الفصل الثاني
تَربَّتْ إلايزا على يد سيدتها منذ نعومة أظفارها، فأصبَحَت مُدلَّلتَها والمُفَضَّلةَ لديها. كانت إلايزا فتاةً ذات شَعرٍ أشقر ووجهٍ يكاد يكون أبيض اللون وعينَين بُنِّيتَين، وكان شعرها مجدولًا في شكل ضفائرَ مُجعَّدة لها كُتلةٌ كبيرة تنسَدِل على جَبْهتها العريضة، وكانت وَجْنَتاها ورديَّتَي اللون، وكان أحد أجدادها الأربعة زَنجيًّا. وقد تَزوَّجَت إلايزا من خِلاسيٍّ نابهٍ يحمل اسم جورج هاريس كان يعيش في مَزرعةٍ مجاورة وأنجبا صبيًّا جميلًا له شَعرٌ مُجعَّد قصير، وكان الصبي مَحطَّ تدليلِ العائلة ولُبَّ قلبِ والدته الشابَّة.
في تلك الليلة ارتَعشَت أصابع إلايزا البنية النحيلة وهي تُمسِك بالضفائر الجميلة لشعر السيدة شيلبي، فرفعَت السيدة نظَرها ووجَدَتها تبكي.
فسألتها بنَبرةٍ عَطوفةٍ قائلة: «ما الأَمْر يا طفلتي؟ هاري على ما يُرام، أليس كذلك؟»
تداعَت إلايزا فنزلَت على رُكبتَيها وقالت وهي تَشْهَق: «أوه، سيدتي! كان هناك تاجرٌ هنا، وكان يتحدَّث مع سيدي. لقد سَمِعتُه.»
«حَسنًا، أيتها الطفلة الساذجة، فلنَفترِض أن ذلك صحيح.»
«أوه، سيدتي. أتعتقدين أن سيدي سيبيع هاري؟»
ألقَت الأُم الشابة المسكينة بنفسها على الأرض عند قَدمَي سيدتها وبدأت تَشهَق وتبكي بحُرقة.
قالت السيدة شيلبي بينما ربَّتَت على كَتِف خادمتِها: «يبيعه؟ أيتها الفتاة السخيفة! بالطبع لن يفعل! تعرفين أن سيِّدَكِ لا يتعامل مع تُجَّارِ العبيد هؤلاء، وهو لا يبيع أيَّ عبدٍ من عبيده ما داموا يُحسنون التصرف. لماذا أيتها الفتاة السخيفة؟! أتعتقدينَ أن العالم كله يُريد أن يأخذ صَغيركِ منكِ؟»
«لكنْ يا سيدتي … أوه سيدتي! أنتِ لن تُوافقي أبدًا، أليس كذلك؟»
«هذا هُراءٌ يا فتاتي! لكن ولكي تَطمئنِّي بالًا فلن أفعل. هاكِ، كَفكِفي دموعكِ واذهبي واحتَضِني طفلك بين ذراعَيكِ. سأُمشِّط شَعري بنفسي الليلة.»
انحنَت إلايزا وقبَّلَت يد سيدتها البيضاء الصغيرة وذَهبَت باتجاه الباب، وعنده تَردَّدَت ونظَرت خَلفَها وقالت:
«أوه، سيدتي. هل أنتِ واثقة تمام الثقة؟» لمَع ثَغْر السيدة شيلبي بابتسامةٍ منها وأكمَلَت إلايزا طريقَها وهي تَشعُر بارتياحٍ كبير.
كانت السيدة الرقيقة لا تزال مشغولةً بضَفائرِها وجدائلِ شَعرها حين دخل زَوجُها الحجرة. أخرج الرجل ورقةً وجلس يَزفُر كما فعَل من قبلُ، فقالت زَوجَته:
«آرثر، مَن كان ذلك الرجل الكَريهُ الشكل الذي كان هنا اليوم؟ أهو أحد تُجار الزنوج؟»
«لماذا يا عزيزتي؟ ما الذي جعلك تعتقدين هذا؟»
«لا شيء، لكن أتت إلايزا إلى هنا بعد العِشَاء وكانت قلقةً للغاية وتبكي. قالت بأنكَ كنتَ تتحدث إلى تاجر، وأنها سمِعَته يُخبرك بعرضٍ يخُصُّ طفلها.»
قال السيد شيلبي: «أحقًّا؟» ثم عاد ببصره إلى الورقة التي كان يُمسكها والتي بدا أنه يُركِّز في النظَر إليها كثيرًا، حتى إنه لم يَلحَظ أنه كان يُمسِكها مقلوبة رأسًا على عَقِب.
قال في نفسه: «سيَنكَشِف الأمر في النهاية. هكذا يحدث دومًا.»
قالت السيدة شيلبي بينما أَكْملَت تَمْشِيطَ شعرها: «لقد أَخبرتُ إلايزا أنكَ لا تَتعامَلُ إطلاقًا مع مِثل هؤلاء. أنا أَعرِف أنكَ بالطبع لا تَنتَوي بيعَ أيٍّ مِن عبيدنا.»
قال زوجها: «في الواقع يا إميلي، كان هذا ما كُنتُ أقوله دومًا وما أفعلُه؛ لكن الحقيقة أنني واقع في مأزق ولا يُمكِنني الخروج منه؛ لذا فسأُضطَر إلى بَيعِ أحد مُساعدَيَّ.»
«لذلك المخلوق؟ مستحيل! لا يُمكنكَ أن تكون جادًّا!»
قال السيد شيلبي: «يُؤسفني أنني جادٌّ في هذا. لقد وافَقتُ على بَيعِ توم.»
قالت السيدة شيلبي بنَبرةٍ تَنِمُّ عن الحُزن والسخط: «ماذا! توم! ذلك الرجل الصالح والمخلص، الذي كان خادِمَك المخلص مذ كنتَ صبيًّا! لقد وَعَدتَه أن تُعطِيَه حُريته أيضًا — لقد تحدَّث كلانا إليه مئاتِ المراتِ عن هذا الأمر. حسنًا، يُمكنني الآن أن أُصدِّق أيَّ شيء — يُمكنني الآن أن أُصدِّق أنك ستبيع هاري، ابن إلايزا الوحيد!»
«في الواقع، وبما أنكِ ستعلمين بالأمر كله، فهذا هو ما حدَث فعلًا. لقد وافَقتُ على بيعِ كلٍّ من توم وهاري كلَيهما؛ ولا أعلم لماذا تُحدِّثينَني وكأنني وحشٌ فقط لأنني أفعل ما يفعله الجميع كل يوم.»
قالت السيدة شيلبي وهي تَستجمِع رَباطةَ جأشِها: «عزيزي، أستميحُكَ عذرًا. لقد تسرعتُ في غضبي. لكنكَ فاجأتَني وكنتُ غير مستعدةٍ تمامًا لمثل هذا؛ لكنكَ بلا شَكٍّ ستَسمَح لي أن أتشفَّع لهؤلاء المساكين. إن توم رجلٌ مُخلِص وقلبُه طيب، رغم أنه زَنْجي. أعتقد أنه لو كان أمامَه خيارٌ أن يفديَك بحياته لفعل.»
قال السيد شيلبي: «أجل، أعلم ذلك؛ لكن ما فائدةُ كلِّ هذا؟ لا يُمكنني أن أجد حلًّا. أنا آسف حيال شعورِكِ هذا يا إميلي — حقًّا أنا آسف. وأنا أُقدِّرُ ما تشعرين به أيضًا رغم أنني لا أزعُم أنني أُشاركُكِ القَدْرَ نفسَه من هذه المشاعر؛ لكنني أقولُ لكِ الآن وبكل صدقٍ إنه لا جَدْوى من ذلك — لا يُمكنني أن أجد حلًّا. لم أكن أنتوي أن أُخبركِ بذلك يا إميلي؛ لكن وبصراحةٍ ليس هناك حَلٌّ وسَط بين بَيعِ هذَين الزَّنْجيَّين وبيع كل شيء. إما هما أو كل شيء. لقد حصَل هالي — وهو اسم ذلك التاجر — على مِلْكية رَهْن، وإن لم أُسدِّدْه له مباشرةً فسيأخذ كل شيء كمُقابلٍ له. لقد بحثتُ حقًّا هنا وهناكَ واقترضتُ المال وفعلتُ كل شيء عدا أن أستَجدِيَه، وكُنتُ ما زلتُ في حاجة إلى ثمن هذَين الزنجيَّين لكي أُكمِلَ المبلغ، وكان عليَّ أن أبيعَه إيَّاهما. كان هالي يرغب في الطفل، وقد وافق على تَسويةِ الأَمْر بهذا الشكل، وليس بأيِّ شكلٍ آخر. كُنتُ تَحتَ سَيطرتِه، وكُنتُ مُضطرًّا إلى فِعلِ ذلك. وإذا كان هذا هو شعوركِ تجاه بَيْعهما، فهل سيكون من الأفضل أن نتَخلَّى عن كل شيء؟»
أُصيبَت السيدة شيلبي بذهولٍ كبير، وفي النهاية استَدارَت نحو طاولةِ المزيَنَة ووضَعَت وَجهَها بين كفَّيها وراحت تبكي.
قال السيد شيلبي: «أنا آسفٌ يا إميلي، في غاية الأسف، لكن الأمر قد قُضي؛ لقد وقَّعنا عقود البيع بالفعل وهي بحَوْزة هالي، وينبغي أن تكوني مُمتنَّةً أن شيئًا سيئًا لم يحدث. كان في مَقدِرة ذلك الرجل أن يُدمرنا جميعًا، والآن انصَرفَ عنا. لو أنكِ كنتِ تعرفين الرجل كما أعرفه، لكنتِ فكَّرتِ في أننا لن نخرج من هذا المأزق إلا بصعوبةٍ بالغة.»
«أهو بهذه القَسْوة إذن؟»
«ليس وَقِحًا بالتحديد، لكنه رجلٌ قاسٍ — إنه يعيش فقط لكي يُتاجر ويربح — إنه رجلٌ هادئ وصارم لا يعرف التردُّد.»
«والآن ذلك الصعلوك يمتلك توم وصبيَّ إلايزا؟»
«في الواقع يا عزيزتي، هذا أمر يشُقُّ عليَّ كثيرًا؛ إنني أَكْرَه أن أُفكِّر في هذا. يريد هالي أن يُعجِّل بالأمر، ويحُوزَهما غدًا. سأخرُج على صَهْوة جوادي في وَقتٍ مُبكِّر للغاية وسأبتعد عن هنا. حقًّا لا يُمكنني أن أرى توم وهو يُغادر؛ ومن الأفضل لكِ أن تذهَبي بالعربة إلى أي مكان وتصحبي إلايزا معكِ. أريد أن يحدُث الأمر وهي بعيدةٌ عن الأنظار.»
قالت السيدة شيلبي: «لا، لا. لن أُشارك في هذا الأمر المؤلم بأيِّ شكل. سأذهب لأرى توم العجوز المسكين؛ فليُساعِده الرب في مِحنتِه! ينبغي أن يرى العبيد أن سيدتهم تَشعُر بهم وتُشاطِرُهم حُزنهم. أما بالنسبة لإلايزا، فلا أمتلك حتى الجُرأة في التفكير في الأمر. ليُسامحنا الرب على ذلك!»
وكان هناك مُستَمِعٌ واحد فقط لهذه المحادثَة لم يخطُر ببالِ السيد والسيدة شيلبي أنه كان يُصغي إلى كلامهما.
كان في حجرتهما خَزينةٌ كبيرة بها باب يُفضي إلى الممر الخارجي. وحين صَرفَت السيدة شيلبي الفتاة إلايزا في ذلك المساء، اختبأَت إلايزا بتلك الخِزانة الكبيرة وضغَطَت أُذنَها على الصدْع في الباب وسَمِعَت كل كلمةٍ دارت في المحادثة.
وحين صَمتَت الأصوات، انتَصبَت من مكانها وتَسلَّلَت خِلسة. كانت إلايزا تتحرك في المدخل وقد شحبَ لونُها وارتَعَش جَسدُها وتصلَّبَت ملامحها وضَغطَت بشفتَيها إحداهما على الأخرى، ثم وَقفَت أمام باب حُجرة سيدتها للحظة، ورَفعَت يدها وكأنها تستجدي السماء في صمت، ثم انسلَّت إلى حجرتها. كانت حجرتها هادئةً وأنيقة وتقع في الطابق نفسِه الذي تقع به حُجرة سيدتها، وكانت بها نافذةٌ جميلة تدخل منها الشمس. كانت إلايزا تجلس إلى جوارها وهي تحيك؛ وحقيبةٌ صغيرة بها بِضعةُ كُتُب وبِضعُ أدوات إلى جانبها وكذلك هدايا عيد الميلاد؛ وكان بالحُجرة أيضًا خزينةُ ملابسها البسيطة ذاتُ الأدراج — باختصار كانت هذه الحجرة هي منزلها وقد كان كاملًا وهانئًا. لكن على السرير كان يَرقُد صبيُّها ويغطُّ في سُباتٍ عميق، كانت جدائلُ شعره الطويلة تلتفُّ حول وجهه الغائب عن الوعي، وكان فَمُه ورديَّ اللون نصفَ مفتوح، وكانت يداه ممتدَّتَين على مَفْرَش السرير، وقد اعتلَت وجهَه ابتسامةٌ مشرقة، فبدا وكأنه شمسٌ مُنيرة.
قالت إلايزا: «طفلي المسكين! لقد باعُوكَ! لكن أمكَ ستُنقِذكَ!»
يا سيدتي! سيدتي العزيزة! لا تظُنِّي بأنني ناكرةٌ للجميل، لا تظُني بأنَّني وضيعة — لقد سَمِعتُ الحوار الذي دار بينكِ وبين سيدي الليلة وسأُحاول أن أُنقذ صغيري — ولا تلوميني على ذلك! فليُبارِككِ الرب ويَجزِكِ عن طِيبةِ قلبكِ!
وبعد أن طوَت الورقة في عُجالة ووضَعَتها، توجَّهَت نحو أحد الأدراج وأعدَّت كَومةً صغيرة من الثياب لطفلها، وأَحكَمَت وَثاقها حول خَصرِها بمِنديل.
قال الصبي حيثُ استيقَظ حين اقتربَت إلايزا من السرير وهي تُمسِك بمِعطَفِه وقُبَّعته: «إلى أين تذهبين يا أمي؟»
قالت: «اصمت يا هاري. لا ينبغي أن ترفع صوتَكَ، وإلا فسيسمعوننا. هناك رجلٌ شِرِّيرٌ يُريد أن يأخذ هاري الصغير من أمه ويَذهبَ به بعيدًا في الظلام، لكن والدتكَ لن تسمح له بذلك — ستُلبِس صغيرها مِعطفَه وقبَّعته وستهرب معه؛ حتى لا يستطيع الرجل القبيح أن يُمسِك به.»
وحين قالت تلك الكلمات، كانت قد عدَّلَت ملابس الطفل البسيطة وزرَّرَتها ووَضعَته على ذراعها وهَمسَت له أن يُحافظ على سُكونه التام، ثم فتحَت بابًا في غرفتها يُفضي إلى الشرفة الخارجية وانسلَّت عَبْرَه في سُكونٍ تام.
كانت الليلة متلألئة بأضواء النجوم، وكان الطقس باردًا نوعًا ما، فلفَّت الأم شالها على طفلها بينما تَعلَّق هو برقبتها في صَمتٍ بفعل شعوره بالرعب.
كان الكلب برونو العجوز من سُلالة نيوفاوندلاند يَرقُد عند نهاية الشُّرفة، فانتَصَب واقفًا وقد أَطلَق زَمجرةً خفيضة بينما كانت إلايزا تقترب منه. تحدَّثَت هي إليه في لطف، فتقافزَ الكلب العجوز يهزُّ ذيله وكان على استعدادٍ لأن يَتبعَها. كان الكلب على وَشكِ أن يُطلِق نُباحَه تعبيرًا عن فرحته ودهشته، لكن مَدَّ هاري يده الصغيرة وهمَس له «هش!» مُحذِّرًا إياه، وفي لحظاتٍ كانت إلايزا تَنقُر بإصبَعِها على زجاج نافذة العم توم.
انتَفضَت العمة كِلوي من مكانها وسَحَبَت الستائر فيما صاحت قائلة: «ما هذا؟ يا إلهي، إنها ليزي!»
فتَحَت العمة كِلوي الباب، فتوهَّج وجه الفتاة فجأةً بفعل ضَوء الشمعة.
قالت إلايزا لاهثة: «سأهْربُ أيها العم توم، وأيتها العمة كِلوي! وسآخُذ طفلي معي. لقد باعه السيد!»
ارتفَعَت أربعُ أيادٍ سوداء في استياءٍ وانزعاجٍ بينما قال كلٌّ من العم توم والعمة كِلوي: «باعه؟»
قالت إلايزا بنَبرةٍ حازمة: «أجل، لقد تَسلَّلتُ إلى الخِزانة وسَمِعتُ السيد وهو يُخبر السيدة أنه باع هاري وباعَكَ أنتَ أيضًا يا توم. أوه، عزيزي توم! باعَكَ أنتَ أيضًا!»
شَعَر توم وكأنه في حُلم، ثم أَذهَلَته الصيحة التي أَطلقَتها زوجته، فوقَع على الكرسي وغاص برأسه بين رُكْبتَيه.
قالت العمة كِلوي: «ليرحمنا الرب! ما الذي فعله توم لكي يبيعه سيدنا؟»
«لم يفعل أي شيء — لم يَبِعْه لهذا السبب. إن سيدنا لا يُريد أن يبيعه، وسيدتنا كذلك — إنها سيدةٌ صالحة. لقد سَمِعتُها وهي تتَوسَّل إلى سيدنا وتستجديه باسمنا؛ لكنه أَخبَرها أن هذا لن يُجديَ نَفعًا؛ وأنه كان مَدينًا لذلك الرجل، وذلك الرجل كان صاحبَ سَطوةٍ عليه؛ وأن سيدنا إذا لم يدفع ما عليه من دَين ويُسدِّده، فكان سيُضطَر لأن يبيعه هذا المكانَ بكلِّ ما فيه من أشخاص وينتقل من هنا. أجل، لقد سَمِعتُه يقول إنه ليس هناك خِيارٌ بين بيع هؤلاء الاثنَين وبيع كل شيء، وكان الرجل قاسيًا عليه في الاختيار.»
قالت كِلوي: «حَسَنًا أيها العجوز! لماذا لا تَهرُبُ معها أيضًا؟ هل ستَنتظِر حتى تُحمَل في النهر؟ إنني لأُفضِّل الموتَ على الذهاب في ذلك الاتجاه أبدًا! لا يزالُ هناك وقتٌ أمامَكَ — اهرُبْ مع ليزي — وأنت لديكَ إذنٌ بالتنقل في أي وقت. هيا، هيِّئ نفسَكَ وسأُعِد لكَ أشياءكَ.»
رفع توم رأسَه ببطء ونظَر حَولَه في حُزن لكن في هدوء وقال:
«لا، لا. لن أَهرُب. دعي ليزي تَهرُب — هذا حقُّها! لكنكِ سمعتِ ما قالَتْه! إذا كان ولا بد أن أُباع أنا أو أن يُباع كُل الأشخاص في هذا المكان ويَتدمَّر كل شيء، فسأختار أن يَتِمَّ بيعي أنا. كان سيدي دومًا ما يَجدُني وقتَ حاجته — ولن أَخذُله أبدًا. لم أخُن ثِقتَه من قبلُ قَط، ولم أستخدم الإذن بحوزتي بأي طريقة تُخالف تعهُّدي، لن أفعل أبدًا. من الأَفضلِ أن أَرحلَ أنا وحدي بدلًا من أن يَتدمَّر المكان كُله ويُباع كلُّ مَن فيه. لا ينبغي أن نُلقي باللومِ على سيدنا يا كِلوي، كما أنه سيَعتَني بكِ وبهؤلاء المساكين.»
هنا استدارَ توم إلى السرير المُهترِئ الذي يعُجُّ بالأطفال الصغار ذوي الشعر الخشِن، وانهار تمامًا. استنَد توم إلى ظَهرِ الكرسي وغطَّى وجهه بيدَيه الكبيرتَين، بينما اهتَزَّ الكرسي بفِعل نحيبه المرتفع العميقِ والأجَش، وتساقَطَت الدموع من بين أصابعه على الأرض.
قالت إلايزا بينما وقفَت عند الباب: «والآن، لم أرَ زوجي منذ ظَهيرة الأمس، ولم أكن أعرف حينها ما كان سيحصُل. لقد أصبح لا يُطيق وقد قال لي اليوم بأنه كان سيَهرُب. حَاوِلُوا أن تصلوا إليه وأن تُخبروه كيف هَربتُ ولماذا، وأخبروه بأنني سأُحاوِل أن أَذهَب إلى كندا. وإذا لم أرَه مرةً أخرى، فقولوا له إنني أُحبه.» ثم أدارَت ظَهْرَها لهم ووَقفَت لحظةً ثم أضافت في صوتٍ أجَش: «أخبِروه أن يكون صالحًا قدْرَ إمكانه، وأن يُقابلني في الجنة. واستدعيا الكلب برونو أيضًا إلى هنا، وأغلِقا الباب عليه، ذلك الكلب المسكين! لا ينبغي له أن يَهرُبَ معي!»
وبعد أن قالت بِضعَ كلماتٍ أخيرة، وذرفَت بِضعَ دمعاتٍ وودَّعَتهم وتمنَّت لهم أن يُباركهم الرب، حملَت إلايزا طفلَها بين ذراعَيها وانطَلقَت بعيدًا.