الثَّعْلَبُ وَطَائِرُ اللَّقْلَقِ
ذَاتَ مَرَّةٍ كَانَ الثَّعْلَبُ وَطَائِرُ اللَّقْلَقِ مُتَحَابَّيْنِ يَتَزَاوَرَانِ
وَتَجْمَعُهُمَا صَدَاقَةٌ حَمِيمَةٌ؛
١ لِذَا دَعَا الثَّعْلَبُ صَدِيقَهُ اللَّقْلَقَ إِلَى الْغَدَاءِ، وَعَلَى
سَبِيلِ الْمِزَاحِ لَمْ يَضَعْ أَمَامَهُ غَيْرَ بَعْضِ الْحَسَاءِ فِي طَبَقٍ ضَحْلٍ
٢ جِدًّا، فَكَانَ بِإِمْكَانِ الثَّعْلَبِ أَنْ يَلْعَقَ هَذَا الصَّحْنَ
بِسُهُولَةٍ بَيْنَمَا لَمْ يَمْلِكِ اللَّقْلَقُ إِلَّا أَنْ يُبَلِّلَ فِيهِ طَرْفَ
مِنْقَارِهِ الطَّوِيلِ. وَفَرَغَ مِنَ الْوَجْبَةِ وَهُوَ عَلَى جُوعِهِ الَّذِي بَدَأَ
بِهِ، فَقَالَ لَهُ الثَّعْلَبُ: «مَعْذِرَةً، يَبْدُو أَنَّ الْحِسَاءَ لَا يَرُوقُكَ.»
٣ فَقَالَ اللَّقْلَقُ: «أَرْجُوكَ لَا تَعْتَذِرْ، وَأَنْ تَرُدَّ لِي هَذِهِ
الزِّيَارَةَ فَتَأْتِيَ لِلْغَدَاءِ عِنْدِيَ فِي أَقْرَبِ وَقْتٍ.»
لِذَا فَقَدِ اتَّفَقَا عَلَى مَوْعِدٍ يَحْضُرُ فِيهِ الثَّعْلَبُ لِزِيَارَةِ
اللَّقْلَقِ، وَعِنْدَمَا حَانَ الْوَقْتُ وَجَلَسَا إِلَى الْمَائِدَةِ كَانَ كُلُّ
الْغَدَاءِ الْمُعَدِّ لَهُمَا مَحْصُورًا فِي وِعَاءٍ لَهُ رَقَبَةٌ طَوِيلَةٌ جِدًّا،
بِحَيْثُ لَمْ يَتَمَكَّنِ الثَّعْلَبُ مِنْ أَنْ يَدُسَّ فِيهِ أَنْفَهُ، وَكُلُّ مَا
أَمْكَنَهُ فِعْلُهُ هُوَ أَنْ يَلْعَقَ الْوِعَاءَ مِنَ الْخَارِجِ. هُنَا قَالَ
اللَّقْلَقُ: «إِنَّنِي لَا أَعْتَذِرُ عَنِ الْغَدَاءِ؛ دَقَّةٌ بِدَقَّةٍ.»