مقدمة

بسم الله نبتدئ، وبعد؛ فإن كان للسكوت عن الخوض في أحاديث الأدب داعٍ، فقد زال ذلك الداعي اليوم، وقد تجددت دواعٍ للكتابة في أصوله وفنونه، أخصها الأمل في تقدمه؛ لالتفات الأذهان إلى شتى الموضوعات ومتنوع المباحث، والحذر عليه من الانتكاس لاجتراء الأدعياء والفضوليين عليه، وتسلل الأقلام المغموزة والمآرب المتهمة إلى حظيرته، وكتابنا هذا مقصود به مجاراة ذلك الأمل وتوقي تلك العلل. وهو كتاب يتم في عشرة أجزاء.١ موضوعه الأدب عامة، ووجهته الإبانة عن المذهب الجديد في الشعر والنقد والكتابة، وقد سمع الناس كثيرًا عن هذا المذهب في بضع السنوات الأخيرة ورأوا بعض آثاره، وتهيأت الأذهان الفتية المتهذبة لفهمه والتسليم بالعيوب التي تؤخذ على شعراء الجيل الماضي وكتَّابه ومن سبقهم من المقلدين.

فنحن بهذا الكتاب في أجزائه العشرة وبما يليه من الكتب نتمم عملًا مبدوءًا، ونرجو أن نكون فيه موفقين إلى الإفادة، مسددين إلى الغاية. وأوجز ما نصف به عملنا — إن أفلحنا فيه — أنه إقامة حد بين عهدين لم يبق ما يسوغ اتصالهما والاختلاط بينهما، وأقرب ما نميز به مذهبنا أنه مذهب إنساني مصري عربي: إنساني؛ لأنه من ناحية يترجم عن طبع الإنسان خالصًا من تقليد الصناعة المشوهة؛ ولأنه من ناحية أخرى ثمرة لقاح القرائح الإنسانية عامة، ومظهر الوجدان المشترك بين النفوس قاطبة، ومصري؛ لأن دعاته مصريون تؤثر فيهم الحياة المصرية، وعربي؛ لأن لغته العربية، فهو بهذه المثابة أتم نهضة أدبية ظهرت في لغة العرب منذ وجدت، إذ لم يكن أدبنا الموروث في أهم مظاهره إلا عربيًّا بحتًا يدير بصره إلى عصر الجاهلية.

وقد مضى التاريخ بسرعة لا تتبدل، وقضى أن تحطم كل عقيدة أصنامًا عبدت قبلها، وربما كان نقد ما ليس صحيحًا أوجب وأيسر من وضع قسطاس الصحيح، وتعريفه في جميع حالاته، فلهذا اخترنا أن نقدم تحطيم الأصنام الباقية على تفصيل المبادئ الحديثة، ووقفنا الأجزاء الأولى على هذا الغرض، وسنردفها بنماذج للأدب الراجح من كل لغة، وقواعد تكون كالمسبار وكالميزان لأقدارها. فإن أصبنا الهدف، وإلا فلا أسف. وحسبنا بهذه المقدمة الوجيزة بيانًا.

١  لم يظهر من الديوان في النقد والأدب إلا جزءان، طبع أولهما في يناير وثانيهما في فبراير سنة ١٩٢١، وأُعيد طبعهما بعد شهرين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤