العصفور والسلك١
اختار أعلى بقعة وحط، كانت سلكًا، مكانًا بين عمودين من سلك تليفون، مخالبه تشبثت برفق، هبت الريح وصفر السلك، تمايل، تشبث أكثر، هو لا يكف عن الحركة، والحركة عنده مفاجئة، فجأة تأتي، فجأة تحدث، فجأة تبلغ أقصى المدى، فجأة شقشق، فجأة تلفت، فجأة رفرف، فجأة صوصو، انتشى فجأة، طار، حام، حوَّم، حط، تشبث، تلفت، على مقربة لمح الأليفة، رفرف، رفرفت، اقترب، اقتربت، صوصو، شقشقت، حك المنقار بالمنقار، حكت، أمال رأسه، أرقدت رأسها فوق رأسه، انتشى، نط، بالقفزة أحب بالقفزة هبط، بالنشوة تبرز، بصقة براز أبيض لونت السلك.
السلك صدئ، قديم، غير سميك، يحمل في هذه اللحظة بالذات، وفي نفس الوقت، سبع مكالمات معًا، لا شيء في الظاهر يحدث، في الداخل تدور عوالم وأكوان، سلامات، احتجاجات، تحيات، صفقات، وداعات، استغاثات، أرض تباع، بلاد تباع، أصوات غلاظ، صوصوات رقيقات، تختلط الكلمات، تتمازج، تتوحد، كلها في النهاية تصير، ماديًّا، إلكترونات، شحنات متجانسات، متشابهات، كلمة الحب لها نفس شحنة البغض، كهارب الصدق هي كهارب الكذب، الصراحة كالنفاق، اللوعة كاللعنة، الليل كالصبح كالنهار، الحرام كالحلال، النضال كالخيانة كالكفاح، البطولات كالنذالات، كلمات، شحنات، إلكترونات متحفزات متحركات، في ومضة بحركتها تتغير مصائر، تجهز مشاريع، تنتهي ونبدأ حيوات واتجاهات، ومضات وتتم موافقات، وتُبرم صفقات، وتُدبر مؤامرات، بالكلمات، بنفس الكلمات الطيبات.
والسلك قديم، صدئ، صامت، داكن، لا ينم مظهره عن شيء مما في داخله يعتمل ويدور، ولا يبدو منه أو عليه أقل تغيير، مستمر في وجوده الظاهر الطويل الممتد.
والعصفور متشبث بالسلك، بمخالبه البريئة يمسك بهذا كله ويحتويه، في ملكوته الخاص يحيا، لا يدري حتى بأن السلك سلك، بله بأن ما يسري فيه يسري فيه، إن هو إلا مكان عالٍ للوقوف، وقوف كلما فرغ صبره منه، فجأة يتقافز، يرفرف، يشقشق، يطير، يحوم، بالقفزة يزاول مع وليفته الحب، وبنفس القفزة يهبط، وبالنشوة يصوصو، وبالنشوة خالي البال، يتبرز، بصقة براز صغيرة بيضاء، على السلك، نفس السلك، كالزمن، كالصدأ تتراكم.