الذِّئْبُ وَالْكُرْكِيُّ
كَانَ الذِّئْبُ يَلْتَهِمُ حَيَوانًا افْتَرَسَهُ، إِذِ انْحَشَرَتْ فِي زَوْرِهِ فَجْأَةً قِطْعَةٌ صَغِيرَةٌ مِنَ الْعَظْمِ كَانَتْ فِي اللَّحْمِ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ ابْتِلَاعِهَا، وَأَحَسَّ مِنْ فَوْرِهِ بِأَلَمٍ رَهِيبٍ فِي زَوْرِهِ، وَجَعَلَ يَعْلُو وَيَهْبِطُ، وَيِئِنُّ وَيَئِنُّ، وَيَبْحَثُ عَنْ شَيْءٍ يُخَفِّفُ عَنْهُ أَلَمَهُ. حَاوَلَ الذِّئْبُ أَنْ يَحُثَّ كُلَّ مَنْ يُقَابِلُهُ عَلَى أَنْ يَنْزِعَ قِطْعَةَ الْعَظْمِ قَائِلًا لَهُ: «سَأَمْنَحُكَ أَيَّ شَيْءٍ تُرِيدُهُ إِذَا أَنْتَ أَخْرَجْتَهَا.» وَأَخِيرًا وَافَقَ الْكُرْكِيُّ عَلَى أَنْ يُحَاوِلَ، وَطَلَبَ مِنَ الذَّئْبِ أَنْ يَرْقُدَ عَلَى جَنْبِهِ وَيَفْتَحَ فَكَّيْهِ كَأَوْسَعِ مَا يَسْتَطِيعُ، عِنْدَئِذٍ أَدْخَلَ الْكُرْكِيُّ رَقَبَتَهُ الطَّوِيلَةَ دَاخِلَ زَوْرِ الذِّئْبِ، وَجَعَلَ يُخَلِّصُ الْعَظْمَةَ بِمِنْقَارِهِ إِلَى أَنْ تَمَكَّنَ فِي النِّهَايَةِ مِنْ إِخْرَاجِهَا.
قَالَ الْكُرْكِيُّ لِلذِّئْبِ: «هَلْ سَتَتَكَرَّمُ بِأَنْ تَمْنَحَنِي الْمُكَافَأَةَ الَّتِي وَعَدْتَ بِهَا؟»
•••
«الْعِرْفَانُ وَالطَّمَعُ لَا يَجْتَمِعَانِ.»