في المكان الآخر من الحياة
إنما رويدًا، فأي صفة أو خواص يمكن التطلع إلى اكتسابها وتخلقها، طبعًا عندما يتعلق الأمر بمولود، بين كائن، شخص مهاجر، ومتكون، نص تلده التجربة على سبيل التحقق لا الافتراض أو لمجرد الانتقال، الارتحال في المكان؟ كيف يمكن السعي إلى الصفة والتوصيف مع ذات تقوم بفعل سِمته الأولى هي القطع والتخلي عن ذاتها الاجتماعية، وموطن هويتها اللغوية والتاريخية لتقفز مباشرة، بوعي أو مجازفة في ورطة الهوية الأخرى التي لن تنال أبدًا؛ لأن الهدف ليس صوغ معادلة مقبولة رياضيًّا، بالتالي منطقيًّا، وبمقابل عاطفي مناسب، كيف يتأتى هذا أو ذاك إذا كان المعنى الأول الذي ينصرف له الأُس الأول لكلمة الهجرة معجميًّا هو: الترك. بوقفة قصيرة لاستقصاء المفردة معجميًّا نجدها تحيل إلى ما يلي:
جاء في «اللسان» الهجر ضد الوصل. هجَره يهجُره هجرًا وهجرانًا: صرمه، وهما يهتجران ويتهاجران، والاسم الهِجرة. والهُجرة الخروج من أرض إلى أرض. والهُجر القبيح من الكلام. جاء في «الصحاح» الهِجران والهِجرة والمهاجرة من أرض إلى أرض ترك الأولى للثانية. وفي «اللسان» هَجَر في نومه ومرضه يهجُر هجرًا وهِجَيرى وإهجيرى بمعنى هذى. قال سيبويه: الهِجيري اسم من هجر إذا هذى. وهجر المريض يهجُر هجرًا فهو هاجر. والهجير والهجيرة والهجر والهاجرة نصف النهار عند زوال الشمس إلى العصر، وقيل في كل ذلك إنه شدة الحر. والتهجير والتهجر والإهجار: السير في الهاجرة. وزاد «الصحاح» من هاجر الكلام مهجور أي باطل.
هكذا يتنزل من المعجم على وجه الاستخلاص وبقصدية موجهة لهذا البحث معاني: الترك، والقطع، والتخلي، والنبذ، والبطلان، والهذي، والتهجر، وكلها — كما نلحظ — محصورة في دلالات القهر والقسر والغَلَب، نافية للحرية والاختيار، نقيض للمطاوعة، وباستعارة الاصطلاح المعتزلي يجوز لنا القول إنها أو المكابده يقعان تحت طائلة الجبر. ولو زدنا فحصًا لوجدنا أن المفردة في الخريطة المعجمية العربية، وانطلاقًا منها، تحيل دلاليًّا على شبكة متواشجة الخيوط صانعة عُشًّا، فضاءً مشتركًا، كما نحب، هو المكان الذي يهجر، الذي يتخذ مرة مرجعية عاطفية أو هو المكان العاطفي، نعني مرتع الحب يحيا بالوصل، والوصال، ويحزن (يفنى) بالهجر والتصارم، وهو ضد التواصل. ومرة ثانية يتعين بمرجعية طبيعية ووضعية في آن، وطنًا يولد فيه الإنسان وإليه ينتسب وفيه يكسب ويكتسب مجمل خلائقه وثقافته العامة، مع ما يستتبع ذلك من مقتضيات في قلبها الاستقرار والشعور بالأمان وتبادل المصلحة، والخضوع ﻟ «العقد الاجتماعي»، أو فقدان هذه الحيازات الفطرية نوعًا ما، والنزوح إلى فضاء في ظروف قسوة التهجر، أي السير في الهجير، وفي الحديث: «هاجروا ولا تهَجَّروا.» فيما المرجعية الثالثة دينية، دائمًا على وجه الإكراه، يتخذ فيها الدال الصفة الطهرانية الأولى، حيث المكان، الوطن الأول هو الجنة التي ولد فيها آدم وحواء وهجراها، هجِّرا منها، لم يعرفا كيف يحافظان على البقاء فيها أو نقَضا بالأحرى قانون البقاء فيها، طُردا منها بسبب الغواية (الشيطان) إلى الأرض ليكونا المهاجر الأول ويبدأ الإنسان الرحلة اللانهائية، رحلة الاختبار، إلى يوم القصاص، يوم الدين: «فَأَزَلَّهُمَا الْشَّيْطَانُ عَنْهَا (الجنة) فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ، وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ، وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ» (البقرة ٣٥). وإلى هذه المرجعية ينتمي سلوك الهجرة الدينية التي اضطر إليها «المهاجرون» في بداية الرسالة حين تغالب «كفار قريش» على أتباع النبي الكريم محمد ﷺ فلم يجدوا بدًّا من مغادرة مكة (موطنهم، وعشيرتهم، وثقافتهم، ومرابع صباهم ومشاعرهم) ناجين بجلدهم، وفارين بعقيدتهم نحو يثرب، إلى المدينة حيث سيلاقيهم الأنصار، ويثابون، وهنا يكون الثواب، الجزاء، على قدر الفعل ومن معدنه، وإلا فالهجرة ضمنًا مذمومة، تأمل الحديث: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته لما هاجر إليه، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» (صحيح، رواه الشيخان مسلم والبخاري). ومما يجدر ذكره أننا، وإزاء هذه المرجعية الأخيرة، وضمن هذا المثال يمكن أن نعثر على التركيب الجامع للسياقات الثلاثة السالفة، وحيث المفردة تتحول إلى أيقونة مصنوعة، ومشغولة في آن بالدال والمدلول والدلالة.
هذا، ولمَّا ينقطع الإنسان عن وطنه بقسر الهجرة، والمؤمن عن وطن عقيدته بترك الدار، فإنه ذاهب إلى «ما هاجر إليه» حسب الحديث الشريف، وعندنا، مع القاموس، أنه ينقلب إلى حال «الهاجر» أي المريض، بعبارة هجَر المريض، وعلامة العلة الهذيان، وهل الهجر غير الهذيان، إنه حالة التهلكة؛ أوَلم نخبركم من قبل متسائلين إن لم يكن الإبداع غير التهلكة؛ فماذا يكون يا ترى، وهو ما ينسجم تمامًا مع الهجرة التي أصلًا مرض وشذوذ بالخروج عن طور المستقر، أو غير المنبوذ المنقاد نحو الترك. ذاك ما يتفق أكثر في زوج يجمع الشيء وضده، تتآخى فيه الأضداد بقرينة الخروج عن مألوف الأشياء، بنقض منطق العيش السواء والقول السواء، واستبداله بالكلام المهجور، الهذيان، وهو لغة كلام باطل.
لعلكم واجدون الآن بعض تبرير لعنونة هذه الورقة «الوجه الآخر من الحياة»، باعتبار أن البشر الأسوياء، الناعمين في بحبوحة الاستقرار، الذين ما «أُخرجوا من ديارهم» لسبب من الأسباب، هم وجه الحياة الصحيح، ومبدؤها الحق، وسواهم، بالحق أو الباطل، باطل. ونظرًا لأن النص الذي كُتب، ويُكتب في هذا المناخ، ويظل إما صاحبه أو هو ذاته مراوحًا مكانه، لا يتزحزح، متوافقًا، خاضعًا لكل القواعد بما فيها جهل الحنين، فلا «بنيلوب» تغزل صبر انتظارها لعودته، ولا ثمة أي «إيتاكا» سيهتدي إليها يومًا لأنه لم يبرح مكانه قط؛ هذا هو النص الصحيح، بدوره، المختلف عن النص الآخر، الباطل من الإبداع. سيبقى معافًى وسليم العقل غير ممسوس ولا تخطف منشئه الجن والإنس معًا، منذ صيف سنة ١٩٦٠م، يرميانه بضربة كالمنجنيق إلى منفًى عنده وقتها سحيق، من عاصمة الشاوية إلى فاس العلمية، غضًّا طري العود، ليعود … ومنذ ذلك التاريخ الذي كأن الأعناق ستشرئب لتنظر إليه وهو في الخلف، مثل صاحبه، ما انفك يرتاد الأماكن والأزمنة ويروزهما، جدف طويلًا مثل عوليس في بحر عودة شبه مستحيلة ولما يلاقِ بعد ذاته أو يكاد؛ لأن وردة المستحيل، أبدًا لا تُقطف، أو تذبل سريعًا كالعمر الرث … أقول ليعود، وها العظم الآن منه يهن، والرأس اشتعل شيبًا، ليهاذي أصحابه، أي يهذي معهم، بما تيسر من حديث الغرباء …
إن أول مظهر لوجه الحياة الجديدة، هذه، خضوعها للازدواجية في النظرة، هي ما يتبلور في مسلسل من الثنائيات يفضي تركيبها إلى اقتراح بلاغة وإستطيقا وأيديولوجيا الموضوع. تتمثل الازدواجية في قطبين، هو في الحقيقة قطب واحد نسميه إجرائيًّا «الوطن الأصلي - الضمني»، وبالإمكان تعداد كثير من الصفات المائزة له تلتقي كلها حول معنًى مشترك هو ما يهرب منه نص الهجرة ولا يملك الفكاك منه في آن، وعناصره هي التوتر، ديمومة توتر النقائض بين اﻟ «هنا» واﻟ «هناك» بتجلياتها وأبعادها المختلفة، نحسب أن فطنة المعنيين قمينة باستحضارها في مستوياتها العامة، هي ما يتم تعيينها في ثنائيات: (١) اللغة/لغة أخرى (أجنبية غالبًا). (٢) الثقافة/ثقاقة ثانية. (٣) المحيط أو البيئة/أخرى مغايرة. (٤) المعيش/معيش الصدمة البديل. وما لنا لا نضيف مرتبة المثاقفة كمستوًى قابل ليجمع هذه كلها لوجود صيغة التفاعل، من نحو، وباعتبارها عتبة ولحظة تاريخية هامة في النسق الفكري والتاريخي للعلاقة بين الأنا والآخر، نحن والغرب. فهل نحتاج إلى التذكير بأن موضوعنا يقع في صلب هذه العلاقة، ودون تصور حركة تتجه من الجنوب إلى الشمال جسدًا ووجدانًا وعقلًا، وبالمحصلة نصًّا راسمًا لهذه الحركة، مصطخبًا بتوتراتها، لا مندوحة من القول بأن الموضوع ينتفي من أساسه.
بإمكان آلية التحليل أن تنشط الآن على صعيد كل ثنائية على حدة، وستتخذ تمظهرات عدة في مقدمها رصد التعارض، ووصفه، وتقويمه، وأخيرًا حساب أثره كعنصر بين عناصر متضافرة في بنية نص مفترض اسمه «نص الهجرة»، ويقبل تسمية «هجرة النص» بناء على من تحدثوا عن «عودة النص» كناية عن الإبداعات المكتوبة بلغات أجنبية، تلك المنقولة إلى العربية وكأنها كانت، من عجب، على ضلال. نقول إن الآلية قابلة لأن تنشط في هذا المستوى فتستوعب جملة من الإشكاليات التي لا نستطيع معها في هذا المجال أكثر من التعيين، داعين إلى أخذها في الحسبان بالتحليل والفحص المسهبَين، متحملين تبعات الاختزال بل الابتسار. وبما أن اللغة هي أول أداة في صناعة الأدب فهي المعيار الأول كذلك في تحديد نسبه، وبإمكان هذا العنصر وحده أن يشكل مادة للدرس، والبحث خاصة في ماهية ما اصطلحنا على تسميته «أدب هجرة».
والواقع أننا هنا أمام لغات، وتحتاج أن تتحول إلى ظاهرة ليجوز الحديث حقًّا عن جنس أو صنف، عن طريق تواتر الكتابة بها، وتحقيق تراكم معقول، وتنامي تقاليد، إلى غيره مما يضعنا أمام متن مميز أو قابل للتمييز، وهذا على الرغم من أن الخاصية الأبرز في هذا المتن، إلى جانب تشجُّره اللغوي، هجنته القصوى حيث تتجاور وتتقاطع قواميس ونبرات وبلاغات، ناهيك عن المصادر الثقافية والتصورات التخييلية ورؤى العالم. وبما أننا نتحدث وفي الذهن ما يشبه اتفاقًا ضمنيًّا عن الكلام في إطار الأدب الوطني الواحد، بالصيغة المشترطة في الدراسات الأدبية المقارنة، لا بد من التساؤل ما إن كانت اللغة وحدها كافية لتجسير العلاقة مع هذا الأدب، وما إن كان تغربها عن اللغة السائدة تعليمًا، بمحمولاتها المخصوصة، المتنازعة بين محيطين، يُعَد مقياسًا أساسًا للحسم في الانتماء إلى النص الهِجروي. لا بد كذلك أن نتساءل أي إثراء، خصوصية، يمتلكها النص الهجروي، بأي لغة كتب، ليتخذ نعته ذاك؛ لأن الترحل عن المكان في ذاته قد لا يمثل فيصلًا في هذا الجدل؛ ذلك أن «أنا» بوسعها أن تقبع في عديد الأمكنة، وأن تستوحي وتتغذى بآفاق شتى من غير أن تبرح غرفة نومها المعتادة، ولها أن تقول العالم متكاثرًا على هواها، لكن «أنا» يمكنها، بل وينبغي لكي تنتمي إلى المكان أن تقوله باللغة الفريدة، والدراية السديدة، والإشباع الثقافي والوجداني الخاصين، وإلا فلا فائدة. وما لنا لا نذهب، في هذا الصدد، إلى الزعم بأن أدبنا المغربي الموسوم ﺑ «المكتوب بالفرنسية»، أو بعضه، هو، على نحوٍ ما، منتمٍ أو متحرك في فلك ما نسميه الآن إبداع هجرة، فلغته الأدبية، ونسقه الفكري، وأفقه، وجزء من مخيال شخصياته الروائية، مثلًا، ومنهجية تلقيه، إضافة إلى مناخ شيوعه، وفضاء الاعتراف به، مناطه عالم واقع هناك. ألا يجوز، والحالة هذه، إما توسيع الدائرة أو إعادة النظر في المفهوم؟
تبقى مستويات الثقافة والمعيش والمحيط حاسمة عبر طرق ومراتب تجليها في النص الهجروي لربطه بموضوعه، بتيمته بالأحرى، أولًا، وتجسيد خواصه، ثانيًا. فيقينًا أن أي كاتب، مهجريًّا، مهاجرًا، أو أصليًّا، ينجز عمله بوحي من التفاعل مع المستويات المذكورة، ولا توجد أي عزلة مطلقة أو إمكان انقطاع عن التأثيرات الخارجية، أما الحديث عن عزلة الفن والنزعة المجانية؛ فهما هراء مجتزأ من سياقه؛ لأن الكتابة هي المعنى المخصوص والشمولي المعطى عن الوجود بأدواتها، لا الأدوات حصرًا وأنوية صاحبها. بَيد أن مسألة الموضوع (دون أن نحدد المقصود منه) ليس واحدًا ولا ممكنًا بين الجهتين. إن الكاتب في وضع المقيم في ترابه، ومهما تضاعف عالمه وشسع خياله يتنقل في جغرافية ذات تضاريس معلومة ومنضدة، وغير معرض، نعني نصوصه، لهزات مستمرة للثوابت التي تنهض عليها، خارجيًّا على الأقل إنها محمية ومحصنة، مثل صاحبها، دون محنة سؤال الهوية وتبعاته بكيفية مزمنة ومرضية أحيانًا. كما أن للمقيم المبدع في مسقط الرأس بعدًا واحدًا في الحوار والصراع والتلقي لكتابته، بصرف النظر عن الجدل والتركيب الحاصلين سواء في عمله الإبداعي أو العوالم المستثمرة فيه، وكذا جماليات التلفظ والاستقبال. أما نص الهجرة فهو في توتر مستمر، أو يفطن منتجه بعد حين من الدهر، وقد أفلح في اجتياز اختبارات اللغة والشكل الفني، الصناعة الأدبية إجمالًا، ليعجب ويكسب الاعتراف على نحوٍ ما؛ أقول يفطن أن المشكل ما زال مطروحًا كله، جله. فما هو يا ترى؟
هو أناه تبقى مبعثرة، إذا ضمن لها الوحدة الفنية في قالب متماسك وروح منسجمة؛ فإنه أبعد ما يكون عن ضبطها على إيقاع زمن لا يتحكم فيه، وتسريبها في أنوات عرضة لتمزقات هوياتية وعصابية، دائمة البحث عبثًا عن مرتكزات عاطفية، ووجوهها ترتد إليها مشروخة بتجاعيد في مرايا الآخرين. أناه لا تخضع لمفاهيم كالكينونة والوجود والحرية والوضع الفردي والمساواة والعلمانية والتعدد الديني أو اللاديني والجنسي، بل تلهبها سياط الافتقاد والحرمان، والاستجابة لديها لحظة مؤقتة للعبور نحو مزيد من الفقد؛ أنا سيزيفية في زمن صلد لا أسطوري.
عالم يرسم أفقيًّا في حركتين متداومتين بلا انقطاع هما: الإقبال والإدبار، الذهاب والإياب. الحضور والغياب. أو عموديًّا عبر مسلسل من الثنائيات والأضداد على الصعيد المسلكي، قابلة لتشكيل «نحو» سردي خاص بها، بوحدات و«موتيفات» متمايزة تعيد في كل مرة تشخيص عوالم نصوص الهجرة والعودة بها إلى الأصل. وفي الحالتين هناك دائمًا وسيط، وهو ما يمثل نقطة/لحظة التقاطع بين الأفقي والعمودي. إن نص المهجر وبطله، ينظر إلى الغرب من خلال «لبلاد»، وينظر إلى هذه بعين بلاد المهجر؛ فناظم الوسيط هو العنوان الثالث في إستيطيقا نص ما ينفك يتكيف لغويًّا وبلاغيًّا ورؤية بفعل الوساطة، طردًا وعكسًا؛ ولذلك تتعايش إن لم تترجرج فيه عوالم شتى، ويتمثل أحيانًا تلفيقًا لأذواق وأساليب إما ليعجب هنا ويغيض هناك، أو ليؤكد وعي الأنا الأعلى فيه على نزعة فصام حتى العظم، كحالة مرض مزمن يضرب تيمته، وبالرجوع إلى إحدى معاني المعجم ﻟ «هجر». عالم مريض، المقيمون فيه والمتنصبون كمعبرين عنه مرضى إلى حد أنهم يهذون، فهل يُرجى منه ولهم شفاء، وهل لهم من شفيع لدى تقديم التوبة للتكفير عن عقوق الهجرة والانقطاع عن الوطن، عن «الجنة» قادوا أنفسهم إلى التهلكة. جاء في (الحديث): «لا هجرة بعد ثلاث.» يريد به حسب (اللسان) الهجر ضد الوصل، يعني فيما يكون بين المسلمين من عتب وموجدة أو تقصير يقع في حقوق العشرة والصحبة دون ما كان من ذلك في جانب الدين؛ فإن هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة على مر الأوقات ما لم تظهر منهم التوبة والرجوع إلى الحق.