النكتة العجيبة

وقف «تختخ» قائلًا: هذه نقطة مُهمَّة فعلًا، مُهمَّة جدًّا … إن وصولنا إلى هذا الرقم يعني أننا وصلنا إلى العصابة … وليس مُهمًّا أن يتذكَّر «محب» الرقم … إن المفتش «سامي» يمكنه أن يحصل لنا على كلِّ الأرقام التي طُلبَت في تلك الليلة في «القاهرة»، وبمتابعتها يمكن أن نصل إلى العصابة.

ولم تُضيِّع «لوزة» وقتًا، لقد أسرعَت بإحضار التليفون، وسرعان ما كان «تختخ» يطلب رقم المفتش «سامي» … ولكن المفاجأة أن المفتش «سامي» لم يكن موجودًا، لقد سافر إلى «بنها» … المفاجأة الثانية كانَت سبب سفره؛ فقد ظهرَت النقود المزيَّفة هناك … وقد وضع المفتش كمائن على جميع قطارات الركاب.

وضع «تختخ» السمَّاعة، والتفتَ إلى الأصدقاء قائلًا: شيء غريب! … كنتُ أتصوَّر أن العصابة — وهي تعلم أن الشرطة تُطاردها — ستتوقَّف عن توزيع النقود المزيَّفة، ولكن العملية مستمرة …

نوسة: لعل هذه النقود كانَت موجودةً منذ فترة في «بنها»، ولم تظهر حتى الآن … فليس من الضروري اكتشاف النقود المزيَّفة في يوم توزيعها … فقد تمضي أيام، بل أسابيع وشهور، دون أن تظهر النقود!

تختخ: معقول جدًّا … بقيَت مشكلة الحصول على المكالمات التليفونية التي تمَّت بين «أسيوط» و«القاهرة» أمس مساءً …

قفز «محب» صائحًا: وجدتُ الحل! … إن معي رقم تليفون منزل المفتش «أحمد» في «أسيوط»، فلماذا لا نطلبه؟

عاطف: الساعة الآن الحادية عشرة صباحًا … ولعلَّه لن يعود إلى منزله إلا في موعد الغداء كالمعتاد … فلْنطلب مديرية أمن «أسيوط» ونسأل عليه.

تختخ: إن ذلك يستدعي أن نذهب إلى مكتب التليفونات!

محب: سأذهب أنا و«عاطف» …

وأسرع الصديقان، وبقي «تختخ» و«نوسة» … و«لوزة» يتحدَّثون … وفي مكتب التليفونات جلس «عاطف» … واتجه «محب» إلى عامل التليفون، وطلب دليل «أسيوط»، وأخذ يبحث عن رقم … وفجأةً شاهد «عاطف» الشاويش «فرقع» يصل إلى باب المكتب ويدخل … وتلاقَت نظراتهما … وبدَت على الفور في وجه الشاويش علامات الشك والريبة … فوجود «عاطف» في مكتب التليفون علامة على أنه وراء مغامرة أو لغز … ثم شاهد الشاويش المغامر الثاني «محب» وهو يطلب مديرية أمن «أسيوط»، ويطلب المفتش «أحمد» … وتأكَّد الشاويش أن هناك شيئًا يحدث وراء ظهره … ولا بد أن يعرفه … ولكن كيف؟!

أخذ الشاويش يبرم شاربه وهو يسير في المكتب، وعينا «عاطف» ترمقانه وهو ينتظر اللحظة التي سيتقدَّم فيها الشاويش منه … لقد كان مُتأكِّدًا أنه سيسأله ماذا يفعل في المكتب، ولا بد أنه يرد عليه … فلْيُفكِّر في شيء ظريف … وكان الشاويش قد سمع كلمة «أسيوط» والمفتش «أحمد»، وهكذا تقدَّم من «عاطف» قائلًا: ماذا تفعل هنا؟

وقف «عاطف» احترامًا للشاويش وقال: إنني أنتظر «محب».

الشاويش: وماذا يفعل «محب»؟

عاطف: إنه ينتظرني.

احمرَّ وجه الشاويش وبدَت علامات الضيق عليه، ولكنه قال: وماذا تفعلان هنا … أنتما الاثنان؟ لقد سمعتُه يطلب «أسيوط»، لماذا؟!

عاطف: الحقيقة يا شاويش أننا نطارد لصًّا!

بدا الاهتمام على وجه الشاويش، وقال: لص! وماذا سرق؟

عاطف: لقد سرق قطارًا!

الشاويش: تقصد أنه سرق شخصًا يركب القطار؟

عاطف: أبدًا يا شاويش … الحقيقة أنه سرق قطار بضاعة، ثم اتجه إلى «بني سويف» … «المنيا» … «أسيوط» … ثم عاد إلى «بنها» … ونحن نُحاول أن نُمسكه ونمنعه من اللعب بالقطارات؛ لأنها لعبة خطرة!

انفجر الشاويش غضبًا، وقال بصوتٍ لفت أنظار الجالسين إليه: هل تضحك معي حضرتك؟! هل تعتقد أن دمك خفيف؟! … إنني أعرف ماذا تفعلان هنا وسوف أُحاسبكما على كل شيء!

ودار الشاويش ليخرج، ولكنه التفتَ إلى «عاطف» قائلًا: أنت وهذا الولد السمين «تختخ»، إن حسابكما لم ينتهِ حتى الآن!

وكان «محب» قد وقف يُشاهد المنظر، ولم يتمالك نفسه من الضحك وهو يُشاهد الشاويش خارجًا وقد اشتعل غيظًا، ولكنه عندما التفتَ إلى «عاطف» وكان يتوقَّع أن يجده هو الآخر يضحك، فوجئ بأن وجده قد استغرق في تفكير عميق، وقد بدت على وجهه كل علامات الجد.

مدَّ «محب» يده وهزَّ كتف «عاطف» قائلًا: ماذا هناك؟! هل تُفكِّر في بناء سينما على سطح القمر … أم تُفكِّر في شراء قطار بضاعة لحسابك؟!

رفع «عاطف» إلى «محب» وجهًا جادًّا، فأدرك «محب» — وهو يعرف «عاطف» المهزار — أن هناك مسألةً جادةً فعلًا تشغله … وقام «عاطف»، وأخذ «محب» جانبًا وقال له: لقد عثرتُ على حل لغز النقود المزيَّفة!

محب: ليس هناك لغز يا «عاطف»، إننا نعرف العصابة ونُطاردها …

عاطف: لن تصلوا إليها إلا إذا اقتنعتُم بالفكرة التي خطرت لي.

محب: وما هذه الفكرة المدهشة؟

عاطف: فكرة جهنمية يا «محب» … خطرت ببالي وأنا أُعابث الشاويش!

محب: لعلك صدَّقتَ فعلًا أن هناك شخصًا سرق قطار بضاعة!

عاطف: لا لم يسرقه، ولكن استخدمه بطريقةٍ ذكية … إنكَ لاحظت طبعًا — كما لاحظنا جميعًا — أن النقود تظهر في عواصم المحافظات … «بني سويف» … «المنيا» … «أسيوط» … «بنها» … وتظهر قرب محطة السكة الحديد!

محب: طبعًا … وناقشنا هذه النقطة من قبل.

عاطف: معنى ذلك أن العصابة تركب قطارًا وتُوزِّع النقود بدون أن تتعرَّض للخطر … فواحد من العصابة … ينزل لتسليم النقود، ثم يعود إلى القطار.

محب: نعم … وماذا بعد ذلك؟

عاطف: لو كنتَ أنت مكان زعيم العصابة الذكي … وتُريد ألَّا يراكَ أحد، ولا أن يرى العصابة في القطار، فماذا تفعل؟

محب: لا أعرف بالضبط ماذا تقصد … قد أُسافر مُتنكِّرًا مثلًا!

عاطف: هناك حل آخر أسهل … أن تُسافر في قطارات البضاعة حيث لا يركب أحد، بشرط أن تحتاط كي لا يراك أحد من موظفي السكة الحديد! فكَّر «محب» … قليلًا، ثم قال: مدهش جدًّا يا «عاطف»! إن فكرتك معقولة جدًّا؛ فالرجل المصاب — كما هو واضح — قد أُصيب في حادث قطار البضاعة … لقد كان يركبه!

عاطف: ومعنى هذا أن الكمائن التي وضعها المفتش على قطارات الركاب لن تُؤدِّي إلى نتيجة … فهُم يُسافرون بقطارات البضاعة … إنهم مُتأكِّدون أن لا أحد سيكشف السر؛ لهذا واصلوا توزيع النقود!

محب: تذكَّرتُ شيئًا آخر … لقد كان عضو العصابة يقول في التليفون إنهم لم ينقُلوا المصاب إلى المستشفى، حتى لا يتعرَّضوا لسؤالهم عن سبب وجوده داخل قطار البضاعة … إنك مدهش! … إنك عجيب!

عاطف: لستُ أنا، إنه الشاويش «فرقع» الذي ظهر في الوقت المناسب، أو لعلها النكتة التي هبطت على رأسي في الوقت المناسب.

محب: إنها لم تأتِ إليك … لقد كنتَ تُفكِّر فيها طول الوقت … فعندما يكون الإنسان مشغولًا بشيء فإن ذهنه لا يكُف عن التفكير فيه حتى وهو نائم … وكثير من الاكتشافات هبطت على أصحابها وهم نائمون أو يأكلون … فقد كانت عقولهم تعمل طول الوقت.

عاطف: إني …

ولكن «عاطف» لم يُتم جملته؛ فقد نودي على «محب» وأسرع إلى «الكابينة» وقد أخرج ورقةً وقلمًا، وبدأ محادثته مع المفتش «أحمد»: أنا «محب»، لقد كنتُ معك أمس … نعم من قِبَل المفتش «سامي» … إننا ما زلنا نبحث عن العصابة … ونُريد الحصول على كشفٍ بالمكالمات التي تمَّت بين «أسيوط» و«القاهرة» في الفترة ما بين الساعة السابعة والتاسعة مساءً … نعم الفترة التي كنتُ فيها في مكتب التليفون … نعم … سأنتظر ردًّا منك … إنها مسألة على أعظم جانبٍ من الأهمية! أرجو أن تكتب رقم تليفوني …

واستمع «محب» قليلًا، ثم قال: بعد ساعة، عظيم جدًّا …

ثم أعطاه «محب» رقم تليفون منزل «عاطف» حيث يجتمع المغامرون الخمسة، وشكره، ثم وضع السمَّاعة وخرج إلى «عاطف» بوجهٍ مبتهج قائلًا: بعد ساعة ستصلنا مكالمةٌ من المفتش «أحمد» … هيَّا بنا … لقد اقتربنا من الحل!

وقفز الصديقان كلٌّ على دراجته وانطلقا عائدَين، ومن بعيد كان الشاويش «فرقع» ينتظر، فأسرع يتبعهما … ولم يكن في حاجة إلى أن يقترب حتى لا يختفيا … فقد كان يعرف أين يجتمع المغامرون الخمسة …

عندما عاد «عاطف» و«محب» … كان «تختخ» و«لوزة» و«نوسة» … ما زالوا يتحدَّثون، وأسرع «محب» يقول: أخبار ومفاجآت، واستنتاجات في غاية الأهمية …

لوزة: كل هذا في الساعة التي تغيَّبتماها؟!

عاطف: بل في دقائق قليلة، وفي نكتة.

ثم التفتَ «عاطف» إلى «تختخ» وقال: هل تصدِّق أن الشاويش «فرقع» هو الذي حل اللغز؟!

تختخ: الشاويش «فرقع»! ما دخله في هذا كله؟!

وروى «عاطف» للأصدقاء مغامرتَه الصغيرة مع الشاويش «فرقع»، والاستنتاجات التي خرج بها من النكتة التي أراد أن يضحك بها على الشاويش …

كانَت «لوزة» أسرع الجميع إلى التعليق فقالت: إنها فكرة رائعة حقًّا يا «عاطف»! كيف لم يخطر ببالنا حتى الآن ما فكَّرتَ فيه؟! «عاطف» ضاحكًا: لأن دمكم ثقيل!

وضحك الجميع، ثم قال «تختخ»: إنني مقتنع تمامًا باستنتاجات «عاطف»، ولا بد من الاستفادة منها فورًا. وإنني لن أنتظر المكالمة القادمة من «أسيوط» … لينتظر «محب» و«نوسة» و«لوزة»، وتعالَ معي أنت يا «عاطف» … ولْنأخذ معنا «زنجر» …

محب: إلى أين يا «تختخ»؟

تختخ: إلى محطة «باب الحديد» أولًا … إن لي حديثًا مع ناظر المحطة. أمَّا أنتم فعليكم انتظار المكالمة، وعندما تأتي تصرَّفوا كما تشاءون.

وسكت قليلًا، ثم أضاف: ولكن لا تُعرِّضوا أنفسكم للأخطار.

وأسرع «تختخ» و«عاطف» … وخلفهما «زنجر» خارجين … ووصلوا إلى محطة «المعادي» … ومنها إلى محطة «باب اللوق» … ثم إلى محطة «القاهرة» … وطلبا مقابلة ناظر المحطة … وكان «تختخ» قد وضع خطةً للحديث … فقال لناظر المحطة: لقد وقعت حادثةٌ لقطار البضاعة قرب «أسيوط» … فهل تمَّ إصلاحه؟

الناظر: ولماذا تسأل؟

تختخ: لأن لنا بعض البضائع على هذا القطار.

الناظر: لقد تمَّ إصلاحه منذ أمس، ووصلت بعض عرباته إلى القاهرة فعلًا.

تختخ: هل هي موجودة؟

الناظر: بعضها موجود، وبعضها واصل طريقه إلى «بنها» و«طنطا» و«الإسكندرية».

عندما نطق الناظر باسم «بنها» تبادل «تختخ» و«عاطف» النظرات … لقد كانت استنتاجات «عاطف» صحيحة!

قال «تختخ»: هل نستطيع معرفة أرقام العربات التي غادرت القاهرة؟

أخرج الناظر كشفًا أخذ ينظر فيه، ثم قال: إنها ثماني عشرة عربة … أرقامها ٥٦١٣، ٣٩٢١١ و…

أخذ «تختخ» يكتب كل الأرقام التي أملاها الناظر، وعندما انتهى من الكتابة شكر الناظر، ثم أسرع يغادر المكتب، وقال «عاطف»: ما هي خطواتنا التالية؟

تختخ: السفر فورًا إلى «بنها»! ولكن سنتصل أولًا بالأصدقاء في «المعادي» لنقول لهم إننا سنسافر ونسألهم عن الأخبار.

ومن مكتب التليفون الذي بالمحطة اتصل «تختخ» بالأصدقاء … وردَّ «محب» … قال «تختخ»: سأُسافر أنا و«عاطف» … و«زنجر» الآن إلى «بنها» … ولا ندري متى نعود … داوم الاتصال بالمفتش «سامي»، وإذا وجدتَه أخبِره بما وصلنا إليه، واطلب منه أن يتابع عربات البضاعة التي بهذه الأرقام …

وأملى «تختخ» الأرقام على «محب» … ثم سأله: هل اتصل بكم المفتش «أحمد»؟ …

محب: اتصل … هناك خمسة أرقام … وقد فكَّرتُ في التحدُّث إلى أصحاب هذه الأرقام على أني صديق ﻟ «يوسف» تاجر القطن الذي أفلتَ منا في «الأوتوبيس» ونحن نطارده أثناء انتقاله من «المنيا» إلى «أسيوط»؛ لعلي أعرف من بينها التليفون الخاص بالعصابة … المشكلة أنني لا أتذكَّر صوته تمامًا!

تختخ: فكرة عظيمة … نَفِّذها فورًا، وسأتصل بك كلما أمكنني ذلك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤