الفصل الثالث
قصة الخطوط
إنَّ رسم الخطوط أمرٌ مُهم للغاية في جميع الرسوم البيانية. فهي تَروي قصة وتبرز
سلوك
السِّعر/الحجم. كما تُحدِّد زاوية الارتفاع أو الانخفاض داخل الاتجاه السِّعري، وتُنبِّه
المرء لوقت وصول السوق إلى نقطة التشبُّع الشرائي أو التشبُّع البيعي ضمن الاتجاه، وتحدد
نطاقات التداول، وترسم تأرجح الأسعار وصولًا لنقطة توازن (رأس)، وتساعد على التنبؤ بأماكن
توقع الدعم أو المقاومة في حركات التصحيح. وسنبدأ بدراسة عقود زيت فول الصويا. يُبيِّن
شكل
٣-١ حركة السعر على الرسم البياني اليومي للنمط الاستمراري لعقود
زيت فول الصويا بين ديسمبر
2001 و
6 مايو
2002. لنفترض أن اليوم هو
6 مايو، وسنَبدأ في دراسة
السلوك المُبيَّن على هذا الرسم البياني. أنا أبدأ أولًا بخطوط الدعم والمقاومة. يُرسَم
خط
الدعم
A عبر قاع
28 يناير. ويُرسَم خط المقاومة
B عبر قمة
5 فبراير وخط المقاومة
C عبر قمة
15 مارس. وبمَدِّ هذه الخطوط الأُفقية على
الرسم البياني، نرى كيف وجدت عمليات التصحيح اللاحقة في مارس ومايو الدعم على الخط
B. وعندما يُمثِّل خطٌّ ما دعمًا ومقاومة بالتناوب،
فإنني أُسمِّيه «خط محور». تميل الأسعار إلى التأرجُح حول خطوط المحور هذه. قدم إدواردز
وماجي في كتابهما البارز «التحليل الفني لاتجاهات سوق الأوراق المالية» واحدة من المناقشات
الأكثر شمولًا بشأن خطوط الدعم والمقاومة. وفي حين أنهما لم يَذكُرا قط خطوط المِحوَر
في
السياق السابق ذكره، فإنهما أشارا على نحوٍ كافٍ لظاهرة الخطوط الأفقية التي تمثل دعمًا
ومقاومة بالتناوب قائلين:
ولكن إليك الحقيقة المُثيرة والمهمة
التي من الغريب أن العديد من متابعي الرسوم البيانية على نحوٍ متقطع لا يُدركونها
أبدًا؛ وهي أنَّ هذه المُستويات السِّعرية المهمة تُبدِّل باستمرار دورها من الدعم
إلى المقاوَمة ومن المقاومة إلى الدعم. فالذروة الصعودية السابقة، بعد تجاوُزها،
تُصبِح منطقة سُفلية في الاتجاه الهبوطي التالي، والذروة الهبوطية القديمة، بمجرد
اختراقها، تصبح ذروة صعودية في مرحلة متقدمة لاحقة.
1
تُحدِّد خطوط الدعم/المقاومة أيضًا نطاقي التداول على هذا الجزء من الرسم البياني.
ويُمكننا من خلال رسم الخطوط أن نلاحظ على نحوٍ أفضل محاولات كلا الجانبين للكسر، كما
كان
يحدث خلال حرب الخنادق في الحرب العالَمية الأولى. وتُعَد الكسور الوهمية العديدة على
أي من
جانبي نطاق التداول اختبارات مهمَّة لمقدرة القوتين المُتعارضتَين. وكما سنَذكر لاحقًا،
توفُّر هذه الاختبارات العديد من فرص التداول مُنخفِضة المخاطر.
ثمَّة خطُّ اتجاه مُهم واحد فقط يمكن رسمه في هذه المرحلة من تطور السوق. في شكل
٣-٢، يُرسم خط الاتجاه
T عبر قاعَي يناير
وفبراير. لاحظ كيف تتفاعل الأسعار مع هذا الخط في أوائل مايو. ويُرسم الخط الموازي
T’ عبر قمة مارس. هذه قناة صعودية عادية رُسم فيها خط
دعم (أو خط طلب) عبر قاعين، وخط مقاومة موازٍ (أو خط عرض) عبر قمَّة متداخلة. وفي هذه
الحالة، ستكون القمة المتداخلة في أواخر فبراير. وبالنظر إلى حركة السعر اللاحقة، فإن
خطًّا
مرسومًا عبر القمة المُتداخِلة الفعلية لن يكون له معنًى. لذلك، يُرسم عبر نقطة أعلى
على
الرسم البياني. إن زاوية التقدُّم التي تُبرزها القناة الصعودية
TT’ ليست حادة، ولن تحتوي على ارتفاع كبير. وثمَّة
قناتان صعوديتان أصغر تظهران في القناة الصعودية
TT’؛
أولهما من أواخر فبراير إلى
15 مارس، وهي قناة عادية، وثانيهما من قاع مارس إلى قمة أبريل
وهي قناة صعودية عادية أيضًا والتي تُحدِّد الارتفاع البطيء للأسعار.
لاحظ كيف ارتفعت السوق فوق قمة هذه القناة الصعودية في أبريل، وأيضًا فوق خطِّ المُقاوَمة
C دون مُواصَلة الارتفاع. أدى الارتفاع فوق خط العرض
للقناة إلى حالة تشبُّع شرائي أكثر موثوقية من تلك التي تُوفِّرها المؤشرات الرياضية.
ودون
استباق الأحداث، أشار موقع الإغلاق في يوم القمة إلى أن السوق قد واجهت عرضًا (عمليات
بيع).
ويظهر أن الهبوط من قمة أبريل حاد للغاية لدرجة لا تسمح برسم القنوات؛ لذا يُرسم خط اتجاه
هبوطي بسيط. وفي بعض النقاط في الصراع بين المُشترين والبائعين، تصل الأسعار في كثير
من
الأحيان إلى تقاطُع أو التقاء الخطوط. وتُمثِّل هذه المناطق في كثير من الأحيان نقاط
تحول
مهمة. فعند قمة أبريل، نرى خط العرض لقناة صعودية صغيرة يتقاطع مع خط المقاومة
C. وعند قاع
مايو، نرى خط الاتجاه T، وخط المقاومة
B، وخط اتجاه هبوطي صغير وقد تقاطَعت معًا. وعندما
يتواجد هذا التقاطع للخطوط، ينبغي للمرء أن يَنتبه لاحتمالية حدوث نقطة تحول. لذا، نادرًا
ما أقوم بعملية تداول مُستندًا إلى أدلة من خطوط الاتجاه وحدها. وكما سنُناقش لاحقًا،
ثمة
عوامل أخرى تُوضع في الاعتبار. ومع ذلك، إذا أراد المرء أن يقوم بعمليات تداول على أساس
نوع
واحد فقط من الظواهر الفنية، فإن الخطوط ستمثل مرشدًا ممتازًا في هذا الشأن.
يُبيِّن شكل
٣-٣ الحركة السِّعرية خلال الأسبوع الثاني من يوليو
2002. نرى على الفور أن التقدُّم من قاع مايو بدأ بارتفاعٍ سريع لمدة أربعة أيام ثم تباطأ
إلى صورة منتظمة مُتدرِّجة. وكان من المُمكن رسم العديد من القنوات من نقاط التحوُّل
المختلفة من قاع مايو، ولكن بحلول
30 مايو (بعد خمسة أيام من القمة) كانت القناة
VV’ الأكثر ملاءمة. وتجاوَز هذا الارتفاع قمة القناة
TT’ بكثير. وتكوَّن نطاق تداول جديد من قمة
6 يونيو.
لاحِظ كيف اقترب الحدُّ الأدنى لهذا النطاق من خط المقاومة السابق
C. وبعد ارتفاع السوق فوق قمة مايو، كنت سأَرسم القناة
XX’. وتُرسم هذه القناة من خلال ربط قاعَي مايو–يوليو
ورسم خط موازٍ عبر القمة المُتداخلة في يونيو.
قبل أن نترك دراسة هذه السوق، ثمَّة صورة أخيرة تظهر في شكل
٣-٤. نرى
في هذا الشكل كيف ارتفع الانتعاش من قاع يوليو قليلًا فوق القناة
XX’ مما سبب حالة تشبُّع شرائي. يُرسم خط المقاومة
E عبر قمة يوليو. ومن هذه القمة، تنخفض السوق حتى تجد
الدعم عبر الخط
D. وبعد ارتفاع الأسعار مرةً أخرى، يُرسم خط
الاتجاه
Y، والذي يُشكِّل هو وخط
X’ وتدًا صاعدًا. وفي حين أنني لا أهتم بالبحث عن أنماط
هندسية، فإنَّ الخطين المتقاربَين يُظهران بوضوح تراجع حدة الاندفاع الصعودي. لاحظ كيف
تواصل الأسعار محاولة تجاوز خط العرض للقناة
XX’ ولكن تفشل
في بدء تقدُّمٍ بزاوية أكثر حدة. وبعد عملية البيع المفرط من آخر قمة فوق القناة، رسمتُ
خط
المقاومة
F. ووجدت عملية البيع المفرط دعمًا عند الخط
Y، وصنعت السوق في الواقع قمة جديدة طفيفة فوق الخط
F قبل عكس الاتجاه نحو الهبوط. لاحظ في هذه المرحلة
تقاطُع الخطوط؛ إذ يتلاقى خط المقاومة
F، وخط العرض
X’، وخط الدعم
Y.
ويُرسم خط الدعم
G عبر القاع بين القمَّتين الأخيرتَين،
ويلعب دورًا مهمًّا على مدى الأسابيع القليلة التالية.
حتى الآن لم نتعامل إلا مع الخطوط التي رُسمَت على الرسم البياني بسبب الحركات السعرية.
في شكل
٣-٥، رُقِّمَت ثمانٍ من أهم النقاط على الرسم البَياني لعقود
زيت فول الصُّويا من أجل مناقشتها. وفي هذه النقاط، نَستشفُّ نهاية نطاق التداول أو أدلة
حول النهاية الوشيكة له. تُمثل النقطة
1 كسر مقاومة وهمي
فوق الخط
C. هنا، ارتفعت السوق فوق المقاومة لكنها أُغلقت
تحت الخط وقرب قاع هذا اليوم. وبعد يومَين، أشار النطاق الضيق إلى أن الطلب كان منهكًا،
وأن
السعر سيُعاود الارتفاع. وتوقَّفت عمليات البيع المفرط التي أعقبت ذلك فوق الخط
B. لاحظ ضيق النطاق السِّعري في اليوم المُنخفِض من
البيع المفرط. كانت اليد العليا هنا على ما يبدو للبائعين. ومع ذلك، عند النقطة
2، انعكست الأسعار صعودًا، وأُغلقت فوق قمة اليوم
السابق ووضعت السوق في موقف قوي. دفع هذا الانعكاس الأسعار
لمستوًى أعلى حتى أُنهك الارتفاع في أوائل يونيو. لاحظ
النطاق الضيق وضعف الإغلاق عند قمة يونيو. بعد التراجُع والتماسك، عادت السوق إلى الطرف
العلوي لنطاق التداول الجديد. وتراوَحت الأسعار لمدة ثلاثة أيام في نطاق ضيق على نحو
شبه
ثابت قبل أن تَتسارع صعودًا خلال الجلستَين التاليتَين. وتشير النقطة
3 إلى فترة استيعاب ضمن النطاق الضيق السابق على كسر
المقاومة. وعند النقطة
4، ارتفع السعر فوق القناة الصعودية
من قاع مايو وأشار موقع الإغلاق إلى وجود عمليات بيع. واختبر الانخفاض إلى النقطة
5 المنطقة التي ارتفعت فيها الأسعار رأسيًّا. وعكس موقع
الإغلاق عند النقطة
5 وجود عمليات شراء. وعند النقطتَين
6 و
7، نرى كيف تُكافح
الأسعار لمُواصلة الارتفاع. وكان من المُمكن رسم خط الاتجاه العكسي (الخط المتقطع) عبر
قمة
النقطتين
4 و
6 لتسليط الضوء
على عدم وجود تقدُّم صعودي في السوق. وتُشير القمة الجديدة الطفيفة عند النقطة
8 جنبًا إلى
جنب مع الإغلاق الضعيف إلى إنهاك الطلب. ويُشير السلوك التراكُمي بين النقطتين
4 و
8 (باستثناء النقطة
5) إلى إنهاك الاتجاه الصعودي لعقود زيت فول الصويا
ويَزيد من احتمال التصحيح. ويُشير الكسر الذي صاحبه حجمُ تداول كبير (انظر السهم) تحت
خطِّ
الدعم
G إلى أن قوة البيع تغلَّبت على قوة الشراء. وحاوَل
المُشترون استعادة السيطرة المفقودة تحت خط الدعم
G. ومع
ذلك، انتهت الارتفاعات بإغلاقٍ ضعيف حيث أفسد البائعون كلتا المحاولتَين. وسوف نُناقش
جميع
هذه النقاط في الفصول اللاحقة.
يُمكن تطبيق هذا النوع من الخطوط التي
رسَمناها على الرسم البياني اليومي لعقود زيت فول الصويا على الرسوم البيانية ذات المدى
الأطول أيضًا. فهي تُساعد في تركيز اهتمام المرء على خطوط المعركة الأكبر، التي مثَّلت
في
بعض الحالات الدعم والمقاومة لسنوات أو عقود. إنَّ الوعي بموقع السوق ضمن إطارها التاريخي
يتلاءم مع احتياجات المُستثمِر في الأوراق المالية وكذلك احتياجات التاجر صاحب المركز
الطويل أو القصير الذي يعمل في أسواق العقود الآجلة. ويمكن تفسير خطوط الدعم/المقاومة
وخطوط
الاتجاه والقنوات الطويلة الأجل بالتزامُن مع مجموعة أعمدة الأسعار (الأسبوعية والشهرية
والسنوية) وموقع إغلاقها بالطريقة نفسها، على النحو المُبيَّن في المناقشة السابقة. ومع
دراسة الرسوم البيانية الطويلة المدى، فإن الوقت يُمثِّل الفرق الوحيد. فيُمكن تفسير
حركة
السعر على الرسم البياني لكل ساعة أو الرسم البياني اليومي بسرعة أكبر بكثير من الرسوم
البيانية الشهرية أو السنوية. ومع ذلك تأتي أكبر النتائج من إدراك متى تحين الفرص الطويلة
المدى. وبعد معرفة هذه المعلومات، يُمكننا التحول إلى الرسم البياني اليومي.
كانت عقود زيت فول الصويا في عام
2002 إحدى
هذه الفرص. يُبين شكل
٣-٦ أسعار عقود زيت فول الصويا النقدية السنوية
من عام
1931 إلى عام
2003. وهو يحكي قصة العديد من السلع خلال السنوات الخمس والسبعين الماضية:
-
وصلت الأسعار لأدنى مستوًى لها في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين في ظل فترة
الكساد.
-
ارتفعت الأسعار إلى القمة أواخر أربعينيات القرن العشرين في ظلِّ تحفيز من
مشروع مارشال.
-
دخلت الأسعار فترةً من الكساد الشديد حتى صحوة أواخر ستينيات القرن
العِشرين.
-
ارتفعَت الأسعار على نحوٍ حادٍّ خلال منتصف سبعينيات القرن العشرين بفعل
الضغط التضخُّمي.
-
دخلت الأسعار في نطاق تداول شديد التقلُّب حتى وصَلت لأدنى مستوًى لها في
الفترة من 1999 إلى 2002.
كان هذا هو النمط العام لأسعار العديد من السِّلَع الزراعية المُنتَجة في الولايات
المتحدة. تُرسم خطوط المقاوَمة الأفقية عبر قمم 1935 و1947 و1956. انظر لتفاعُل السوق مع
هذه الخطوط. وبين عامي 1952 و1972 استقرَّت أسعار زيت فول الصويا فوق قمة 1935. وقد حدَث
تجاوز لقمة 1956 بالارتفاع الفجائي في عام 1973؛ وذلك —
جزئيًّا — بفضل الطلب على الصادرات. استمر هذا الانتعاش المتفجر حتى ذروة 1947، ولكن لم
تَدُم المكاسب طويلًا حيث عادت الأسعار سريعًا إلى منطقة قمة 1956. تطور نطاق تداول جديد
فوق مستوى المقاومة السابق تقريبًا. وبعد عام 1985، تأرجَحت الأسعار لمدة 13 عامًا وصولًا
إلى رأس. وكان كسر الدعم من 1998 إلى 2000 بمنزلة هزة ختامية لنطاق التداول الأكبر من قاع
1975. وفي عام 2001، قبل فترة وجيزة من بدء دراستنا للرسم البياني اليومي، انعكسَت الأسعار
فوق قمة 2000 وأغلقت بالقرب من منتصف النطاق. وهذا جعل أسعار زيت فول الصويا على منصة
انطلاق لحركة صعودية أكبر بكثير. إن فَهْم موقف السوق من الرسم البياني الطويل المدى
في
بداية 2002 أعطى معنًى أكبر لنقاط التحول في مايو ويوليو. وبحلول أوائل 2004، ارتفعت
الأسعار إلى منطقة 34 سنتًا. وتضاعَفت الأسعار مرة أخرى مرتفعة إلى قمة 2008 (71
سنتًا).
في شكل
٣-٧، نرى تاريخ أسعار
عقود الكاكاو النقدية منذ عام
1930. تتوافَق نقاط التحول الرئيسية الخاصة بعقود الكاكاو مع
تلك الخاصة بعقود زيت فول الصويا: قاعٌ في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين، ثم ذروةٌ صعودية
في
1947، ثم نطاقٌ تداول طويل حتى قاع ستينيات القرن العشرين، وموجةُ ارتفاع ضخمة في أواخر
سبعينيات القرن العشرين، وقاعٌ في نهاية القرن العشرين. وفي عام
1977 بلغ الكاكاو ذروته
بسعر أعلى من أدنى سعر له في عام
1933 بأربعة وسبعين ضعفًا. ويُساوي النطاق السِّعري في عام
1977 المسافة من
1933 إلى
1973. وفقط المقياس نصف اللوغاريتمي هو ما يَسمح للمرء بمعرفة
تاريخ الأسعار السابق. وتحتوي القناة الصعودية المرسومة عبر قيعان
1940–1965 تقريبًا على كل
الحركة السعرية. ومع ذلك، تجاوزت الأسعار في عام
1977 القناة. وفي العام التالي، ضاعت جميع
مكاسب عام
1977. وتحرك الاتجاه الهبوطي المُمتد على مدار
24 عامًا من قمة
1977 على نحوٍ
مُنتظم. فكان كل مستوًى من مستويات الدعم يُمثِّل مقاوَمة في السنوات اللاحقة، وينبغي
أن
يُتوقع أن يلعب دورًا مهمًّا في المستقبل. اعتقدت أنَّ الكاكاو قد وصَل لأدنى مُستوًى
له في
عام
1992. فهنا، تراجع الاندفاع الهبوطي، وعادت الأسعار إلى الارتفاع فوق خط مقاومة
1947،
وكانت تَختبر منطقة الارتفاع الرأسية في عام
1973. وعلى
الرغم من تضاعُف الأسعار تقريبًا بحلول عام
1998، فإنَّ الحركة الصعودية كانت بطيئةً
للغاية. لاحظ عدم وجود مُتابعة صعودية بعد كسر المُقاوَمة الطفيف في عام
1997. وفي عام
1999، شهد الكاكاو انخفاضًا شديدًا انتهى بالإغلاق قرب قاع
1992.
حدَث تغير واضح في السلوك في عام 2000. فنرى هنا
تقدمًا هبوطيًّا قليلًا مع عدم وجود استعداد للارتفاع. وقد حُصرت الأسعار في النطاق السنوي
الأضيق منذ عام 1971. (تذكر أنَّ المقياس النصف لوغاريتمي يَرسم أعمدة سعرية أكبر كلما
انخفضَت الأسعار، ومن ثمَّ فإنَّ النظرة السريعة إلى الرسم البياني قد تؤدي إلى الاعتقاد
بأن نطاقات عامَي 1987 و1996 كانت أصغر من نطاق عام 2000؛ ومع ذلك، هذا ليس صحيحًا). وفي
ضوء مناقشتنا للنِّطاقات الضيِّقة، يَستحِق السلوك في عام 2000 اهتمامًا خاصًّا. فقد
استمرَّ السوق ببساطة تحت قاع 1992 وخط الاتجاه الصعودي الطويل المدى. إنَّ كسر خط الاتجاه
ليس له نتيجة جوهرية في حدِّ ذاته؛ بل ما يهمُّ هو كيف يُكسر خط الاتجاه وقدر المتابعة.
وكما ترى، لا يوجد سهولة أمام الحركة الهبوطية. لو ظلَّت اليد العليا للبائعين، فكان
يَنبغي
أن تستمرَّ الأسعار في الانخفاض. وفي العام التالي، عندما انعكسَت الأسعار صعودًا فوق
قمة
2000، أصبح تغيُّر الاتجاه واضحًا. وبعد الارتفاع فوق قمة 2000، كان بإمكان المرء أن يشتري
عقود الكاكاو دون خوف. وخلال العامين التاليَين، ارتفعَت أسعار الكاكاو أكثر من 200
بالمائة. ويُعَد السلوك خلال الفترة 1992–2001 سلوكًا نموذجيًّا للمُستويات المنخفضة على
الرسوم البيانية التي تُرسم خلال أي فترة زمنية.
تقص الحركة السِّعرية حول خطوط الدعم/المقاومة الرئيسية على الرسمَين البيانيَّين
السنويين للكاكاو وزيت فول الصويا القصة الأساسية. ولكن على الرسم البياني الشَّهري للسندات
(شكل
٣-٨) القصة مختلفة. نرى هنا قناةَ اتجاه عكسية (الخطوط
المُتقطِّعة) تصور على نحوٍ مناسبٍ زاوية التقدُّم في العقود الآجلة للسندات. رُسمت القناة
عبر قِمَم
1986–1993 مع خطٍّ مُوازٍ عبر قاع
1987. ورُسم خطٌّ موازٍ ثانٍ عبر قاع
1990،
وأصبح خط دعم في
1994 ويناير
2000. وبما أن الخطَّ المُتوازي السُّفلي قد رُسم أولًا، فهو
لم يَتفاعل أبدًا مع السِّعر. وقد اخترق ارتفاعا
1998 و
2003 الخط العلوي لقناة الاتجاه
العَكسية، مما أدَّى إلى حالة تَشبُّع شرائي مؤقَّتة. وكثيرًا ما يلائم خط الاتجاه العكسي
و/أو قناة الاتجاه العكسية الاتجاهات التي تتَّسم بزاوية تقدم/انخفاض حادة. ولم تكن قناة
الاتجاه العادية التي تُرسم من قيعان
1981 أو
1984 لتتضمَّن أبدًا الحركة السعرية اللاحقة.
بيد أنه بعد ارتفاع الأسعار من قاع
1994، كان مِن المُمكِن رسم قناة اتجاه عادية عبر قاعي
1987–1994 مع رسم خط موازٍ عبر قمة
1993. وهي تَتناسب جيدًا مع قناة الاتجاه العكسي.
وأُفضِّل قناة الاتجاه العكسي؛ لأنَّها توضح زاوية التقدم الأصلية، وقد تعزَّزت رسالتها
من
خلال القناة العادية. وأنذر تقاطع خطوط القنوات الصعودية الثلاثة عند ذروة
2003 الصعودية
بأن سوق السندات قد تَشبَّع شرائيًّا على نحو كبير. ولعبت هذه الخطوط الثلاثة دورًا مهمًّا
على مدار الاتجاه الصعودي.
ووجَدت عملية البيع الهائلة في عام 1987 — التي تزامَنَت مع انهيار سوق الأوراق المالية —
دعمًا فوق قمتي 1982-1983. وتماسَكت الأسعار لاحقًا فوق خط المقاومة المرسوم عبر قمة 1986.
ويُمكن للمرء أن يتخيَّل بسهولة رأس السنوات الثلاثة التي انتهت في 1997. وأُوقف خط
المقاومة العلوي الذي رُسم عبر قمة 1998 (الناجم عن انهيار أحد أكبر صناديق التحوط وهو
«إدارة رءوس الأموال الطويلة الأجل») انتعاش الأسعار في 2001. وشهدَت الحركة المُتأرجِحة
على مدار الشهور التسعة بين أغسطس 2002 وأبريل 2003 بداية نطاق تداوُل مدَّته خمس سنوات.
وفي ديسمبر 2008، ومع دخول سوق الأوراق المالية في حالةٍ من فقدان السيطرة، ارتفعَت السندات
إلى 143، وهو سعر لم يَسبِق له مثيل حتى عام 2012. وتُداولت السندات بعد ذلك في نطاق
مُتقلِّب يبلغ 26 نقطة إلى أن وصَل كسْر المقاومة في سبتمبر 2011 إلى 147. لمسَت هذه القمة
نفس خطوط الاتجاه العَكسية كما في ذروة 2003 الصعودية.
في دورة ويكوف اليوم، يُشبَّه خط الدعم في أسفل نطاق التداول بالجليد الذي يُغطِّي
البركة
المتجمِّدة، ويُسمَّى «خط الجليد». لم يَستخدِم ويكوف هذا المصطلح أبدًا، ولكن هذا
المُصطَلح يقدم استعارة مهمة. فيُبيِّن الاتجاه الهبوطي للفترة
1977–2000 على الرسم البياني
السنَوي لعقود الكاكاو (شكل
٣-٧) أنَّ السِّعر يتفاعل على نحو مُتكرِّر
مع خطوط الدعم أو خطوط الجليد السابقة. ويظهر مثال أصغر بكثير في شكل
٣-٤ الخاص بعقود زيت فول الصويا. كان خط الدعم
G المرسوم بين
القمَّتين بمنزلة خط جليد صغير. وكانت توجد محاولات عديدة للارتفاع من تحت الخط
G، ولكن لم يحدث أي تقدُّم مطَّرد.
أحد أفضل الأمثلة على تفاعل السعر مع خط الجليد حدث
بعد أن وصَل صندوق المؤشِّرات المتداولة كيو كيو كيو (شكل
٣-٩) لأعلى
مستوًى له على الإطلاق. لقد شهد هذا الصندوق انخفاضًا حادًّا وسريعًا بعمليات تداول كبيرة
في يناير
2000 ولكنه تمكَّن بعد ذلك من تحقيق سلسلة من الارتفاعات الجديدة. وبعد الارتفاع
في فبراير، قضى الصندوق عشرة أيام في التأرجح فوق قمة نطاق تداول يناير، ثم تجاوز المستوى
السابق للمقاومة هذا وارتفع إلى قمة القناة الصعودية في
10 مارس (النقطة
1) حيث ضاق النطاق اليومي وأغلق السَّهم بالقرب من قاع
اليوم. وبدا منهكًا وانخفض إلى قاع
16 مارس. في وقتٍ سابق، في
15 مارس (النقطة
2)، انخفَض
السَّهم مع أكبر حجم هبوطي في تاريخه. وفشل حجم التداول في التوسُّع في الارتفاع اللاحق
إلى
قمة
24 مارس (النقطة
3) حيث نرى موقف التشبُّع الشرائي داخل
القناة الصعودية، والإغلاق في منتصف النطاق والتقدم الصُّعودي المُتراجع (بعد قمة
10 مارس).
قام المُشترون بمُحاولة واهنة لرفع الأسعار في اليوم التالي (نطاق ضيق، وحجم منخفض، وإغلاق
ضعيف) وانخفض السهم لثلاث جلسات مُتتالية نحو قاع نطاق التداول الحالي. وفي
3 أبريل (النقطة
4)، تراجُع
الصندوق مع اتساع هامش السعر وزيادة الحجم على طول خط الجليد المرسوم عبر قاع
16 مارس وتحت
قمة يناير. وسجل النطاق والحجم اليوميان رقمًا قياسيًّا جديدًا غير أن المُشترين — الذين
أصبحوا مُستعدِّين للاستفادة من الضعف — سارعوا إلى دفع الأسعار نحو قمة اليوم وفوق خط
الجليد. وعلى الرغم من التعافي خلال اليوم، فإن الكسر البالغ
32 نقطة من قمة
24 مارس أشار
إلى تغيير هبوطي صريح في السلوك. وتلا ذلك ارتفاع ذو حجم قليل استعاد أقل من
50 بالمائة من
الانخفاض السابق. وأنهى الانعكاس الهبوطي في
10 أبريل (النقطة
5) الارتفاع
فوق خط الجليد، وانخفضت الأسعار
29 نقطة في خمسة أيام. لاحظ كيف استقرت الأسعار في أبريل
حول خط الدعم المرسوم عبر قاع يناير. ومع ذلك، بحلول ذلك الوقت، فُقد
35 بالمائة من قيمة
السهم في
16 يومًا. وبشَّرت سرعة وحجم الانهيار ببداية تغير كبير في الاتجاه. وعلى الرغم من
اكتمال الذروة، فقد استمر التفاعل مع خط الجليد لمدة ستة أشهر أخرى.
تَروي الخطوط المبيَّنة في شكل
٣-٩ قصة أكبر عندما تمتدُّ عبر الرسم البياني الأسبوعي لصندوق كيو كيو
كيو (شكل
٣-١٠). نرى هنا أن الأسهم ناضلَت على مدار ستة أسابيع خلال
شهرَي أبريل ومايو للارتفاع فوق خط دعم يناير، وتغلَّب البائعون على المشترين مؤقتًا
ودفعوا
الأسهم للانخفاض تحت هذا الدعم، ولكن عدم المتابعة أدَّى إلى انعكاس كبير، فحَدث اختبار
لخط
الجليد الأصلي، وبعد تراجُع ثانٍ، في أواخر يوليو، حقق السهم ارتفاعًا آخر فوق خط الجليد،
وبقي إغلاق الأسبوع المنتهي في
1 سبتمبر
2000 فوق الجليد. ومع ذلك، فإن عدم المتابعة إضافة
إلى الانعكاس الهبوطي في الأسبوع التالي أكدا هيمَنَة البائعين. وعادت الأسعار إلى أسفل
نطاق التداول (المنطقة المحاطة بدائرة) حيث دخل المُشترون والبائعون في صراع شديد يمتد
خمسة
أسابيع. وكان يمثل هذا الأمل الأخير للمشترين. وجاءت عمليات الشراء من مراكز التصفية
القصيرة التي حدثت حول قاعي أبريل-مايو، وجني الأرباح من قِبَل التجار الذين باعوا على
المكشوف في أوائل سبتمبر، واختيار القيعان من جانب المراكز الطويلة. واستوعب البائعون
عمليات الشراء، وانتهت عملية الصعود، وبدأ الاتجاه الهبوطي بجدية. وبينما سُمي قاع مارس
خط
جليد، يُمكن تطبيق الاستعارةِ نفسِها على الخط المرسوم عبر قاع يناير. في الواقع، يُمكن
النظر لخطوط الدعم المرسومة عبر قاع أي نطاق تداول — على رسمٍ بياني سنوي أو لكل ساعة
—
بهذه الطريقة. فعلى المدى الطويل، يَنبغي أن نتوقع أن يلعب خطُّ جليد يناير
2000 دورًا
مهمًّا في جميع مؤشِّرات ناسداك. في واقع الأمر، توقف ارتفاع الأسعار من قاع
2009 عند هذا
الخط في
2012.
وعلى مدار هذا الكتاب، سوف نشهد العديد من
الأمثلة على تفاعُل السعر مع أنواع مختلفة من الخطوط والقنوات. ولكن ثمة حاجة إلى وصف
تفاعل
آخر؛ فالرجل الذي درَّس لي دورة ويكوف شدَّد على أهمية الرءوس. وهو لم يَنظر إلى الرءوس
على
أنها ما يسمى ﺑ «الأنماط الاستمرارية»؛ بل إنه في الواقع لم يشغل نفسه بمعرفة الأنماط
على
الإطلاق. بدلًا من ذلك، كان يبحث عن حالات ضيق النطاق السِّعري وخاصة عند نقطة تقاطُع
خطِّي
اتجاه أو بالقرب منها. إنَّ الرأس في حدِّ ذاتها تكون قيمتها التنبؤية قليلة أو معدومة.
وهي
تُشير ببساطة إلى أن مدى تقلُّبات الأسعار ضاق ووصل إلى نقطة توازُن بين قوى العرض والطلب.
ولا يُمكن أن يستمر هذا التوازن إلى الأبد؛ بل سينتهي. ويبحث المرء عن دلائل السعر/الحجم
التي تُشير إلى الاتجاه المستقبلي. وفي كثير من الأحيان، تتعارض الأدلة حتى ترجح بعض
الزيادة غير العادية في الحجم أو سلوك انعكاسي أحد الجانبين. وصف ويكوف السلوك الذي يتوقع
خروج اتجاه السوق من الكساد، فكتب:
عندما تُظهر سوق كاسدة عدم قدرتها على الحفاظ على ارتفاع الأسعار، أو عندما لا
تستجيب للأخبار الصعودية، فإنها تكون ضعيفةً من الناحية الفنية
… ومن ناحية أخرى، عندما يوجد ثبات تدريجي
للأسعار، وعندما تُخفق الجهود الجماعية لخفض الأسعار في التخلص من كميات كبيرة من
الأسهم، وعندما لا تتراجَع أسعار الأسهم عند وجود أخبار سلبية، فربما نكون أمام سوق
ستَرتفِع في المستقبل القريب.
2
يُمكِن أن تكون الرءوس على الرسوم البيانية الطويلة المدى (الشهرية أو السنوية) مُحبِطة
على نحوٍ خاص، لكنها تقدم أفضل النتائج. فبين أواخر ستينيات القرن العشرين وعام 1980، بحث
صديقي ومعلمي عن هذه الأنواع من الحالات. وقبل إجراء تغييرات في قانون الضرائب فيما يتعلَّق
بالتداول في العقود الآجلة، حقق مكاسب رأسمالية طويلة المدى بالاحتفاظ بالعقود لمدة ستة
أشهر أو أكثر. ويتطلب هذا الأمر شراء عقود مؤجلة والاحتفاظ بها بمثابرة كبيرة. وفي كثير
من
الأحيان، كان يجب أن تتأرجح المراكز عدة مرات قبل الوصول للحركة السِّعرية المتوقَّعة.
وعلى
غرار ويكوف، استند هذا الصديق في كثير من توقعاته الطويلة المدى على مجموعة من الرسوم
البيانية بالنقطة والرقم.
حدثت واحدة من أكثر الرءوس المُمتدة بروزًا في عقود الفضة الآجلة (شكل
٣-١١) بين عامَي
1974 و
1977. وبسبب الاتجاه الصعودي للسلع، لم يشك الكثير
من المتداولين في أن الفضة ستتحرك في النهاية صعودًا من نطاق تداولها، ولكن لم يكن أحد
يعرف
أية حركة صعودية هي الحركة «الحقيقية». وبمثل هذا الإجماع على التوقُّعات الصعودية، كانت
مهمة السوق إنهاك أكبر عدد ممكن من المراكز الطويلة. وكانت كل حركة صعودية جديدة تجذب
مجموعة جديدة من المُضاربين الذين كانوا يَخرجون من السوق بسرعة عند الحركة الهبوطية
التالية. ومع ذلك ظهرت أدلَّة — على الرسم البياني اليومي في الغالب — على أن المُشترين
كانوا يَتغلَّبون باستمرار على البائعين. وظهر على الرسم البياني الشهري حجم تداول غير
عادي
في نوفمبر-ديسمبر
1976. ولم تَنخفِض الأسعار لأقل من قيعان هذه الفترة حتى سنوات عديدة
لاحقة؛ ففي عام
1977، وجدت الفضة دعمًا في يونيو. وعلى الرغم من أن هذا القاع قد اختُرق في
أغسطس، فإن الأسعار أنهت الشهر في منتصف النطاق. وكان الحجم في أغسطس
1977 هو الحجم الأدنى
على مدار العام، وهذا يعني أن ضغط البيع كان مُنهَكًا. وارتفعت الأسعار قليلًا لمدة شهرَين
وضاق النطاق خلال نوفمبر-ديسمبر حتى وصل إلى نقطة الرأس.
حدَث «كسر» هذه الرأس بأكثر الطرق المُمكنة
مللًا: شهر ضيِّق النطاق تلاه شهر آخر من الحركة الجانبية. يُشبه هذا الشاحنةَ المُحمَّلة
بحمل ثقيل وهي تتحرَّك بتثاقُل بينما تخرج من الجراج. وشهدت الحركة الصعودية في مارس
1978
اتساعًا للهامش السعري، حيث تجاوَزت الأسعار قمة
1975، ولكن لم يَكن هناك ارتفاع رأسي. قارن
سلوك السِّعر في يناير-فبراير
1974 مع ارتفاع الأسعار خلال
1978. يَعكس ارتفاع الأسعار
الرأسي في الشهرَين الأوَّلين من عام
1974 تهافُتَ المُستثمرين على الشراء، وارتفاعًا
حادًّا سريعًا يليه انخفاض حادٌّ سريع بسبب المضاربات، وهو ما أسماه ويكوف ﺑ «التدخلات
التحفيزية». ولم تصاحب ارتفاع الأسعار في
1978 ضجة ولا إثارة. وهذا يُسبب شكوكًا بدلًا من
حماس للشراء. وارتفعت الأسعار ببطء، مختبرةً كل مستوى دعم/مقاومة أكثر من مرة بينما تغلَّب
المشترون تدريجيًّا على البيع المستمر. وكانت كميات الفضة المعروضة عند كل مستوى مقاومة
تُستوعَب على نحو مطرد بينما تنتقل ملكية المعدن من الأيدي الضعيفة إلى الأيدي القوية.
وتُشبه الحركة السِّعرية البطيئة للفضة — في نواحٍ كثيرة — الحركة التي يَراها المرء
على
الرسم البياني العمودي ذي الإطار الزمني المُمتد لدقيقة واحدة أو خمس دقائق. وقد أدرك
قراء
شريط الأسعار منذ فترة طويلة أهمية الارتفاعات البطيئة مقابل الفقاعات البراقة حيث تُحلِّق
الأسعار عاليًا. تذكر مفهوم «الثبات التدريجي للسعر» لويكوف. وفي سياق التعامل مع هذا
السلوك، كتب همفري نيل يقول: «يُشير التقدُّم التدريجي مع
حجم المعاملات الثابت، في مقابل الطفرات السعرية والتغيُّرات الكبيرة في الأسعار، إلى
نوعية
أفضل من الشراء.»
3 وينبغي أن أضيف أن التقدم التدريجي يجذب البائعين على المكشوف الذين يرون
الإيقاع البطيء علامةً على ضعف الطلب، والذين يَسمحون بتحقيق مكاسب إضافية في الأسعار
عندما
يضطرُّون إلى تغطية عمليات البيع. وإجمالًا، لم يبدأ الكسر من رأس الأربع سنوات على الرسم
البياني الشهري للفضة بضجة شديدة تُعلن عن بداية الاتجاه الصعودي الجديد؛ بل بدلًا من
ذلك،
بدأ ببطء شديد وفي نهاية المطاف تحوَّل إلى واحدة من أكبر الأسواق الصعودية في تاريخ
أسواق
العقود الآجلة.
درسنا للتوِّ الرأس الكلاسيكية التي تتكشف على مدى عدة سنوات. وتوجد رءوس أصغر بأعداد
كبيرة. وتُرسم بتثليث بسيط لخطوط الاتجاه لإظهار العلاقة بين الأسعار. وأحيانًا يكون
التثليث ذا مغزًى، وأحيانًا أخرى لا، ولكنه يُساعد على تسليط الضوء على نقطة ضيق النطاق
السِّعري مثل النقطتين على شكل
٣-١٢ لشركة شلامبيرجيه.
تشكَّلت الرأس الأولى (النقطة
1) عبر بضعة أيام خلال سبتمبر
1998 وهي لا
تتطلَّب سياقًا أكبر؛ فهي تَبرز وحدها. وامتدت الرأس
الأكبر (النقطة
2) على مدار أربعة أشهر، ونفهم أهميتها على
نحوٍ أفضل عندما نرى موقعها على الرسم البياني الأسبوعي (شكل
٣-١٣). هل يُبدي سلوك السعر/الحجم
داخل هذه الرأس مزيدًا من الضَّعف أم بداية اتجاه صعودي جديد؟ إنَّ الحجم الإجمالي للأسبوع
المنتهي في
4 ديسمبر
1998 هو الأكبر على الرسم البياني؛ فهو يَصِل إلى الذروة. وعلى الرسم
البياني اليومي، نرى الجهد الضَّخم لدفع الأسعار إلى أسفل نطاق التداول. ومع ذلك لم تُوجد
سوى متابعة قليلة، وسرعان ما عاد السَّهم مرةً أخرى إلى
نطاق التداول. ومُحيت جميع عمليات البيع التي حدثت خلال أسبوع
4 ديسمبر من خلال الانتعاش
الذي أعقَب ذلك. وعلى الرسم البياني الأسبوعي، حدثت ذروة بيع في أوائل ديسمبر.
وفي سياق الرسم البياني اليومي، حيث نراقب
تفاصيل نطاق التداول من قاع سبتمبر 1998، أدَّى الانخفاض ذو الحجم الكبير في ديسمبر إلى
انعكاس صعودي. ونتج عن ذلك ارتفاع إلى قمة نطاق التداول. وكان الحجم الأكثر انخفاضًا
عند
التراجع إلى قاع يناير اختبارًا ثانيًا للقاع. ومع ارتفاع الأسعار عن قاع يناير، كان
من
الممكن أن يدرك المرء أن النطاق السِّعري كان يضيق ليُشكِّل رأسًا. وكان من المُمكن رسم
الخطوط عبر قمَّتَي نوفمبر–يناير وقاعَي ديسمبر-يناير لتحديد الحركة السعرية. ويعكس
الارتفاع السريع في أوائل يناير ومرةً أخرى في أوائل فبراير حماسة المشترين. ثم عاد السهم
إلى خط الاتجاه الصعودي وتوقَّف فوق قاع يناير.
في الأيام الثمانية الأخيرة المُبينة في شكل
٣-١٤، تضيق الأسعار إلى نطاق
2.25 نقطة، وهذا يَشي بأن شيئًا على
وشك أن يحدث قريبًا. فربما يبدأ السَّهم في الارتفاع فوق الرأس ثم الانعكاس الهبوطي،
أو
يَنكسِر بنحوٍ هبوطي ثم يَنعكِس صعودًا. وإذا اشترَينا أثناء الكسر أو بِعنا خلال كسر
الدعم، فستزداد المخاطرة ونجعل أنفسنا عرضة للتقلبات السِّعرية العنيفة. وتروي ذروة البيع
في أوائل ديسمبر، والانعكاس من قاع ديسمبر، وقدرة السهم على تقديم دعم أعلى جميعًا قصة
صعودية. والآن دعنا نقرأ الرسالة التي تُقدِّمها لنا الأعمدة السِّعرية الثمانية
الأخيرة.
في الأيام من 1 إلى 4،
تُغلق الأسعار مُنخفضة وبالقرب من قيعانها. ويزيد الحجم في اليومين
3 و4. لاحظ أن عمليات
الإغلاق في الأيام من 3 إلى
5 تتجمَّع ضمن نطاق 44
سنتًا، مما يدلُّ على أرباح قليلة رغم جهود البيع
الكبيرة. ويُؤدِّي الارتفاع في اليوم 5 إلى محوِ معظم خسائر
الأيام الأربعة السابقة، وتُشير الزيادة الكبيرة في الحجم إلى وجود الطلب. وعلى مدى الأيام
الثلاثة التالية، تضيق الأسعار ضمن نطاق اليوم 5، ويتضاءل
الحَجم. وتتراوح عمليات الإغلاق في الأيام من 5 إلى
7 في نطاق 31 سنتًا، حيث يصل السهم إلى نقطة ثبات.
ويقول الرسم البياني إنَّ عليك أن تتَّخذ مركزًا طويلًا في اليوم
8 عبر نقطة تَوَقف وقائية تحت قاع اليوم
4. افتتح سهم شلامبيرجيه عند 25 في يوم 3 مارس، وبدأ
الارتفاع إلى 44. ولا يكون سلوك السِّعر/الحجم عند نقطة الرأس مثاليًّا للغاية دائمًا. ففي
كثير من الأحيان، يتعيَّن على المرء أن يتعامل مع وضع أكثر غموضًا. وفي تلك الحالات،
السلوك
الذي يَسبِق نقطة الرأس عادةً ما يُحدد النتيجة.
كما سبَق ذكره، يُمثل ضيق النطاق السِّعري السمة المُميزة للرأس. وعندما يحدث على
الرسوم
البيانية السنوية، يُمكن أن يكون التأثير كبيرًا للغاية. وحدث أحد أبرز الأمثلة على ذلك
في
الرسم البياني السنوي لعقود السكر (شكل
٣-١٥)، حيث تأرجَحَت أسعار
العقود النقدية لمدة أربع سنوات ضمن نطاق عام
2000. وفي ذلك الوقت، اعتقدت أن أسعار العقود
الآجلة القريبة سوف تَرتفِع إلى
16 سنتًا، وهي القمة التي تحقَّقت في تسعينيات القرن
العشرين. وكما اتضح، ارتفعت أسعار العقود النَّقدية والعقود الآجلة فوق
35 سنتًا بعد بضع
سنوات.
سنَنتقِل الآن إلى رأس غير كاملة على شكل
٣-١٦ الخاص بالرسم البياني
الأسبوعي لشركة هوم ديبوت. وكما هو مبيَّن، عندما أدرس رسمًا بيانيًّا لأول مرة، أقوم
بتقسيمه من خلال رسم الخطوط المناسبة وتحديد السِّمات التي تبرز أكثر من غيرها. وهنا
نرى أن
الأسعار ارتفعت في أواخر
1999 فوق القناة الصعودية المرسومة من قاع
1998، ونلاحظ ما
يلي:
- (١)
وجود ارتفاع رأسي للأسعار خلال الأسبوعَين الأولين من ديسمبر 1999 حيث يُمثل
الحجم في الأسبوع الثاني أكبر حجم منذ قاع 1998.
- (٢)
أنَّ عملية البيع الجماعية في الأسبوع الأول من يناير 2000 تمثل أكبر انخفاض
أسبوعي على مدار سنوات، ويُرافقها أكبر حجم هبوطي منذ قاع 1998.
- (٣)
السهولة الكبيرة للحركة الصعودية عند ارتفاع منتصف مارس؛ حيث يُحذِّر موقع
عمليات الإغلاق في المنطقة المحاطة بدائرة من وجود مشكلة وشيكة.
- (٤)
وجود كسر صعودي وهمي وانعكاس هبوطي كبير خلال الأسبوع الثاني من
أبريل.
- (٥)
تَشكُّل خط الدعم في مايو فوق خط المقاومة في أبريل–يوليو 1999.
- (٦)
أنَّ الكسر الصعودي الوهمي القليل في قمة يوليو 2000 يَتبع انعكاسًا هبوطيًّا
على أكبر حجم يوميٍّ خلال الأسبوع الثاني من أغسطس.
تحكي هذه العناصر معًا قصة هبوطية. وعلى مدى الأسابيع القليلة التالية، ضاق النِّطاق
السِّعري لتكوين رأس بين خطِّ الاتجاه الهبوطي من القمة وخط الاتجاه الصعودي من قاع مايو
2000.
تتَّضح تفاصيل الرأس على الرسم البياني اليومي لشركة هوم ديبوت (شكل
٣-١٧). ونرى هنا نطاقَ تداولٍ ضيقًا يمتد
16 يومًا. وقد تشكَّل ضمن
النِّطاق الواسع (النقطة
6) على الرسم البياني
الأسبوعي. وفي اليوم
9، انخفضَت الأسعار تحت قاع النِّطاق،
ولكن لم تَحدُث عمليات متابعة بالبيع. وخضَع هذا القاع للاختبار في اليوم
13، حيث أغلق السهم على انخفاض. ومرةً أخرى، فشل
البائعون في الاستفادة من الحركة السِّعرية الهبوطية. وارتفع السهم في اليوم
15 فوق نطاق التداول لكنه انخفض قليلًا عند الإغلاق.
ولم يَتواجد مزيد من القوة الشرائية حيث انخفض السهم في اليوم الأخير وأُغلِق تحت قاع
عمود
15. أما الحجم الهبوطي في اليوم الأخير، فكان الأكبر
منذ قاع أغسطس. لدينا الآن تسلسُل للسلوك يُمكن أن نعمل وفقًا له. ولا أحد يَعرف على
وجه
اليقين ما إذا كان نطاق التداول سيستمر وتُعَاود الأسعار الارتفاع لتشكيل رأس أم لا.
لكن
الكسر الصعودي الوهمي الطفيف في سياق المخطَّط الأسبوعي الهبوطي الضيق يَزيد من احتمال
حدوث
كسر للدعم. تُوضع عمليات التداول قصيرة المدى عند الإغلاق أو افتتاح اليوم التالي وتُوضَع
نقاط التوقُّف فوق قمة اليوم
15. وفي اليوم التالي، انخفض
السهم إلى
51.12. وبعد أربعة أيام وصَل إلى
35، حيث أشار الحجم الهائل أنه وصل للذروة. أعرف
أن بعض التحوُّلات والمُنعطَفات داخل نطاق التداول الصغير بدَت صعودية في بعض الأحيان.
ولكن
توقف السوق في المنطقة التي تغلَّب فيها العرض في النهاية على الطلب (النقطة
6) كان الاعتبار الأهم. كان ينبغي أن يُبقي المرء
ثابتًا على فكرة البحث عن فرصة بيع على المَكشوف بدلًا من اتخاذ مركز طويل سريع.
في دراسة شلامبيرجيه وهوم ديبوت، أنا أقود القارئ لما يَتجاوز مجرد قصة الخطوط؛ فقد
دمجت
قصة الخطوط مع قراءة الرسم البياني عمودًا تلو عمود والتي تتضمَّن مقارنة النِّطاق
السِّعري، وموقع الإغلاق، والحجم. ثمة ما هو أكثر من ذلك بكثير في الفصول التالية.
هوامش