عند السيد عبد الرحمن المهدي مشروعات هندسية وزراعية واسعة
جزيرة آبا في ٦ فبراير
يطالعنا كل يوم بجديد في السودان، فتتجدد حيرة القلم المتعب المشتت، يحركه رأس قد تزاحمت فيه المشاهد وانعكست صورتها في خزانته؛ صور شتى لا تكاد تستقر حتى تزاحمها صور أخرى أكثر إشعاعًا وأوسع نورًا.
هكذا أبدأ الكتابة في وصف زياراتي مع حضرات أعضاء البعثة المصرية في السودان لمزارع حضرة صاحب السماحة السير الشريف السيد عبد الرحمن المهدي.
بالسيارات إلى جزيرة أبا
وقف القطار االساعة الثامنة من صباح اليوم بمحطة كوستى، وفي الساعة الثامنة صباحًا ركبنا السيارات إلى جزيرة أبا. وقد تفضل حضرة صاحب السماحة الشريف السير السيد عبد الرحمن المهدي فأبى واسع كرمه إلا أن يرسل إلينا سيارته وسيارات أخرى إلى محطة كوستى، وكان مقررًا أن نسافر إلى جزيرة أبا في سفينة بخارية، ولكن صاحبها لم يتمكن من إرسالها، فبادر سماحة السيد المهدي بتكليف نحو خمسة آلاف عامل بإقامة جسر على خور النيل الأبيض لمرور السيارات، فأقاموه في ١٥ ساعة، وتمكنَّا من أن نمر بالسيارات فوق الجسر يوم الثلاثاء «أمس». وكان في استقبالنا في كوستى وعند الجسر من آل المهدي أصحاب الفضيلة السادة محمد السيد عبد الكريم ونجله السيد صديق عبد الرحمن المهدي، وعبد الله الفاضل، والسيد الطيب الحلو، وجعفر شرفي، ومحمد أحمد شرفي، وخالد شرفي، وحسن الأمير، وعبد الحميد المهدي، والسيد عبد الكريم، ومحمد عبد الكريم، ومحمد خليفة الشريف.
ثم وفد الخرطوم، وعلى رأسه أصحاب السيادة والأفندية: عبد العزيز القباني، وعبد المنعم وإبراهيم محمد وإبراهيم عامر.
ووفد أم درمان، وعلى رأسه حضرات عبد القادر العتباني، وصديق عيسى، ومحمد أحمد نقد، وحسين خليل، ودفع الله شبيكة، وبابكر بدري ناظر مدرسة الأحفاد، وكوكو عبد الله، وإبراهيم السيد، وعبد الرحمن عبد الله، والسيد عوض الجعلي، وسالم حسن أبو زيد، وداود قنديل، واليوزباشي موسى الطيب هاشم، وعبد القادر الدالي، والبكباشي أحمد عقيل، والحاج عبد الرحمن، وحسين خليل.
وكانت جزيرة الأشراف بمديرية دنقلة مسقط رأسه، وهى أيضًا مسقط رأس الدكتور محجوب ثابت «الدنقلي»، وقد انتقل السيد المهدي الكبير مع والديه وشقيقه الأكبر إلى قرية كَرَرى «بفتح الكاف والراء»، وكان إخوته وأعمامه من صناع المراكب الشراعية وتجارها، ثم انتقلوا إلى جزيرة أبا ومعهم صاحب الترجمة، وكانت مملوءة بالغابات الثمينة بأخشابها، وكان بها حيوانات متوحشة، ثم أخذ في نشر الدعوة المهدية، وهي تقوم على العمل بالقرآن وسنة رسول الله ﷺ. وترك البدع، فزار جميع مساجد السودان واختلى ببعض علمائها وأهلها، وأنبأهم أنه هو المهدي، وأنه يدعو إلى ترك البدع. ولم يكن يبث دعوته جهرًا في بادئ الأمر، وبعد أن اطمأن إلى أن دعوته لقيت أنصارًا عديدين جهر بها، وكان على السودان الحاكمدار رءوف باشا، فأرسل إليه علماء لمراجعته عن دعوته، وقد مات الباشا بالخرطوم، واستدعت الحكومة عبد القادر حلمي باشا. وانتقل المهدي إلى جبل قدير من جبال النوبة، وإلى كردفان، وقام لمحاربته يوسف الشاذلي باشا كنزي. وفتح المهدي الأبيض، ووجهت إليه حملة برياسة هكس باشا فُنيت عن آخرها. وهكذا انتشرت دعوته في السودان، وتوالت هزائم جنود الحكومة المصرية، فزاد ذلك من هيبته ورفع من نفوذه في أعين مواطنيه، وأيد ما كان يعتقده السودانيون فيه من الكرامات. وقد وجه إلى الحكومة المصرية تلغرافًا مطولًا، ينحى فيه باللائمة على البدع، التي منها عقد زواج رجل برجل في الأبيض. فدعوته دينية، ساعد عليها في الواقع ظلم الحكام واستبدادهم وإرهاق الأهالي بالضرائب. ومن الروايات في هذا الصدد أن مدير المديرية كان يأمر بالقطط أن تجمع وتجوع عدة من الأيام ثم تربط في موضع الشرف من الرجل، ملاصقة لبدنه فتأكل منه، ويموت معذبًا، وكل هذا لكي يدفع الضرائب التي كانت فوق طاقة البشر ولمصلحة المرتشين. لذلك كانت النفوس مستعدة لقبول الدعوة المهدية.
ومن جهة أخرى كان اضطراب الحكم في مصر بسبب الثورة العرابية — التي تقدمت الثورة المهدية بقليل — باعثًا على إهمال الجيش المصري في السودان. وأخيرًا أوفدت الحكومة غوردون باشا حاكمدارًا للسودان وسردارًا للجيش المصري بالخرطوم، للعمل على إعادة فلوله المنقطعة في المديريات التي وقعت تحت يد المهدي، فهاجمه المهدي بجيوشه، وذُبح وهو بملابسه الرسمية ونياشينه وهو على سلم قصر الحاكم العام، وأُخذ رأسه وصار ينقل من بلد إلى آخر في السودان ليتأكد الناس أن غوردون قُتل، وأن المهدي قد انتصر. ويقول بعض المؤرخين إن التهاون في حالة الجيش المصري في السودان وإرسال غوردون باشا وتعريضه لقتل محقق بسبب ما كانت عليه الحالة عند وصوله إنما كانت خطة إنجليزية مدبرة لإخلاء السودان والعودة إلى فتحه تحت قيادة كتشنر باشا وبمشاركة جنود إنجليزية.
وبدأت دعوة المهدي في رمضان سنة ١٢٩٨ هجرية، وتوفي في ٨ رمضان سنة ١٣٠٢ هجرية، وخلفه الخليفة عبد الله التعايشي، ثم جردت الحكومتان المصرية والإنجليزية حملة نجحت في استعادة السودان بعد أن ظل محكومًا بالدراويش والتعايشة مدة ١٤ سنة. وقد تم استعادته سنة ١٨٩٩ حيث عقدت اتفاقية السودان المعروفة بين مصر وإنجلترا.
وقد عُرف المهدي بالزهد والتقشف، وكان يتعبد في غار تحت الأرض عند بيت السيد عبد الرحمن بجزيرة أبا، وقد وضع عنده أثر يدل عليه، وكان يتعبد في جزيرات وسط النيل.
وكان للسيد المهدي أولاد؛ منهم عبد الرحمن المهدي، وكان جنينًا في بطن أمه عند وفاة أبيه، وكان للمهدي وآله أملاك في جزيرة أبا، فأخذ السيد عبد الرحمن يشتري ما يملك أقاربه حتى أصبح الآن مالكًا قدرًا كبيرًا من مساحة الجزيرة كلها، ومساحتها أكثر من ٣٠ ألف فدان، ولقد ملك أراضٍ أخرى على شاطئ النيل الأبيض، وفي أرض شركة الجزيرة، ولا تُعرف بالضبط مساحة ما يملكه السيد عبد الرحمن المهدي اليوم، ولكن المزروع فعلًا عشرة آلاف، وهناك طائفة من المشروعات الهندسية لإنشاء ترع ومساقٍ وإقامة جسور ومشروعات زراعية لإصلاح بقية الأطيان وإعدادها كلها للزراعة.
وجزيرة أبا هي جزيرة مستطيلة خصبة في النيل الأبيض، طولها ٦٠ كيلو مترًا، وكانت شهرتها الأولى بالأخشاب المأخوذة من غاباتها، وكان آل المهدي يستعملون الأخشاب في بناء المراكب الشراعية. وقد باع السيد عبد الرحمن المهدي ما كان يملكه من أخشاب الغابات فحصل على ثروة كانت أساسًا لشراء ألوف الأفدنة. وكان بدء مشروعاته الزراعية زراعة ١٧٠ فدانًا من القطن السكلاريدي سنة ١٩٢٧–١٩٢٨ كتجربة، فنجحت نجاحًا باهرًا، فزاد المساحة إلى ٨٥٠ فدانًا في السنة التالية، فجاد الفدان، في المتوسط، بخمسة قناطير مصرية من القطن. وظل يزيد المنزرع عامًا بعد عام حتى وصل ما زرعه هذا العام سنة ١٩٣٤–١٩٣٥ ٣٦٠٠ فدان، وسيزرع ٥٠٠٠ فدان في سنة ١٩٣٦. ويسكن جزيرة أبا سكان آخرون لهم أملاك بها غير السيد عبد الرحمن وأقاربه. وفي أراضي شركة الجزيرة تأخذ الحكومة ٤٠ في المائة من المحصول؛ لأن الحكومة هي التي تعد الأرض والماء للزراعة، ويأخذ السيد عبد الرحمن ٦٠ في المائة. وقد دلت التجربة على أن أطيان المهدي بالجزيرة تنتج أكثر مما تنتجه أراضي الشركة الإنجليزية بالجزيرة كما سنبين بعد.
وقد أعد سماحته ١٥٠ فدانًا في جزيرة أبا لزراعة الفاكهة، وجلب لها البذور من مصر، واستولد شتلًا في الجزيرة. وجربت زراعة ستة أفدنة من الفاكهة فنجحت التجربة. وقد اقترح فضيلة الشيخ المراغي على السيد عبد الرحمن أن يأخذ الشتل من بساتين بركات أو وزارة الزراعة.
ويشتري مسيو كونتو ميخالوس جميع كميات القطن، وكلها سكلاريدس، التي تجود بها أطيان السيد عبد الرحمن المهدي.
ويزرعون في أطيان المهدي القطن على قاعدة الدورة الثلاثية؛ كانوا يزرعون في سنة قطنًا، وفي العام التالي ذرة، وفي العام الثالث يتركون الأرض خالية للتشميس، فرأوا أن الأفضل زراعة الأرض قطنًا وتركها عامين متواليين بغير أي زراعة للتشميس. وتخصص مساحة معينة لزراعة الذرة؛ ذلك أن الفلاح السوداني ليست له خبرة الفلاح المصري من حيث التسميد، ولأن الأراضي كثيرة جدًّا، وقد فرضت الحكومة عشرة قروش ضريبة على كل فدان في جزيرة أبا؛ سواء أكان مزروعًا أم لا، على أنها في كل عام تعيد النظر؛ فإذا وجدت المحصول صغيرًا والأزمة طاحنة خفضت الضريبة، وإذا كان جيدًا اكتفت بتحصيل هذه الضريبة العامة.
وينزل المطر في أغسطس وسبتمبر، وتمكث زراعة القطن ٩ شهور من أول أغسطس حتى آخر أبريل. وإردب البذرة يكفي زراعة عشرة أفدنة. والأطيان مقسمة إلى ٧٥٠ حواشة — والحواشة ٥ أفدنة (جزيرة أبا).
ثم توجهنا لدار السيد ببلدة الرحمانية بجزيرة أبا، فنحر جمل على عتبة الباب عند وصولنا، ثم جلسنا قليلًا وتناولنا طعام الإفطار.
ثم خرجنا بالسيارات إلى أطيان الجزيرة، حيث شهدنا شون القطن، وقسم الغار وشونته، وقسم دار السلام، وقسم طيبة. ولكلٍّ رئيس ومكتب وحاسبون.
ويبلغ عدد من يشتغلون في الأطيان المزروعة في جزيرة أبا لحساب السيد ٧٥٠ زارعًا فضلًا عن أسرهم، وقد أقام لهم السيد عبد الرحمن منازل ومستشفى ومدرسة كانت في نتائجها أحسن مدرسة في النيل الأبيض، نالت جائزة التفوق، ولها فرقة كشافة.
وقد تناولنا الغداء الساعة الثانية بعد الظهر. والسيد عبد الرحمن شديد العناية بفلاحي مزارعه، فقد أعد لهم المنازل، ويقوم بنفقات زواجهم ويواسيهم، وصحتهم أحسن من صحة الفلاحين الآخرين وأهنأ بالًا، ويعطي الفلاح في الشهر أجرة تتراوح بين ٢٠ و٣٠ قرشًا، فضلًا عما تقدمه الدائرة لهم من الطعام والثياب وجميع النفقات.
وفي الساعة الرابعة جلسنا في سرادق كبير وتناولنا الشاي، وشهدنا ألعاب الكشافة، وعُرضت أمامنا الجياد الأصيلة والهجن، وفي فضاء واسع يبلغ ثلاثين فدانًا نُظم استعراض من الألوف من الزرَّاع والوافدين لتحيتنا بالملابس البيضاء، وعزفت موسيقى الكشافة، وكان النظام بديعًا جدًّا.
وقد قامت كشافة المدرسة بألعاب عديدة دلت على سلامة الذوق وحسن الاختيار، وأن العناية تامة بتقدم الزراعة والحالة المحلية؛ مثل مناجاة الطيور وتقليدها والوقوف على رجل واحدة. وسد مسقي. وغير ذلك.
والسيد عبد الرحمن المهدي طويل القامة يلبس على رأسه عمامة، تشبه عمائم الحجازيين واليمنيين، وجبة وقفطانًا أبيض، وحذاء أصفر، وشالًا كشميريًّا. وقد أتم العقد الخامس من عمره المديد.
وقد ألقى فؤاد أباظة بك كلمة في شكر سماحته على حفلته الممتازة وإكرامه الذي يعجزنا عن الوصف لأننا لم نرَ له ضريبًا في مصر وغيرها ولا في جميع حفلات السودان.
وألقى الدكتور محجوب ثابت خطابًا أشار فيه إلى مناقب البيت المهدي الكرام، وإلى أن له الشرف أن تكون مسقط رأس الزعيم المهدي الكبير مسقط رأس الدكتور «دنقلة»، وأشار إلى حفاوة السيد عبد الرحمن … إلخ.
ثم وقف سماحة السيد عبد الرحمن فشكر لفؤاد بك والدكتور محجوب وتمنى للبعثة نجاحًا في مهمتها بتوطيد العلاقات الاقتصادية بين القطرين الشقيقين. وقد قوبلت الخطب بالتصفيق الحاد.
وفي مجلس السيد عبد الرحمن كان سماحته يتحدث إلينا عما بين مصر والسودان من علاقات، وما يجب أن يقوم بيننا من صلات، قائلًا إن السوداني الذي يدفع نقودًا لشقيقه المصري إنما ينقلها من جيبه إلى جيبه الآخر. وسماحته حائز للقب «سير» بسبب الإنعام عليه بنيشان الإمبراطورية البريطانية.
ولا تزال حفاوة السيد عبد الرحمن بالبعثة مثلًا بارزًا في الكرم والنظام، ولا تزال مشروعاته الزراعية مثلًا يُضرب في الصبر، وقدوة يجب أن يتبعها أصحاب الأطيان عندنا؛ فإن سماحته يستيقظ عند الساعة السادسة صباحًا ويشرف على مزارعه بنفسه، وقد تعلم نجله الفاضل السيد صديق الهندسة، وعينه والده مديرًا للدائرة يعمل فيها، ويعيش مع الفلاحين متواضعًا نشيطًا، وليس كأبناء السراة عندنا؛ كثيرون منهم لا يعرفون حدود أطيانهم، وقد لا يزورونها العمر كله. وقد استطاع السيد عبد الرحمن أن يحل مشكلة الأيدي العاطلة في السودان، وهي مشكلة عصيبة جدًّا؛ لقلة سكان السودان وعدم خبرتهم كالمصريين بالزراعة، ولقناعة السوداني بالدون، ومتى حصل على القليل آثر الراحة حتى ينفقه وبعد ذلك يبحث عن العمل.
حل السيد عبد الرحمن المشكلة بإنشاء مساكن صحية مناسبة لحياة السودانيين وبساطة معيشتهم، وعُني بتعليمهم وتطبيبهم، فاحتفظ بهذه الأيدي في المزارع أبديًّا، وساعد على ذلك اعتقاد الزرَّاع أن الله سبحانه وتعالى يثيبهم في الدنيا والآخرة على خدمتهم وإخلاصهم لسيدهم عبد الرحمن المهدي. ويقول مهندس الدائرة إن الفدان المزروع عند المهدي يكلف سماحته ثمانية جنيهات، بينما الشركة الزراعية بالجزيرة تنفق على الفدان ستة جنيهات، ولكن السيد المهدي يستفيد من وراء الزيادة إخلاصًا وأيدي عاملة موجودة دائمًا وإنتاجًا زائدًا على إنتاج الشركة.
وقد حدث في أثناء استعراض إبل المهدي أن سقط أحد راكبيها على الأرض فأُغمى عليه، فحضر السيد المهدي بنفسه وواساه، وأسعفه الأطباء، وأفاق بعد خمس دقائق شاكرًا لمولاه فضله ودعاءه وكرامته. وقد لاحظنا أن الصفوف ظلت متراصة وأن النظام لم يختل.
عدنا بعد ذلك إلى محطة كوستى، وسار القطار عند منتصف الساعة الثامنة مساءً إلى واد مدني.
برقية الأمير عمر طوسون إلى السيد المهدي
إن الحفاوة البالغة التي قابلتم بها البعثة الاقتصادية المصرية، والكرم الحاتمي الذي غمرتموها به، والجموع الحاشدة الذين خرجوا معكم لاستقبالنا وظلوا مجتمعين لتحيتها طول مدة إقامتها في ضيافتكم بجزيرة أبا — كل هذا يقابل منا ومن المصريين بعظم الغبطة والارتياح؛ إذ من شأنه أن يزيد روابط الإخاء بين مصر والسودان إحكامًا، ويوثق عرى التعاون، ويثمر أحسن الثمار بمشيئة الله تعالى في علائقهما الاقتصادية والأدبية حاضرًا ومستقبلًا. فنشكركم على ذلك أجلَّ الشكر، ونثني على أريحيتكم وشهامتكم العربية أطيب الثناء، ونهدي إليكم وإلى أخيكم ونجلكم ونجل الخليفة التعايشي وسائر آلكم وأتباعكم وآلهم أبناء السودان جميعًا خالص تحياتنا وعظيم إجلالنا واحترامنا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
برقية شكر من السيد المهدي إلى الأمير عمر
أشكركم كثيرًا على برقيتكم الرقيقة، وإني وأفراد عائلتي والجميع لمغتبطون بزيارة البعثة الاقتصادية المصرية للسودان، وشاكرون لكم هذا التقدير والثناء، ونرجو أن يكون لهذه الزيارة الأثر الحميد في إحياء الروابط الاقتصادية بين القطرين، وسيكون لسموكم فيها أكبر الأثر وأطيب الثناء، وتقبلوا منا جميعًا التحية وأزكى السلام.
الزواج والمهور
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة المحترم …
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعد، فقد وصل لعلمكم نداءنا للأخصاء من أمتنا الكريمة بالدعاية إلى الزواج ومحاربة العزوبة بقلة المهر، وبشتى الوسائل التي تسهل أمر الزواج وتجعله ميسورًا وبقدر الاستطاعة. وإنه مما يجعلنا مطمئنين على نجاح هذا الأمر الاجتماعي العظيم سلطان رب الأسرة في بلادنا على أفراد بنيه، وإنكم خير من يرجى منه النهوض بهذا الشأن؛ لكلمتكم النافذة ورأيكم الحكيم، وإن الله سبحانه وتعالى يحب من عباده من يريد الخير بهم، وإن أعظم ما يرضي الله مراعاة حرماته وعدم انتهاكها.
ولقد تفشى الفساد في النساء والأولاد، وهذا يخالف قواعد ديننا الحنيف، وينافي كرامتنا القومية وعوايدنا في حفظ عروضنا والغيرة عليها، ولا يمكن ملافاة الأمر إلا بتعميم الزواج والتساهل في المهر بقوله ﷺ: «أكثرهن بركة أقلهن مهورًا.» وقوله: «أشراركم عزابكم.» وقوله: «من تزوج فقد حفظ ثلثي دينه، فليتق الله في الثلث الثالث.» وإن الأزمة الحاضرة قد تكون مانعًا للزواج إذا لم يتساهل أولياء الزوجة في أمر المهر للحد الأدنى، وأن يتركوا الأمور غير المشروعة.
لذلك كله فقد اجتمعنا مع عدد عظيم من أهل البلد وقد قررنا الزواج بالجنيهين للبكر وواحد للثيب، وبالأكثر ٣ جنيهات للبكر وجنيهان للثيب، ولقد عقدت لولدي وابنتي وعدد يربو عن العشرة من آل بيتي بربع الدينار الذي يُباح به النكاح.
فالرجاء أن تقدروا ومن معكم من الإخوان معنا الفائدة في ذلك مع ما يترتب على الزواج من كثرة النسل الذي أرجو الله أن يكون برًّا بوالديه. وإني سأدعو لجميع من يحيي هذه السنة الحسنة في نفسه وولده بالدعاء الذي أرجو قبوله من الله الكريم، وأن يجعل لهم البركة في الرزق والذرية والسلام.