الشَّجَرَةُ وَالْبُوصَةُ
قَالَتِ الشَّجَرَةُ يَوْمًا لِبُوصَةٍ نَابِتَةٍ عِنْدَ قَاعِدَتِهَا: «حَقًّا أَيَّتُهَا الصَّغَيرَةُ، لِمَاذَا لَا تَغْرِسِينَ أَقْدَامَكَ عَمِيقًا فِي الْأَرْضِ وَتَرْفَعِينَ رَأْسَكَ بِجَرِاءَةٍ فِي الْجَوِّ كَمَا أَفْعَلُ أَنَا؟» قَالَتِ الْبُوصَةُ: «إِنَّنِي رَاضِيَةٌ بِنَصِيبِي، رُبَّمَا لَا أَكُونُ عَظِيمَةً مِثْلَكِ، وَلَكِنِّي أَعْتَقِدُ أَنَّنِي أَكْثَرُ أَمَانًا.» قَالَتِ الشَّجَرَةُ سَاخِرَةً: «أَمَانًا؟! مَنْ ذَا الَّذِي يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْتَلِعَنِي مِنْ جُذُورِي أَوْ يَثْنِي رَأْسِي إِلَى الْأَرْضِ؟!»
وَلَكِنْ مَا عَتَّمَ١ أَنْ جَاءَ الْيَوْمُ الَّذِي نَدِمَتْ فِيهِ الشَّجَرَةُ عَلَى غُرُورِهَا؛
فَقَدْ هَبَّتْ عَاصِفَةٌ اقْتَلَعَتْهَا مِنْ جُذُورِهَا وَرَمَتْ بِهَا عَلَى الْأَرْضِ
جِذْعًا لَا قِيمَةَ لَهُ، بَيْنَمَا انْحَنَتِ الْبُوصَةُ الصَّغِيرَةُ لِقُوَّةِ
الرِّيحِ، فَمَا لَبِثَتْ أَنِ اسْتَوَتْ قَائِمَةً مَرَّةً ثَانِيَةً عِنْدَمَا هَدَأَتِ
الْعَاصِفَةُ.
•••
«نِعْمَ الْحِصْنُ الْخُمُولُ.»٢
١
مَا عَتَّمَ: مَا لَبِثَ.
٢
الْخُمُولُ: خُمُولُ الذِّكْرِ، وَقِلَّةُ الشُّهْرَةِ، وَضَآلَةُ الشَّأْنِ.
نِعْمَ الْحِصْنُ الْخُمُولُ: أَيْ إِنَّ الشَّخْصَ الْمَغْمُورَ فِي حَصَانَةٍ
وَأَمَانٍ مِنَ الْخَطَرِ وَالِاسْتِهْدَافِ.