ورقة النبات
من أقدم المفاعلات النووية التي عرفتها البشرية على وجه الأرض. أحصل على الماء من التربة عن طريق الجذور، فأشطره إلى هيدروجين أستخدمه في تفاعلاتي الصناعية، وأكسجين أُطلقه في الهواء، وأحصل على ثاني أكسيد الكربون من الجو المحيط بي عن طريق المسامات والثغور المنتشرة على سطحي، فأشطره إلى كربون أستخدمه في مصانعي، وأكسجين أُطلقه في الهواء، وأحصل على الطاقة من ضوء الشمس، فأحوِّلها إلى طاقة كيميائية مختزَنة تساعدني على القيام بعملية البناء الضوئي لإنتاج سكر الجلوكوز الذي يتحوَّل إلى نشاء، ثم إلى مواد دهنية وبروتينية في وجود بعض المواد والأملاح المعدنية التي أحصل عليها من التربة.
وعلى الرغم من نحافة جسمي وصغر حجمي فأنا أصغر وأدق مجمع لمصانع الطاقة في العالم، مجمع صناعي عظيم يضم عشرات الوحدات الصناعية التي يجري داخلها العديد من العمليات الكيميائية لإنتاج وتخزين الطاقة، ولإنتاج الغذاء اللازم لحياة النبات والإنسان والحيوان، وفلتر هائل من أعظم الفلاتر المنتشرة على وجه الأرض. أعمل على تلطيف وتصفية الهواء الذي تستنشقونه فأخلِّصه من غاز ثاني أكسيد الكربون الزائد، وأُضيف إليه غاز الأكسجين، عاملًا بذلك على المحافظة على ثبات نسبة هذين الغازين فيه والمحافظة بالتالي على حياتكم وحياة الكائنات الحية التي تشارككم بيئتكم الجميلة.
لوني الأخضر دليلُ صحتي وحيويتي، وهو يعود إلى مادة الكلوروفيل الموجودة في مصانعي الصغيرة التي تسمَّى البلاستيدات الخضراء أو صانعات اليخضور. في هذه المصانع يتم الاستفادة من الطاقة الضوئية وتحويلها إلى طاقة كيميائية ينتج عنها الغذاء العضوي والمواد السكرية والدهون والبروتينات والفيتامينات، ويتم توزيعها لتغذية أمي النبتة أو الشجرة التي تحملني لتتمكَّن من تكوين الأزهار والبذور والحبوب والثمار المختلفة التي ستتغذَّون عليها أنتم وحيواناتكم وكثير من الأحياء الأخرى كالطيور والحشرات والزواحف وحيوانات الغابة.
تقوم أمي النبتة بتخزين الغذاء الذي قمت بتصنيعه في ثمارها وجذورها وبذورها وسيقانها، وحتى في داخلي أنا الورقة مصدر الخُضرة والجمال والصحة والغذاء.
إذا تعرَّضت أمي الشجرة أو النبتة إلى نقص في أحد العناصر الغذائية التي تحتاجها من التربة، فسرعان ما أتأثَّر أنا وأخواتي الأوراق ويشحب لوننا أو يصفَر أو يتغيَّر نتيجة تباطؤ عملية التمثيل الضوئي، وتضعف بالتالي عمليات تصنيعنا للغذاء والطاقة التي تحتاجها الخلايا في بقية أجزاء النبات، وبالتالي يتوقَّف نموها وتتقزَّم ويقل إنتاجها، ويبدو ذلك من خلال التغيرات والتأثيرات التي تطرأ على ألواننا دالةً على العنصر الذي تفتقر إليه التربة.
فنقص عنصر الآزوت أو النيتروجين في التربة يؤدِّي إلى نقصه في أنسجتنا عن حد معيَّن؛ فيصغر حجمنا، ويتحوَّل لوننا إلى أصفر شاحب، ويضعف نمو أُمنا الشجرة، ونقص عنصر الفوسفور الذي يساعدنا في التنفُّس وتحويل النشاء إلى سكر، ويساعد على نُضج الثمار، يؤدِّي نقصه إلى انخفاضٍ في تكوين البراعم الثمرية وتساقط الأوراق الكبيرة. أما عنصر البوتاسيوم الهام في عملية التمثيل الضوئي وانتقال السكريات في أنسجة النبات، فيؤدِّي نقصه إلى اصفرارنا عند حوافنا باتجاه الداخل والْتفافنا.
وكثيرة هي العناصر الغذائية التي نحتاجها للقيام بمهامنا على أكمل وجه، والتي يؤدِّي نقصها إلى ظهور علامات علينا سواء بتغيُّر شكلنا أو لوننا، وهي تنقسم إلى عناصر كبرى، وهي عناصر نحتاجها بكميات كبيرة، وتشمل كلًّا من: «النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم والمغنيسيوم والكبريت والكالسيوم، إضافةً إلى الأكسجين والكربون اللذين نحصل عليهما من الهواء، وعنصر الهيدروجين الذي نحصل عليه من الماء».
وعناصر صغرى وهي تلك العناصر التي نحتاجها بكميات قليلة، وتشمل كلًّا من: «البورون والحديد والنحاس والزنك والمنغنيز والمولبيدنيوم والكلور والنيكل والكوبالت».
وكم عانيت أنا وأخواتي من عبث بعض الأطفال الذين لا يُلقون لنا بالًا ولا اهتمامًا عندما يمرُّون بجانب أمي الشجرة الجميلة أو تحتها، فيروحون يكسرون أغصانها، أو يجرِّدونها منَّا نحن الأوراق ويُلقون بنا على الأرض تحت أقدامهم، فيحرمون أُمَّنا المسكينة من غذاء كنا نصنعه لها، ويحرمونها من جمال ولون كنا نضفيه عليها، ويحرمون بيئتهم من فلتر طبيعي يعمل على تصفية هوائها وتخليصه من التلوث، ويحرمون أنفسهم من استنشاق هواء نظيف مليء بالأكسجين وظل يقيهم حر الشمس.
والآن أصدقائي الأطفال بعد أن عرفتم أهميتي العظيمة ودوري الكبير في استدامة الغطاء النباتي الأخضر وجمال الطبيعة حولكم، ونقاء بيئتكم، ونظافة هوائكم، وسلامة صحتكم، ووفرة وسلامة غذائكم، لا أظنكم تُفرِّطون بنا، بل سيزداد اهتمامكم وعنايتكم بنا وحفاظكم علينا أنا وأخواتي، وستغرسون المزيد من أمهاتنا الأشجار والنباتات المفيدة لكم ولحيواناتكم وحشراتكم النافعة، وستحافظون عليها وعلى غيرها من النباتات الأخرى لتبقى تُفيض عليكم جمالًا يسرُّ عيونكم، وخُضرةً تُبهج نفوسكم، وغذاءً يحفظ صحتكم، وواحةً غنَّاء تستريحون في ظلها أنتم وأسرتكم.
وختامًا أصدقائي الأطفال أُذكِّركم بأهميتي في توفير بيئة نظيفة لكم يسودها الجمال والعافية، أنا الورقة الخضراء، مصنع غذاء النبات، وفلتر بيئتكم، يختلف شكلي وحجمي وحوافي وتفرُّعاتي من نوع لآخر، وحتى ضمن النوع نفسه أحيانًا؛ فقد أكون قرصيةً مدوَّرة، أو رمحيةً متطاولة، أو تامة الحواف، أو مسننةً أو مشرشرة، أو مفصصة، مُفردةً بسيطة أو ريشية أو مركبة. كما تختلف طريقة اتصالي بالساق؛ فقد أكون معنَّقةً أرتبط بالساق بواسطة عُنق، أو أكون لاطئةً أتصل به دون عنق، وقد أكون محيطية أُحيط بالساق من كل الجوانب. وأتخذ أيضًا تراتيب مختلفةً على الساق كأنَّ أتخذ ترتيبًا متبادلًا أو متقابلًا أو محيطيًّا أو على شكل وريدة، ومهما اختلف شكلي وحجمي وطريقة توضُّعي على أمي النبات؛ فإني أقوم بوظيفتي كاملةً في عملية التمثيل الضوئي وما يرافقها من اصطناع الغذاء لنا ولكم ولأنعامكم، ومن تصفية الهواء والحفاظ على بيئتكم خضرةً نضرة تُبهج النفس وتسرُّ الناظرين.