ترجمة المؤلف

بقلم عبد العليم صالح الأزهري المحامي

قد كان بودِّي أن أقف على ترجمة فى كتب التاريخ وافية ببيان حال مؤلف هذا الكتاب، ولكن من الأسف أنى بعد بذل الجهد لم أعثر فى كتب التاريخ المشهورة وغيرها على ترجمته، اللهم إلا بعض شذرات لا تكاد تشفي الغليل سيمرُّ بك نصها، ولكن هذا لا يكون عائقًا فى سبيل ترجمة هذا الحكيم الفاضل بقدر ما يسعه الإمكان، وها أنا موفٍ بذلك فأقول: هو أبو علي أحمد بن محمد بن مسكويه (بكسر الميم كسيبويه على ما في القاموس)، كان من فلاسفة القرن الرابع للهجرة، ومن أعاظم العلماء الراسخين الآخذين للعلوم عن مَصدرَيها: النقل والعقل. تشبَّع من فلسفة حكماء اليونان؛ فقرأ الكتاب المسمَّى بفضائل النفس، تأليف الحكيم أرسطوطاليس منقولًا من اللغة اليونانية إلى العربية بقلم أبي عثمان الدمشقي، وقرأ كتاب الأخلاق لأرسطو أيضًا. وقد قرن الحكمة بالشريعة في كل تقريراته العلمية، وكثيرًا ما يطلب الرجوع إلى الشريعة التي ما خالفت العقل في شيء. وألَّف كثيرًا من الكتب؛ منها كتاب ترتيب السعادات، ضمَّنه ما يلزم لطالب السعادة من العلوم. ومنها مختصر في صناعة العدد. وهذان الكتابان نص عليهما المؤلف في كتابه هذا. قال ابن أبي أُصيبعة في طبقات الأطباء ما نصه: «أبو مِسكويه فاضل في العلوم الحكمية، خبير بصناعة الطب، جيد في أصولها وفروعها. ولمِسكويه من الكتب كتاب الأشربة، وكتاب الطبيخ، وكتاب تهذيب الأخلاق.» ا.ﻫ. وجاء في الكتاب المسمَّى اكتفاء القنوع بما هو مطبوع لمؤلِّفه جناب إدوارد فانديك ما نصه: «أبو علي أحمد بن مِسكويه المتوفى سنة ٤٢١، له كتاب تجارب الأمم، وهو مهم جدًّا للوقوف على تاريخ بني العباس، اعتنى بطبعه المسيو دي جويه في كتابه المسمَّى قطع متفرقة للمؤرخين من العرب، طُبع في ليدن من سنة ١٨٦٩ إلى سنة ١٨٧٢ إفرنكية مع كتاب آخر اسمه كتاب العيون والحدائق في أخبار الحقائق. وتنتهي أخبار كتاب تجارب الأمم المذكور إلى سنة ٣٧٢؛ أي إلى منتصف خلافة الطائع العباسي وكتاب تهذيب الأخلاق.» ا.ﻫ.

وورد في كشف الظنون ما يأتي: «تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق للشيخ أبي علي أحمد بن محمد المعروف بابن مِسكويه المتوفى سنة ٤٢١، يشتمل على ست مقالات. أوله: اللهم إنا نتوجه إليك. وهو كتاب مفيد في علم الأخلاق.» ا.ﻫ.

وجاء في كتاب تراجم الحكماء تأليف الوزير جمال الدين أبو الحسن علي ابن القاضي الأشرف يوسف القفطي المصري المتوفى سنة ٦٤٦ هجرية، الذي كان وزيرًا للملك الناصر صلاح الدين: «مِسكويه أبو علي الخازن، من كبراء فضلاء العجم وأجلَّاء فارس، له مشاركة حسنة في العلوم الأدبية والعلوم القديمة. كان خازنًا للملك عضد الدولة ابن بويه مأمونًا لديه أثيرًا عنده. وله مناظرات ومحاضرات وتصنيفات في العلوم؛ فمن تصنيفاته كتاب أُنس الفريد، وهو أحسن كتاب صُنِّف في الحكايات القِصار والفوائد اللِّطاف، وكتاب تجارب الأمم في التاريخ، بلغ فيه إلى بعض سنة ٣٧٢، وهي السنة التي مات فيها عضد الدولة ابن بويه صاحبه. وهو كتاب جميل يشتمل على كل ما ورد في التاريخ مما أوجبته التجربة، وتفريط من فرَّط، وحزم من استعمل الحزم. وله في أنواع علوم الأوائل كتاب الفوز الكبير، وكتاب الفوز الصغير، وكتاب في الأدوية المفردة، وكتاب في تركيب الباجات من الأطعمة أحكمه غاية الإحكام وأتى فيه من علم أصول الطبيخ وفروعه. وعاش زمنًا طويلًا إلى أن قارب سنة ٤٢٠.» هذا ما ورد في كتاب تراجم الحكماء المذكور، وهو في نسخة بخط اليد قديمة العهد وقفت في آخر البحث عليها، أثبتُّه هنا توفيةً لابن مِسكويه ببعض ما يجب له جزاءَ خدمته للنوع الإنساني. وربما كانت له تراجم أوسع مما وجدته وقضيت في التنقيب عليه شهورًا وهذا غاية جهد المقل إلي من يستكثر ولا يستقل والكمال لله وحده.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤