حيلة في مصرف مالي كبير
ولقد رأى حافظ نفسه في حاجة قصوى إلى مال يمكنه من الاختفاء عن عيون رجال البوليس السري والملكي، فعمد إلى إحدى القهوات، وهناك أخذ يفكر في إيجاد ذريعة تمكنه من نيل ما يرمي إليه، فسُدَّت الأبواب في وجهه؛ لأنه كان على خوف دائم من أن يقف رجال البوليس على أثره فيعيدوه إلى السجن سريعًا.
ولا ريب أن من كان في حالة حافظ يعجز مهما أوتي من الدهاء عن الاحتيال على عباد الله وهو طريد البوليس، وقد شهَّرت به الجرائد تشهيرًا لفت نحوه أنظار الناس أجمعين.
ولكن حافظًا أبى إلا أن يفوز بأمنيته، فصحت عزيمته بعد إمعان الفكر على إتيان حيلة غريبة يراها الإنسان سهلة ولكن الصعب في تصورها والإقدام عليها.
كان في جيب حافظ في تلك الساعة عشرة جنيهات، فأسرع إلى أحد المصارف الكبرى ووضعها فيه أمانة، ثم جاء في اليوم التالي وطلب سحب خمسة منها، فأعطي نمرة منقوشة على قطعة من نحاس للقبض بموجبها؛ إذ كانت العادة الجارية في ذلك البنك أن يعطى طالب المال أو من معه تحويل عليه تلك القطعة النحاسية وعليها نمرة توضع على التحويل المرسل إلى الصراف، حتى إذا ما جاء دوره نودي على نمرته لا على اسمه، فيقدمها ويقبض بموجبها المال.
فلما أخذ حافظ تلك القطعة النحاسية وعليها النمرة جلس حول طاولة كبرى هناك يجلس بقربها المنتظرون، حتى إذا سمع أحدهم نمرته خف إلى الخزنة ليقبض المبلغ المطلوب.
وقد كان على مقربة من حافظ بربري من البرابرة الذين تستخدمهم المحال التجارية والمصارف المالية في إرسال النقود إلى البنوك وسحبها منها، فأخذ يحادثه بشأن الأعمال وغرابة القِطَع النحاسية، حتى تمكن بدهائه من استبدال قطعته بالقطعة التي بيد البربري ونمرتها قبل نمرته بثلاث نمر أو أربع.
وقد كان حافظ مراقبًا هذا البربري منذ دخوله، فعرف أن التحويل الذي جاء به هو بمبلغ مائتي جنيه، فلما نودي على نمرة البربري أسرع إلى الخزانة وقبض المبلغ المشار إليه.
وقد رأى حبًّا منه في اتخاذ كل تحوُّط يحول دون ظهور حيلته أن يرسل ذلك البربري إلى محل ماتوسيان لشراء سجاير له من هناك، فأجابه البربري تأدبًا إلى ما طلب، فلما عاد كان حافظ خارجًا من البنك فأخذ منه السكاير وشكر له حسن صنيعه.
أما البربري فدخل إلى البنك وطالب الصراف بقيمة التحويل الذي جاء به، فقال له إن المبلغ المستحق لك هو خمسة جنيهات فقط، فصاح غيظًا مخطِّئًا الصراف، وأخيرًا جاء مدير البنك ووقف على الأمر بنفسه، ولكنه حتى الساعة لم يقف على حافظ نجيب، ولم يعلم أنه هو الذي تناول مبلغ المائتي جنيه غنيمة باردة.
ومما يذكر في هذا الباب أن ذلك البنك عدل عن هذه الطريقة على أثر حادثة حافظ مع البربري؛ لأنه رأى في وجودها خطرًا ظاهرًا، فكان صنيع حافظ إحسانًا إلى ذلك البنك وإنقاذًا له من غوائل الطريقة المشار إليها.