الفصل الثامن
سميحة مخطوبة لابن عمها وجدي عبد الراضي منذ هما طفلان، وقد تخرج وجدي في عامه هذا في كلية التجارة، وأعد أبوه له شقة للزواج بعد أن باع عشرة أفدنة من العشرين فدانًا التي يملكها، وتقدم الأخ رسميًّا إلى أخيه يطلب يد ابنته لابنه، وقبل الأب الخطوبة وهلل بها ونادى: سميحة.
وكانت سميحة قد أحست من مجيء عمها المفاجئ ما سيتأدى إليه الحديث، وقد كانت صلتها بابن عمها واهية، فهو يسكن في الإسكندرية مع أبيه الذي يعمل هناك في وزارة الكهرباء، وكانوا هم يصطافون في رأس البر، فلم تكن ترى ابن عمها إلا في مناسباتٍ قليلة وزوجة أبيها لم تكن تذكره لها مطلقًا، فهي لا تنسى أن عمها وزوجته جليلة لم يكونا راضيين عن زواج أبيها منها، وكيف لهما أن يرضيا وقد كانا سيرثان نصف ثروة فريد، إذا هو لم يتزوج ولم ينجب ولدًا.
فوجدي هذا كان بعيدًا عن تفكير سميحة كل البعد، وهي تعلم أن أمه مزحت مع أمها وهما أطفال وخطبتها له، ولكن الطريقة التي روى أبوها بها هذه القصة كانت لا تنبئ عن أي جد.
ولكنها مع ذلك حين علمت أن وجدي تخرج، لم تستطع أن تمنع وساوس خوف أن تداخلها، واليوم وعمها في حجرة الاستقبال مع أبيها، وأبوها يناديها يتحقق خوفها.
وينادي الأب مرةً أخرى: يا سميحة. ولكن ليس له مجيب.
ويقول فريد: قومي يا فوزية ناديها.
ويقول العم عبد الراضي: قومي يا ست فوزية الله يرضى عليك.
وتقوم وتدخل وقبل أن تقفل الباب تقول سميحة: لا.
– أي لا؟
– لن أذهب.
– وهل عرفت فيمَ؟
– عرفت كل شيء، المسألة لا تحتاج إلى ذكاء.
– وماذا نقول لعمك؟
– هذا شأن أبي، لا شأني.
– اسمعي يا سميحة أنت تعرفين أنني لا أحب عمك عبد الراضي، وهذا يا بنتي شيء طبيعي فهو لم يرحب بي في الأسرة، ولكن حتى أكون عادلة هو معذور، كان طامعًا ولم يصبح الطمع اليوم سفالة، الدنيا أصبحت مطالبها كثيرة، وطبيعي أن يفكر كل إنسان في مصلحة نفسه.
– ومن أين كان يعلم أنه سيرث أبي؟ ولماذا لم يفكر أن أبي قد يعيش بعده؟ إنه أكبر من أبي.
– مع الطمع لا منطق يا سميحة.
– ولكن يا تنت أنا لا أعرف وجدي، أنا لم أرَه في حياتي إلا مرات قليلة تعد على الأصابع.
– ولكنه مع ذلك ابن عمك، وماذا نستطيع أن نقول الآن؟
– لا أعرف وإنما أنا أرفض.
– لقد أحضر الشبكة معه.
– إذن فهو يعتبر الأمر منتهيًا.
– عم يخطب ابنة أخيه لابنه المتخرج في كلية التجارة، ماذا يمكن أن يكون المانع؟
– وهل ابنة الأخ هذه ليست إنسانة؟
– سميحة، اسمعي أنا بالنسبة إليك …
– والله يا تنت أنا أعتبرك مثل ماما وأكثر؛ لأن الأم تحب ابنتها بالغريزة، ولو كانت أمي موجودة كان لا يمكن تقدم لي أكثر مما تقدمين أنت.
إذن فاسمعي يا بنتي أنا الآن في مركزٍ حرج، إذا خرجت وقلت إنك رافضة أو تريدين أن تفكري، أو أي كلمة من الكلمات التي تقال في مجال الرفض هذه، سيظن عبد الراضي أنني أنا التي أغريتك بهذا.
– وهل تقبلين أنت يا تنت أن أضيع حياتي من أجل حرج مؤقت؟
– لك حق يا بنتي، فعلًا هذا ليس عدلًا، الآن لا بد أن يحمل كل إنسان مسئوليته.
وفتحت الباب ونادت: يا فريد.
– نعم؟
– تعالَ أريدك في كلمة.
وهمست سميحة: ربنا يطيل عمرك يا تنت، قلت أريدك ولم تقولي سميحة.
ويدخل فريد: ماذا؟
– أنا لن أتزوج وجدي.
– ماذا؟ هل جننت؟!
– هل أصبح مجنونة حين أرفض شخصًا لا أريده؟
– ولماذا لم تقولي هذا من قبل؟!
– وهل سألتني؟
– ألم أقل لك إن أمه خطبتك من المرحومة.
– أتعتقد بهذا أنك قلت لي؟
– وحين كنا نلتقي ألم تسمعي الإشارات التي كانت أمه تقولها؟
– هل تعني هذه الإشارات أنك سألتني ووافقت؟ إنها إشارات تتناثر كلما اجتمع شاب وشابة.
– والآن ماذا أعمل؟ وجدي هنا وأبوه وأمه ومعهم الشبكة ويريدون أن يتفقوا على تحديد يوم الخطبة.
– أترضى لي يا بابا زواجًا بهذه الطريقة؟
– يا بنتي نحن لم نرفض.
– ولكنني لم أُسأل حتى أقبل أو أرفض.
– وماذا أعمل الآن؟
وقالت فوزية: أنت طبعًا لن تجبر البنت على زواجٍ لا تريده.
– أنا مرغم.
– ماذا تعني؟
قالت سميحة: اسمع يا بابا نحن في جيلٍ لم تعد الفتاة فيه تتزوج رغم أنفها، وأنا معي الثانوية العامة.
وأدرك الأب كل شيء، وأدرك أيضًا أن صوتها بدأ يعلو فقال: طيب، طيب، اسكتي.
وقالت فوزية: أتتصور أنك ستزوج فتاة جامعية رغم أنفها؟
وقال فريد وقد أدرك الموقف تمامًا: لا يمكن.
ثم نظر إلى ابنته نظرةً عميقة وقال: وحتى لو أردت لا أستطيع.
وقالت سميحة وقد ارتجفت كل مشاعر البنوة فيها: بابا، أنا ليس لي غيرك، وعندي الموت خيرٌ من لحظة غضب منك عليَّ، ولكن الموت أيضًا أهون من زواجٍ لا أريده، إنها حياة بأكملها كيف سأعيشها مع شخصٍ لا، لا، لا، لا أوافق على الزواج منه؟
وقالت فوزية: اسمع يا فريد، اخرج أنت الآن وأنا سأمنع عنك الحرج وستكون سعيدًا إن شاء الله، فقط اعلم أن سميحة لن تتزوج وجدي.
– لن تتزوج إلا إذا …
– لن أقبله مطلقًا إذا لم يبقً من الرجال إلا هو.
– إذن لن تتزوج وجدي.
وقالت سميحة: اتفقنا، اخرج أنت الآن.
– ماذا أقول لهم؟
– قل لهم سميحة آتية حالًا.
وتصيح سميحة: تنت.
وتقول فوزية في حسم: اسكتي أنت، اخرج يا فريد.
ويخرج فريد وتقول فوزية: أنت تعرفين الآن أنك لن تتزوجي وجدي.
– كيف أعرف؟
– إن الأمر في يدك وحدك وقد أوضحت هذا لأبيك، ولم يعد شيئًا خافيًا الآن، أنت وحدك تملكين مصير نفسك.
وتبتسم سميحة وتنعم النظر في عيني زوجة أبيها: أنت في غاية الذكاء.
– وأنا معجبة بك، حقك وتمسكت به ولكن يبقى شيء هام.
– بابا.
– ما رأيك؟
– موقفه صعب.
– أترضين له هذا أمام أخيه وابن أخيه وزوجة أخيه؟
– لا، أنا مضطرة.
– إلى ماذا؟
– إلى الرفض.
– هذا أمرٌ اتفقنا عليه.
– إذن.
– ألم تفهمي؟
– أتظاهر بالقبول.
– والشبكة ليست كتب كتاب.
– موافقة.
– البسي.