن كنت عنها غانيًا، فاغن وازدد
٥٠
فكيف صبوحك الآن وغبوقك؟
٥١ إني لأحسبهما حميمًا».
«ولقد كثرت في أمرك أقاويل الناس، فمنهم من يزعم أنك في ملك النعمان اعتقلت. وقال
قوم: بل الذي فعل بك ما فعل عمرو بن هند».
٥٢
«ولو لم يكن لك أثر في العاجلة إلا قصيدتك التي على الدال،
٥٣ لكنت قد أبقيت أثرًا حسنًا».
•••
فيقول طرفة: «وددت أني لم أنطق مصراعًا، ودخلت الجنة مع الهمج والطغام، وكيف لي
بهدء وسكون، وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ٥٤ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا».
حديثه مع أوس بن حجر
ويلفت عنقه يتأمل، فإذا هو بأوس بن حجر، فيقول: «يا أوس! إن أصحابك لا يجيبون
السائل، فهل عندك من جواب؟! فإني أريد أن أسألك عن هذا البيت:
وقارفت،
٥٥ وهي لم تجرب، وباع لها
من الفُصافص
٥٦ بالنمى
٥٧ سفسير
٥٨
فإنه في قصيدتك التي أولها:
هل عاجل من متاع الحي منظور
ويروي في قصيدة النابغة التي أولها:
وكلاكما معدود في الفحول، فعلى أي شيء يحمل ذلك؟!» فيقول أوس: «قد بلغني أن نابغة
بني ذبيان في الجنة، فاسأله عما بدا لك، فلعله يخبرك، فإنه أجدر أن يعي هذه
الأشياء. فأما أنا، فقد ذهلت: نار توقد، وبنان يعقد، إذا غلب عليّ الظمأ رفع إليّ
شيء كالنهر، فإذا اغترفت منه لأشرب، وجدته سعيرًا مضطرمًا. ولقد دخل الجنة من هو
شر
مني، ولكن المغفرة أرزاق، كأنها النشب في الدار العاجلة!»
فيقول: «إنما أردت أن آخذ عنك هذه الألفاظ فأتحف بها أهل الجنة، فأقول قال لي أوس
وأخبرني أبو شريح».
حديثه مع أبي كبير الهذلي
ويرى رجلًا في النار لا يميزه من غيره، فيقول: «من أنت أيها الشقي؟» فيقول: «أنا
أبو كبير الهذلي عامر بن الحليس.» فيقول: «إنك لمن أعلام هذيل، ولكني لم أوثر
قولك:
أزهير هل عن شيبة من معدل
٥٩
أم لا سبيل إلى الشباب الأول
وقلت في الأخرى:
أزهير هل عن شيبة من مصرف
أم لا خلود لعاجز متكلف
وقلت في الثالثة:
أزهير هل عن شيبة من مَعْكم
٦٠
فهذا يدل على ضِيق عَطَنك
٦١ بالقريض، فهلا ابتدأت كل قصيدة بفن؟ والأصمعي لم يروِ لك إلا هذه
القصائد الثلاث.» فيقول أبو كبير الهذلي: «إنما كلام أهل سقر ويل وعويل، فاذهب
لطَيَّتك».
حديثه مع الأخطل
وإذا هو برجل يتضور
٦٢ فيقول: «من هذا؟» فيقال «الأخطل التغلبي.» فيقول له: ما زالت صفتك
للخمر، حتى غادرتك أُكلًا للجمر! فكم طربت السادات على قولك:
أناخوا، فجروا شاصيات
٦٣ كأنها
رجال من السودان لم يتسربلوا
فقلت أصبحوني
٦٤ لا أبا لأبيكم
وما وضعوا الأثقال إلا ليفعلوا
فصبوا عقارًا
٦٥ في الإناء كأنها
إذا لمحوها جذوة
٦٦ تتأكّل
٦٧
وجاءوا ببيسانية هي بعد ما
يعل
٦٨ بها الساقي ألذُّ وأسهل
تمر بها الأيدي سنيحًا
٦٩ وبارحًا
٧٠
فتوقف أحيانًا فيفصل بيننا
فلذت لمرتاح وطابت لشارب
وراجعني منها مراح
٧٣ وأخيل
٧٤
فما ألبتتنا
٧٥ نشوة
٧٦ لحقت بنا
توابعها، مما نعل وننهل
تدب دبيبًا في العظام كأنه
دبيب نمال في نقًا
٧٧ يتهيل
٧٨
فقال التغلبي: إني جررت الدارع ولقيت الذارع، وهجرت الآبدة ورجوت أن تدعي النفس
العابدة، ولكن أبت الأقضية، فيقول: أخطأت في أمرين — جاء الإسلام فعجزت أن تدخل
فيه، ولزمت أخلاق سفيه، وعاشرت يزيد بن معاوية، وأطعت نفسك الغاوية، وآثرت ما فني
على باق، فكيف لك بالإباق؟
٧٩
فيزفر
٨٠ الأخطل زفرة تعجب لها الزبانية، ويقول: آه على أيام يزيد أسوف
٨١ عنده عنبرًا، وأمزح معه مزح خليل، وكأني بالقيان الصدحة
٨٢ بين يديه تغنيه:
ولها بالماطرون إذا
أكل النمل الذي جمعا
خلفة حتى إذا ظهرت
سكنت من جلق بيعا
وقفت للبدر ترقبه
فإذا بالبدر قد طلعا
ولقد فاكهته في بعض الأيام وأنا سكران ملتخ
٨٤ فقلت:
أكلت الدجاج وأفنيتها
فهل في الخنانيص
٨٦ من مغمز
٨٧
فما زاد في عن ابتسام واهتز للصلة.
فيقول الشيخ: «من ثم أتيت، أما علمت أن ذلك الرجل عاند، فعلام اطلعت من مذهبه،
أكان موحدًا أم ملحدًا؟» فيقول الأخطل: كانت تعجبه هذه الأبيات:
أخالد! هاتي خبريني وأعلني
٨٨
حديثك إني لا أسر
٨٩ التناجيا
٩٠
حديث أبي سفيان، لما سما بها
إلى أحد،
٩١ حتى أقام البواكيا
وكيف بغى أمرًا
٩٢ علي ففاته
وأورثه الجد
٩٣ السعيد معاويا
وقومي فعليني
٩٤ على ذاك
٩٥ قهوة
٩٦
تحلبها العيسى كرمًا
٩٧ شآميا
٩٨
إذا ما نظرنا في أمور قديمة
وجدنا حلالًا شربها المتواليا
فلا خلف بين الناس، إن محمدًا
تبوأ رمسًا في المدينة ثاويا
٩٩
فيقول: «عليك البهلة! قد ذهلت الشعراء من أهل الجنة والنار، عن المدح
والنسيب،
١٠٠ وما شُدهت
١٠١ عن كفرك ولا إساءتك!»
•••
وإبليس يسمع ذلك الخطاب كله، فيقول للزبانية: «ما رأيت أعجز منكم إخوان مالك! ألا
تسمعون هذا المتكلم بما لا يعنيه؟ فلو أن فيكم صاحب نحيزة
١٠٢ قوية، لوثب وثبة حتى يلحق به فيجذبه إلى سقر!» فيقولون: «ليس لنا على
أهل الجنة سبيل».
فإذا سمع ما يقوله إبليس، أخذ في شتمه ولعنه، وإظهار الشماتة به، فيقول عليه
اللعنة: «ألم تنهوا عن الشمات يا بني آدم؟ ولكنكم — بحمد الله — ما زجرتم عن شيء،
إلا وركبتموه.» فيقول: «أنت الذي بدأت آدم بالشماتة، والبادئ أظلم».
ثم يعود إلى كلام الأخطل فيقول: «أأنت القائل هذه الأبيات:
ولست بصائم رمضان طوعًا
ولست بآكل لحم الأضاحي
ولست بقائم كالعَير
١٠٣ أدعو
قبيل الصبح «حي على الفلاح»
وأسجد عند منبلج
١٠٥ الصباح
فيقول: «أجل! وإني لنادم سادم،
١٠٦ وهل أغنت الندامة؟»
•••
ويمل من خطاب أهل النار، فينصرف إلى قصره المشيد، فإذا صار على ميل أو ميلين، ذكر
أنه ما سأل عن مهلهل التغلبي ولا عن الشنفرى وتأبط شرًّا، فيرجع على أدراجه، فيقف
بذلك الموقف ينادي: «أين عدي بن ربيعة؟» فيقال: «زِدْ في البيان.» فيقول: «الذي
يَستشهد النحويون بقوله:
ضربت صدرها إليَّ وقالت:
«يا عديًّا! لقد وَقَتْكَ
١٠٧ الأواقي»
١٠٨
وقد استشهدوا له بأشياء كقوله:
ولقد خبطن
١٠٩ بيوت يشكر خبطة
أخوالنا، وهم بنو الأعمام
وقوله:
ما أرجي بالعيش بعد ندامى
كلهم قد سقوا بكأس حلاق»
١١٠
فيقال: «إنك لتعرف صاحبك بأمر لا معرفة عندنا منه، ما النحويون؟ وما الاستشهاد؟
وما هذا الهذيان؟ نحن خزنة النار، فبَيِّنْ غرضك تُجب إليه».
حديثه مع مهلهل
فيقول: «أريد المعروف بمهلهل التغلبي، أخي كليب وائل الذي كان يُضرب به المثل.»
فيقال: «ها هو ذا يسمع حوارك، فقل ما تشاء.» فيقول: «يا عدي بن ربيعة! اعزز علي
بولوجك
١١١ هذا المولج! لو لم آسف عليك إلا لأجل قصيدتك التي أولها:
إذا أنت انقضيت
١١٣ فلا تحوري
١١٤
لكانت جديرة أن تطيل الأسف عليك، وقد كنت إذا أنشدت أبياتك في ابنتك المزوجة، في
جنب،
١١٥ تغرورق من الحزن عيناي، فأخبرني لم سُميت مهلهلًا، فقد قيل إنك سميت
بذلك لأنك أول من هلهل الشعر، أي رققه؟» فيقول: «إن الكذب لكثير،
وإنما كان لي أخ يقال له امرؤ القيس، فأغار
علينا زهير بن جناب الكلبي، فتبعه أخي في زرافة
١١٦ من قومه فقال في ذلك:
هلهلت
١٢٠ أثأر مالكا أو صنبلا
فسمي مهلهلًا، فلما هلك شبهت به، فقيل لي مهلهل.» فيقول: «الآن شفيت صدري بحقيقة
اليقين».
حديثه مع الشنفرى
ويسأل عن الشنفرى الأزدي فيلقيه قليل التشكي
١٢١ والتألم لما هو فيه، فيقول: «إني لا أراك قلقًا مثل قلق أصحابك!»
فيقول: «أجل، إني قلت بيتًا في الدار الخادعة فأنا أتأدب به، وذلك قولي:
غوى فغوت، ثم ارعوى
١٢٢ بعدُ وارعوت
وللقبر إن لم ينفع الشكو أجمل»
حديثه مع تأبط شرًّا
وإذا هو قرين مع تأبط شرًّا، كما كان في الدار الغرارة، فيقول لتأبط شرًّا:
«أحقٌّ ما روى عنك من نكاح الغيلان؟» فيقول: «لقد كنا في الجاهلية نتقول
ونتخرص
١٢٣ فما جاءك مما ينكره المعقول فإنه من الأكاذيب، والزمن كله على سجية
واحدة، فالذي شاهده معد بن عدنان كالذي شاهده آخر ولد آدم.» فيقول الشيخ: «نقلت
إلينا أبيات تنسب إليك:
أنا الذي نكح الغيلان في بلد
ما طل
١٢٤ فيها سماكي ولا جادا»
فلا يجيبه تأبط شرًّا بطائل.
هوامش