كلمة لمعرب الكتاب
الرجل العظيم يحترم الرجل العظيم، والنفوس الفياضة تصبو إلى نظرائها.
عرف قراء اللغة العربية ما اتصف به الفيلسوف الكونت لاون تولستوي من الجرأة ودفاعه عن الحق الصراح دون أن يخشى لومة لائم أو نقمة ناقم، حتى كان يخاطب قيصر روسيا ورجال حكومته مبينًا لهم حالة الرعية والبلاد وما تحتاجه من الإصلاحات التي غفلوا عنها، والواقف على نظامات روسيا وأحكامها المطلقة لا يسعه إلا أن يعجب بتلك الشجاعة الأدبية الكامنة في جوانح الفيلسوف وعدم رهبته تلك السلطة المطلقة.
رأى الفيلسوف تحامل جمعيات المبشرين في قازان من أعمال روسيا على الدين الإسلامي، ونسبتها إلى صاحب الشريعة الإسلامية أمورًا تنافي الحقيقة تصور للروسيين تلك الديانة وأعمال صاحب تلك الشريعة بصورة غير صورتها الحقيقية؛ فهزته الغيرة على الحق إلى وضع رسالة صغيرة اختار فيها عدة أحاديث من أحاديث النبي محمد — عليه الصلاة والسلام — ذكرها بعد مقدمة جليلة الشأن واضحة البرهان؛ وقال: هذه تعاليم صاحب الشريعة الإسلامية؛ وهي عبارة عن حكم عالية، ومواعظ سامية؛ تقود الإنسان إلى سواء السبيل، ولا تقل في شيء عن تعاليم الديانة المسيحية، ووعد بأنه سيضع كتابًا كبيرًا يبحث فيه أبحاثًا إضافية بعنوان «محمد».
ولما اطلعت على هذه الرسالة راقني ما جاء فيها من الحقائق الباهرة والمقاصد الشريفة؛ فدفعتني الغيرة على الحق لنقلها إلى اللغة العربية، وقد عانيت المشاق في رد الأحاديث إلى أصولها العربية التي وردت فيها، وإني أرجو أن تصادف خدمتي هذه القبول الحسن عند عامة المسلمين، وهذا ما أتوخاه في هذه الهدية التي أزفها للشرقيين عمومًا، وذاك حسبي وكفى.