تدينه
ذكر ابنُ القارح في رسالته إلى المعري أبا الطيب وتحقيره أهل زمانه، ونقل خُرافة حبسِه في بغداد بدعواه النبوة، وذكر قوله لسيف الدولة:
ثم قال:
«وهذا غير قادح في طلاوة شعره، ورونق ديباجته؛ ولكني أغتاظ على الزنادقة والملحدين الذين يتلاعبون بالدين، ويرومون إدخال الشبه والشكوك على المسلمين ويستعذبون القدح في نبوة النبيين … إلخ.»
فأجابه أبو العلاء في رسالة الغفران إلى أن قال: «وقد دلت أشياء في ديوانه (أبي الطيب) أنه كان متألهًا فمن ذلك قوله:
•••
وإذا رُجع إلى الحقائق فنُطق اللسان لا ينبئ عن اعتقاد الإنسان؛ لأن العالم مجبول على الكذب والنفاق، ويحتمل أن يُظهر الرجل بالقول تدينًا. وإنما يريد أن يصل به إلى ثناء أو غرض، ولعله قد ذهب جماعة هم في الظاهر متعبدون وفي الباطن ملحدون إلخ.»
ليت شعري أكان قول ابن القارح عن أبي الطيب حديثًا شائعًا في زمانه، أم هي دعوى النبوة صدَّق بها الرجل فأدخل الشاعر في زمرة الزنادقة؟
إن ما حكاه ابن القارح عن حبس أبي الطيب ببغداد، وأنه كشف عن سَلعة في بطنه، وقال: هذا طابع نبوتي وعلامة رسالتي إلخ يدل على أنه كان عاميًّا في تصديق ما يُروى دون تثبت ولا نقد، وقد ظن كما ظن غيره أن أبا الطيب تنبأ.
وحسْب الرجل زندقة أن يتنبأ، وليتهم حين صدقوا قصة النبوة قالوا: إنها كانت دعوى حدَث في سن العشرين لا تقاس بها عقيدته طول عمره.
والخلاصة أن أبا الطيب لم يتهم بإلحاد ولا زندقة إذا استثنيا ما يُحكى عن تنبئه، وقد علم القارئ رأيي فيه. وكان ابن القارح مولعًا بذكر الزندقة، والإكثار من تهمتها في رسالته ليتبين عقيدة المعري.
ومنها الإيضاح عن ضعف العقيدة ورقة الدين.
ثم نقل أبياتًا، منها قوله:
وقوله في مدح طاهر العلوي:
وقوله في مدح بدر بن عمار:
هذا بعض ما أخذه الثعالبي عليه، ورواية البيت الأول:
والبيت الثاني:
لا تدفع كلام الثعالبي، وأنا أزيد على ما ذكره الثعالبي قوله في مدح بدر أيضًا:
وقوله لسيف الدولة حينما أسقطت الريح خيمته:
وتفسر أبي الطيب الهم بالإرادة لا يقوم بعذره.
مثل هذه الأبيات تدل على الغلو في المدح، وقلة المبالاة، وتفسيرها بالغلظة والجرأة، كالعبارات التي خاطب بها الممدوحين وآخذه عليها النقاد، أولى من تفسيرها بالزندقة، فاستيعاب الديوان قراءةً يبين أن الرجل كان شاعرًا من شعراء المسلمين ينم كلامه عن المشاركة في العقائد الإسلامية في غير عناية بالنظر في الدين نظر أبي العلاء وأشباهه.
وانظر هذه الأبيات التي أثبتها هنا على ترتيب التاريخ، يقول وهو يصف مهرًا له:
وقال لسيف الدولة:
•••
ويقول في مدح سيف الدولة وحربه الروم:
•••
•••
•••
•••
•••
•••
•••
فهذه الأبيات وأمثالها تحدِّث عن رجل مسلم إذا حدثت الأبيات الأولى عن رجل مغال جريء على الدين.