مقدمة الطبعة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم

أحمد الله تعالى، وأسأله أن يهبَ لي السداد والإخلاص في الفكر والقول والعمل، وأن يجنبني الرياء والغرور واتباع الهوى، وهو حسبي ونعم الوكيل.

١

في الخريف الماضي اتفقت أنا وزملائي أساتذة كلية الآداب بالجامعة المصرية أن نحتفل بمرور ألف عام على وفاة الشاعر الكبير أبي الطيب المتنبي، وأن نلقي محاضرات في سيرته وأدبه، وتقسَّمنا الموضوعات بيننا، وبدا لي حينئذ أن أكتب كتابًا عن أبي الطيب.

وبعد قليل دُعيتُ إلى العمل في العراق، فلبيت الدعوة — وما يغترب من يبرح القاهرة إلى بغداد وإنما يترك أهلًا إلى أهل ووطنًا إلى وطن — فما كان انتقالي حائلًا دون ما عزمت عليه في ذكرى أبي الطيب، بل رأيت من سعادة الجد أن يُقسَم لي إحياء ذكرى الشاعر العظيم في مدينة السلام، فألقيت خمس محاضرات في سيرته، وعزمت على أن أضم إليها أبحاثًا في آرائه وعلمه وأدبه وأخرج كتابًا في بغداد أجعله ذكرى للشاعر العظيم والمدينة العظيمة، على بعدي من المراجع المهمة في دار الكتب المصرية ومكتبة الجامعة، ومن بعض كتبي الخاصة.

قدمت ما كتبت إلى المطبعة، على أن أكتب ما بقي أثناء الطبع، فلم ألبث أن سافرت للتفتيش في مدارس العراق فغبت مدة في جنوبي العراق ثم شماليه، وعدت إلى بغداد وقد اقتربت نهاية الدراسة، وكثرت الأعمال، فلم أستطع الفراغ للكتابة والتصحيح كما أريد، فاضطررت إلى إجمالٍ في الفصول الأخيرة، ووقعت غلطات مطبعية في أثناء الكتاب.

٢

ومهما يكن فقد بذلت الجهد، وأودعت الكتاب من تفصيل سيرة الشاعر والكشف عن جوانب مجهولة من سيرته وأدبه، ما يسوِّغ لي أن أقدمه للقراء راجيًا أن يجدوه أهلًا لذكرى أبي الطيب، ويروه أجمع وأدق وأجدى مما كتب عن الشاعر منذ عاش إلى عامنا هذا، عام الاحتفال بمضي ألف عام على وفاته.

والله ولي الهدى والتيسير.