أسرة أبي الطيب
يتفق ثقات المؤلفين على أن أبا الطيب هو أحمد بن الحسين ثم يختلفون فيمن بعد هذا؛ فيقول بعضهم: الحسين بن الحسن بن عبد الصمد، ويقول آخرون: ابن مرة بن عبد الجبار.
وقد قدَّمت ما رواه الخطيب عن محمد بن يحيى العلوي، والقاضي ابن أم شيبان الهاشمي أن أبا المتنبي كان يسمى عبدان السقاء.
ويظهر كذلك من أبيات رواها الثعالبي في اليتيمة وياقوت في معجم الأدباء وابن خلكان أن أبا المتنبي كان سقاء: فقد هجاه ابن لنكك البصري حينما سمع بقدومه بغداد راجعًا من مصر ووقوع شعراء بغداد فيه فقال أبياتًا منها:
وقال شاعر آخر:
ويخبرنا صاحب اليتيمة أن والد المتنبي «سافر به إلى الشام فلم يزل ينقله من باديتها إلى حضَرها ومن مَدرها إلى وبرها ويسلمه في المكاتب ويردُّده في القبائل ومخايلُه نواطق الحسنى عنه، وضوامن النجح فيه حتى تُوفِيَ أبوه وقد ترعرع أبو الطيب وشعرَ وبرع.»
وسواء أصحَّ ما يقوله الثعالبي عن سفر والده إلى الشام أم لم يصح؛ فما ذكر المتنبي والده بكلمة ولا رثاه حين مات كما رثى أبو العلاء المعري أباه وأمه رثاء بليغًا، وهذا يشهد بما اتفقت عليه الروايات من أن والد أبي الطيب لم يكن رجلًا نابه الشأن.
ولا نعرف شيئًا عن والدة المتنبي، ولعلها ماتت في حداثته قبل سفره إلى الشام، ولكنا نعرف عن جَدته لأمه ما رواه الخطيب عن محمد بن يحيى العلوي أنها كانت هَمْدانية صحيحة النسب وكانت من صلحاء النساء الكوفيات، وأظنها التي عناها حين قال:
فإن صح هذا فليس دليلًا قاطعًا على أن أمه كانت حية إذ ذاك، فإنه يسمي جدته أمًّا كما تقدَّم، وجدَّة المتنبي تفردت من بين أسرته برثاء أبان فيه الشاعر عن إجلالها وحبها، ووصفها أحسن الصفات.
وأخبرنا كما أخبرنا الرواة أنها ماتت فرحًا بكتاب جاءها منه بعد طول غيبة أيأستها. يقول الشاعر في أول هذه القصيدة التي مزج فيها الحزن بالثورة على الزمان وأهله:
إلى أن يقول:
فقد أعلمنا شاعرنا أنه ترك في الكوفة بيتًا يحن إليه، وقلبًا يعطف عليه، وأن له جدَّة صالحة تؤثره على نفسها، أحبته وأحبها وحزنت لفراقه وحزن لفراقها.
وسنرى أثر هذا في سيرته من بعد.