الرسالة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أنَّا قد فرغنا من رسالة العدد في الأرثماطيقي، وبينا من خواص العدد قدر الكفاية والجهد، وانتقلنا من تلك الرسالة إلى هذه الرسالة التي هي الثانيةُ من رسالة الرياضيات في المدخل إلى علم الهندسة، فنقول:
اعلم بأن العلوم التي كان القدماء يخرجون أولادهم بها ويروضون بها تلامذتهم أربعة أجناس، أولها العلوم الرياضيات، والثاني العلوم المنطقيات، والثالث العلوم الطبيعيات، والرابعُ العلومُ الإلهيات، فالرياضياتُ أربعةُ أنواع، أولها الأثماطيقي وهو معرفة العدد وكمية أجناسه وخواصه وأنواعه وخواص تلك الأنواع، ومبدأ هذا العلم من الواحد الذي قبل الاثنين، والثاني «الجومطريا» وهو علم الهندسة وهي معرفةُ المقادير والأبعاد وكمية أنواعها وخواص تلك الأنواع ومبدأ هذا العلم من النقطة التي هي طرف الخط؛ أي نهايته، والثالث الأسطرنوميا يعني: علم النجوم، وهو معرفةُ تركيب الأفلاك وتخطيط البُرُوج وعدد الكواكب وطبائعها ودلائلها على الأشياء الكائنات في هذا العلم من حركة الشمس، والرابع الموسيقى وهو معرفةُ التأليفات والنسب بين الأشياء المختلفة والجواهر المتضادة القوى، ومبدأ هذا العلم من نسبة المساواة نسبة الثلاثة إلى الستة كنسبة الاثنين إلى الأربعة.
وأما المنطقيات فهي معرفةُ معاني الأشياء الموجودة التي هي مصورةٌ في أفكار النفوس ومبدأها من الجوهر، وأما الطبيعيات فهي معرفة جواهر الأجسام وما يَعرض لها من الأعراض، ومبدأ هذا العلم من الحركة والسكون، وأما الإلهيات فهي معرفةُ الصورة المجردة المفارقة للهيولى، ومبدأ هذا العلم من معرفة جوهر النفس كالملائكة والنفوس والشياطين والجن والأرواح بلا أجسام، وأن الأجسام عندهم ذوو أبعاد ثلاثة، ومبدأ هذا العلم من جوهر النفس.
وقد عملنا في كل نوع من هذه العلوم رسالة شبه المدخل والمقدمات، فأولها رسالة في العدد قبل هذه، وقد بينا فيها طرفًا من خواص الأعداد وكمية أنواعها وكيفية نشوئها من الواحد الذي قبل الاثنين، ونريد أن نُبين ونذكر في هذه الرسالة أصل الهندسة التي هي أصلُ المقادير الثلاثة وكمية أنواعها وخواص تلك الأنواع وكيفية نشوئها من النقطة التي هي رأس الخط وأنها في صناعة الهندسة مثل الواحد في صناعة العدد.
واعلمْ أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن الهندسة يُقال على نوعين عقليةٌ وحسيةٌ، فالحسيةُ هي معرفةُ المقادير وما يعرض فيها من المعاني إذا أُضيف بعضها إلى بعض، وهي ما يُرى بالبصر ويُدرك باللمس، والعقلي بضد ذلك، وهو ما يُعرف ويفهم، فالذي يُرى بالبصر هو الخط والسطح والجسم ذوو الأبعاد وما يعرض فيها، كما أن الثقل في الثقيل لا يعرف إلا بالعقل والثقل عينُ الثقيل، والمقادير ثلاثة أنواع وهي الخطوط والسطوح والأجسام، وهذه الهندسة تدخل في الصنائع كلها، وذلك أن كل صانع إذا قدر في صناعته قبل العمل فهو ضربٌ من الهندسة العقلية فهي معرفة الأبعاد وما يعرض فيها من المعاني إذا أضيف بعضها إلى بعض وهي ما يتصور في النفس بالفكر، وهي ثلاثة أنواع الطول والعرض والعمق، وهذه الأبعاد العقلية صفاتٌ لتلك المقادير الحسية، وذلك أَنَّ الخط هو أحدُ المقادير وله صفةٌ واحدةٌ، وهي الطولُ حسب، وأما السطح فهو مقدار ثانٍ وله صفتان وهما الطول والعرض، وأما الجسم فهو مقدار ثالث وله ثلاث صفات وهي الطول والعرض والعمق.
واعلمْ أن النظر في هذه الأبعاد مجردة عن الأجسام من صناعة المحققين فنبدأ أولًا بوصف الهندسة الحسية؛ لأنها أقربُ إلى فهم المتعلمين، فنقول:
(١) فصل في أنواع الخط
(٢) فصل في ألقاب الخطوط المستقيمة
(٣) فصل في أسماء الخط المستقيم
(٤) فصل في أنواع الزوايا
(٥) فصل في أنواع الزوايا المسطحة
(٦) فصل في أنواع الخطوط القوسية
(٧) فصل في ذكر السطوح
(٨) فصل في الأشكال المستقيمة الخطوط وأنواعها
فصل
وعلى هذا القياس تتزايد المربعات دائمًا كتزايد جمع العدد على نظم طبيعة الأفراد وتكون كلها مجذورات.
(٩) فصل في بيان المثلث أنه أصل لجميع الأشكال
وقد تبين أن من الشكل المثلث تتركب الأشكال المستقيمة الخطوط، وأن من السطح تتركب الأجسام، وأن من الخطوط تتركب السطوح، وأن من النقطة تتركب الخطوط، كما أن من الواحد يتركب العدد، فإن النقطة في صناعة الهندسة كالواحد في صناعة العدد وكما أن الواحد لا جزء له فكذلك النقطة العقلية لا جزء لها.
(١٠) فصل في أنواع السطوح
(١١) فصل في ذكر الأجسام
وإذا وصل بينهما بخط مستقيم جاز ذلك الخط على مركز الكرة يقال له: محور الكرة، وإذا اتصل الخط من نقطة إلى نقطة فهو المحور.
وإذْ قد ذكرنا طرفًا من أصل الهندسة الحسية شبه المدخل والمقدمات، وقلنا: إن هذا العلم يحتاج إليه أكثر الصناع فلنبينْ ذلك، وهو التقدير قبل العمل؛ لأن كل صانع يؤلف الأجسامَ بعضها إلى بعض ويُرَكِّبُها فلا بد له أن يقدر أولًا المكان في أي موضع يعملها والزمان في أي وقت يعملها ويبتدئ فيها والإمكان هل يقدر عليه أم لا وبأي آلة وأدوات يعملها وكيف يؤلف أجزاءها حتى تلتئم وتأتلف، فهذه هي الهندسة التي تدخل في أكثر الصنائع التي هي تأليفُ الأجسام بعضها إلى بعض.
ومن الناس من يستخرج صناعة بقريحته وذكاء نفسه لم يسبق إليها، وأما أكثر الصناع فإنهم يأخذونها توقيفًا وتعليمًا من الأستاذين.
فصل
واعلم يا أخي أيدك الله وإيانا بروح منه؛ أن علم الهندسة يدخل في الصنائع كلها وخاصة في المساحة وهي صناعة يحتاج إليها العمال والكتاب والدهاقين وأصحاب الضياع والعقارات في معاملاتهم من جباية الخراج وحفر الأنهار وعمل البريدات وما شاكلها.
ثم اعلم بأن المقادير التي تمسح بها الأراضي بالعراق خمسة مقادير، وهي الأشل والباب والذراع والقبضة والأصبع، واعلمْ بأن الأصبع الواحدة غلظها ست شعيرات مصفوفة مضمومة ظهور بعضها إلى بطون بعض والقبضة الواحدة أربع أصابع والذراع الواحدة ثماني قبضات، وهو اثنان وثلاثون أصبعًا والباب طولُهُ ست أذرع وهي ثمانٍ وأربعون قبضة وهو مائة واثنان وتسعون أصبعًا والأشل حبل طوله عشرة أبواب وهو ستون ذراعًا وأربعمائة وثمانون قبضة وألف وتسعمائة وعشرون أصبعًا.
واعلم بأنك إذا ضربت هذه المقادير بعضها في بعض، فالذي يخرج منها يسمى تكسيرًا، فإذا جمعت فيكون منها جريبات وقفيزات وعشيرات، وأما حسابها فهو أن القبضة الواحدة في مثلها تكون ستة عشر أصبعًا والذراع الواحدة في مثلها تكون أربعًا وستين قبضة مكسرة وألفًا وأربعة وعشرين أصبعًا مكسرة وهو تسع ربع عشر عشير الجريب والباب الواحد في مثله يكون ستًّا وثلاثين ذراعًا مكسرة، وهذه صورتُها ٣٦ وهو ٢٣٠٤ قبضات مكسرة وهو ٣٦٨٦٤ أصبعًا مكسرة، وهو عشر عشير الجريب.
وأما الأشل في مثله فيكونُ جريبًا وهو عشرةُ أقفزة وهو مائة عشير، وهذه صورتُها ٣٦٠٠ ذراع مكسرة وهو ٢٣٠٤٠٠ قبضة مكسرة وهو ٣٦٨٦٤٠٠ أصبعًا مكسرة، وأما القفيزُ فهو عشرةُ أعشار وهو عشرة أبواب مكسرة، وهو مِن ضرب تسعة عشر ذراعًا إلا شيئًا يسيرًا في مثله وهو ثلاثمائة وستون ذراعًا، وأما العشير فهو من ضرب باب واحد في مثله وهو ٣٦ ذراعًا مكسرة وهو ٢٣٠٤ قبضات مكسرة وهو ٣٦٨٦٤ أصبعًا مكسرة، والأشوال في الأشوال واحدها جريب وعشرتها عشرة أجربة، والأشوال في الأبواب واحدها قفيز وعشرتها جريب، والأشوال في الأذرع واحدها عشير وثلثا عشير وست منها قفيز، والأشل في القبضات واحدها سدس عشير وربع سدس عشير وكل ثلاثة أخماس منها عشير، وكل ٣٦ منها قفيز والأشل في الأصابع كل واحد منها ربع سدس عشير وربع ربع سدس عشير وكل عشرة منها ربعا عشير وسدس ثمن عشير.
والأبواب في الأبواب واحدها عشيرٌ وعشرتُها قفيزٌ والأبوابُ في الأذرع واحدها سدس عشير وستة منها عشير، والأبواب في القبضات كل واحد منها ثلاثة أرباع ربع تسع عشير، والأبواب في الأصابع كل خمسة وثمانين منها ثلث عشير وربع سدس عشير وتسع عشير تقريبًا، وكل أربعة منها ثلاثة أرباع وتسع عشير وكل مائة ثمان وعشرين منها ثلثا ثلث عشير والأذرع في الأذرع واحدها ربع تسع عشير، وكل أربع منها تسع عشير وكل مائة منها عشيران وثلثا عشير وتسع عشير.
فهذا شرح مساحة العرض والطول، فأما مساحةُ العُمق فهو أن تضرب الطول في العرض فما اجتمع من ذلك فاضربْه في العمق وما يجتمع فهو تكسيرُ المجسم والحاجة إلى هذا العمل عند حفر الأنهار والآبار والحفائر والبريدات والمسنيات والأساسات للديار والبنيان، وما شاكل ذلك.
ثم اعلمْ يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، أنه قد تدخل الشبه في كل صناعة علمية على مَن يتعاطاها وليس من أهلها وكان ناقصًا فيها أو ساهيًا عنها، مثال ذلك ما ذكروا أن رجلًا باع من رجل آخرَ قطعة أرض بألف درهم على أن طولها مائة ذراع وعرضها مائة ذراع، ثم قال له: خذ مني عوضًا عنها قطعتين من أرض كل واحدة منهما طولها خمسون ذراعًا وعرضها خمسون ذراعًا، وتوهم أن ذلك حقه فتحًا كما إلى قاض غير مهندس فقضى بمثل ذلك خطأ ثم تحاكما إلى حاكم من أهل الصناعة فحكم بأن ذلك نصف حقه، وهكذا أيضًا ذكر أن رجلًا استأجر رجلًا على أن يحفر له بركة طولها أربع أذرع في عرض أربع أذرع في عمق أربع أذرع بثمانية دراهم، فحفر له ذراعين في ذراعين طولًا وعرضًا وعمقًا، فطالبه بأربعة دراهم نصف الأجرة فتنازعا وتحاكما إلى مفتٍ غير مهندس، فحكم بأن ذلك حقه ثم تحاكما إلى أهل الصناعة فحكموا له بدرهم واحد، وقيل لرجل يتعاطى الحساب ولم يكن من أهله: كم نسبة ألف ألف إلى ألف ألف ألف؟ فقال: ثلثان، فقال أهل الصناعة: إنه عشر عشر العشر، فعلى هذا المثال تدخل الشبهة على كل من يتعاطى صناعة وليس من أهلها ومن أجل هذا قيل: استعينوا على كل صنعة بأهلها.
(١٢) فصل في حاجة الإنسان إلى التعاون
اعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن الإنسان الواحد لا يقدر أن يعيش وحده إلا عيشًا نكدًا؛ لأنه محتاج إلى طيب العيش من إحكام صنائع شتى ولا يمكن الإنسان الواحد أن يبلغها كلها؛ لأن العمر قصير والصنائع كثيرة، فمن أجل هذا اجتمع في كل مدينة أو قرية أناس كثيرون لمعاونة بعضهم بعضًا، وقد أوجبت الحكمة الإلهية والعناية الربانية بأن يشتغل جماعة منهم بإحكام الصنائع وجماعة في التجارات وجماعة بإحكام البنيان وجماعة بتدبير السياسات وجماعة بإحكام العلوم وتعليمها وجماعة بالخدمة للجميع والسعي في حوائجهم؛ لأن مثلهم في ذلك كمثل إخوة من أب واحد في منزل واحد متعاونين في أمر معيشتهم كل منهم في وجه منها، فأما ما اصطلحوا عليه من الكيل والوزن والثمن والأجرة فإن ذلك حكمة وسياسة ليكون حثًّا لهم على الاجتهاد في أعمالهم وصنائعهم ومعاوناتهم حتى يستحق كل إنسان من الأجرة بحسب اجتهاده في العمل ونشاطه في الصنائع.
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، أنه ينبغي لك أن تتيقن بأنك لا تقدر أن تنجو وحدك مما وقعت فيه من محنة هذه الدنيا وآفاتها بالجناية التي كانت من أبينا آدم عليه السلام؛ لأنك محتاج في نجاتك وتخلصك من هذه الدنيا التي هي من عالم الكون والفساد ومن عذاب جهنم وجوار الشياطين وجنود إبليس أجمعين والصعود إلى عالم الأفلاك وسعة السماوات ومسكن العليين وجوار ملائكة الرحمن المقربين إلى معاونة إخوان لك نصحاء وأصدقاء لك فضلاء متبصرين بأمر الدين علماء بحقائق الأُمُور ليعرفوك طرائق الآخرة وكيفية الوصول إليها والنجاة من الورطة التي وقعنا فيها كلنا بجناية أبينا آدم عليه السلام فاعتبر بحديث الحمامة المطوقة المذكورة في كتاب «كليلة ودمنة» وكيف نجت من الشبكة لتعلم حقيقة ما قلنا.
واعلم أن الحكماء إذا ضربوا مثلًا لأمور الدنيا فإنما غرضهم منه أمور الآخرة والإشارة إليها بضروب الأمثال بحسب ما تحتمل عقول الناس في كل مكان وزمان.
(١٣) فصل في الهندسة العقلية
وإذ قد ذكرنا طرفًا من الهندسة الحسية شبه المدخل والمقدمات فنريد أن نذكر طرفًا من الهندسة العقلية؛ إذ كانت هي أحد أغراض الحكماء الراسخين في العلوم الإلهية المرتاضين بالرياضات الفلسفية، وذلك أن غرضهم في تقديم الهندسة بعد علم العدد هو تخريج المتعلمين من المحسوسات إلى المعقولات وترقيتهم لتلاميذهم وأولادهم من الأمور الجسمانية إلى الأُمُور الروحانية.
فاعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن النظر في الهندسة الحسية يؤدي إلى الحذق في الصنائع العملية كلها، والنظر في الهندسة العقلية يؤدي إلى الحذق في الصنائع العلمية؛ لأن هذا العلم هو أحد الأبواب التي تؤدي إلى معرفة جوهر النفس التي هي جذر العلوم وعنصر الحكمة وأصل الصنائع العلمية والعملية جميعًا؛ أعني معرفة جوهر النفس، فاعلم جميع ما قلنا.
فصل
الخط العقلي لا يرى مجردًا إلا بين السطحين، وهو مثل الفصل المشترك الذي هو بين الشمس والظل وإذا لم يكن شمسٌ ولا فيءٌ لم تر خطًّا بنقطتين وهميتين، فإذا توهمت أن قد تحركت إحدى النقطتين وسكنت الأُخرى حتى رجعت إلى حيث ابتدأت بالحركة حدث في فكرك السطح، والسطح العقلي أيضًا لا يرى بمجرده إلا بين الجسمين، وهو الفصل المشترك بين الماء والدهن، والنقطة العقلية لا ترى أيضًا بمجردها إلا حيث ينقسم الخط بنصفين بالوهم أي موضع وقعت للإشارة إليها فهي تنتهي هناك.
واعلم يا أخي أنك إذا توهمت حركة هذه النقطة على سمت واحد حدث في فكرك خط وهمي مستقيم، وإذا توهمت حركة هذا الخط في غير الجهة التي تحركت إليها النقطة حدث في فكرك سطح وهمي، وإذا توهمت حركة هذا السطح في غير الجهة التي تحرك إليها الخط والنقطة حدث في وهمك جسمٌ وهميٌّ له ستة سطوح مربعات قائمة الزوايا وهو المكعب، وإن كانت مسافة حركة السطح أقل من مسافة حركة الخط حدث من ذلك جسم لبني وإن كان أكثر من ذلك حدث من ذلك جسمٌ بئري وإن كانت متساوية حدث مكعب.
واعلم يا أخي بأن كل خط مستقيم مفروض في الوهم فلا بد له من نهايتين وهُما رأساه ويُسميان النقطتين الوهميتين، وإذا توهمت أنه تحركتْ إحدى النقطتين وسكنت الأخرى حتى رجعت إلى حيث ابتدأت بالحركة حدث في فكرك من ذلك سطح مدور وهمي وتكون النقطةُ الساكنةُ مركز الدائرة والنقطة المتحركة التي قد حدثت في فكرك بحركتها محيط الدائرة.
ثم اعلم بأن أول سطح يحدث من حركتها ثلثُ الدائرة ثم ربع الدائرة ثم نصف الدائرة ثم الدائرة، وإذا توهمت أن الخط المقوس الذي هو نصف محيط الدائرة سكن رأساه جميعًا وتحرك الخط نفسه حتى يرجع إلى حيث ابتدأ بالحركة؛ حدث في فكرك من حركتها جسمٌ كري، فقد بَانَ لك — بما ذكرنا — أن الهندسة العقليةَ هي النظرُ في الأبعاد الثلاثة التي هي الطولُ والعرضُ والعمقُ خلوًا من الأجسام الطبيعية، وذلك أن الناظرين في الهندسة الحسية التي تَقَدَّمَ ذكرها إذا ارتاضوا فيها وقويتْ أفكارهم بالنظر فيها؛ انتزعوا هذه الأبعاد الثلاثة التي هي الخط والسطح والجسم وصورها في نفوسهم لتلك الأبعاد المصورة كالهيولى.
وهي فيها كالصورة يسمونها مقاديرَ مساحيةً ويستغنون عن النظر إلى المقادير الحسية، ثم يتكلمون عليها ويخبرون عن أجناسها وأنواعها وخواصها وما يعرض فيها من المعاني إذا أُضيف بعضها إلى بعض، فيقولون: الخط هو مقدارٌ ذو بُعد واحد والسطح هو مقدار ذو بعدين والجسم هو مقدار ذو ثلاثة أبعاد والخط المستقيم هو أقصر خط وصل بين النقطتين والنقطة رأس الخط والخط المقوس هو الخط الذي لا يمكن أن يفرض عليه ثلاثة فقط على سمت واحد والزوايا ما بين خطين على غير استقامة والشكل ما أحاط به خط واحد أو خطوط والدائرة شكل يحيط به خط يقال له: المحيط وفي داخله نقطة كل الخطوط المستقيمة المخرجة منها إليه متساوية، والمثلث شكلٌ يُحيطُ به ثلاثة خطوط وثلاث زوايا، والمربع شكل يحيط به أربعةُ خطوط وله أربعُ زوايا قائمات، وعلى هذا القياس والمثال سائر ما يتكلمون به في أشكال الهندسة من غير إشارة إلى جسم من الأجسام الطبيعية.
(١٤) فصل في حقيقةِ الأبعاد في الهندسة العقلية
واعلمْ بأن كثيرًا من المهندسين والناظرين في العلوم يظنون أن لهذه الأبعاد الثلاثة؛ أعني الطول والعرض والعمق، وجودًا بذاتها وقوامها ولا يدرون أن ذلك الوجود إنما هو في جوهر الجسم أو في جوهر النفس، وهي لها كالهيولى، وهي فيها كالصورة إذا انتزعتْها القوة المفكرة من المحسوسات.
ولو علموا أن الغرض الأقصى من النظر في العلوم الرياضية إنما هو أن ترتاض أنفُس المتعلمين بأن يأخذوا صور المحسوسات من طريق القوى الحساسة وتصورها في ذاتها بالقوة المفكرة حتى إذا غابت المحسوسات عن مشاهدة الحواس لها بقيتْ تلك الرسومُ التي أدتها القوى الحساسة إلى القوة المتخيلة، والمتخيلة إلى القوة المفكرة، والمفكرة أدتْ إلى القوة الحافظة مصورة في جوهر النفس، فاستغنت عند ذلك النفس عن استخدامها القوى الحساسة في إدراك المعلومات عند نظرها إلى ذاتها، ووجدت صور المعلومات كلها في جوهرها فعند ذلك استغنت عن الجسد، وزهدت في السكون معه، وانتبهت من نوم الغفلة، واستيقظت من رقدة الجهالة، ونهضت بقوتها، واستقلتْ بذاتها، وفارقت الأجسام، وخرجت من بحر الهيولى، ونجت من أَسْرِ الطبيعة، وأُعتقت من عبودية الشهوات الجسمانية، وتخلصت من حرقة الاشتياق إلى اللذات الجرمانية، وشاهدت عالم الأرواح، وارتقت إلى هناك؛ حيث قال: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ أراد به النفس الزكية، وجُوزيت بأحسن الجزاء، وهذا هو الغرضُ الأقصى من النظر في العلوم الرياضية التي كانوا يخرجون بها أولاد الحكماء وتلامذة القدماء، هكذا مذهبُ إخواننا الكرام، وَفَّقَك الله وإيانا سبيل الرشاد، إنه رءوف بالعباد.
(١٥) فصل في خواص الأشكال الهندسية
اعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن للأشكال الهندسية خواص ولمجموعها خواص أيضًا، وقد بينا في رسالة الأرثماطيقي طرفًا من خواص العدد فنريد أن نذكر في هذا الفصل طرفًا من خواص الأشكال الهندسية؛ ليكون تنبيهًا للناظرين في هذين العلمين على الغرض منهما ويكون أيضًا إرشادًا لطالِبي خواص الأشياء وكيفية المسلك فيها، ونبدأ أولًا بذكر المثلثات؛ إذ كانت هي أَوَّلَ الأشكال الهندسية — كَمَا بَيَّنَّا في رسالة جومطريا، فنقول:
إن الشكل المثلث هو الذي له ثلاثة أضلاع وثلاث زوايا وهو سبعة أنواع:
(١٦) فصل في بيان تلك الخواص
واعلم يا أخي بأن لكل واحد من هذه المثلثات خَاصِّيَّة ليست للآخر؛ فقد تبين ذلك في كتاب أوقليدس في المقالة الأولى ببراهينها، ولكن نذكر منها الخَاصِّيَّةَ التي تشتملُ على سبعتها كلها، وذلك أن مِن خَاصِّيَّة كل شكل مثلث — أي مثلث كان — أنه لا بد من أن يكون فيه زاويتان حادتان، فأما الزاوية الثالثة فيمكن أن تكون حادة أو قائمة أو منفرجة.
ومن خاصيتها أيضًا أن ثلاث زوايا كل مثلث مجموعُها مساوٍ لزاويتين قائمتين، ومن خاصيتها أيضًا أَنَّ الضلع الأَطْوَل من كل مثلث بوتر الزاوية العُظمى، ومِن خاصيتها أن كل ضلعين مجموعين من كل مثلث أطولُ من الضلع الثالث من خاصيتها أيضًا أنه إذا أخرج ضلع من أضلاعه — أي ضلع كان — على استقامته، فإنه يحدث زاوية خارجة من المثلث وتكون هي أكبر من كل زاوية تُقابلها، ويكون مساويًا للداخلتين المقابلتين لها، ومن خاصيتها أيضًا أن ضرب مسقط الحجر من كل مثلث في نصف قاعدتها هو مساحةُ ذلك المثلث.
وأما خَاصِّيَّة المثلث القائم الزاوية فهي أَنَّ مربع وتر الزاوية القائمة مساوٍ للمربعين الكائنين من الضلعين.
ومن خَاصِّيَّة المثلث الحاد الزاوية أن مربع الوتر أقل من مربع الضلعين الباقيين بمقدار مربع الضلع الذي وقع عليه العمود فيما بين مسقط العمود والزاوية مرتين.
واعلم يا أخي بأن لكل واحد من هذه الأشكال خواص يطول شرحها، ولكن نذكر الخاصية التي تشملها كلها وهي أن كل مربع — أي مربع كان — فإن زواياه الأربع مجموعة تكون مساوية لأربع زوايا قائمة، وأن كل مربع يُمكن أن ينقسم بمثلثين وإن زِيد عليه مثلثٌ آخرُ صار منها شكل مجسم، وأما الشكل المخمس فهو الذي يُحيط به خمسة أضلاع وله خمسُ زوايا وهو أول الأشكال الكثيرة الزوايا المتساوي الأضلاع وأنه يمكن أن يُحيط بكل واحد منها دائرة، ويمكن أن يُحيط هو أيضًا بدائرة وأن كل شكل منها الذي هو أكثر زوايا فهو أكثر وأوسع مساحة من الذي هو أَقَلُّ منه إذا كان المحيط بها مقدارًا واحدًا وإن ضرب عمود واحد من تلك المثلثات في نصف قواعدها فهو مساحة ذلك الشكل الكثير الزوايا.
ومن خَاصِّيَّة الشكل المسدس المتساوي الأضلاع أن كل ضلع من أضلاعه مساوٍ لنصف قطر الدائرة التي تحيط به، وبالجملة ما مِن شكلٍ إلا وله خَاصِّيَّة أو عدة خواص تركنا ذكرها مخافة التطويل، فأما خواص الشكل المستدير فقد أفرد لها أوقليدس مقالةً من كتابه، ولكن نذكر منها طرفًا؛ فنقول: إن الشكل المستدير هو سطح يُحيطُ به خط واحد، وإن مركزه في وسطه، وإن أقطاره كلها متساوية، وإنه أوسع من كل شكل كثير الزوايا إذا كان الذي يحيط به سطحًا واحدًا، وهو يشارك الدائرة في خواصها، ونسبته من سائر الأجسام كنسبة الدائرة من سائر السطوح، وقد تبين خواص هذا الشكل في المقالة الأخيرة من كتاب أوقليدس بشرح وبراهين.
وبالجملة: إنك لو تأملْت يا أخي غرض أوقليدس من البيان وعلم ما في سائر كتب الهندسة؛ لوجدت كلها إنما هو البحثُ عن خواص المقادير ومعرفة حقائقها التي هي الخطوط والسطوح والأجسام وما يعرض فيها من الأبعاد والزوايا والمناسبات التي بين بعضها وبعض، وإذ قد بينا طرفًا من خواص الأشكال في هذه الرسالة، وقبلها طرفًا مِن خواص العدد في رسالة الأثماطيقي فنُريد أن نذكر طرفًا من خواص مجموعها، وذلك أنه إذا جُمع بين بعض الأعداد وبين بعض الأشكال الهندسية ظهر منها خواص أُخر لا يتبين في كل واحد منهما بمجرده؛ مثال ذلك إذا كتب التسعة الأعداد في الشكل المتسع على هذه الصورة؛ فإن خاصيته في الشكل المتسع أنه كيفما عد كانت الجملة خمسة عشر مثل هذا:
٦ | ٧ | ٢ |
١ | ٥ | ٩ |
٨ | ٣ | ٤ |
وهكذا الستة عشر إذا كتب في الشكل ذي الستة عشر بيتًا على هذه الصورة، فإن من خاصيته أنه كيفما عد كانت الجملة أربعة وثلاثين مثل هذا:
١ | ١٥ | ١٤ | ٤ |
١٢ | ٦ | ٧ | ٩ |
٨ | ١٠ | ١١ | ٥ |
١٣ | ٣ | ٢ | ١٦ |
وهكذا الخمسة والعشرون إذا كتب في الشكل ذي الخمسة والعشرين بيتًا على هذه الصورة، فإن من خاصيته أنه كيفما عد كانت الجملة خمسة وستين، مثل هذا:
٢٥ | ١٢ | ٤ | ٣ | ٢١ |
٨ | ١٩ | ٦ | ١٧ | ١٥ |
١٦ | ٢ | ١٣ | ١٤ | ١٠ |
١١ | ٩ | ٢٠ | ٤٧ | ١٨ |
٥ | ٢٣ | ٢٢ | ١ | ١ |
وهكذا الستة والثلاثون إذا كتب في الشكل ذي الستة والثلاثين بيتًا على هذه الصورة، فإن من خاصيته أنه كيفما عد كانت الجملة مائة وأحد عشر، مثل هذا:
١٨ | ٢٣ | ٥ | ٣٢ | ٢٢ | ١١ |
٢٠ | ١٣ | ٣ | ٧ | ١٦ | ٢٥ |
٣ | ٤ | ٣٦ | ٣٥ | ٦ | ٢٧ |
٣٤ | ٣٣ | ٢ | ١ | ٣١ | ١٠ |
١٥ | ٢٦ | ٩ | ٨ | ١٩ | ١٤ |
٢١ | ١٢ | ٩ | ٢٨ | ١٧ | ٢٤ |
وهكذا التسعة والأربعون إذا كتب في الشكل ذي التسعة والأربعين بيتًا على هذه الصورة، فإن من خاصيته أنه كيفما عد كانت الجملة مائة وخمسة وسبعين، مثل هذا:
٤٩ | ٤٥ | ٦ | ٩ | ٨ | ١١ | ٨٤ |
٤٦ | ٣٥ | ١٦ | ١٧ | ٢٠ | ٣٧ | ٤ |
٤٨ | ٣٢ | ٣٨ | ٢١ | ٢٦ | ١٨ | ٢ |
٧ | ٣١ | ٢٣ | ٢٥ | ٢٧ | ١٩ | ٤٣ |
١٢ | ١٤ | ٢٤ | ٢٩ | ٢٢ | ٣٦ | ٣٨ |
١٠ | ٣ | ٣٤ | ٣٣ | ٣ | ١٥ | ٤٠ |
٣ | ٥ | ٤٤ | ٣١ | ٤٢ | ٣٩ | ١ |
وهكذا الأربعة والستون إذا كتب في الشكل ذي الأربعة والستين بيتًا على هذه الصورة، فإن من خاصيته أنه كيفما عد كانت الجملة مائتين وستين، وهذه صورتها:
٧ | ٢٩ | ٢٨ | ١ | ٦٣ | ٤٢ | ٤٤ | ٥٢ |
٤٠ | ٩ | ٣٠ | ٦٣ | ٤ | ٢٢ | ٥٦ | ٣٥ |
٤٧ | ٣٦ | ٥٥ | ٦ | ٦٠ | ١٢ | ٢٥ | ٢٣ |
٥٢ | ٤٨ | ١٨ | ٣١ | ٣٣ | ٤٧ | ١٧ | ١٤ |
٤١ | ٥١ | ١٥ | ٥٤ | ٣٢ | ٥٠ | ١٣ | ١٦ |
٣٧ | ٤٦ | ٥٣ | ٥٦ | ٥ | ١١ | ٢٩ | ٢٠ |
٢٤ | ١٠ | ٢٢ | ٣ | ٦١ | ٤٥ | ٥٧ | ٣٨ |
٨ | ٤١ | ٣٩ | ٦٤ | ٢ | ٢٧ | ٢ | ٥٨ |
وهكذا الأحد والثمانون إذا كتب في الشكل ذي الأحد والثمانين بيتًا على هذه الصورة، فإن من خاصيته أنه كيفما عد كانت الجملة ثلاثمائة وتسعة وستين، وهذه صورتها:
٨٠ | ١٧ | ١٩ | ١٨ | ١ | ٢٧ | ٦٤ | ٦٥ | ٧٨ |
٢٢ | ٧٤ | ٤٠ | ٣٩ | ٦٨ | ٤٩ | ٤٧ | ٥ | ٢٥ |
٥٧ | ٣٣ | ٧٣ | ٤٤ | ١٥ | ٥٠ | ٦ | ٤٥ | ٤٦ |
٦٠ | ٥٢ | ٣٧ | ٧٢ | ١٦ | ٧ | ٤٨ | ٤٣ | ٣٤ |
٣ | ١٢ | ١٤ | ٤١ | ٣١ | ٧٢ | ٧١ | ٥٦ | ٦٩ |
٢٦ | ٥١ | ٣٤ | ٧٩ | ٦٦ | ١١ | ٣١ | ٤٢ | ٢٩ |
٥٩ | ٣٥ | ٧٧ | ٢٤ | ٦٧ | ٣٦ | ٩ | ٣٠ | ٣٢ |
٥٨ | ٧٥ | ٥٣ | ٢٨ | ١٣ | ٥٧ | ٢٣ | ٨ | ٥٤ |
٤ | ٢١ | ٢٠ | ٥٥ | ٨١ | ٦٣ | ٦٢ | ٦١ | ٢ |
وفي التي هي الأساس بالواسطة السفلى لأي حساب كان ثم يمشي على «كتمي» صاعدًا سير الخسرو فيقع العدد ما يتلو الواسطة على النظم الطبيعي في الزاوية العُليا التي عن «كتمي»، ثم يمشي سير الرمك التي تلت الفرس التي هي واسطة للزاويتين اللتين على كرابوي، ثم يصعد صعود البيدق إلى الزاوية العُليا من يسارك، فالحساب على النظم الطبيعي، ثم منها يسير سير الفرزان بعددين اثنين على النظم الطبيعي إلى أن يبلغ الزاوية السُّفلى على يمينك، ثم تدفع البيدق بالعدد الذي يتلو العدد الواقع في الزاوية على النظم الطبيعي إلى بيت الفرس الذي هو الزاويةُ السفلى عن يسارك على النظم الطبيعي، ثم تدفع سير الفرس على النظم الطبيعي إلى بيت الفرس الذي هو واسطة العليا.
ومن خاصيتها أن الزوايا كلها أزواج والأوساط كلها أفراد، والسير فيه سير الفرس ثم سير البيدق ثم سير الفرزان مرتين ثم سير البيدق مرة ثم سير الفرس مرة أخرى ثم سير الفرس إلى الواسطة العليا.
وأما منافعُها والفائدةُ منها فقدْ ذكرنا في رسالة الطلسمات والعزائم طرفًا منها، ولكن نذكر منها في هذا الفصل مثالًا واحدًا ليكون دلالةً على صدق ما قلنا، فنقول: إن من خَاصِّيَّة هذا الشكل المتسع ومنفعته تسهيل الولادة إذا كتب على خزفين لم يصبهما الماءُ وعلقتهما على المرأة التي ضربها الطلق وإن اتفق أن يكون القمر في التاسع ومتصلًا برب التاسع سهل الولادة أو برب بيته من التاسع وما شاكل ذلك من المتسعات.
ح | ج | د |
أ | ﻫ | ط |
و | ز | ب |
وعلى هذا الطريق سلك أصحاب الطلمسات في نصبها، وذلك أنه ما من شيء من الموجودات الرياضية والطبيعية والإلهية إلا وله خَاصِّيَّة ليست لشيء آخر ولمجموعاتها خواص ليست لمفرداتها من الأعداد والأشكال والصور والمكان والزمان والعقاقير والطعوم والألوان والروائح والأصوات والكلمات والأفعال والحروف والحركات، فإذا جمعت بينها على النسب التأليفية ظهرتْ خواصها وأفعالُها، والدليلُ على صحة ما قلنا أفعال الترياقات والمراهم والشربات وألحان الموسيقى وتأثيراتها في الأجساد والنفوس جميعًا، مما لا خفاء به عن كل ذي لب حكيم فيلسوف — كَمَا بَيَّنَّا طوفًا من ذلك في رسالة الموسيقى.
(١٧) فصل في ثمرة هذا الفن
واعلم بأن النظر في علم الهندسة الحسية يعين على الحذق في الصنائع والنظر في الهندسة العقلية، ومعرفة خواص العدد والأشكال يعين على فهم كيفية تأثيرات الأشخاص الفلكية وأصوات الموسيقى في نفوس المستمعين، والنظر في كيفيات تأثيرات الحس في منفعلاتها يُعين على فهم كيفية تأثيرات النفوس المفارقة في النفوس المتجسدة في عالم الكون والفساد، وفي علم الهندسة العقلية للناظرين طريقٌ إلى الوُصُول إلى معرفتها بعون الله وهدايته.
(تمت رسالة الجومطريا ويتلوها رسالةٌ في مدخل علم النجوم، وهي الثالثةُ من القِسْم الأول من الأربعة الأقسام.)