ملحق قصة يوسف عليه السلام في الكتب السماوية الثلاثة
(١) العهد القديم (التوراة): سِفرُ التكوين
الإصحاح السابع والثلاثون
وسكن يعقوب في أرض غربة أبيه في أرض كنعان، هذه مواليد يعقوب: يوسف إذ كان ابن سبع عشرة سنة كان يرعى مع إخوته الغنم، وهو غلام عند بني بلهة وبني زلفة امرأتي أبيه. وأتى يوسف بنميمتهم الرديئة إلى أبيهم. وأمَّا إسرائيل فأَحَبَّ يوسف أكثر من سائر بنيه؛ لأنه ابنُ شيخوخته، فصَنَعَ له قميصًا مُلوَّنًا، فلما رأى إخوتُه أن أباهم أحبَّه أكثر من جميع إخوته أبغضوه، ولم يستطيعوا أن يكلِّموه بسلام. وحلم يوسف حُلمًا وأخبر إخوته، فازدادوا أيضًا بغضًا له. فقال لهم: «اسمعوا هذا الحلم الذي حلمت، فها نحن حازمون حزمًا في الحقل، وإذا حُزمتي قامت وانتصبت فاحتاطت حُزمكم وسجدت لحزمتي». فقال له إخوته: «ألعلك تملِك علينا مُلكًا، أم تتسلَّط علينا تسلُّطًا؟» وازدادوا أيضًا بُغضًا له من أجل أحلامه ومن أجل كلامه. ثمَّ حلم أيضًا حُلمًا آخر، وقصَّه على إخوته فقال: «إنِّي قد حلُمت حُلمًا أيضًا، وإذا بالشمس والقمر وأحد عشر كوكبًا ساجدةٌ لي». وقصَّه على أبيه وعلى إخوته، فانتهره أبوه وقال له: «ما هذا الحلم الذي حلمت! هل نأتي أنا وأمُّك وإخوتك لنسجد لك إلى الأرض؟» فحسده إخوته، وأمَّا أبوه فحفظ الأمر. ومضى إخوته ليرعوا غنم أبيهم عند شكيم. فقال إسرائيل ليوسف: «أليس إخوتك يرعون عند شكيم؟ تعالَ فأرسلك إليهم». فقال له: «ها أنذا». فقال له: «اذهب انظر سلامة إخوتك وسلامة الغنم، ورُدَّ لي خبرًا». فأرسله من وطاء حبرون، فأتى إلى شكيم، فوجده رجلٌ وإذا هو ضالٌّ في الحقل، فسأله الرجل: «ماذا تطلب؟» فقال: أنا طالب إخوتي، أخبرني أين يرعون. فقال الرجل: «قد ارتحلوا من هنا؛ لأني سمعتهم يقولون: لنذهب إلى دوثان». فذهب يوسف وراء إخوته فوجدهم في دُوثان. فلما أبصروه من بعيد قَبْلَمَا اقترب إليهم احتالوا له ليميتوه. فقال بعضهم لبعض: «هو ذا هذا صاحب الأحلام قادم، فالآن هلم نقتله ونطرحه في إحدى الآبار، ونقول: وحش رديء أكله، فنرى ماذا تكون أحلامه». فسمع رأوبين وأنقذه من أيديهم وقال: «لا نقتله»، وقال لهم رأوبين: «لا تسفكوا دمًا، اطرحوه في هذه البئر التي في البرية، ولا تمُدُّوا إليه يدًا» لكي ينقذه من أيديهم ليردَّه إلى أبيه. فكان لما جاء يوسف إلى إخوته أنهم خلعوا عنه قميصه الملون الذي عليه وأخذوه وطرحوه في البئر. وأمَّا البئر فكانت فارغة ليس فيها ماء. ثمَّ جلسوا ليأكلوا طعامًا، فرفعوا عيونهم ونظروا وإذا قافلة إسماعيليين مُقبلةٌ من جلعان، وجمالهم حاملة كثيراء وبلسانًا ولاذنًا ذاهبين لينزلوا بها إلى مصر. فقال يهوذا لإخوته: «ما الفائدة أن نقتل أخانا ونُخفي دمه؟ تعالوا فنبيعه للإسماعيليين ولا تكن أيدينا عليه لأنه أخونا ولحمنا». فسمع له إخوته، واجتاز رجال مديانيون تُجار فسحبوا يوسف وأصعدوه من البئر، وباعوا يوسف للإسماعيليين بعشرين من الفضة، فأتوا بيوسف إلى مصر، ورجع رأوبين إلى البئر وإذا يوسف ليس في البئر، فمزَّق ثيابه، ثمَّ رجع إلى إخوته وقال: «الولد ليس موجودًا وأنا إلى أين أذهب؟» فأخذوا قميص يوسف وذبحوا تيسًا من المعزى وغمسوا القميص في الدم، وأرسلوا القميص الملون وأحضروه إلى أبيهم وقالوا: «وجدنا هذا، حَقِّقْ أَقَمِيصُ ابنك هو أم لا؟» فتحقَّقَه وقال: قميص ابني، وحش رديء أكله! افترس يوسف افتراسًا! فمزَّق يعقوب ثيابه ووضع مِسحًا على حقويه، وناح على ابنه أيَّامًا كثيرة، فقام جميع بنيه وجميع بناته ليُعزُّوه، فأبى أن يتعزَّى وقال: «إني أنزل إلى ابني نائحًا إلى الهاوية»، وبكى عليه أبوه، وأمَّا المديانيون فباعوه في مصر لفوطيفار خصي فرعون رئيس الشُّرط.
الإصحاح الثامن والثلاثون
وحدث في ذلك الزمان أن يهوذا نزل من عند إخوته، ومال إلى رَجُل عدُّلامي اسمه حيرة، ونظر يهوذا هناك ابنة رجل كنعاني اسمه شوع، فأخذها ودخل عليها فحبلت وولدت ابنًا ودعا اسمه «عيرًا»، ثمَّ حبلت أيضًا وولدت ابنًا ودعت اسمه «أونان»، ثمَّ عادت فولدت أيضًا ابنًا ودعت اسمه «شيلة»، وكان في كزيب حين ولدته. وأخذ يهوذا زوجةً لعيرٍ بكره اسمها ثامار، وكان عير بكر يهوذا شرِّيرًا في عيني الرب، فأماته الرب. فقال يهوذا لأونان: «ادخل على امرأة أخيك وتزوج بها وأقم نسلًا لأخيك»، فعلم أونان أن النسل لا يكون له، فكان إذ دخل على امرأة أخيه أنه أفسد على الأرض لكي لا يُعطى نسلًا لأخيه، فقبح في عيني الرب ما فعله فأماته أيضًا. فقال يهوذا لثامار كنته: «اقعدي أرملة في بيت أبيك حتى يكبر شيلة ابني»؛ لأنه قال: «لعله يموت هو أيضًا كأخويه»، فمضت ثامار وقعدت في بيت أبيها. ولما طال الزمان ماتت ابنة شوع امرأة يهوذا، ثمَّ تعزَّى يهوذا فصعد إلى جُزَّاز غنمه إلى تمنه هو وحيرة صاحبه العدلامي، فأخبرت ثامار: «هُوَ ذَا حموك صاعد إلى تمنة ليجز غنمه»، فخلعت عنها ثياب ترمُّلها وتغطَّت ببرقع وتلفَّقت وجلست في مدخل عينايم التي على طريق تمنة؛ لأنها رأت أن شيلة قد كبر وهي لم تُعْطَ له زوجة. فنظرها يهوذا وحسبها زانية؛ لأنها كانت قد غطَّت وجهها، فمال إليها على الطريق وقال: «هاتي أدخل عليك»؛ لأنه لم يعلم أنها كنَّته، فقالت: «ماذا تعطيني لكي تدخل عليَّ؟» فقال: «إنِّي أرسل جدي معزى من الغنم»، فقالت: «هل تعطيني رهنًا حتى ترسله؟» فقال: «ما الرهن الذي أعطيك؟» فقالت: «خاتمك وعصابتك وعصاك التي في يدك»، فأعطاها ودخل عليها، فحبلت منه، ثمَّ قامت ومَضَتْ وخلعت عنها برقعها ولبست ثياب ترملها، فأرسل يهوذا جدي المعزي بيد صاحبه العدلامي ليأخذ الرهن من يد المرأة فلم يجدها، فسأل أهل مكانها: «أين الزانية التي كانت في عينايم على الطريق؟»
فقالوا: «لم تكن ها هنا زانية»، فرجع إلى يهوذا وقال: «لم أجدها، وأهل المكان أيضًا قالوا: لم تكن ها هنا زانية»، فقال يهوذا: «لتأخذ لنفسها لِذَلَّا نصير إهانة، إنِّي قد أرسلت هذا الجدي وأنت لم تجدها». ولما كان نحو ثلاثة أشهر أُخبر يهوذا وقيل له: «قد زنت ثامار كنَّتُك، وها هي حُبلى أيضًا من الزنا»، فقال يهوذا: «أخرجوها فتُحرق». أما هي فلما أُخرِجت أرسلت إلى حميها قائلةً: «من الرجل الذي هذه له أنا حُبلى!» وقالت: «حقِّقْ لمن الخاتم والعصابة والعصا هذه؟» فتحققها يهوذا وقال: «هي أبرُّ مني؛ لأني لم أُعْطِهَا لشيلة ابني»، فلم يعد يعرفها أيضًا، وفي وقت ولادتها إذَا في بطنها توأمان، وكان في ولادته أن أحدهما أخرج يدًا فأخذت القابلة وربطت على يده قرمزًا قائلةً: «هذه خرج أوَّلًا»، ولكن حين رَدَّ يده إذا أخوه قد خرج، فقالت: «لماذا اقتحمت؟ عليك اقتحامٌ»، فدُعِيَ اسمه «فارص»، وبعد ذلك خرج أخوه الذي على يده القرمز، فدُعي اسمه «زارح».
الإصحاح التاسع والثلاثون
وأمَّا يوسف فأُنزل إلى مصر واشتراه فوطيفار خصي فرعون رئيس الشُّرط، رجلٌ مصري من يد الإسماعيليين الذين أنزلوه إلى هناك، وكان الرب مع يوسف فكان رجلًا ناجحًا، وكان في بيت سيده المصري، ورأى سيده أن الرب معه، وأن كلَّ ما يصنع كان الرب يُنجحه بيده، فوجد يوسف نعمة في عينيه وخدمه، فوكَّله على بيته ودفع إلى يده كُلَّ ما كان له. وكان من حين وكَّلَهُ على بيته وعلى كُل ما كان له أن الرب بارك بيت المصري بسبب يوسف، وكانت بركة الرب على كُلِّ ما كان له في البيت وفي الحقل، فترك كل ما كان له في يد يوسف. ولم يكن معه يعرف شيئًا إلا الخُبز الذي يأكل، وكان يوسف حَسَنَ الصورة وحَسَنَ المنظر. وحدث بعد هذه الأمور أن امرأة سيده رفعت عينيها إلى يوسف وقالت: «اضطجع معي»، فأبى وقال لامرأة سيده: «هو ذا سيدي لا يعرف معي ما في البيت، وكُلُّ ما له قد دفعه إلى يدي، ليس هو في هذا البيت أعظم مني، ولم يُمسك عني شيئًا غيرك لأنك امرأته، فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأُخطئ إلى الله؟» وكان إذا كلَّمت يوسف يومًا فيومًا أنه لم يسمع لها أن يضطجع بجانبها ليكون معها، ثمَّ حدث نحو هذا الوقت أنه دخل البيت ليعمل عمله، ولم يكن إنسان من أهل البيت هناك في البيت، فأمْسَكَتْهُ بثوبه قائلةً: «اضطجع معي»، فترك ثوبه في يدها وهرب وخرج إلى خارج.
وكان لما رأت أنه ترك ثوبه في يدها وهرب إلى خارج أنها نادت أهل بيتها وقالت: انظروا! قد جاء إلينا برجل عبراني ليُداعبنا. دخل إليَّ ليضطجع معي، فصرخت بصوت عظيم، وكان لمَّا سمع أني رفعت صوتي وصرخت أنه ترك ثوبه بجانبي وهرب وخرج إلى خارج. فوضعَتْ ثوبه بجانبها حتى جاء سيده إلى بيته، فكلَّمَتْه بمثل هذا الكلام قائلةً: «دخل إليَّ العبد العبراني الذي جئت به إلينا ليُداعبني، وكان لما رفعْتُ صوتي وصرخت أنه ترك ثوبه بجانبي وهرب إلى خارج». فكان لما سمع سيده كلام امرأته الذي كلَّمته به قائلةً: «بحسب هذا الكلام صنع بي عبدك» أنَّ غَضَبَهُ حَمِيَ، فأخذ يوسف ووضعه في بيت السجن، المكان الذي كان أسرى الملك محبوسين فيه. وكان هناك في بيت السجن، ولكن الرب كان مع يوسف وبسط إليه لُطفًا، وجعل نعمةً له في عيني رئيس بيت السجن، فدفع رئيس بيت السجن إلى يد يوسف جميع الأسرى الذين في بيت السجن. وكل ما كانوا يعملون هناك كان هو العامل. ولم يكن رئيس بيت السجن ينظر شيئًا البتة مما في يده؛ لأن الرب كان معه، ومهما صنع كان الرب يُنجحه.
الإصحاح الأربعون
وحدث بعد هذه الأمور أن ساقي ملك مصر والخبَّاز أَذْنَبَا إلى سيِّدهما ملك مصر، فسخط فرعون على خصِيَّيْه: رئيس السقاة ورئيس الخبَّازين، فوضعهما في حَبْس بيت رئيس الشُّرط في بيت السجن المكان الذي كان يوسف محبوسًا فيه، فأقام رئيس الشرط يوسف عندهما فخدمهما. وكانا أيَّامًا في الحبس، وحلما كلاهما حُلمًا في ليلةٍ واحدةٍ، كل واحد حلمه كُلُّ واحد بحسب تعبير حلمه: ساقي ملك مصر وخبَّازه المحبوسان في بيت السجن.
فدخل يوسف إليهما في الصباح ونظرهما وإذا هما مُغتمَّان، فسأل خصيي فرعون اللذين معه في حبس بيت سيده: «لماذا وجهاكما مُكمدَّان اليوم؟» فقالا له: «حلمنا حُلمًا وليس من يُعبِّره»، فقال لهما يوسف: «أليست لله التعابير؟ قُصَّا عليَّ». فقصَّ رئيس السقاة حلمه على يوسف وقال له: «كنت في حلمي، وإذا كرمة أمامي، وفي الكرمة ثلاثة قُضبان، وهي إذا أفرخت طلع زهرها وأنضجت عناقيدها عنبًا، وكانت كأس فرعون في يدي، فأخذت العنب وعصرته في كأس فرعون، وأعطيت الكأس في يد فرعون»، فقال له يوسف: «هذا تعبيره: الثلاثة القُضبان هي ثلاثة أيام، في ثلاثة أيام أيضًا يرفع فرعون رأسك ويردُّك إلى مقامك، فتُعطي كأس فرعون في يده كالعادة الأولى حين كنت ساقيه، وإنما إذا ذَكَرْتَنِي عندك حينما يصير لك خير تصنع إليَّ إحسانًا وتذكرني لفرعون وتُخرجني من هذا البيت؛ لأني قد سُرِقت من أرض العبرانيين، وهُنا أيضًا لم أفعل شيئًا حتى وضعوني في السجن.» فلما رأى رئيس الخبَّازين أنه عبَّر جيِّدًا قال ليوسف: «كنت أنا أيضًا في حلمي، وإذا ثلاثة سلال بيضاء على رأسي، وفي السل الأعلى من جميع طعام فرعون من صنعة الخباز، والطيور تأكله من السل عن رأسي»، فأجاب يوسف وقال: «هذا تعبيره: الثلاثة السلال هي ثلاثة أيام، في ثلاثة أيام أيضًا يرفع فرعون راسك عنك، ويُعلِّقك على خشبة وتأكل الطيور لحمك عنك.» فحدث في اليوم الثالث يوم ميلاد فرعون أنه صنع وليمة لجميع عبيده، ورفع رأس رئيس السقاة ورأس رئيس الخبازين بين عبيده، وردَّ رئيس السقاة إلى سقيه، فأعطى الكأس في يد فرعون، وأمَّا رئيس الخبَّازين فعلقه كما عبَّر لهما يوسف، ولكن لم يذكر رئيس السقاة يوسف بل نسيه.
الإصحاح الحادي والأربعون
وحدث بعد سنتين من الزمان أن فرعون رأى حلمًا، وإذا هو واقف عند النهر، وهُوَ ذَا سبع بقرات طالعةٍ من النهر حسنة المنظر وسمينة اللحم فارتعت في روضة، ثمَّ هُوَ ذَا سبع بقرات أخرى طالعةٍ وراءها من النهر قبيحة المنظر ورقيقة اللحم، فوقفت بجانب البقرات الأولى على شاطئ النهر، فأكلت البقراتُ القبيحةُ المنظر والرقيقة ُاللحم البقراتِ السبعَ الحسنةَ المنظر والسمينة. واستيقظ فرعون، ثمَّ نام فحلم ثانية، وهُوَ ذَا سبع سنابل طالعةٍ في ساقٍ واحدٍ سمينة وحسنة، ثمَّ هُوَ ذا سبع سنابل رقيقةٍ وملفوحةٍ بالريح الشرقية نابتة وراءها، فابتلعت السنابل الرقيقة السنابل السبع السمينة الممتلئة، واستيقظ فرعون وإذا هو حُلمٌ. وكان في الصباح أن نفسه انزعجت، فأرسل ودعا جميع سحرة مصر وجميع حكمائها، وقَصَّ عليهم فرعون حلمه، فلم يكن من يعبِّره لفرعون. ثمَّ قال رئيس السقاة لفرعون: «أنا أتذكر اليوم خطاياي، فرعون سخط على عبديه فجعلني في حبس بيت رئيس الشرط أنا ورئيس الخبازين، فحلمنا حلمًا في ليلة واحدةً أنا وهو، حلمنا كل واحدٍ بحسب تعبير حلمه. وكان هناك معنا غلام عبراني عبدٌ لرئيس الشرط، فقصصنا عليه فعبَّر لنا حلمينا، عبر لكل واحدٍ بحسب حلمه، وكما عبَّر لنا هكذا حدث. ردَّني أنا إلى مقامي وأمَّا هو فعلَّقه.»
فأرسل فرعون ودعا يوسف، فأسرعوا به من السجن، فحلق وأبدل ثيابه ودخل على فرعون، فقال فرعون ليوسف: «حلمتُ حلمًا وليس من يعبِّره، وأنا سمعت عنك قولًا إنك تسمع أحلامًا لتعبِّرها»، فأجاب يوسف فرعون: «ليس لي، الله يجيب بسلامة فرعون»، فقال فرعون ليوسف: «إنِّي كنت في حلمي واقفًا على شاطئ النهر، وهُوَ ذَا سبع بقرات طالعةٍ من النهر سمينة اللحم وحسنة الصورة، فارتعت في روضة، ثمَّ هُوَ ذَا سبع بقرات أخرى طالعةٍ وراءها مهزولة وقبيحة الصورة جدًّا ورقيقة اللحم، لم أنظر في كل أرض مصر مثلها في القباحة، فأكلَت البقراتُ الرقيقةُ والقبيحةُ البقراتِ السبعَ الأولى السمينة، فدخلَتْ أجوافها. ولم يُعلَم أنها دخلت في أجوافها، فكان منظرها قبيحًا كما في الأوَّل. واستيقظْتُ، ثمَّ رأيت في حلمي وهُوَ ذَا سبع سنابل طالعةٍ في ساقٍ واحدٍ، ممتلئة وحسنة، ثمَّ هُوَ ذَا سبع سنابل يابسة رقيقة ملفوحة بالريح الشرقية نابتة وراءها، فابتلعت السنابل الرقيقة السنابل السبع الحسنة. فقُلْتُ للسحرة ولم يكن من يخبرني»، فقال يوسف لفرعون: «حلم فرعون واحد، قد أخبر الله فرعون بما هو صانع، البقرات السبع الحسنة هي سبع سنين، والسنابل السبع الحسنة هي سبع سنين، هو حلمٌ واحد، والبقرات السبع الرقيقة القبيحة التي طلعت وراءها هي سبع سنين، والسنابل السبع الفارغة الملفوحة بالريح الشرقية تكون سبع سنين جوعًا. هو الأمر الذي كلَّمت به فرعون، قد أظهر الله لفرعون ما هو صانع، هُوَ ذَا سبع سنين قادمة شبعًا عظيمًا في كل أرض مصر، ثمَّ تقوم بعدها سبع سنين جوعًا، فيُنسي كلُّ الشبع في أرض مصر ويُتْلِف الجوعُ الأرضَ، ولا يُعْرَف الشبع في الأرض من أجل ذلك الجوع بعده؛ لأنه يكون شديدًا جدًّا. وأمَّا عن تكرار الحلم على فرعون مرتين؛ فلأن الأمر مقرَّر من قبل الله، والله مسرع ليصنعه، فالآن لينظر فرعون رجلًا بصيرًا وحكيمًا، ويجعله على أرض مصر، يفعل فرعون فيوكِّل نظَّارًا على الأرض ويأخذ خُمس غلَّة أرض مصر في سبع سني الشبع، فيجمعون جميع طعام هذه السنين الجيدة القادمة، ويخزِّنون قمحًا تحت يد فرعون طعامًا في المدن ويحفظونه، فيكون الطعام ذخيرة للأرض لسبع سني الجوع التي تكون في أرض مصر، فلا تنقرض الأرض بالجوع.» فحَسُنَ الكلام في عينَيْ فرعون وفي عيني جميع عبيده، فقال فرعون لعبيده: «هل نجد مِثْلَ هذا رجلًا فيه روح الله؟» ثمَّ قال فرعون ليوسف: «بعد ما أعلمك الله كل هذا ليس بصير وحكيم مثلك. أنت تكون على بيتي وعلى فمك يُقبِّل جميع شعبي، إلا أن الكرسي أكون فيه أعظم منك.» ثمَّ قال فرعون ليوسف: «انظر، قد جَعَلْتُكَ على كل أرض مصر»، وخَلَعَ فرعون خاتمه من يده وجعله في يد يوسف، وألبسه ثياب بوص، وَوَضَعَ طَوْقَ ذهب في عنقه، وأركبه في مركبته الثانية، ونادوا أمامه «اركعوا»، وجعله على كل أرض مصر.
وقال فرعون ليوسف: «أنا فرعون، فبدونك لا يرفع إنسان يده ولا رجله في كلِّ أرض مصر». ودعا فرعون اسم يوسف «صفنات فعنيح»، وأعطاه أسنات بنت فوطي فارع كاهن أون زوجةً، فخرج يوسف على أرض مصر، وكان يوسف ابن ثلاثين سنة لما وقف قُدَّام فرعون ملك مصر. فخرج يوسف من لدن فرعون واجتاز في كل أرض مصر، وأَثْمَرَت الأرضُ في سبع سني الشبع بحُزمٍ، فجَمَعَ كُلَّ طعام السبع سنين التي كانت في أرض مصر وجعل طعامًا في المدن، طعام حقل المدينة الذي حواليها جعله فيها، وخزن يوسف قمحًا كرمل البحر كثيرًا جدًّا، حتى ترك العدد إذ لم يكن له عدد. ووُلِد ليوسف ابنان قبل أن تأتي سنة الجوع، ولدتهما له أسْنات بنت فوطي فارع كاهن أون، ودعا يوسفُ اسْمَ البِكْرِ مَنَسَّى قائلًا: «لأن الله أنساني كل تعبي وكل بيت أبي»، ودعا اسم الثاني أفرايم قائلًا: «لأن الله جعلني مُثمِرًا في أرض مذلَّتي»، ثمَّ كملت سبع سني الشبع الذي كان في أرض مصر وابتدأت سبع سني الجوع، تأتي كما قال يوسف، فكان جوع في جميع البلدان. وأمَّا جميع أرض مصر فكان فيها خبز، ولما جاعت جميع أرض مصر وصَرَخَ الشعب إلى فرعون لأجل الخبز قال فرعون لكل المصريين: «اذهبوا إلى يوسف والذي يقول لكم افعلوا.» وكان الجوع على كُلِّ وجه الأرض. وفتح يوسف جميع ما فيه طعام وباع للمصريين، واشتد الجوع في أرض مصر، وجاءت كل الأرض إلى مصر إلى يوسف لتشتري قمحًا؛ لأن الجوع كان شديدًا في كُلِّ الأرض.
الإصحاح الثاني والأربعون
فلما رأى يعقوب أنه يوجد قمح في مصر، قال يعقوب لبنيه: «لماذا تنظرون بعضكم إلى بعض؟ إنِّي قد سمعت أنه يوجد قمح في مصر، انزلوا إلى هناك واشتروا لنا من هناك لنحيا ولا نموت.» فنزل عشرة من إخوة يوسف ليشتروا قمحًا من مصر. وأمَّا بنيامين أخو يوسف فلم يُرسله يعقوب مع إخوته؛ لأنه قال: «لعله تصيبه أذيَّة». فأتى بنو إسرائيل ليشتروا بين الذين أتوا؛ لأن الجوع كان في أرض كنعان. وكان يوسف هو المسلَّط على الأرض وهو البائع لكل شعب الأرض. فأتى إخوة يوسف وسجدوا له بوجوههم إلى الأرض، ولما نَظَرَ يوسفُ إخوته عَرَفَهم فتنكَّر لهم وتكلَّم معهم بجفاء، وقال لهم: «من أين جئتم؟» فقالوا: «من أرض كنعان لنشتري طعامًا»، وعرف يوسف إخوته، وأمَّا هم فلم يعرفوه، فتذكر يوسف الأحلام التي حلم عنهم وقال لهم: «جواسيس أنتم! لتروا عورة الأرض جئتم!» فقالوا له: «لا يا سيدي، بل عبيدك جاءوا ليشتروا طعامًا، نحن جميعنا بنو رجل واحد، نحن أمناء، ليس عبيدك جواسيس»، فقال لهم: «كلا! بل لتروا عورة الأرض جئتم»، فقالوا: «عبيدك اثنا عشر أخًا، نحن بنو رجل واحد في أرض كنعان، وهُوَ ذَا الصغير عند أبينا اليوم والواحد مفقود»، فقال لهم يوسف: «ذلك ما كلَّمتكم به قائلًا: جواسيس أنتم، بهذا تمتحنون، وحياةِ فرعون لا تخرجون من هنا إلى بمجيء أخيكم الصغير إلى هنا. أَرْسِلُوا منكم واحدًا ليجيء بأخيكم، وأنتم تُحْبَسُون فيُمتحن كلامكم هل عندكم صدق، وإلا فوحياةِ فرعون إنكم لجواسيس!» فجمعهم إلى حبسٍ ثلاثةَ أيام، ثمَّ قال لهم يوسف في اليوم الثالث: «افعلوا هذا وأحيوا، إنِّي خائف الله، إن كنتم أمناء فليُحْبَس أخٌ واحد منكم في بيت حبسكم، وانطلقوا أنتم وخذوا قمحًا لمجاعة بيوتكم، وأحضروا أخاكم الصغير إليَّ فيتحقق كلامكم ولا تموتوا»، ففعلوا هكذا، وقالوا بعضهم لبعض: «حقًّا إننا مذنبون إلى أخينا الذي رأينا ضيقة نفسه لما اسْتَرْحَمَنَا ولم نسمع؛ لذلك جاءت علينا هذه الضيقة»، فأجابهم رأوبين: «ألم أُكلِّمكم قائلًا: لا تأثموا بالولد وأنتم لم تسمعوا؟ فهُوَ ذَا دَمُه يُطْلَب»، وهُم يعلموا أن يوسف فاهمٌ؛ لأن الترجمان كان بينهم، فتحول عنهم وبكى. ثمَّ رجع إليهم وكلَّمهم وأخذ منهم شمعون وقيَّده أمام عيونهم، ثمَّ أمر يوسف أن تُملأ أوعيتهم قمحًا، وتُردَّ فضَّة كل واحد إلى عدله، وأن يُعْطَوْا زادًا للطريق، ففعل لهم هكذا. فحملوا قمحهم على حميرهم ومضوا من هناك، فلما فَتَحَ أحدهم عِدله ليعطي عليقًا لحماره في المنزل رأى فضَّته، وإذا هي في فم عِدله، فقال لإخوته: «رُدَّت فضتي، وها هي في عِدلي»، فطارت قلوبهم وارتعدوا بعضهم في بعضٍ قائلين: «ما هذا الذي صنعه الله بنا؟» فجاءوا إلى يعقوب أبيهم إلى أرض كنعان، وأخبروه بكل ما أصابهم قائلين: «تكلَّم معنا الرجل سيد الأرض بجفاء، وحسبنا جواسيس الأرض، فقلنا له: نحن أمناء لسنا جواسيس، نحن اثنا عشر أخًا بنو أبينا، الواحد مفقود والصغير اليوم عند أبينا في أرض كنعان، فقال لنا الرجل سيد الأرض: بهذا أعرف أنكم أمناء، دعوا أخًا واحدًا منكم عندي وخذوا لمجاعة بيوتكم وانطلقوا، وأحْضِروا أخاكم الصغير إليَّ فأعرف أنكم لستم جواسيس بل أنكم أمناء، فأعطيكم أخاكم وتتَّجرون في الأرض.» وإذ كانوا يفرغون عِدالهم إذا صُرَّة فضة كل واحد في عِدلِه، فلما رأوا صُرر فضتهم هُم وأبوهم خافوا، فقال لهم يعقوب: «أَعْدَمْتُمُوني الأولاد! يوسف مفقود وشمعون مفقود وبنيامين تأخذونه! صار كل هذا عليَّ!» وقال رأوبين لأبيه: «اقتل ابني إن لم أجيء به إليك، سلِّمه بيدي وأنا أردُّه إليك»، فقال: «لا ينزل ابني معكم؛ لأن أخاه قد مات وهو وحده باقٍ، فإن أصابته أذية في الطريق التي تذهبون فيها تُنْزِلُون شيبتي بحزنٍ إلى الهاوية.»
الإصحاح الثالث والأربعون
وكان الجوع شديدًا في الأرض، وحدث لما فرغوا من أكل القمح الذي جاءوا به من مصر أن أباهم قال لهم: «ارجعوا اشتروا لنا قليلًا من الطعام»، فقال له يهوذا: «إن الرجل قد أشهد علينا قائلًا: لا ترون وجهي بدون أن يكون أخوكم معكم، إن كنت ترسل أخانا معنا ننزل ونشتري لك طعامًا، ولكن إن كنت لا ترسله لا ننزل؛ لأن الرجل قال لنا: لا ترون وجهي بدون أن يكون أخوكم معكم»، فقال إسرائيل: «لماذا أسأتم إليَّ حتَّى أخبرتم الرجل أن لكم أخًا أيضًا؟» فقالوا: «إن الرجل قد سأل عنَّا وعن عشيرتنا قائلًا: هل أبوكم حيٌّ بعد؟ هل لكم أخ؟ فأخبرناه بحسب هذا الكلام، هل كنَّا نعلم أنه يقول انزلوا بأخيكم؟» وقال يهوذا لإسرائيل أبيه: «أرسل الغلام معي لنقوم ونذهب ونحيا ولا نموت نحن وأنت وأولادنا جميعًا، أنا أضمنه، من يدي تطلبه، إن لم أجيء به إليك وأوقفه قُدَّامك أَصِر مُذنِبًا إليك كل الأيام؛ لأننا لو لم نَتَوَانَ لكنا قد رجعنا الآن مرتين». فقال لهم إسرائيل أبوهم: إن كان هكذا، فافعلوا هذا: خذوا مِنْ أَفْخَرِ جنى الأرض في أوعيتكم، وأنزلوا للرجل هدية، قليلًا من البلسان وقليلًا من العسل وكثيراء ولاذنًا وفُستقًا ولوزًا، وخذوا فِضَّة أُخرى في أياديكم، والفضة المردودة في أفواه عِدالكم ردُّوها في أياديكم، لعله كان سهوًا، وخذوا أخاكم وقوموا ارجعوا إلى الرجل، والله القدير يعطيكم رحمة أمام الرجل حتى يطلق لكم أخاكم الآخر وبنيامين. وأنا إذا عدمت الأولاد عِدمتهم. فأخذ الرجال هذه الهدية وأخذوا ضِعْفَ الفضة في أياديهم وبنيامين، وقاموا ونزلوا إلى مصر، ووقفوا أمام يوسف، فلما رأى يوسف بنيامين معهم قال للذي على بيته: «أَدْخِلِ الرجالَ إلى البيت واذبح ذبيحة وهَيِّئْ، لأن الرجال يأكلون معي عند الظهر»، ففعل الرجل كما قال يوسف، وأدخل الرجل الرجال إلى بيت يوسف.
فخال الرجال إذا أُدخِلوا إلى بيت يوسف وقالوا: «لسبب الفضة التي رجعت أوَّلًا في عِدالنا نحن قد أُدخِلنا ليهجم علينا ويَقَعَ بنا، ويأخذنا عبيدًا وحميرنا»، فتقدَّموا إلى الرجل الذي على بيت يوسف وكلَّموه في باب البيت، وقالوا: «استمع يا سيدي، إننا قد نزلنا أوَّلًا لنشتري طعامًا، وكان لمَّا أتينا إلى المنزل أننا فتحنا عِدالنا، وإذا فضة كل واحد في فم عِدلِه، فضَّتنا بوزنها، فقد رددناها في أيادينا، وأنزلنا فضَّةً أخرى في أيادينا لنشتري طعامًا، لا نعلم مَنْ وَضَعَ فضَّتنا في عِدالنا». فقال: «سلام لكم، لا تخافوا، إلهكم وإله أبيكم أعطاكم كنزًا في عِدالكم، فِضَّتُكُم وَصَلَتْ إليَّ»، ثمَّ أخرج إليهم شمعون، وأَدْخَلَ الرجلُ الرجالَ إلى بيت يوسف، وأعطاهم ماءً ليغسلوا أرجلهم، وأعطى عليقًا لحميرهم، وهيَّأوا الهدية إلى أن يجيء يوسف عند الظهر؛ لأنهم سمعوا أنهم هناك يأكلون طعامًا. فلما جاء يوسف إلى البيت أحضروا إليه الهدية التي في أياديهم إلى البيت، وسجدوا له إلى الأرض، فسأل عن سلامتهم وقال: «أسالم أبوك الشيخ الذي قُلتم عنه؟ أحيٌّ هو بعدُ؟» فقالوا: «عبدُك أبونا سالم، هو حيٌّ بعد»، وخرُّوا وسجدوا. فرفع عينيه ونظر بنيامين أخاه ابن أمه، وقال: «أهذا أخوكم الصغير الذي قُلتم لي عنه؟» ثمَّ قال: «الله ينعم عليك يا ابني»، واستعجل يوسف لأن أحشاءه حنَّت إلى أخيه وطلب مكانًا ليبكي، فدخل المخدع وبكى هناك، ثمَّ غسل وجهه وخرج وتجلَّد وقال: «قدِّموا طعامًا»، فقدَّموا له وحده ولهم وحدهم وللمصريين الآكلين عنده وحدهم؛ لأن المصريين لا يقدرون أن يأكلوا طعامًا مع العبرانيين؛ لأنه رجسٌ عند المصريين. فجلسوا قدَّامه: البكر بحسب بكوريته، والصغير بحسب صغره، فبُهِت الرجال بعضهم إلى بعض، ورفع حِصصًا من قُدَّامه إليهم، فكانت حصة بنيامين أكثر من حِصص جميعهم خمسة أضعاف، وشربوا ورووا معه.
الإصحاح الرابع والأربعون
ثمَّ أمر الذي على بيته قائلًا: «املأ عِدال الرجال طعامًا حسب ما يطيقون حمله، وضع فضة كل واحدٍ في فم عِدلِه، وطاسي طاس الفضة تضع في فم عِدل الصغير وثمن قمحه»، ففعل بحسب كلام يوسف الذي تكلَّم به، فلمَّا أضاء الصبح انصرف الرجال هم وحميرهم. ولما كانوا قد خرجوا من المدينة ولم يبتعدوا قال يوسف للذي على بيته: «قُم اسْعَ وراء الرجال، ومتى أَدْرَكْتَهُمْ فقل لهم: لماذا جازيتم شرًّا عِوضًا عن خير؟ أليس هذا هو الذي يشرب سيدي فيه؟ وهو يتفاءل به، أسأتم في ما صنعتم»، فأدركهم وقال لهم هذا الكلام، فقالوا له: «لماذا يتكلم سيدي مِثل هذا الكلام؟ حاشا لعبيدك أن يفعلوا مثل هذا الأمر! هُوَ ذَا الفضة التي وجدنا في أفواه عِدالنا رددناها إليك من أرض كنعان، فكيف نَسْرِق من بيت سيدك فضَّةً أو ذهبًا؟ الذي يوجد معه من عبيدك يموت، ونحن أيضًا نكون عبيدًا لسيدي». فقال: «نعم، الآن بحسب كلامكم هكذا يكون، الذي يوجد معه يكون لي عبدًا، وأمَّا أنتم فتكونون أبرياء»، فاستعجلوا وأنزلوا كلُّ واحدٍ عِدله إلى الأرض، وفتحوا كلُّ واحدٍ عِدله، ففتش مبتدئًا من الكبير حتى انتهى إلى الصغير، فوُجِدَ الطاس في عِدل بنيامين، فمزَّقوا ثيابهم وحمَّلَ كلُّ واحدٍ على حماره ورجعوا إلى المدينة. فدخل يهوذا وإخوته إلى بيت يوسف وهو بعد هناك، ووقعوا أمامه على الأرض، فقال لهم يوسف: «ما هذا الفعل الذي فعلتم؟ ألم تعلموا أن رجُلًا مثلي يتفاءل؟» فقال يهوذا: «ماذا نقول لسيدي؟ ماذا نتكلم وبماذا نتبرر؟ الله قد وجد إثم عبيدك، ها نحن عبيد لسيدي نحن، والذي وُجِد الطاس في يده جميعًا»، فقال: «حاشا لي أن أفعل هذا! الرجل الذي وُجِد الطاس في يده هو يكون لي عبدًا، وأمَّا أنتم فاصعدوا بسلامٍ إلى أبيكم.» ثمَّ تقدَّم إليه يهوذا وقال: «استمع يا سيدي، ليتكلم عبدك كلمةً في أذني سيدي ولا يحم غضبك على عبدك؛ لأنك مثل فرعون. سيدي سأل عبيده: هل لكم أبٌ أو أخ؟
فقلنا لسيدي: لنا أبٌ شيخٌ وابن شيخوخة صغير مات أخوه وبقي هو وحده لأمه، وأبوه يحبه. فقلْتَ لعبيدك: انزلوا به إليَّ فأجعل نظري عليه. فقلنا لسيدي: لا يقدر الغلام أن يترك أباه، وإن ترك أباه يموت. فقلت لعبيدك: إن لم ينزل أخوكم الصغير معكم لا تعودوا تنظرون وجهي. فكان لما صعدنا إلى عبدك أبي أننا أخبرناه بكلام سيدي، ثمَّ قال أبونا: ارجعوا اشتروا لنا قليلًا من الطعام. فقلنا: لا نقدر أن ننزل، وإنما إذا كان أخونا الصغير معنا ننزل؛ لأننا لا نقدر أن ننظر وجه الرجل وأخونا الصغير ليس معنا. فقال لنا عبدك أبي: أنتم تعلمون أن امرأتي ولدت لي اثنين، فخرج الواحد من عندي وقلت: إنما هو قد افتُرس افتراسًا، ولم أنظره إلى الآن، فإذا أخذتم هذا أيضًا من أمام وجهي وأصابَتْهُ أذيته تنزلون شيبتي بشرٍّ إلى الهاوية. فالآن متى جئت إلى عبدك أبي والغلام ليس معنا ونفسه مرتبطة بنفسه يكون متى رأى أن الغلام مفقود أنه يموت، فيُنزل عبيدك شيبة عبدك أبينا بحزنٍ إلى الهاوية؛ لأن عبدك ضَمِنَ الغلام لأبي قائلًا: إن لم أجئ به إليك أَصِرْ مذنبًا إلى أبي كل الأيام، فالآن ليمكث عبدك عِوضًا عن الغلام عبدًا لسيدي ويصعد الغلام مع إخوته؛ لأني كيف أصعد إلى أبي والغلام ليس معي؟ لئلا أنظر الشر الذي يصيب أبي!»
الإصحاح الخامس والأربعون
فلم يستطع يوسف أن يضبط نفسه لدى جميع الواقفين عنده، فصرخ: «أَخْرِجُوا كل إنسانٍ عنِّي!» فلم يَقِفْ أحدٌ عنده حين عرَّف يوسف إِخْوَتَهُ بنفسه، فأطلق صوته بالبكاء، فسمع المصريون وسمع بيت فرعون، وقال يوسف لإخوته: «أنا يوسف، أحيٌّ أبي بعد؟» فلم يستطع إخوته أن يجيبوه؛ لِأَنَّهُم ارتاعوا منه. فقال يوسف لأخوته: «تقدَّموا إليَّ»، فتقدَّموا، فقال: «أنا يوسف أخوكم الذي بعتموه إلى مصر، والآن لا تتأسَّفوا ولا تغتاظوا لأنكم بعتموني إلى هنا؛ لأنه لاستبقاء حياة أرسلني الله قُدَّامكم؛ لأن للجوع في الأرض الآن سنتين، وخمس سنين أيضًا لا تكون فيها فلاحة ولا حصاد. فقد أرسلني الله قدَّامكم ليجعل لكم بقية في الأرض، وليستبقي لكم نجاةً عظيمة، فالآن ليس أنتم أرسلتموني إلى هُنا بل الله، وهو قد جعلني أبًا لفرعون وسيِّدًا لكل بيته، ومتسلِّطًا على كل أرض مصر. أَسْرِعُوا واصعدوا إلى أبي وقولوا له: هكذا يقول ابنك يوسف، قد جعلني الله سيِّدًا لكل مصر، انزل إليَّ، لا تَقِفْ، فتسكن في أرض جاسان وتكون قريبًا مني أنت وبنوك وبنو بنيك وغنمك وبقرك وكل ما لك، وأعولك هناك؛ لأنه يكون أيضًا خمس سنين جوعًا لئلا تفتقر أنت وبيتك وكل ما لك. وهُوَ ذَا عيونكم ترى وعينا أخي بنيامين أن فمي هو الذي يُكلِّمكم، وتخبرون أبي بكلِّ مجدي في مصر، وبكل ما رأيتم، وتستعجلون وتنزلون بأبي إلى هنا». ثمَّ وقع على عُنق بنيامين وبكى، وبكى بنيامين على عُنقه، وقبَّل جميع إخوته وبكى عليهم. وبعد ذلك تكلَّم إخوته معه، وسُمِع الخبر في بيت فرعون وقيل: «جاء إخوة يوسف»، فحسن في عيني فرعون وفي عيون عبيده، فقال فرعون ليوسف: «قُل لإخوتك: افعلوا هذا، حمِّلوا دوابكم وانطلقوا، اذهبوا إلى أرض كنعان، وخذوا أباكم وبيوتكم وتعالوا إليَّ فأُعطيكم خيرات أرض مصر، وتأكلوا دسم الأرض، فأنت قد أمرت، افعلوا هذا. خذوا لكم من أرض مصر عجلات لأولادكم ونسائكم، واحملوا أباكم وتعالوا، ولا تحزن عيونكم على أثاثكم؛ لأن خيرات جميع أرض مصر لكم». ففَعَلَ بنو إسرائيل هكذا، وأعطاهم يوسف عجلات بحسب أمر فرعون، وأعطاهم زادًا للطريق، وأعطى كل واحدٍ منهم حلل ثياب. وأمَّا بنيامين فأعطاه ثلاثمائة من الفضة وخمس حلل ثياب، وأرسل لأبيه عشرة حمير حاملةً من خيرات مصر، وعشر أُتُن حاملةً حِنطةً وخُبزًا وطعامًا لأبيه لأجل الطريق. ثمَّ صرف إخوته، فانطلقوا وقال لهم: «لا تتغاضبوا في الطريق»، فصعدوا من مصر وجاءوا إلى أرض كنعان إلى يعقوب أبيهم وأخبروه قائلين: «يوسف حيٌّ بَعْدُ، وهو متسلِّط على كل أرض مصر!» فجمد قلبه لأنه لم يصدِّقهم، ثمَّ كلِّموه بكُلِّ كلام يوسف الذي كلَّمَهُم به، وأبصر العجلات التي أرسلها يوسف لِتَحْمِله، فعاشت روح يعقوب أبيهم، فقال إسرائيل: «كفى! يوسف ابني حيٌّ بعد. أذهب وأراه قبل أن أموت.»
الإصحاح السادس والأربعون
فارتحل إسرائيل وكلُّ ما كان له، وأتى إلى بئر سَبْع وذبح ذبائح لإله أبيه إسحاق، فكلَّم الله إسرائيل في رؤى الليل وقال: «يعقوب يعقوب»، فقال: «ها أنذا»، فقال: «أنا الله إله أبيك، لا تَخَفْ من النزول إلى مصر؛ لأني أجعلك أُمَّة عظيمة هُناك، أنا أنزل معك إلى مصر وأنا أُصْعِدُك أيضًا، ويضع يوسف يده على عينيك»، فقام يعقوب من بئر سبع، وحمل بنو إسرائيل يعقوب أباهم وأولادهم ونساءهم في العجلات التي أرسل فرعون لحمله، وأخذوا مواشيهم ومُقتناهم الذين اقتنوا في أَرْض كنعان، وجاءوا إلى مصر. يعقوب وكل نسله معه، بنوه وبنو بنيه معه وبناته وبنات بنيه وكل نسله، جاء بهم معه إلى مصر. وهذه أسماء بني إسرائيل الذين جاءوا إلى مصر: يعقوب وبنوه، بِكْرُ يعقوب رأوبين، وبنو رأوبين: حنوك وفلُّو وحصرون وكرمي. وبنو شمعون: يموئيل ويامين وأوهد وياكين وصوحر وشأول ابن الكنعانية. وبنو لاوي: جرشون وقهات ومراري. وبنو يهوذا عير وأونان وشيلة وفارص وزارح. وأمَّا عير وأونان فماتا في أرض كنعان. وكان ابنا فارص حصرون وحامول. وبنو يسَّاكر: تولاع وفوَّة ويوب وشِمرون. وبنو زبُولون: سارد وإيلون وياحلئيل. هؤلاء بنو ليئة الذين ولدتهم ليعقوب في فدَّان أرام مع دينة ابنته. جميع نفوس بنيه وبناته ثلاث وثلاثون. وبنو جاد: صفيون وحجِّي وشوني وأصبون وعيري وأرودي وأرئيلي. وبنو أشير: يمنة ويشوة ويشوي وبريعة وسارح هي أختهم. وابنا بريعة حابر وملكيئيل. هؤلاء بنو زلفة التي أعطاها لابان لليئة ابنته فولدت هؤلاء ليعقوب ست عشرة نفسًا. ابنا راحيل امرأة يعقوب: يوسف وبنيامين. وَوُلِد ليوسف في أرض مصر: مَنَسَّى وأفرايم اللذان ولدتْهما له أسْنات بنت فوطي فارع كاهن أون. وبنو بنيامين: بالع وباكر وأشبيل وجيرا ونعمان وإيحي وروش ومفِّيم وحُفِّيم وأرد. هؤلاء بنو راحيل الذين وُلِدوا ليعقوب. جميع النفوس أربع عشرة. وابن دان حوشيم. وبنو نفتالي: ياحصئيل وجوني ويصر وشلِّيم. هؤلاء بنو بلهة التي أعطاها لابان لِراحيل ابنته. فولدت هؤلاء ليعقوب جميع الأنفس سبع. جميع النفوس ليعقوب التي أتت إلى مصر الخارجة من صلبه، ما عدا نساء بني يعقوب، جميع النفوس ستٌّ وستُّون نفسًا. وابنا يوسف اللذان ُولِدا في مصر نفسان. جميع نفوس بيت يعقوب التي جاءت إلى مصر سبعون. فأرسل يهوذا أمامه إلى يوسف ليُري الطريق أمامه إلى جاسان، ثمَّ جاءوا إلى أرض جاسان، فشدَّ يوسف مركبته وصعد لاستقبال إسرائيل أبيه إلى جاسان. ولمَّا ظهر له وقع على عنقه وبكى على عنقه زمانًا، فقال إسرائيل ليوسف: «أموت الآن بعدما رأيت وجهك أنك حيٌّ بعد». ثمَّ قال يوسف لإخوته ولبيت أبيه: «أَصْعَدُ وأُخْبِر فرعون وأقول له: إخوتي وبيت أبي الذين في أرض كنعان جاءوا إليَّ، والرجال رُعاة غنمٍ، فإنهم كانوا أهلَ مواشٍ، وقد جاءوا بغنمهم وبقرهم وكل ما لهم، فيكون إذا دعاكم فرعون وقال: ما صناعتكم؟ أن تقولوا: عبيدك أهلُ مواشٍ منذ صِبانا إلى الآن، نحن وآباؤنا جميعًا؛ لكي تسكنوا في أرض جاسان؛ لأن كُلَّ راعي غنمٍ رجسٌ للمصريين.»
الإصحاح السابع والأربعون
فأتى يوسف وقال لفرعون: «أبي وإخوتي وغنمهم وبقرهم وكل ما لهم جاءوا من أرض كنعان، وهُوَ ذَا هم في أرض جاسان.» وأخذ من جملة إخوته خمسة رجال وأوقفهم أمام فرعون، فقال فرعون لإخوته: «ما صناعتكم؟» فقالوا لفرعون: «عبيدك رعاة غنم نحن وآباؤنا جميعًا»، وقالوا لفرعون: «جئنا لنتغرَّب في الأرض إذ ليس لغنم عبيدك مرعًى؛ لأن الجوع شديد في أرض كنعان. فالآن ليسكن عبيدك في أرض جاسان.» فقال فرعون ليوسف: «أبوك وإخوتك جاءوا إليك، أرض مصر قُدَّامك، في أفضل الأرض أسكِن أباك وإخوتك، ليسكنوا في أرض جاسان، وإن عَلِمْتَ أنه يوجد بينهم ذوو قُدرة فاجعلهم رؤساء مواشٍ على التي لي.» ثمَّ أَدْخَلَ يوسفُ يعقوبَ أباه وأوقفه أمام فرعون، وبارك يعقوب فرعون، فقال فرعون ليعقوب: «كم هي أيام سِني حياتك؟» فقال يعقوب لفرعون: «أيَّام سني غُربتي مائةُ وثلاثون سنةً، قليلةً ورديَّةً كانت أيام سني حياتي، ولم تبلغ إلى أيَّام سني حياة آبائي في أيام غُربتهم»، وبارَكَ يعقوب فرعون وخرج من لدن فرعون، فأسكَن يوسفُ أباه وإخوته، وأعطاهم مُلكًا في أرض مصر في أفضل الأرض، في أرض رعمسيس — كما أمر فرعون — وعالَ يوسفُ أباه وإخوته وكل بيت أبيه بطعامٍ على حسب الأولاد، ولم يكن خُبزُ في كُلِّ الأرض؛ لأن الجوع كان شديدًا جدًّا، فخوَّرَتْ أرض مصر وأرض كنعان من أجل الجوع، فجمع يوسف كل الفضة الموجودة في أرض مصر وفي أرض كنعان بالقمح الذي اشتروا، وجاء يوسف بالفضة إلى بيت فرعون، فلمَّا فرغت الفضة من أرض مصر ومن أرض كنعان أتى جميع المصريين إلى يوسف قائلين: «أعطنا خُبزًا فلماذا نموت قُدَّامك؟ لأن ليس فضة أيضًا»، فقال يوسف: «هاتوا مواشيكم، فأُعْطِيكُمْ بمواشيكم إن لم يكن فضَّةٌ أيضًا»، فجاءوا بمواشيهم إلى يوسف، فأعطاهم يوسف خُبزًا بالخيل وبمواشي الغنم والبقر وبالحمير، فقاتهم بالخبز تلك السنة بدل جميع مواشيهم. ولما تمَّت تلك السنة أتوا إليه في السنة الثانية وقالوا له: «لا نُخفي عن سيدي أنه إذ قد فَرَغَتِ الفضة ومواشي البهائم عند سيدي، لم يَبْقَ قُدَّام سيدي إلا أجسادنا وأرضنا. لماذا نموت أمام عينيك نحن وأرضنا جميعًا؟ اِشْتَرِنَا وأَرْضَنَا بالخبز فنصير نحن وأرضنا عبيدًا لفرعون، وأعطِ بذارًا لنحيا ولا نموت ولا تصير أرضنا قَفرًا»، فاشترى يوسف كل أرض مصر لفرعون إذ باع المصريون كلُّ واحدٍ حقله؛ لأن الجوع اشتد عليهم، فصارت الأرض لفرعون.
وأمَّا الشعب فنقلهم إلى المدن من أقصى حدِّ مصر إلى أقصاه، إلا أن أرض الكهنة لم يَشْتَرِهَا؛ إذ كانت للكهنة فريضةٌ من قِبَل فرعون، فأكلوا فريضتهم التي أعطاهم فرعون؛ لذلك لم يبيعوا أرضهم. فقال يوسف للشعب: «إنِّي قد اشتريتكم اليوم وأَرْضَكُم لفرعون، هُوَ ذَا لكم بذارٌ فتزرعون الأرض، ويكون عند الغلة أنكم تُعْطُون خُمسًا لفرعون، والأربعةُ الأجزاء تكون لكم بِذارًا للحقل وطعامًا لكم ولمن في بيوتكم وطعامًا لأولادكم»، فقالوا: «أحييتنا، ليتنا نجدُ نعمةً في عيني سيدي فنكون عبيدًا لفرعون»، فجعلها يوسف فرضًا على أرْض مصر إلى هذا اليوم؛ لفرعون الخُمس، إلا أن أرض الكهنة وحدهم لم تَصِرْ لفرعون. وسكن إسرائيلُ في أرض مصر في أرض جاسان، وتملَّكوا فيها وأثمروا وكثروا جدًّا. وعاش يعقوب في أرض مصر سبع عشرة سنة، فكانت أيام يعقوب سنو حياته مائةً وسبعًا وأربعين سنة. ولمَّا قرُبت أيام إسرائيل أن يموت دعا ابنه يوسف وقال له: «إن كُنت قد وَجَدْتَ نعمةً في عينيك، فضع يدك تحت فخذي واصنع معي معروفًا وأمانةً، لا تدفنِّي في مصر، بل أضْطَجِعُ مع آبائي، فتحملني من مصر وتدفنني في مقبرتهم». فقال: «أنا أفعل بحسب قولك»، فقال: «احلف لي»، فحلف له، فسجد إسرائيل على رأس السرير.
الإصحاح الثامن والأربعون
وحدث بعد هذه الأمور أنه قيل ليوسف: «هُوَ ذَا أبوك مريض»، فأخذ معه ابنيه منسَّى وأفرايم، فأُخْبِرَ يعقوبُ وقيل له: «هُوَ ذَا ابنك يوسف قادمٌ إليك»، فتشدَّد إسرائيل وجلس على السرير. وقال يعقوب ليوسف: «الله القادر على كُلِّ شيءٍ ظَهَرَ لي في لوز في أرض كنعان وباركني، وقال لي: ها أنا أجعلك مُثمِرًا وأُكثِّرك وأجعلك جُمهورًا من الأمم، وأُعْطِي نَسْلَك هذه الأرضَ من بعدك مُلكًا أبديًّا. والآن ابناك المولودان لك في أرض مصر قبلما أتيتُ إليك إلى مصر هُما لي، أفرايم ومنسَّى كرأوبين وشمعون يكونان لي، وأمَّا أولادك الذي تلد بعدهما فيكونون لك، على اسم أخويهم يُسمُّون في نصيبهم، وأنا حين جئت من فدَّان ماتت عندي راحيل في أرض كنعان في الطريق إذ بَقِيَتْ مسافة من الأرض حتى آتي إلى أفراتة، فدفنتها هُناك في طريق أفراتة (التي هي بيت لحم)». ورأى إسرائيلُ ابني يوسف فقال: «من هذان؟» فقال يوسف لأبيه: «هُما ابناي اللذان أعطاني الله ههنا»، فقال: قدِّمْهُما إليَّ لأبارِكَهما. وأمَّا عينا إسرائيل فكانتا قد ثقُلتا من الشيخوخة، لا يقدر أن يُبصر، فقرَّبهما إليه فقبَّلهما واحتضنهما. وقال إسرائيل ليوسف: «لم أكن أظن أني أرى وجهك، وهُوَ ذَا الله قد أراني نسلك أيضًا.» ثمَّ أَخْرَجَهُمَا يوسف من بين ركبتيه وسجد أمام وَجْهه إلى الأرض، وأخذ يوسف الاثنين أفرايم بيمينه عن يسار إسرائيل ومنسَّى بيساره عن يمين إسرائيل، وقرَّبها إليه، فمدَّ إسرائيل يمينه ووضعها على رأس أفرايم — وهو الصغير — ويسارَهُ على رأس منسَّى، وَضَعَ يديه بفطنة فإن منسَّى كان البِكْر، وبارَكَ يوسف وقال: «الله الذي سار أمامه أبواي إبراهيم وإسحاق، الله الذي رعاني منذ وجودي إلى هذا اليوم، الملاك الذي خلَّصني من كُلِّ شرٍّ يُبارك الغلامين. وليُدْعَ عليهما اسمي واسم أبوي إبراهيم وإسحاق، وليكثرا كثيرًا في الأرض.» فلما رأى يوسف أن أباه وَضَعَ يده اليمنى على رأس أفرايم ساء ذلك في عينيه، فأمسك بيد أبيه لينقلها عن رأس أفرايم إلى رأس منسَّى، وقال يوسف لأبيه: «ليس هكذا يا أبي؛ لأن هذا هو البكر. ضع يمينك على رأسه»، فأبى أبوه وقال: «علِمتُ يا ابني علِمْتُ! هو أيضًا يكون شعبًا وهو أيضًا يصير كبيرًا، ولكن أخاه الصغير يكون أكبر منه ونسله يكون جُمهورًا من الأمم.» وبارَكَهُما في ذلك اليوم قائلًا: «بِكَ يُبارك إسرائيل قائلًا: يجعلك الله كأفرايم وكمنسَّى»، فقدَّم أفرايم على منسَّى، وقال إسرائيل ليوسف: «ها أنا أموت، ولكن الله سيكون معكم ويردُّكم إلى أرض آبائكم. وأنا قد وَهَبْتُ لك سهمًا واحدًا فوق إخوتك، أَخَذْتُه من يد الأموريين بسيفي وقوسي.»
الإصحاح التاسع والأربعون
ودعا يعقوب بنيه وقال: «اجتمعوا لأُنبئكم بما يُصيبكم في آخر الأيام، اجتمعوا واسمعوا يا بني يعقوب، وأصغوا إلى إسرائيل أبيكم. رأوبين أنت بكري قُوَّتي، وأوَّل قُدرتي، فضلُ الرفعة وفضل العز، فائِرًا كالماء لا تتفضَّل لأنك صعدت على مضجع أبيك، حينئذٍ دنَّسْتَه، على فراشي صعد. شمعون ولاوي أخوان، آلات ظُلمٍ سيوفهما، في مجلسهما لا تدخل نفسي، بمجمعهما لا تتحد كرامتي؛ لأنهما في غضبهما قَتَلَا إنسانًا وفي رضاهما عرقبا ثورًا، ملعونٌ غضبهما فإنه شديد وسخطهما فإنه قاسٍ، أقسِّمُهُمَا في يعقوب وأُفرِّقهما في إسرائيل. يهوذا إياك يحمد إخوتك، يدُك على قفا أعدائك، يسجد لك بنو أبيك. يهوذا جرو أسد، من فريسة صعدت يا ابني، جثا وربض كأسدٍ وكلبوة، مَنْ يُنْهِضُه؟ لا يزول قضيب من يهوذا ومُشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون، وله يكون خضوع شعوبٍ، رابطًا بالكرمة جحشه، وبالجفنة ابن أتانه، غسل بالخمر لباسه، وبدم العنب ثوبه، مسودُّ العينين من الخمر، ومبيضُّ الأسنان من اللبن. زبولون عند ساحل البحر يسكن، وهو عند ساحل السفن وجانبه عند صيدون. يسَّاكر حمار جسيم رابض بين الحظائر، فرأى المحَلَّ أنه حسن والأرضَ أنها نزهة، فأحنى كتفه للْحِمْل وصار للجِزية عبدًا. دان يدين شعبه كأحد أسباط إسرائيل، يكون دان حيَّةً على الطريق، أُفعوانًا على السبيل، يلسع عَقِبَي الفَرَس، فيسقط راكبه إلى الوراء. لخلاصك انتظرتُ يا رب. جادُ يزحمه جيشه، ولكنه يزحم مؤخَّره، أَشير خُبزُه سمين وهو يعطي لذَّات مُلوك. نفتالي أيلةٌ مسيَّبَةٌ يُعطي أقوالًا حسنة. يوسف غصن شجرة مثمرة، غصن شجرة مثمرة على عين، أغصان قد ارتفعت فوق حائط، فمرَّرتْهُ ورمته واضطهدته أرباب السهام، ولكن ثبتت بمتانةٍ قَوْسُه وتشدَّدت سواعد يديه، من يدي عزيز يعقوب من هناك من الراعي صخر إسرائيل من إله أبيك الذي يعينك، ومن القادر على كُلِّ شيءٍ الذي يباركك تأتي بركاتُ السماء من فوق وبركاتُ الغمر الرابض تحت، بركات الثديين والرحم، بركات أبيك فاقت على بركات أبويَّ، إلى مُنية الأكام الدهرية تكون على رأس يوسف وعلى قِمَّة نذير إخوته. بنيامين ذئبٌ يفترس، في الصباح يأكل غنيمة وعند المساء يُقسِّم نهبًا.» جميع هؤلاء هم أسباط إسرائيل الاثنا عشر، وهذا ما كلَّمهم به أبوهم وبارَكَهُمْ، كلُّ واحدٍ بحسب بركته باركهم، وأوصاهم وقال لهم: «أنا أنضم إلى قومي، ادفنوني عند آبائي في المغارة التي في حقل عِفرون الحثي، في المغارة التي في حقل المكفيلة التي أمام ممرا في أرض كنعان التي اشتراها إبراهيم مع الحقل من عِفرون الحثي ملك قبر. هُناك دفنوا إبراهيم وسارة امرأته، هُناك دفنوا إسحاق ورِفقة امرأته، وهُناك دَفَنْتُ ليئة. شِرَاءُ الحقل والمغارة التي فيه كان من بني حِثَّ.» ولما فرغ يعقوب من توصية بنيه ضم رجليه إلى السرير وأسلم الروح وانضمَّ إلى قومه.
(٢) العهد الجديد (الإنجيل): سِفر أعمال الرسل
الإصحاح السابع
فقال رئيس الكهنة: «أترى هذه الأمور هكذا هي؟» فأجاب: «أيها الرجال الإخوة والآباء اسمعوا، ظهر إله المجد لأبينا إبراهيم وهو في ما بين النهرين قبلما سكن في حاران، وقال له: اخرج من أرضك ومن عشيرتك وهلُمَّ إلى الأرض التي أُريك، فخرج حينئذٍ من أرض الكلدانيين وسكن في حاران. ومن هُناك نقله بعدما مات أبوه إلى هذه الأرض التي أنتم الآن ساكنون فيها، ولم يُعْطِهِ فيها ميراثًا ولا وطأة قدمٍ، ولكن وَعَدَ أن يُعطيه ملكًا له ولنسله من بعده، ولم يكن له بعد ولدٌ. وتكلم الله هكذا: أن يكون نسله متغرِّبًا في أرض غريبة فيستعبدوه ويسيئوا إليه أربعمائة سنة، والأُمَّة التي يُسْتَعْبَدُون لها سأدينها أنا يقول الله، وبعد ذلك يخرجون ويعبدونني في هذا المكان، وأعطاه عهد الختان، وهكذا وَلَدَ إسحاق وختنه في اليوم الثامن، وإسحاق وَلد يعقوب، ويعقوب ولد رؤساء الآباء الاثني عشر، ورؤساء الآباء حسدوا يوسف وباعوه إلى مصر، وكان الله معه وأنقذه من جميع ضيقاته وأعطاه نعمةً وحِكمةً أمام فرعون ملك مصر، فأقامه مُدبِّرًا على مِصر وعلى كُلِّ بيته. ثمَّ أتى جوعٌ على كُلِّ أرض مصر وكنعان وضيقٌ عظيمٌ، فكان آباؤنا لا يجدون قوتًا. ولما سمع يعقوب أن في مصر قمحًا أرسل آباءنا أول مرة، وفي المرة الثانية استعرف يوسف إلى إخوته، واستعلنت عشيرة يوسف لفرعون، فأرسل يوسف واستدعى أباه يعقوب وجميع عشيرته خمسةً وسبعين نفسًا، فنزل يعقوب إلى مصر ومات هو وآباؤنا، ونُقِلوا إلى شكيم ووُضِعوا في القبر الذي اشتراه إبراهيم بثمن فضَّة من بني حمور أبي شكيم. وكما كان يقرُب وقت الموعد الذي أقسم الله عليه لإبراهيم، كان الشعب ينمو ويكثُر في مصر، إلى أن قام مَلِك آخر لم يكن يَعْرِف يوسف، فاحتال هذا على جِنْسِنا وأساء إلى آبائنا حتى جعلوا أطفالهم منبوذين لكي لا يعيشوا. «وفي ذلك الوقت وُلِد موسى، وكان جميلًا جدًّا، فرُبِّي هذا ثلاثة أشهر في بيتِ أبيه. ولمَّا نُبِذ اتَّخذته ابنة فرعون وربَّته لنفسها ابنًا، فتهذَّب موسى بكُلِّ حكمة المصريين، وكان مُقتدرًا في الأقوال والأعمال. ولمَّا كملت له مدة أربعين سنة خطر على باله أن يفتقد إخوته بني إسرائيل، وإذ رأى واحدًا مظلومًا حامى عنه وأنصف المغلوب إذ قتل المصري، فظن أن إخوته يفهمون أن الله على يده يعطيهم نجاة، وأمَّا هُم فلم يفهموا.
وفي اليوم الثاني ظهر لهم وهم يتخاصمون، فساقهم إلى السلامة قائلًا: أيها الرجال أنتم إخوة، لماذا تظلمون بعضكم بعضًا؟ فالذي كان يظلم قريبه دفعه قائلًا: من أقامك رئيسًا وقاضيًا علينا؟ أتريد أن تقتلني كما قتلت أمس المصري؟ فهرب موسى بسبب هذه الكلمة وصار غريبًا في أرض مديان حيث ولد ابنين. ولما كملت أربعون سنة ظهر له ملاك الرب في بريَّة جبل سيناء في لهيب نار عُلَّيْقَة، فلما رأى موسى ذلك تعجَّب من المنظر، وفيما هو يتقدَّم ليتطلَّع صار إليه صوت الرب: أنا إله آبائك إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب، فارْتَعَدَ موسى ولم يَجْسُر أن يتطلَّع. فقال له الرب: اخلع نعل رجليك؛ لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مُقدَّسة، إنِّي رأيت مشقَّة شعبي الذين في مصر، وسمعت أنينهم ونزلت لأنقذهم، فهَلُمَّ الآن أُرْسِلك إلى مصر». هذا موسى الذي أنكروه قائلين: من أقامك رئيسًا وقاضيًا؟ هذا أرسله الله رئيسًا وفاديًا بيد الملاك الذي ظهر له في العُلَّيْقَة، هذا أخرجهم صانعًا عجائب وآيات في أرض مصر وفي البحر الأحمر وفي البريَّة أربعين سنة. «هذا هو موسى الذي قال لبني إسرائيل: نبيًّا مثلي سيُقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم، له تسمعون. هذا هو الذي كان في الكنيسة في البرية مع الملاك الذي كان يُكلِّمه في جبل سيناء ومع آبائنا. الذي قبل أقوالًا حيَّةً ليُعطينا إيَّاها، الذي لم يشأ آباؤنا أن يكونوا طائعين له، بل دفعوه ورجعوا بقلوبهم إلى مصر قائلين لهارون: اعمل لنا آلهة تتقدَّم أمامنا؛ لأن هذا موسى الذي أخرجنا من أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه، فعملوا عِجلًا في تلك الأيام، وأصعدوا ذبيحة للصنم وفرحوا بأعمال أيديهم، فرجع الله وأسلمهم ليعبدوا جُند السماء كما هو مكتوب في كتاب الأنبياء: هل قرَّبتم لي ذبائح وقرابين أربعين سنة في البريَّة يا بيت إسرائيل؟ بل حملتم خيمة مولوك ونجم إلهكم رمفان التماثيل التي صنعتموها لتسجدوا لها، فأنقلكم إلى ما وراء بابل.» وأمَّا خيمة الشهادة فكانت مع آبائنا في البرية كما أَمَرَ الذي كلَّم موسى أن يعملها على المثال الذي كان قد رآه، التي أدخلها أيضًا آباؤنا إذ تخلَّفوا عليها مع يشوع في مُلك الأمم الذين طردهم الله من وجه آبائنا إلى أيام داود الذي وجد نعمةً أمام الله، والتمس أن يجد مسكنًا لإله يعقوب، ولكن سليمان بنى له بيتًا، لكن العلي لا يسكن في هياكل مصنوعة بالأيادي كما يقول النبي: السماء كرسي لي والأرض موطئ لقدميَّ. أيَّ بيت تبنون لي يقول الرب وأيٌّ هو مكان راحتي؟ أليست يدي صنعت هذه الأشياء كلها؟ يا قُساة الرقاب وغير المختونين بالقلوب والآذان، أنتم دائمًا تقاومون الروح القدس، كما كان آباؤكم كذلك أنتم. أي الأنبياء لم يضطهده آباؤكم، وقد قتلوا الذين سبقوا، فأنبأوا بمجيء البارِّ الذي أنتم الآن صرتم مُسلِّميه وقاتليه، الذين أخذتم الناموس بترتيب ملائكة ولم تحفظوه؟»
فلما سمعوا هذا حَنِقوا بقلوبهم وصرُّوا بأسنانهم عليه. وأمَّا هو فشخص إلى السماء وهو ممتلئ من الروح القدس، فرأى مجد الله ويسوع قائمًا عن يمين الله، فقال: «ها أنا أنظر السماوات مفتوحة، وابن الإنسان قائمًا عن يمين الله»، فصاحوا بصوتٍ عظيمٍ وسدُّوا آذانهم وهجموا عليه بنفْس واحدة وأَخْرَجُوه خارج المدينة ورجموه، والشهود خلعوا ثيابهم عند رِجْلَيْ شابٍّ يُقال له شاول، فكانوا يرجمون أستفانوس وهو يدعو ويقول: «أيها الرب يسوع اقبل روحي»، ثمَّ جثا على ركبتيه وصرخ بصوتٍ عظيم: «يا رب لا تُقِمْ لهم هذه الخطية»، وإذ قال هذا رقد.
(٣) القرآن الكريم: سورة يوسف
بسم الله الرحمن الرحيم
الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ * إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ * قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ * فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ * وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ * وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ * وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ * وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ * وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ * قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ * وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ * وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ * وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ * قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ * وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ * وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ * قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ * وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ * وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ * فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ * قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ * وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ * قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ * وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ * وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ * قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ * قَالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ * قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ * قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ * فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ * قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ * قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ مَعَاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ * فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ * ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ * وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُوا تَاللهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ * قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ * فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ * قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * قَالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ * وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ * قَالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ * فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ * وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ * وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ * أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ * حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ * لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.