آخر مغناة لبيروت
إلى فاديا جحا سيدة الكتاب.
١
٢
رأيتها دائمًا تستغرق في دهشتها بين شهوة اليومي، وشجن الليلي، بينهما القمر الجار يغار من سلاسة النهار، والصخب النافر من عروق الأرض، وطعم نبيذك بخبز حار. رأيتها قبل ثلاثين حولًا وأنا فوق العشرين فقط، شافتني هي البديعة في ذاك الزمان فآوتني فصارت الخليلة والهيام، تبادلنا أول عشق على إفريز السماء، بعدها هبطنا أرضها تساقينا حتى الجمام، تشابكت أصابعنا، ندري أو لا ندري، نلتقي أو نفترق، والوقت بين أيدينا صهد وإعصار.
٣
جئتها من مغرب أضاء فيه الشرق بقناديل العربية، بوعد لجنة سندسية، وبيارق تزهو كالفتنة الأندلسية، وهي في كل غدوة وروحة وصلي وفضلي وصلاتي، بعد أن اصطليت بنار الأزل؛ جئتها حالمًا ومقدامًا، فوق رأسى أعلام طارق، وصليل جيش عقبة، أهدر بالفتكة البكر، وطني سمرتي المغربية، عانقت وطنًا، لا آخر، بل أشد اضطرامًا ونضارة، ونهلنا شعبًا وقلبًا من ينابيع بيروت، يوم كانت، أواه، قبلة الأبدية!
٤
كنت تعبر من مجاز إلى المجاز، لا تعرف، أمعبر هو أم مهرب، أم نزوة محرمة، كما هي الاستعارة، كنت تقفو أثر الأجداد، تمشي في غيِّك تارة، تسبح في دمها أخرى، في الحالين تترنح بين الأضداد، هي ذي مدينة موهوبة على خد الملاح، محمولة فوق الأسنة والرماح، الكاعب الحسناء ترفل في الدمقس، كل العواصم غيرها بِيد، قلت، وحدها يا أنت ريح وراح، لكنت تطوي برًّا وبحرًا، تومض في الجوانح نارًا أو كأنك تضمر ثارًا، تسأل كيف أقدح الإعجاز، أجابتك اعشقني أولًا، طويلًا، فما كل سر يباح!
٥
ومحضتها ثقة عمياء، زوَّجتها نسغ العبارة، أرضعتك الشهد، لست للحصرم، أنت لداني القطاف، لهجت بذكرها، صرت تسبح دهرًا من روشة المتوسط إلى أطلسي الضفاف، الموج يغسل وجهها في الصباح، الشعر في المساء لها وشاح، والدهر منها حلم يمخر بالجواري المرسلات إلى العلى، تارة من كحل أهدابها، وأخرى سحب سود، لم لا مواكب هي للزفاف.
كتابك دائمًا باليمين، بالقوة دائمًا وبأنفاس الحنين، وطور سنين، كيف تنكثين عهدك لي، ضيعت قلبي فيك، صدقت شعرك، فكرك، آمنت بك كاليقين، وعدت أنكرت نفسك، أنت أرض جبران النبي والكتاب، من أنت بلا كتاب، أو سقط النصيف، عم الضباب، أم تراها خاتمة المطاف؟!