الفصل الثاني عشر
قال علوان سلطان: حمدي ما أخبار فكري وألفت؟
– يلتقيان كل ليلة.
– أتظنني لا أعرف هذا أما أنك عبيط، إنما يلتقيان في شقتي يا أستاذ.
– لا مؤاخذة، إذن فأنت تسأل عن … عن …
– عن مدى تعلقه بها.
– أظنه متعلقًا بها كل التعلق.
– أنا أريده يجن بها.
– لقد قارب على هذا.
– إذن اسمع.
– تحت أمرك.
•••
قال حمدي لفكري: ألم يأتِ الأوان أن تقدم هدية لألفت؟
– نعم، لكن من أين؟ أنت تعرف البئر وغطاه.
– البئر الذي تتكلم عنه لا ينفعنا.
– لقد ذكرتني، من أين لك كل هذه الأموال؟ بالأمس ألبست سعدية عقدًا بألف جنيه، وأنا أعلم أيضًا أن أباك يعطيك مائتي جنيه كمرتب.
– مرتب أبي هذا يصلح لليلة واحدة ناشفة.
– فمن أين؟
– أنا أشتغل.
– فيمَ؟
– لا شأن لك.
– لا شأن لي أنا يا حمدي.
– ألم يقل لك هشام شيئًا؟
– لا.
– إنه يساعدني.
– منذ متى؟
– من زمان حتى وهو في المدرسة.
– أيساعدك في الفراغ عند أبيك يا ابن المنجد.
– قبل أن تقل أدبك اسأل.
– أنت لا تريد أن تجيب.
– الليلة نلتقي عند علوان بك.
– وهو كذلك.
– قل لي، هل كلمك أبوك أو كلمتك أمك عن السهر؟
•••
قالت وهيبة: أمعقول هذا يا فؤاد الولد سهران كل ليلة لوش الصبح؟
ويضحك فؤاد: أي ولد؟
– عجيبة.
– حسبتك تقصدين فكري.
– يا رجل أتستعبط، طبعًا أقصد فكري، وهل عندنا ولد غيره.
– إذن فأنت العبيطة.
– أنا؟
– فكري لم يصبح ولدًا، فكري زملاؤه تخرجوا في الجامعة وهو الآن يعمل تاجرًا، وفكري ليس متزوجًا ولا هو مرتبط بمذاكرة، فإن لم يسهر فماذا يصنع؟ هذا هو الطبيعي.
– الطبيعي! هذا هو الطبيعي، لقد ظللت بعد زواجك الأول إلى سن الأربعين أعزب في بيت أبيك، أكنت تسهر كل ليلة؟
– لو لم تكوني خريجة جامعة لما دهشت لما تقولين، الزمن غير الزمن، أنا ظللت إلى أن مات أبي لا أجرؤ على التدخين أمامه، وكنت رجلًا وتجاوزت الأربعين وعندي المحروس فكري، الآن الآباء يصبون الويسكي لأولادهم.
– ولكنني أخاف عليه.
– أتخافين على رجلٍ مكتمل.
– أتصدق أنني لا أستغرق في النوم إلا إذا جاء هو؟
– أصدق لأنني مثلك ولكن ماذا نفعل؟
– نقول له.
– وإذا تبجح في الكلام وقال أنا رجل وأنا حر؟
– ألا يأخذ مصروفه منك؟
– طظ، إنه يستطيع من بكرة أن يعمل مع حمدي الفنجري ولا يحتاج إليَّ ولا إلى مصروفي، اسمعي يا وهبية، التجارة علمتني أن العملية التي لا أقدر عليها، أتظاهر بأنني لا أعرف عنها شيئًا.
– تقصد؟
– أقصد أن نتظاهر أننا نظن أنه يأتي إلى البيت بعد نومنا مباشرة.
– أيصلح هذا؟
– أولًا يصلح، وهل نملك شيئًا آخر؟
وتطرق وهيبة في أسًى وهي تقول: لا، فعلًا لا نملك شيئًا آخر.
•••
قال علوان: أهلًا فكري باشا.
– إذا قلت لي أنت يا باشا فماذا أقول لك؟ يا سمو الأمير!
ويضحك علوان ملء فمه ويقول: أنا أريدك باشا فعلًا.
– أنا طوع أمرك.
– أنت تذهب كل ليلة إلى الكباريه.
– نعم.
– لا تعجبني جلستك هناك.
– لماذا يا سعادة البك هل عملت شيئًا؟
– الذي لا يعجبني أنك لا تعمل شيئًا.
– مثل ماذا؟
– عقد ورق لهذه الراقصة، هدية لهذه المغنية، تحية لهذا، كأس ويسكي لآخر.
– ولكن يا سعادة … ولكن …
– أعلم، اسمع، أنت وحمدي ستذهبان غدًا في عمليةٍ من أجلي ستتم، وتعالَ قابلني بعدها.
– أمرك.
– واسمع.
– نعم.
– خذ هذا أبقه معك.
– ما هذا يا سعادة …
– مفتاح الشقة التي تذهب إليها كل ليلة دون رحمة أو شفقة، لدرجة أن الشقة كادت تقدم لي استقالة، فهي ليست متعودة على العمل يوميًّا، أبقِ المفتاح معك، فقط اسمع.
– نعم.
– يكون معك دائمًا لأنك لا تأمن أن أطلبه منك على غير انتظار.
– أمرك يا سعادة البك وألف شكر، أطال الله عمرك.
– مع السلامة.
•••
في السيارة قال فكري: علوان بك بحاله يحتاج إلى سيارتي المسكينة هذه.
– كل الحاجة.
– أنا أعتقد أن عنده بدلًا من السيارة عشر سيارات.
– وعشرين إذا أراد.
– إذن فما حاجته إلى …
– سيارة لا يعرفها أحد.
– ماذا؟
– ألم تسمع؟
– سمعت ولكن ما زلت مندهشًا.
– سيارتك باسم شخص ابن تاجر كبير واسمه لا يمكن أن يتطرق إليه شك.
– شك فيمَ؟ إلى أين سنذهب؟
– ألم تفهم؟
– الآن أكاد أفهم.
– إذن.
– مصيبة!
– وأي مصيبة في هذا؟
– جناية، أشغال شاقة مؤبدة!
– كلام فارغ.
– استعملتها كثيرًا وعلوان بك يريدها أن تختفي بعض الوقت.
– ألا تخاف يا حمدي؟
– إذا خفت أحرم من هذه الحياة التي أعيشها، والتي لم يصل إليها أبي أو أبوك إلا بعد أن شاخ كل منهما وأصبح لا يعرف كيف يعيش.
– ولكن أبي وأباك يعيشان في أمان.
– الدنيا مغامرة والفلوس إذا لم تأتِ إليك وأنت في عز الشباب فلا داعي لها.
وسكت فكري لحظات ثم قال: عندك حق.
– أتدري كم آخذ في العملية الواحدة؟
– كم؟
– خمسة آلاف جنيه.
– يا نهار أسود.
– وأنا؟
– ستأخذ مثلي وربما تأخذ أكثر في أول عملية.
– لم أمسك مثل هذا المبلغ في حياتي.
– ستمسكه وترميه أيضًا.
– قل لي أين هشام؟
– لا أدري، له أيام لم يكلمني، وكلما سألت عنه قال أبوه إنه مسافر.
– عجيبة، أنا أيضًا لم أرَه منذ بضعة أيام.