إسماعيل أبو العرب أعظم صيادي البرية
وتشير أسطورة أرض ميعاد يعرب بن قحطان بن هود الذي أرسله الله إلى أرض بابل نبيًّا وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا [الأعراف: ٦٥]، إلى كيف أن هودًا رأى رؤيا «كأن أتيًّا أتاه فقال له: يا هود، إذا ضربت رائحة المسك إليك، وإلى أحد من ولدك من ناحية من نواحي الأرض، فلتتبع تلك الناحية من رائحة المسك، ذلك النسيم حتى إذا كف عنه نزل، فذلك مستقره.»
يقول وهب بن منبه الحميري: «وإن يعرب بن قحطان بن هود وجد رائحة المسك، فقال له هود: أنت ميمون يا يعرب، أنت أيمن، ولدي مر، فإذا سكن عنك ما تجده، فانزل بأرض اليمن لا تمر، فإنها لك خير وطن.»
خلاصة القول: إنه ما من شعب أو رهط أو قبيلة، لم يحفظ لها تراثها وتاريخها أسطورة أرض ميعاد، تحدد لها أرضها ووطنها عبر بحثها عن الزرع والضرع، ومنها سيرتنا الشعرية هذه «سارة وهاجر» المصاحبة لأرض ميعاد إسماعيل أو الهاجريين.
لكن مشكلة المشاكل هي في ضياع وافتقاد هذا التراث على مر عصور الاضمحلال الطويلة الثقيلة القاسية.
•••
ويقال إن تشكك اليهود في يهودية هاجر، قد تزايد عقب اختيارها زوجة مصرية لابنها إسماعيل، وقد يلقي هذا النص بعض الضوء على دفع إبراهيم لإسماعيل لأن يتخلى عنها ويطلقها حين طلب منه هذا عن طريقها: «قوليلو غير العتبة يا صاحب العطايا.»
كما تنسب المصادر اليهودية — خارج التوراة — هذه الحكاية التي تؤكد خروج هاجر على ما تدين به قبيلة إبراهيم ووثنيتها، أو ارتدادها إلى الوثنية.
وكما هو معروف، فإن عادات الختان وأخذ الوش ما هي في مداها البعيد إلا مترادفات شعيرة التضحية ﺑ «الأول» أو «البدء» أو «فاتح الرحم» أو «البكري» أو «أولي الثمار» أو «أول قطفة» … إلخ.
وكل هذا في النهاية يرجح كفة أن الضحية كانت إسماعيل.
ويصف هذا النص الشفهي نزول الوحي أو الملاك جبريل على إبراهيم الخليل مرتين؛ الأولى حين أعلنت الجوقة هبوطه من السماء؛ ليبلغ إبراهيم بطرد ابنه إسماعيل الطفل وأمه، تنفيذًا لإرادة سارة:
ليبلغ إبراهيم قضاء الله، وليؤكد بشكل ضمني مشيئة سارة:
وفي المرة الثانية، ليبلغه أمر الله، واستجابته لدعاء «البطرق» القادم ابنه إسماعيل «خسارة يا شيخ وأعزه ع الرحيل.»
•••
فرسالة الملك جبريل لإبراهيم: «خذ سارة»، ثم لكي «يطمن خوفك»، وجبريل هنا إنما يعبر عن تلك القوى العليا التي جاء بها هذا النص، وهي «رب البرية» و«الجليلي»، بما يعني رغبة تلك القوى العليا — في هذا النص — في إذابة قبيلة سارة في قبيلة إسماعيل أو الهاجريين، وذلك بعد تضخم قبائلها وتفجر الماء من الأرض لها، حين ضربها إسماعيل بكعبه، فنبعت بئر زمزم «وصارت في كل وادي»، ويقابله في بعض المصادر والمدونة، مثل «اليعقوبي» الذي يقول: إن «هاجر بعد أن صعدت الصفا، رأت بقربه طائرًا أسود يفحص الأرض برجله»، وبعدها تفجرت بئر زمزم.
وهذا الطائر الأسود رمز ورسول شائع جدًّا في الفولكلور العربي، والسامي بعامة.
أما وصول «جمع المسافرين» وتساؤلهم عن كيفية مجيء الماء هذا المكان الجدب:
ثم كيف أخبرتهم «بنت»، حين سألوا عن صاحب البيت، فقالت لهم: «صاحب البيت طفل صغير، اسمو إسماعيل، وأبوه الخليل، نَبَعِتْلُو زمزم بإذن الجليلي.»
وفي أخبار الكلدانيين ومؤرخهم الحبر البيروزي أن قوم عاد استولوا على العراق، وتملكت طسم وجديس اليمامة.
أما العماليق، الذين تعاصروا مع إسماعيل، فيقال إنهم تفرقوا أممًا في البلاد، فمنهم الفلسطينيون، وأشهرهم الملك الكائن الخرافي «عوج بن عناق»، كما يقال إن منهم فراعنة مصر، وجبابرة الشام الكنعانيين، كما أن منهم بني الأرقم في الحجاز ونجد، كما يذكر أن بقايا العمالقة لهم ملك في دولة الروم.
•••
فلما مات يعرب بن قحطان، ولي أخوه جرهم الحجاز، إلا أنَّ جرهم طغت حين صار لها الملك، فأكلوا مال الكعبة — كما يتواتر — وكان عمرو بن لحي الجرهمي، وهو ملك كاهن مداح جعله العرب إلهًا، يأتي لهم بآلهة، ويطعم الناس في المواسم، وزعم لهم أن اللات لم يمت، لكنه داخل الصخرة، وروي أنه خرج إلى الشام في بعض أموره، فلما قدم مؤاب من أرض البلقاء وجد أهلها يعبدون الأصنام وأخذ منهم هبل، وحكمه دام ٣٠٠ سنة.
«وهكذا كبر إسماعيل وأصبح أمَّة.»
ويحفظ سفر الخروج أنه أول من «ختن في غرلته».
وبما أن إسماعيل هو الابن البكري، كما هو مقطوع به في كل المصادر؛ لذا فمن المرجح أن يكون هو الضحية، لا إسحاق كما ترى المصادر اليهودية.
وحتى لا تغرقنا هذه المناظرة عن أيهما الضحية إسحاق أم إسماعيل، وهو ما لا يتصل بموضوعنا الخاص بمحاولة إبداء بعض الملاحظات الإثنوجرافية على هذا النص الشفهي المدائحي «سارة وهاجر»، نعود إلى موضوع استبدال الضحية البشرية، بالفداء الذي هو «الكبش» في هذا النص، فهو — بلا شك — العمود الفقري ليس فقط بالنسبة لهذا النص، بل في كل المصادر التي جاءت بقصة إبراهيم الخليل، وإقدامه على ذبح ابنه ترضية للرب، ثم نزول الفداء، ممثلًا في الكبش أو الخروف، ذلك الحدث الهائل، أو هو ذلك التحول الحضاري الذي — وللمزيد من حفظ وتكريم هذا الحدث — عُرف منذ يوم حدوثه الأول بالعيد الكبير أو عيد الضحية أو عيد اللحم، أو العيد الكبير المتوافق مع الدورة التقويمية العربية أو الهجرية القمرية مع شعائر الحج والطواف حول الكعبة، التي شادها للمرة الأولى كلا المضحي والضحية، وحيث يوجد «حجر» إسماعيل الأسود المقدس، الذي ما يزال إلى أيامنا، يُلحس بعشرات ملايين الألسن والأمم.