بنو حمدان
١
- (١)
بنو حمدان التغلبيون، وكانت دار ملكهم الموصل وحلب (٣١٧–٣٩٤ﻫ).
- (٢)
وبنو مرداس الكلابيون وكانت دار ملكهم حلب (٤١٤–٤٧٢).
- (٣)
وبنو المسيِّب العقيليون (٣٨٦–٤٨٩) في الموصل وبلاد أخرى.
- (٤)
وبنو مزيد الأسديون، وكانت دار ملكهم الحلة (٤٠٣–٥٤٥).
وقد أنجبت هذه الدول أمراء ازدان بهم تاريخ الإسلام والعرب، منهم: سيف الدولة الحمداني، وابنه سعد الدولة، وسيف الدولة المزيدي، وابنه نور الدولة.
وإنما يعنينا من هذه الدول دولة الحمدانيين.
٢
حمدان الذي تنسب إليه العشيرة، أحد رؤساء بني تغلب، وهو كما يتبين من شعر المتنبي، ابن حمدون بن الحارث بن لقمان بن راشد، يقول الشاعر في سيف الدولة:
وكان حمدان نازلًا في جوار الموصل، وصار ذا شأن في سياسة تلك الناحية منذ سنة ستين ومائتين هجرية، وتسنى له الاستيلاء على قلعة ماردين سنة أربع وسبعين ثم أخرجه منها الخليفة المعتضد بالله سنة إحدى وثمانين.
ثم تودد الحسين بن حمدان إلى الخلافة وأعان على هزيمة بعض الخوارج فقرَّبه الخليفة المقتدر، وولاه وإخوتَه ولاياتٍ في أوائل القرن الرابع.
ولى حسين قمَّ وكاشان، وأخوه أبو العلاء نهاوند، وأخوه أبو الهيجاء الموصل.
وكان لأبي الهيجاء تصرُّف في سياسة الدولة العباسية، وفي عهده عظم سلطان الحمدانيين، ولاه المقتدر الموصل والجزيرة سنة ٣٠٢، وحارب القرامطة سنة ٣١٥ وأنقذ بغداد منهم إذ قطع جسر الأنبار.
٣
وورث أبا الهيجاء ابنُه الحسن سنة ٣١٧، وكان له ولأخيه عليٌّ بلاء حسن في تأييد الخلفاء حتى لقبه الخليفة المتقي سنة ٣٣٠ بناصر الدولة، ولقب أخاه عليًّا سيف الدولة، وبعد قتل ابن رائق سنة ٣٣٠ صار ناصر الدولة أمير الأمراء في بغداد ثلاثة عشر شهرًا.
واستمر لناصر الدولة وأولاده الملك في الموصل وديار ربيعة ومضر إلى سنة ٣٨٠.
وأما عليٌّ سيف الدولة فقد ملك واسطًا وما حولها زمنًا، ثم اقتطع لنفسه بسيفه مملكة من الإخشيديين في شمالي الشام وما يتصل به، روي أنه طلب من أخيه ناصر الدولة ولاية فقال له: أمامك الشام وما فيه أحد يمنعك. فسار إلى حلب فاستولى عليها.
استولى على حلب وحمص سنة ٣٣٣، وكان بينه وبين جيوش الإخشيديين وقائع، ثم استولى على دمشق والرملة بعد موت الإخشيد ولكنه غُلب عليهما، وانتهى الأمر إلى الصلح على أن تكون حلب لسيف الدولة ودمشق للإخشيديين وتزوج سيف الدولة بنت الإخشيد.
واستمر الملك لسيف الدولة وذريته إلى سنة ٣٩٤ ثم أديل للفاطميين.
٤
كانت الثغور الرومية مثار حروب وغارات منذ فتح المسلمون الشام والعراق، وقد تَصدَّى بنو حمدان لحرب الروم حين قام مُلكهم في الجزيرة، فكان للحسين بن حمدان معهم أحداث، وكان لسيف الدولة وقائع قبل أن يملك حلب.
فلما استقرَّ الفتى العربي في العواصم كان عليه أن يثبِّت ملكه على الزلازل، ويُقرَّ عرشه على ظُبَى السيوف، وقد وقف فتى الإسلام والعروبة عشرين عامًا شجًى في حلق الدولة الرومية الشرقية لم تخمد نار الحرب بينهما سنة واحدة.
وكانت له في الروم نكايات، وانتصر عليهم مرات، وقد أوغل سنة ٣٣٩ في بلادهم حتى كان على سبعة أيام من القسطنطينية.
وأصاب سيف الدولة فالج في يده ورجله سنة ٣٥٢، ولكن ذلك لم يقعده عن حرب الروم ولم يعجزه عن الانتصار عليهم في السنة التالية:
وكان الأمير التغلبي بطلًا في انتصاره وهزيمته، وضَّاء في عافيته وبلائه.
وكانت القبائل العربية النازلة في مملكته تزيد همومه وتثقل أعباءه بالثورة بين الحين والحين.
٥
قال الثعالبي في اليتيمة: «وحضْرته مقصد الوفود، ومطلع الجود، وقبلة الآمال، ومحط الرحال، وموسم الأدباء، وحَلْبة الشعراء، ويقال: إنه لم يجتمع بباب أحد من الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع ببابه من شيوخ الشعر، ونجوم الدهر، وإنما السلطان سوق يُجلَب إليها ما نَفق لديها.»
كثر الشعراء حول سيف الدولة ينالون جوائزه، ويُشيدون بذكره، ومنهم، غير أبي فراس وأبي الطيب: أبو العباس النامي، وعلي بن عبد الله الناشئ، والسريُّ الرفَّاء، وأبو الفرج الببغاء، وأبو الفرج الوأواء، وأبو الفتح كشاجم، وأبو نصر بن نُباتة، وأبو العباس الصفري، وابن كوجك وابن دينار، والخالديَّان، وأبو حصين الرقِّي، وأبو القاسم الشَّيظمي، وأبو ذر أستاذ سيف الدولة.
وممن أقام عند سيف الدولة أبو عبد الله بن مقلة أخو الوزير أبي علي بن مقلة، وكان أبو عبد الله كأخيه حسن الخط فكتب لسيف الدولة خمسة آلاف ورقة، قال ياقوت في معجم الأدباء: «كان أبو عبد الله منقطعًا إلى بني حمدان سنين كثيرة، يقومون بأمره أحسن القيام، وكان ينزل في دار قَوراء حسنة، وفيها فُرُش تشاكلها ومجلس دَست، وله شيء للنسخ وحوض فيه محابر وأقلام فيقوم ويتمشى في الدار إذا ضاق صدره، ثم يعود فيجلس في بعض تلك المجالس وينسخ ما يخف عليه، ثم ينهض ويطوف على جوانب البستان ثم يجلس في مجلس آخر، وينسخ أوراقًا أخرى على هذا فاجتمع في خزائنهم من خطه ما لا يُحصى.»
وكذلك لجأ إلى سيف الدولة أبو نصر الفارابي الفيلسوف وعاش في كنفه.
وكان سخاؤه ينال من بعدُ عنه من أهل العلم والأدب، روى الثعالبي في اليتيمة أن رسولًا لسيف الدولة سأل أبا إسحاق الصابي ببغداد شيئًا من شعره، فأرسل إليه ثلاثة أبيات، فلما عاد الرسول إلى بغداد زاره الصابي فأرسل إليه كيسًا مختومًا بخاتم سيف الدولة عليه اسم الصابي وفيه ثلاثمائة دينار.
وروى الثعالبي أن أعرابيًّا رثَّ الهيئة تقدم إلى سيف الدولة والشعراء ينشدونه فأنشده:
فقال سيف الدولة: أحسنت، ولله أنت، وأمر له بمائتي دينار. وكثير أمثال هذا في كتب التاريخ والأدب.
وكان الأمير أديبًا شاعرًا له شعر يدل على طبع شاعر، ونقد يدل على ذوق سليم.