الفصل السادس
بدأ سويلم تجارته الثابتة واحتفل به الحاج محمدين وابنه فؤاد، وبذلك أعلنا للحي أجمع أن التاجر الجديد ليس منافسًا وإنما هو واحد من الأسرة.
ولكن الأيام تأبى أن تمضي في مجرى واحد لها، ولكل حياةٍ غاية، وكانت حياة الحاج محمدين قد بلغت غايتها، واختاره الله إلى جواره قرير العين بابنه وبحفيديه فكري وإلهام وبعائشةٍ ابنته وأبنائها وبناتها الذين أصبحوا أربعة نفر.
قريرًا بذلك الفتى الذي عرفه فلاحًا قادمًا كعودٍ أخضر من بلده بالشرقية، حتى صار أحد تجار المنطقة موفور المال عزيز النفس كريمًا على نفسه وعلى الناس.
ذهب الرجل في موعده إلى لقاء الحي القيوم، وترك الدنيا وقد حققت له من المال ما نظر إليه.
•••
البيت منذ اللحظة الأولى لم يعجب وهيبة، ولكنها لم تشأ أن تدخل بيتًا فتشتت شمله وتفرق جمعه، وسويلم أقام بعد أيامٍ من قدومه في شقةٍ صغيرة اعتبرها مسكنًا مؤقتًا، فلم يكن غريبًا أن تدعو وهيبة سويلم وزوجته إلى الغداء حين الطفلان في المدرسة، وبعد الغداء يتضح ما تبيِّته وهيبة.
– صلوا على النبي جميعًا.
– وعليه ألف صلاة وألف سلام.
– هذا الغداء غداء عمل.
وقف فؤاد في حركةٍ سريعة ذكية: الله أكبر، ستغير بيتك يا سويلم.
وصفقت له وهبية: ما هذا الذكاء؟
وضحكوا جميعًا وقال سويلم: هل سأغير بيتي وحدي؟
وقال فؤاد في استسلام: أنا كنت أعرف مصيري وليس في الأمر مفاجأة لي، أما أن تدعوك أنت ونعمات، فهي إذن قد بيَّتت أمرًا لي ولك ووقعتنا …
ويقاطعه سويلم: بيضاء إن شاء الله، قولي.
وقالت وهيبة: أنتما تاجران، أليس كذلك؟
ويقول فؤاد: المقدمة مخيفة يا ولد يا سويلم.
وتقول نعمات: يا أخي انتظر حتى نرى ماذا تريد الشابة أن تقول.
وتقول وهيبة: قولي له والنبي، بدلًا من أن ننتقل إلى شقةٍ بالإيجار أنا وجدت عمارة بأكملها في المعادي.
ويرين الجِد على الحاضرين ويأخذ الرجلان في التفكير، وبعد صمتٍ ليس طويلًا يقول سويلم: لمن العمارة هذه؟
وتقول وهيبة: نشتريها معًا.
ويقول سويلم: أما أننا أخوة فهذا لا شك فيه، لكن المشاركة في الملك ليست مشاركة بيننا نحن، وإنما مشاركة بين أبنائنا، مثلًا أنا شايف أصدقاء فكري غير أصدقاء مجدي، ونحن حين نشتري ملكًا إنما نشتريه لهم.
ويقوم فؤاد ويقبل سويلم: أنت رجل بعيد النظر وصادق الأخوة، وربنا أعطاك الذكاء من عنده.
وتصمت وهيبة لحظات ثم تقول: وأنا أيضًا يا ستي، فؤاد لا يقل عنه ذكاء وكنت عارفة أنه سيقول هذا، وإنما خشيت أن أقول إن العمارة لك وحدك فيظن أننا نبعده عن صفقةٍ تجارية رابحة، وعلى كل حال أنا دبرت الأمر، أو أعتقد أن ربنا دبرها من عنده أحسن تدبير، عمارة كبيرة بها شقتان متجاورتان سنفتح إحداهما على الأخرى، ويكون هذا سكننا نحن يا أبا فكري وأبا أخته إلهام، وفي الشارع الذي خلفها مباشرة عمارة صغيرة محندقة لأبي مجدي.
ويصيح فؤاد: بكم؟
وتقول وهيبة: أنت ستبيع البيت وتعطي عائشة نصيبها، وأنت يا سويلم تستطيع شراء العمارة المحندقة بكل سهولةٍ إن شاء الله.
ويقول سويلم: ما رأيك يا نعمات؟
وتقول نعمات في إيمان: توكل على الله.
وتصيح وهيبة: يحيا التوكل على الله، وقد عزمت على بركة الله أن أتولى تعليم مجدي مع فكري طول فترة الدراسة حتى الثانوية، هذا بالنسبة لمن يختار منهما القسم الأدبي، ما دمنا قد أصبحنا جيرانًا في البيوت فمن حق مجدي هذا.
ويصيح فؤاد: أنت اشتريت وبدأت تعطي دروسًا.
وتقول وهيبة: نعم.
ويقول فؤاد في تحدٍّ مازح: طيب روحي ادفعي الثمن إذن.
وتصيح وهيبة: وهل كنت أنتظر أوامرك؟ لقد دفعت العربون وحياة والدك.
ويذهل فؤاد: من أين؟
– من مهري الذي دفعته لأبي، ربنا يطيل لي عمره أعطاه لي جميعًا، ولم أنفق منه شيئًا ودفعته عربونًا.
ويضحك الجميع ويقول فؤاد: تجعلينني مدينًا رغم أنفي.
وتقول وهيبة: خيرك سابق يا أبا فكري لا ترد الدين إذا شئت، وما البأس أن يكون لي طوبة في عمارتك دفعت ثمنها ولا يهمك.
ويعم نوعٌ من روح الأسرة الأمين على الجالسين، ويسارع فؤاد: اسألها يا ولد يا سويلم ربما تكون قد دفعت لك العربون أنت الآخر.
وتقول وهيبة: يا ليت والله لو كان عندي ما تأخرت.
ويقول سويلم: وأين هاتان العمارتان في المعادي؟
– أليست سيارتك هنا يا فؤاد؟ هيا بنا نتمم كل شيء. معك دفتر شيكاتك يا سويلم؟
– توكلنا على الله.