صَبِيُّ الرَّاعِي
كَانَ هُنَاكَ صَبِيٌّ رَاعٍ يَرْعَى غَنَمَهُ عَلَى سَفْحِ الْجَبَلِ بِالْقُرْبِ
مِنْ
غَابَةٍ مُظْلِمَةٍ، كَانَ ذَلِكَ يُوقِعُ فِي قَلْبِهِ الْوَحْشَةَ طَوَالَ النَّهَارِ؛
وَلِذَلِكَ فَكَّرَ الصَّبِيُّ فِي خُطَّةٍ يُمْكِنُهُ بِهَا أَنْ يَظْفَرَ بِشَيْءٍ
مِنَ
الِائْتِنَاسِ وَشَيْءٍ مِنَ الْإِثَارَةِ، فَانْدَفَعَ نَازِلًا إِلَى الْقَرْيَةِ
مُسْتَنْجِدًا: «ذِئْبٌ! ذِئْبٌ!» فَهُرِعَ١ أَهْلُ الْقَرْيَةِ لِنَجْدَتِهِ، وَمَكَثَ بَعْضُهُمْ مَعَهُ٢ فَتْرَةً طَوِيلَةً مِنَ الْوَقْتِ، أَمَّا الصَّبِيُّ فَقَدْ رَاقَهُ هَذَا الْأَمْرُ٣ حَتَّى إِنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِبِضْعَةِ أَيَّامٍ كَرَّرَ الْخُدْعَةَ
نَفْسَهَا، وَأَقْبَلَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ لِنَجْدَتِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَمْضِ وَقْتٌ
طَوِيلٌ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى قَدِمَ ذِئْبٌ حَقًّا مِنَ الْغَابَةِ وَبَدَأَ يُنَاوِشٌ
الْأَغْنَامَ، فَصَرَخَ الصَّبِيُّ فِي الْحَالِ: «ذِئْبٌ! ذِئْبٌ!» بِصَوْتٍ أَعْلَى
مِنْ
ذِي قَبْلُ، إِلَّا أَنَّ أَهْلَ الْقَرْيَةِ الَّذِينَ خُدِعُوا مَرَّتَيْنِ مِنْ قَبْلُ
ظَنُّوا أَنَّ الصَّبِيَّ يَخْدَعُهُمْ مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمْ يَتَحَرَّكْ أَحَدٌ
لِنَجْدَتِهِ.
وَهَكَذَا نَالَ الذِّئْبُ وَجْبَةً جَيِّدَةً مِنْ قَطِيعِ الصَّبِيِّ، وَعِنْدَمَا شَكَا الصَّبِيُّ إِلَى حَكِيمِ الْقَرْيَةِ قَالَ لَهُ الْحَكِيمُ: «يُوشِكُ الْكَذَّابُ أَلَّا يُصَدِّقَهُ أَحَدٌ، حَتَّى إِذَا قَالَ الْحَقِيقَةَ.»
١
هُرِعُوا: أَسْرَعُوا.
٢
مَكَثُوا مَعَهُ: بَقُوا مَعَهُ.
٣
رَاقَهُ هَذَا الْأَمْرُ: أَعْجَبَهُ وَطَابَ لَهُ.