الفصل الخامس
كان طبيعيًّا أن تزداد الصلة توثقًا بين سويلم والحاج محمدين وفؤاد وأسرته الجديدة، وهكذا لم يكن غريبًا أن يفرح سويلم فرحًا صادقًا، حين أنجبت وهيبة ولدها الأول فكري بعد تسعة أشهر من زواجها، وحين حمل الهدية إلى بيت الحاج محمدين حيث يقيم فؤاد ووهيبة لم ينس أن يقول: بينه وبين مجدي عامٌ واحد، وإن شاء الله الحب الذي بيننا يستمر في ولدينا.
وحين مات الخواجة لمبرو بعد ذلك بسنواتٍ لم يكن سويلم قد أطلع الحاج محمدين بما صنعه معه الخواجة لمبرو.
صفَّى سويلم أعماله بالزقازيق وأقفل شقة الزقازيق، مستبقيًا لها لتكون سكنًا له إن جاء إلى الزقازيق، وقد نقل العقد إلى اسمه دون أن يجد أي عراقيل من الخواجة مارك صاحب العمارة، واستنتج من ذلك أن الخواجة لمبرو لم يخفِ عن مارك ما فعله.
وفي القاهرة نزل مع زوجته وابنه في فندق، وتركوا الحقائب واتجهوا من فورهم إلى بيت الحاج محمدين، وحين استقرت بهما الجلسة قص سويلم على الحاج وفؤاد ووهيبة ما صنعه الخواجة، وكان الحاج في شيخوخته ومن العسير على أحدٍ أن يجعله ينبهر لشيءٍ أو يندهش، ولكنه لم يستطع مع حديث سويلم إلا أن يسفر عن ذهولٍ ساطع: ألف مبروك يا سويلم، ولماذا أخفيت عليَّ هذا؟ أنت تعلم كم يفرح له هذا البيت؟
– يا آبا الحاج الأمور تلاحقت كأنما حلمٌ متصل، أنا لم أكن أدري شيئًا على الإطلاق، ولم أكن أتصور، إلى أن فاجأني المرحوم بهذا الخبر قبل وفاته بأيامٍ لم تكتمل شهرًا، ومرضه جعلني ألازمه ملازمةً تامة، وربما احتاج العمل أن أحضر إلى القاهرة، ولكنني امتنعت خشية أن يظن الرجل أنني لم أعد أعنى به بعد أن تنازل لي عن أمواله، وربما خشيت أيضًا أن يظن أنني تركته لأحضر إليك خصيصى وأخبرك بما كان، فيشعر كأنني كنت أنتظر ما صنعه أو أتوقعه، والحقيقة يا حاج أنني منذ قال المرحوم ما قال وأنا في ذهول، أنا رجلٌ فقير يا ابا الحاج وهذه المبالغ نسمع عنها ولا نتصور أن نتعامل معها أبدًا.
وقال الحاج: أنت رجل طيب يا سويلم، وقد بقيت وفيًّا للرجل، وقدَّر هو معروفك وأمانتك.
وقال فؤاد: والله إنك تستاهل أكثر من هذا.
وقالت وهيبة: الوفاء والأمانة في هذا الزمن يستحقان ما نلته يا سويلم.
قال سويلم: الرجل قال لأقاربه حتى لا يسألني أحد، وكتب ورقةً قال فيها إنه لا يملك شيئًا على الإطلاق يحميني بها من الضرائب ومن الجميع.
وقال فؤاد: وماذا تنوي أن تفعل؟
– وهل فكرت؟ وهل أدري؟ ها أنا ذا جئت لكم وأنا ليس لي أهل إلا أنتم.
ونظر فؤاد مليًّا إلى سويلم ودار بعينيه في الجالسين، كان الطفلان يلعبان في حجرةٍ أخرى فقال فؤاد فجأة: وهيبة ألا تأخذين قريبك وزوجته إلى حجرة مكتبك، وتأمرين لهما بفنجان قهوة آخر. واجعليه سكر زيادة مثل الشربات.
وضحكوا وفهمت وهيبة الإشارة التي لم تخفَ عن سويلم ونعمات، وقام ثلاثتهم وانفرد فؤاد بأبيه ولم يطل انفراده به ثم نادى: وهيبة، تعالوا.
وحين جلسوا قال فؤاد: أبوك الحاج سيأخذ منك خمسة آلاف جنيه.
وابتسم سويلم: والمبلغ كله والله العظيم وأنا الكسبان وهذا هو الشيك.
وضحك الحاج محمدين في سعادةٍ وانشراح، وقال له: اكتب الشيك.
وفعلًا كتب سويلم الشيك وسلمه للحاج، وأمسك الحاج به وراح يهزه: هكذا دون أن تسأل لماذا أو فيمَ أو تطلب إيصالًا؟
– أتريد أن أكتب شيكًا ببقية ما أعطاه لي الخواجة، وبدون إيصال أيضًا وحياة مجدي.
وضحك الجميع وقال فؤاد: أطال الله لك عمره، ما لك كسلت بعده ولم تأتِ بأخ؟
– أخ. أفهم من هذا أن الست وهيبة حامل.
– العقبى لنعمات.
– ألف مبروك.
– ألف مبروك، سويلم لا يريد أن آتي لمجدي بأخٍ أو أخت.
وقال الحاج: ربما غير رأيه الآن بعد أن صار من الأغنياء.
وقال سويلم: لا والله يا حاج، الأمر وما فيه أنني أريد أن أكرس حياتي كلها لمجدي، وبالعكس بعد ما جاءتني هذه الثروة أصبحت أتصور أنها حقه هو، ولا يجوز أن يشاركه فيها أحد.
– ربنا يبارك فيه، اسمع إذن الكلام المفيد، بجانب محلاتنا أنا وأخوك فؤاد لنا مخزن بابه مقفل، لم يعد له لزوم عندنا الآن، بعد أن اشترينا مخزنًا كبيرًا واسعًا في السيدة زينب.
– شيء لله يا رئيسة الديوان.
– ربنا يجعلنا من بركاتها، هذا المخزن وصل ثمنه أمس إلى ستة آلاف جنيه، أنا بعته لك بخمسة آلاف، وأنت وفؤاد تتحدثان بعد هذا على مهلكما في كيفية فتح محل لك بجانب محلاتنا، وبذلك تكون محلاتنا قد زادت بابًا، فمحلك محل جديد لنا، وعلى بركة الله اكتبي العقد يا ست وهيبة.