الفصل الخامس عشر
قبل أن تجلس سألها: هل ذهبت إلى موعد الأمس؟
وجلست في هدوءٍ وأشعلت سيجارة وقالت: اسمع أنا لم أذهب إلى موعد الأمس؛ لأنني أحبك ولم أرضَ أن أكسر كلامك.
– هل متأكدة أنك لم تذهبي؟
– أنت غبي.
– هل جننت؟
– لو كنت أكذب عليك ما قلت لك بالأمس إنني ذاهبة إلى موعد، هناك آلاف الأعذار. أستطيع أن أختلقها.
– لك حق، ربنا يطيل لي عمرك.
– لا، انتظر، الأمر لم ينته بعد.
– كيف؟
– أتظن أنني لن أذهب إلى مواعيد أبدًا.
– إذن تنوين أن تذهبي؟
– لا شك في هذا.
– أهذا معقول؟
– هذا أكل عيش.
– ألا يكفيك الكباريه؟
– فكر في الكلام الذي تقوله، أي شيء يمنعني الآن أن أقفل في وجهي بابًا من رزقٍ مفتوحًا على مصراعيه، ما الذي يمنعني؟
– الحب.
– الماذا؟
– الحب طبعًا.
– وما شأن الحب بهذا، الحب في القلب، وأنا أحبك الآن ولكن لا أدري غدًا ما مصير هذا الحب.
– ماذا تعنين؟
– أعني أنك ما دمت لست بزوجي فأنا عرضة لأن أحب غيرك طبعًا، حبي لك الآن هواية، ولكن أنا امرأة، الحب عندي حرفة ولا أدري ربما أجد هوايتي مع شخصٍ آخر.
– إذن فأنت تريدين الزواج؟
إذن أنا الذي أريد؟
– نعم أنت.
– أنا؟
– طبعًا أنت.
– هل يمكن هذا؟
– هذا شأنك، يمكن أو لا يمكن هذا شأنك أنت، فأنا لم أطلب منك شيئًا.
– وهذا الذي تقولينه؟
– الحقيقة.
– حقيقة سوداء.
– سوداء أو بيضاء.
– ما هي هذه الحقيقة؟
– الحقيقة أنني لا أمانع أن تستمر علاقتنا على ما هي عليه.
– وتمتنعين عن لقاء غيري؟
– أقول لك على ما هي عليه، وأنا ألتقي مع غيرك لأن هذه هي طبيعة حياتي، إذا أردت أن تغير حياتي فلا بد أن يكون هناك سبب معقول.
– أتزوجك؟ كيف؟ ماذا أقول لأبي ولأمي؟
– هذا ليس شأني.
– اسمعي اتركي لي فرصة لأقول لهما.
– أنا تحت أمرك لكن إلى أن تقول لهما تظل العلاقة على ما هي عليه.
– لا يمكن، مستحيل.
– اسمع يا فكري كن عاقلًا وفكر كما يفكر الرجال، إذا أردت الصلة بيننا أن تستمر كما هي نلتقي كلما سنحت فرصة، وبعد ذلك أنا حرة وأنت حر أنا تحت أمرك. تريدني أن أكون لك فقط لا بد أن يكون هناك سبب أبرر به لنفسي انقطاعي عن موردٍ ضخم من مواردي.
– ألا أقول لأبي وأمي؟
– ماذا ستقول لهما؟
– أننا سنتزوج.
– وماذا سيقولان، حين تقول لهما سأتزوج راقصة أعاشرها معاشرة الأزواج دون زواج، ماذا تنتظر أن يقولا؟ ألف مبروك ربك يهنيك بها ونريد منكما الأحفاد.
وصمت فكري فترةً ثم قال: طبعًا لا يمكن.
– إذن؟
– إذن.
– إذا كنت أنت مقتنعًا بالزواج نتزوج ثم نجعلهما أمام الأمر الواقع.
– وهو كذلك، قومي بنا.
– إلى أين؟
– نتزوج.
– وأين سنعيش.
– أليس عندك شقة؟
– افرض، أترضى أن تعيش في شقةٍ كنت ألتقى فيها بغيرك.
– مؤقتًا.
– وبعد ذلك؟
– اسمعي، أنا عندي فكرة.
– ما هي؟
– قومي بنا.
•••
– سعادة البك.
– نعم يا فكري باشا؟
– أنا عرفت ألفت في بيتك فمن حقك عليَّ إذا أردت الزواج منها أن أخطبها منك.
– صحيح ألف مبروك، ألف مبروك يا فكري، هل أنت موافقة يا ألفت؟ طبعًا موافقة وإلا لما كنت أتيت معه، الليلة تتزوجان هنا، وأقيم لكما الفرح وتعتذرين الليلة عن الكباريه، أنا الذي سأعد الفرح بنفسي، والشقة تحت أمرك.
– أطال الله عمرك.
– حتى تعد لنفسك شقة، أنت الآن تكسب ألوفًا.
وتقول ألفت: وأنا سأؤجر شقتي مفروشة.
– لا يخشى عليك يا بت. كيف استطعت أن توقعي الولد في هذه الفترة البسيطة، لا تقولي شيئًا، هو الملعون الحب، عرفته.
ويقول فكري: إنك يا بك تصنعه على يدك، وهل في العالم من يعرفه مثلك؟
•••
تم الزواج وحين رجع فكري إلى البيت كان صوت المؤذن يصيح بالناس «الصلاة خير من النوم»، ولحقت به أمه بعد أن خلع الجاكتة.
– سهران للفجر يا فكري؟
وفي سرعةٍ وذكاء وجد نفسه يقول: أنا أبدًا، إنني ألبس لألحق بصلاة الفجر.
وفغرت وهيبة فاها: ماذا؟ منذ متى؟
– منذ الآن يا ماما، كنت بالأمس في حضرة وتبين لي أن صلاة الفجر تنشط الإنسان، وتجعله مبروكًا في كل ما يقوم به من عملٍ أثناء يومه.
وصمتت قليلًا ثم قالت: وهل قالوا لك في الحضرة إن صلاة الفجر جائزة بغير وضوء.
وضحك فكري ضحكة مغتصبة، وأسعفه ذكاؤه: أهذا كلام يا ماما، سأتوضأ في الجامع حتى لا تفوتني صلاة الجماعة.
وأدركت وهيبة كذبه ولكن حلا لها أن ينزل بنفسه ما أراد لها من عدم النوم فقالت: يا بني ألف مبروك، سأوقظك كل يوم لتصلي إن شاء الله.
وصرخ فكري: لا، في عرضك، أنا سأضبط المنبه في الأيام التي لا أكون منهكًا فيها، إن الله غفور رحيم.
– هذه هي الصفة الوحيدة التي تعرفها، على كل حال لا بأس ما دمت تعرف صفة من صفات الله، مع السلامة يا بني.
– مع السلامة يا ماما.