الْمُهَرِّجُ وَالْقَرَوِيُّ
فِي سُوقٍ مَوْسِمِيَّةٍ رِيفِيَّةٍ كَانَ هُنَاكَ مُهَرِّجٌ جَعَلَ النَّاسَ يُغْرِقُونَ فِي الضَّحِكِ بِتَقْلِيدِ الْحَيَوَانَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَفِي خِتَامِ عَرْضِهِ أَخَذَ يَصِيءُ كَالْخِنْزِيرِ، فَكَانَ صَوْتُهُ مُطَابِقًا لِصَوْتِ الْخِنْزِيرِ بِحَيْثُ ظَنَّ الْمُتَفَرِّجُونَ أَنَّهُ يُخَبِّئُ خِنْزِيرًا بِالْقُرْبِ مِنْهُ.
إِلَّا أَنَّ قَرَوِيًّا مِنَ الْحَاضِرِينَ قَالَ: «أَتُسَمُّونَ هَذَا صَوْتَ خِنْزِيرٍ؟! هَذَا أَبْعَدَ مَا يَكُونُ عَنْ صَوْتِ الْخِنْزِيرِ. أَمْهِلُونِي حَتَّى الْغَدِ وَأَنَا أُرِيكُمْ كَيْفَ يَكُونُ صَوْتُ الْخِنْزِيرِ.» وَضَحِكَ الْجُمْهُورُ. وَلَكِنْ فِي الْيَوْمِ التَّالِي حَقًّا ظَهَرَ الْقَرَوِيُّ عَلَى الْمَسْرَحِ وَخَفَضَ رَأْسَهُ وَصَرَخَ صَرْخَةً قَبِيحَةً دَفَعَتِ الْجُمْهُورَ إِلَى أَنْ يَزْجُرَهُ وَيُلْقِيَ بِالْحِجَارَةِ عَلَيْهِ لِيَسْكُتَ.
هُنَا صَاحَ الْقَرَوِيُّ: «أَيُّهَا الْحَمْقَى، انْظُرُوا مَاذَا كُنْتُمْ تَزْجُرُونَ.» وَرَفَعَ لَهُمْ خِنْزِيرًا صَغِيرًا كَانَ يَقْرُصُ أُذُنَهُ لِكَيْ يَجْعَلَهُ يُطْلِقُ الصَّرَخَاتِ.
•••
«كَثِيرًا مَا يُصَفِّقُ النَّاسُ لِلشَّيْءِ الزَّائِفِ وَيُخْرِسُونَ الشَّيْءَ الْحَقِيقِيَّ.»